هو فنان فوتوغرافي أصيل ، رأى أهمية ارتباط الفن بالمجتمع ، وأن الفنان المعاصر لا بد أن يوقف الزمن عند التفاصيل الصغيرة في الحياة والتي تبدو مهملة عند الآخرين، هاني الجويلي واستطاع أن يجذب الجماهير التي أمتعها بمشاهدة صوره الخلابة ، ووسط ذهول عشاق فنه ، رحل هاني الجويلي ذلك المبدع الشاب إثر حادث سيارة أليم . محيط : رهام محمود br وقد كتب الجويلي قبل رحيله : " أنا الفوتوغرافي جئت.. أبحث عنك أجدك أحملك معي ونمضي سويا.. على دروب الذاكرة معا نتلاشى لكن كائنا من ورق سيبقى ليحكي أننا كنا هنا هكذا.. الآن" . وفي أيامه الأخيرة أخذت عدسته تلتقط كل ما حولها بالشارع المصري، انطلقت ترصد الأشخاص ، انفعالاتهم ، حياتهم ، وبحيث أصبح المجتمع كاملا هو همه وشاغله . تميزت لوحاته الفوتوغرافية بطابع خاص عن فناني جيله , حيث تغلغلت اللقطة الفوتوغرافية داخل نفس الإنسان المصري ، بل جذبته نحوها فتمكن المواطن البسيط من الإحساس بأعماله والخوض فيها, وفي خضم رصده الفني للبيئة المصرية ، رحل هذا الفنان الرقيق بسرعة كلمح البصر مخلفا رصيد كبير من الأعمال الفنية . و الفنان الشاب هاني مصطفى كمال الجويلي, لم يتعد الثامنة والثلاثين من العمر, رحل على إثر حادث أليم على طريق مصر إسكندرية "الكيلو45", كان في صحبة زوجته الشاعرة جيهان عمر التي نجت من الحادث بأعجوبه, واثنين من المصورين الأجانب يدعيان أندريا وبابلو، وهما مصوران من بيرو، نجى بابلو ولم تنجو أندريا فقد ظلت في غيبوبة عدة أيام بعد الحادث حتى وافتها المنية وشيع جثمانها إلى بلدها. نشأ الجويلي وترعرع في بيت فني, ساعده على تكوين شخصيته الفنيه, فأبوه هو الفنان والناقد الكبير كمال الجويلي رئيس الجمعية المصرية للنقاد, وأمه هي الفنانة الراحلة فاطمة طلبه التي أصرت على أن تأتى بأبن ذكر بعد فقدانها أخيها الكبير, وحملته وكان أبوه "شيخ النقاد" يرفض ولادته لظروف أمه الصحيه, ولكن كل هذا الغضب والرفض أنتهى تماما بعدما حمله على كفيه وتطلع في وجهه الرقيق , فقد تغيرت مشاعره تماما وأحبه حبا شديدا ومن ذاك الوقت وهو يرعاه وينمي موهبته بجانب أمه . أقام أبواه له أول معرض فوتوغرافي "خاص" عندما بلغ من العمر خمس سنوات, فكانا يساعدانه على تفتيح موهبته منذ الصغر وصادقه ابوه من تلك اللحظه وجرت الأيام حتى كبر الفنان الصغير وأصبح من أبرز فناني مصر الفوتوغرافيين . أحد معارض هاني الجويلي مشوار حياة ولد الجويلي الصغير في 16ديسمبر 1969 بالقاهرة, وتوفى 15أبريل 2007, تخرج في كلية الفنون التطبيقية قسم الزخرفة التطبيقية جامعة حلوان 1992, استطاع أن يحصل على عضوية نقابتين معا وهما: نقابة الفنانين التشكليين, ونقابة مصممي الفنون التطبيقية. حياته حافلة بالمعارض منذ صغره فقد أقام معرضا خاصا بالمعهد الإيطالي الثقافي بالزمالك عام 1998, وفي نفس العام سافر في بعثة إلى روما للإقامة والتجريب والإبداع لمدة ثمانية عشر شهرا حتى 1999, ولم تفوته الفرصة في إقامه معرض بجامعة بروجيا, وآخر بالأكاديمية المصرية بروما. عاد الجويلي إلى وطنه محملا بخبرات جديدة اكتسبها من الخارج, ودفعه حماسه إلى إقامه معرض بأتيليه القاهرة في فبراير عام 2000, وبعدها بشهرين في المعهد العالي للفنون التطبيقية بمدينه 6أكتوبر أقام معرض آخر. توالت بعدها معارض الفنان التي زينت جدران مركز الجزيرة للفنون عامي 2001, و2005, ومعرض "خيط أحمر رفيع" بأتيلية القاهرة 2006 الذي عرض فيه لوحاته الفوتوغرافية التي التقطها عن ما شاهدته مصر من تظاهرات عارمة عام 2005, فأخذ يترصد احتشاد آلاف الجنود في مواجهة المتظاهرين ويلتقط كادراته ببراعة, فقد اهتم بإظهار ملامح الأشخاص, ونظرات العابرين المندهشة أو الخائفة، قبضة الحرس على الحواجز الحديدية، والتجمعات التي تبدو من الأعلى كتلاً منفصلة ومتدافعة. لم تهدأ عدسة الفنان منذ معرضه الأول فقد كان يشترك في الكثير من المعارض الجماعية من بينها جماعة الفن والمجتمع, وصالون الجمعية الأهلية, صالون الشباب "الرابع, الخامس, السابع, التاسع, الثاني عشر, الثالث عشر, الخامس عشر", صالون الأعمال الصغيرة, المعرض القومي, نور الشكل, نجوم اليوم. كما اشترك الجويلي مع بعض الفنانين في إقامة معارض ثنائية مع الفنانة علياء الحريري, وسحر الأمير, ولبنى زكريا, ولم يبخل الفنان في التبرع بريع بعض أعماله في معرض "فناني مصر لصالح شهداء القدس", وابتكر هو وأصدقاءه معرض اليوم الواحد الذي أقامه بصحبة الفنان محمد الجنوبي, ومحمد أبو النبي بقاعة الهناجر. شارك أيضا ببينالى القاهرة الدولى الثالث للخزف 1996, وبينالى شباب البحر الابيض وأوربا تورينو ايطاليا ابريل 1997, و7 فوتوغرافيين من المتوسط اوربا بيوساسكو ايطاليا 1997, وبينالي خيال الكتاب الدولي الثاني بمكتبة الإسكندرية 2005. انضم لورشة عمل دولية فوتوغرافية في فيرتشيللى, وتوسكانا بإيطاليا عامي 1997, 1998. جوائز ومشاركات نال هاني ، رحمه الله ، في حياته عددا من الجوائز منها أربع جوائز في صالون الشباب السنوي, وجائزة الدولة للإبداع الفني الفوتوغرافي عام 1998, من أعمال هاني الجويلي وحصل على شهادة تقدير من الجمعية المصرية للنقاد عن المشاركة في مسابقة نقدية عن فن وحياة الفنانة تحية حليم عام 1994. له مقالات فى النقد وتحليل الفن والمعارض التشكيلية فى عدة اصدارات منها دورية الاهرام - احوال مصرية, وأنتج كتاب "النصوص والفوتوغرافيا -دنيا وعلامات لاشياء آخرى", ومن أهم اعماله مجموعة فوتوغرافيات السمبوزيوم الدولى للنحت بأسوان , وآخر معرض شهد ابداعه هو "على حافة الذاكرة", افتتح الشهر الماضي في مدينة حلب بسوريا بمناسبة احتفالياتها كعاصمة للثقافة الاسلامية. وفي المرحله الأخيرة للفنان كثرت استضافته في الندوات والمؤتمرات, من بينها إدارة المناقشة في ندوة أقيمت على هامش معرض "التصوير الفوتوغرافي ذو الرؤية الذاتية" وذلك في مركز الجزيرة للفنون, كما تحدث في ندوة "المفاهيمية بين الشرق والغرب" بقاعة ممر 35 بمتحف محمود خليل وحرمه عن ضرورة أرتباط الفنان ببيئته. سر الحياة يدون الجويلي في موقعه الخاص المؤثرات التى انعكست عليه فكرياً و فنياً وكأنه كان يتنبأ بموته المفاجيء ونقرأ : "..... فى الحياة تتوالى الصور والمشاهد فى شريط لانهائى ، على هذا الطريق أقف لأتأمل واحاور واجادل هذه المتوالية ، أبحث عن ذلك المشهد الفانى فى قوام اللحظة أرصد واسجل شهادتى على الزمن ، ثم احتوى هذا الحنين والشجن والتطلع وأعود الى اوراقى وأداوتى ابحث فى مركب اوراقى الحساسة ، مياه التقنية الخطيرة فإذا صمد فهو ما تشاهدونه تتفاعلون به ، وما يغيب فى المحصول فهو تماما ما يدعونى للعودة مرة اخرى ، كى اصنع قاربا جديدا كى اكتشف عالما وحلما وأنشودة ، تبحر بى ثانية الى لقاء ولحظات قلائل أقف فيها صامتا ، أرصد واترقب تعبيرات الوجوه فى مرآة الفن والحياة ....." . وهكذا روى الجويلي مشواره الفني وكأنه يكتب مقالا كي ينشر في الصحف, يرثي به نفسه. بني آدم "بني آدم" هو آخر معرض شخصي للفنان هاني الجويلي أفتتحه قبل رحيله بعده أيام, بقاعة "آرت اللوا ..مساحة الفنون المعاصرة" واستمر في عرضه بعد وفاته حتى نهايه أبريل. كانت منطقة "وسط البلد" هي هوس الفنان وعشقه, قضى معظم أوقاته على مقاهيها "التكعيبة, الحرية" حيث كانت بؤرة تجمع الفنانين, وبالرغم من هذا العشق أراد أن يخرج من منطقة النخبة للمعارض "وسط البلد, الزمالك" وأقام معرضه الأخير في إحدى أكثر المناطق أزدحاما وعشوائية وهي منطقة "أرض اللواء" خلف حي المهندسين. ولعله كان يسعى إلى توصيل الفن إلى الإنسان المصري البسيط الذي أتخذه موضوعا لأعماله, حيث كان البسطاء والفقراء هم أبطال لوحاته, وكأنه يريد أن يثبت للمصري البسيط أن الفن قريبا منه لا يتعالى عليه, يتناول مشاكله وحياته, حتى شكله وهيأته فهو يستحق أن يكون لوحة تبرز أصالته وجمالياته. ومن بين المشاهد التي تناولها في أعماله صورة لرجل يجلس فوق مقعد, وينحني جسده قليلا ويستند الى قبضة يده وكأنه يذهد الحياه, ويلتقا نظرتان لرجل وأمرأة في لوحة أخرى أخذها الجويلي في ميدان طلعت حرب, حيث وقفت المرأة في شرفة ناظرة إلى الأمام يقابلها رجل يقف أيضا في نافذة ويحمل نفس النظرة للمجهول. يحدثنا أيضا في معرضه عن الموت ويقول : "أيها الساكنون على سطح فوتوغرافياتي.. أين نلتقي.. وكيف تتحدد لحظات اللقاء.. الأسئلة.. معجزة العقل التي تتوهج عبر متون الصور.. أسئلة السكون والحركة.. العتمة والنور.. التلاشي والسطوع.. صورنا هي فعل مقاومة ضد الفناء.. تنبعث مذاقات الحنين والاسى من رحيق البصريات التي تحمل عبق لحظات الزمن المنفلتة.. احد أعمال هاني الجويلي تتقاطع مصائرنا وتتباعد في مصفوفة نسيجها ألياف الذاكرة ومومياوات العصر الحديث. مجلدات الصور التي تحكي ما كان من أمرنا مع الاخرين.. مع التفاصيل اليومية.. مع الحياة.. ما بين رسوم كهوف الانسان الاول وألبومات الصور التي ترسم تاريخنا خيط رهيف يقودنا الى بيوت الذاكرة حيث تسكن الالام والاحلام.. الضحكات وطقوس البهجة المستعارة.. خطوط الزمن على وجوهنا وأجسادنا. أنا الفوتوغرافي جئت.. أبحث عنك أجدك أحملك معي ونمضي سويا.. على دروب الذاكرة معا نتلاشى لكن كائنا من ورق سيبقى ليحكي أننا كنا هنا هكذا.. الان. وأنهى هاني أخر معارضه بهذه الكلمات التي أوحت بأنه كان يستشعر موته القريب, وتكررت كلمات وداع الأصدقاء كثيرا الذين مازالوا ينتظرون حواراته الشيقة ، ولكن وكما قالها هاني أن شيء ما سيبقى وستظل أعماله باقية تشهد على الزمن, ويشهد الزمن عليها, وداعا أيها الفوتوغرافي الحكيم.