طبيعة الأقصروأسوان تبتسم في معرض غزالة الجديد إبراهيم غزالة فنان الطبيعة الحية يتوجه إلى جماليات بلاده, ويرسم مناظره الطبيعية من "الأقصروأسوان" وهو عنوان معرضه الأخير الذي أقامه بجاليري بيكاسو بالزمالك. د. ابراهيم غزالة محيط : رهام محمود غزالة اعتاد على الرسم من الطبيعة مباشرة واتخذ الأماكن والبلدان موضوعا لمعارضه, فقد شاهدنا اليمن, البوسنة, تونس, أوكرانيا, ودول أخرى بريشته, عبرت لوحاته دوما عن الأماكن وأبرزت جمالها بإحساس صادق, وقد توجه في معرضه الأخير إلى "الأقصروأسوان" لينتقي مناظره من البر الغربي, ومنطقة القرنة, وقرية غرب سهيل النوبية بأسوان, ليخوض تجربة جديدة استخدم فيها رؤية لصياغة أعماله بخلاف "التنقيطية" التي اشتهر بها سابقا. افتتح المعرض الروائي بهاء طاهر, وضم خمسة وثلاثين عملا, بحضور عدد كبير من الفنانين والنقاد من بينهم الناقد إبراهيم عبد الملاك, وقد توجهت إليه شبكة الأخبار العربية "محيط" وكان هذا الحوار: محيط: متى بدأت رحلاتك الإبداعية حول العالم ؟ غزالة: عندما كنت طالب بكلية الفنون الجميلة. محيط: نشعر ببهجة ألوان جميع لوحات المعرض الجديد .. ما السر ؟ غزالة: لأني أحب الطبيعة جدا, وعندما أكون بداخلها أكون أكثر سعادة وتفاؤلا وتألقا, فهي أكثر طاقة سعادة في الدنيا, كما أنني أحاول أن أوجد رسالة للعمل أو المعرض, ورسالتي هي السعادة والتفاؤل ولفت نظر الجمهور إلى جماليات الطبيعة والحياة. محيط: أنت كثير التجوال .. ماذا دفعك لهذه التجارب ؟ غزالة: بالتأكيد أماكن جديدة وجغرافيا جديدة وطقس وثقافات جديدة يمثل تغذية بصرية لي, ويمثل تحدي أيضا؛ وبالأخص إذا كانت بيئة تختلف عن تلك التي ترعرعت بها ، فلو رسمت لأعوام طويلة بيئة صحراوية ثم انتقلت لبيئة أوروبية حيث الخضرة والشجر والسحب والأمطار ، كل هذه العناصر تكون جديدة عليك ، وربما لم يسبق لك تناولها ، وقد تحتاج لعمل دراسات لتلك العناصر الجديدة حتى تتقن رسمها وتصويرها ، ونضرب مثلا فطبيعة الأشجار في دولة أوكرانيا غير موجودة في مصر, وقد أخذت منها لمرسمي لدراستها تشريحيا. محيط: لماذا اخترت "الأقصروأسوان" للتعبير عنها؟ غزالة: طبعا كونك فنان تنظر لوطنك وبلدك, تنفعل به ومعه, تنظر إليه , تشعر به وتدرسه, هذا شيء مطلوب لأن معظم الفنانين ينظرون إلى أوروبا والحداثة وما بعدها, فحينما ذهبت إلى الأقصر وشاهدت المعابد المصرية القديمة مما تحويه من أعمال فنية نحتية وجدارية يمكن أن تلهم الفنانين, وأن تكون محفزا إبداعيا لأنها مازالت تبهر العالم أجمع حتى الآن. محيط: اشتهرت ب"التنقيطية" في لوحاتك لماذا غيرت هذا الأسلوب؟ غزالة: الفنان الذي يتقلص ويظل في أسلوب واتجاه ومدرسة واحدة لا يتطور, والفنان بطبعه ملول يحتاج إلى التغيير بين وقت لآخر في الأسلوب والخامة والموضوع, فأنا ضد تجمد الفنان على تيمة معينة يظل فيها طيلة حياته, وقد وقع في هذا الأثر الكثير من الفنانين المصريين. محيط: هل ترسم من الطبيعة مباشرة ؟ أم تأخذ اسكتش سريع .. أم تختزل في ذاكرتك المناظر ثم تستلهمها في مرسمك؟ غزالة: طبعا أرسم من الطبيعة مباشرة , وأرسم اسكتشات أيضا سريعة من الطبيعة. محيط: تستخدم الألوان الباستيل في جميع أعمال المعرض بإتقان شديد, هل استخدمت غيرها سابقا؟ غزالة: أنا عندي مرحلة طويلة تقريبا عشر سنوات بالألوان الزيتية وهي مرحلة "التنقيطية", ومن قبل هذه المرحلة كنت أتعامل مع الألوان المائية, وربما أعود أليها يوما. محيط: كم استغرقت رحلة "الأقصروأسوان" لإنتاج 35 عملا؟ غزالة: رحلة أسوان استغرقت شهرين, أنجزت بها أعمال المعرض. محيط: من بين رحلاتك المتعددة ما هي الدول المفضلة لديك؟ غزالة: جنوب مصر واليمن هما المفضلين لدي, وطبيعتهما متشابهة . محيط: ما أكثر شيء جذبك في رحلتك الأخيرة؟ غزالة: الضوء هو أكثر شيء جذبني في الأقصر. محيط: هل سنرى يوما أعمالا تجريدية للفنان إبراهيم غزالة؟ غزالة: التجريد هو نهاية مشوار أو مطاف, وأنا أعتقد أنني في بداية الطريق ولم أصل لهذه المرحلة, كما أن التجريد مدرسة مقفولة وصعب التحرك فيها كثيرا, فهو به مساحة مهما تحركت بها تظل في إطار التجريد, ربما يوجد فرصة لكي تكون مساحاتك كثيرة, لكنك ستظل في إطار التجريد المحدود, باختصار أن التجريد دائرة مغلقة. أنا لا أعلم إن كنت سأجرب هذا الاتجاه أم لا؛ لأنه يوجد سوء فهم للذين يعملون بالاتجاه التجريدي, فكاندنسكي, وموندريال عندما وصلوا للتجريد كان بعد مشوار طويل من دراستهم للطبيعة والمناظر الطبيعية, ثم مر المنظر بمراحل اختصار واختزال إلى أن وصل كل منهما إلى التقليل والابتعاد عن التفاصيل في صالح الشكل العام للوحة, وهذا ما أوصلهم إلى أن وصلت اللوحة إلى مجرد مساحات لونية بلا تفاصيل, وهذا ما سمي لاحقا بالمدرسة التجريدية. محيط: ذهبت ضمن مجموعة من الفنانين إلى مراسم الأقصر, ما قصة هذه الرحلة؟ غزالة: هذا مشروع تحت مسمى "مصر في عيون مصرية", حيث يستعد مجموعة من الفنانين لارتياد الأماكن التاريخية والجغرافية المتميزة في مصر بأكملها شمالا وجنوبا, شرقا وغربا, وسنقوم بتسجيل انطباعاتنا في أعمال فنية, سيتم طباعتها في كتيبات وبسترات ستكون في متناول جميع أفراد الشعب, كما سنقوم بعمل معارض طوافة يمكن أن يشاهدها معظم أفراد الشعب في جميع المحافظات. محيط: باعتبارك أستاذا في كلية الفنون, ما رأيك في تعليم الفنون بمصر؟ غزالة: النظام الذي وصلت أليه كليات الفنون الجميلة والتدريس بها لا يؤدي إلى ظهور أي مواهب إبداعية على الإطلاق بل يقتلها, من بداية الشروط لدخول الكلية حتى التخرج, وأيضا في النظام الخاص بالدراسات العليا, فكليات الفنون لن يصلح حالها على الإطلاق إلا حين تنفصل عن النظام الجامعي, فما يتوافق مع التدريس في كليات لطب والهندسة وغيرها لا يتناسب مطلقا مع النظام التعليمي في كليات الفنون الجميلة, فهي لها طبيعتها الخاصة والتي يصعب تنظيمها في جداول وساعات معتمدة وغير معتمدة, وكذلك عدم وجود الموديل, كما أن الطالب يحتاج إلى 5متر مربع على الأقل لكي يقف ويعمل وهذا لم يكن متوفرا. محيط: ما رأيك في الفلسفة في الفن؟ غزالي: أنا ضدها؛ فلماذا نصعب الفن على الناس ونكرههم فيه, العملية الفنية أسهل بكثير مما يشرحه الفلاسفة والنقاد؛ لأن الفنان حينما يعمل في الغالب يعمل وهو في مرحلة وسطى بين الوعي واللاوعي, وفي معظم الأحوال لا يكون في ذهنه أي أفكار فلسفية, وربما يكون في فترة راحة, أي نوع من أنواع التنفيس باعتبار أن العمل الفني يمثل أحد المتع بالنسبة للفنان. التقنية في أي عمل فني تأتي للفنان في الغالب دون أن يقصد, أي ما حدث مع معظم الفنانين حدث أحيانا بالصدفة, فالفنان يعمل أولا ثم يأتي بعده من يأتي ويسمى بعده ما يسمى. والخطأ الشديد الذي يقع فيه معظم الفنانين العرب والمصريين تحديدا, أن كل فنان يختار الاتجاه قبل أن يمارس العمل الفني, وهذا نوع لا يمكن أن يصل لأي هدف؛ لأن الفنان يجب أن يصيغ ما يتوافق مع ميوله وأحاسيسه ومشاعره وطاقاته, ثم بعد ذلك تأتي المسميات والعكس. محيط: متى وأين ستكون رحلتك القادمة؟ غزالة: رحلتي القادمة ستكون إلى الواحات.