فصل الشتاء من المواسم الفاضلة؛ لما فيه من أنواع الطاعات والقربات التي يتقرب بها العبد إلى الله - تبارك وتعالى-، ففيه نفحات يصيب الله بها من يشاء من عباده بفضله ورحمته فالسعيد من اغتنم مواسم الشهور والأيام والساعات وتقرب فيها إلى مولاه، وفي الأثر عن أبي سعيد الخدري: "الشتاء ربيع المؤمن" لأنه يرتع فيه في بساتين الطاعات ويسرح في ميادين العبادات. أفضل العبادات في فصل الشتاء" الصيام: عن أنس -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (الصَّوْمُ فِي الشِّتَاءِ الْغَنِيمَةُ الْبَارِدَةُ) (رواه أحمد والترمذي، وحسنه الألباني)، وكان أبو هريرة -رضي الله عنه- يقول: "ألا أدلكم على الغنيمة الباردة؟ قالوا: بلى، فيقول: الصيام في الشتاء". فلا يشعر الصائم بمشقة من جوع أو عطش نهار الشتاء ،وفي الحديث: (الصِّيَامُ جُنَّةٌ مِنَ النَّارِ كَجُنَّةِ أَحَدِكُمْ مِنَ الْقِتَالِ) (رواه أحمد والنسائي وابن ماجه، وصححه الألباني)، وفي الحديث أيضًا: (الصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَحِصْنٌ حَصِينٌ مِنَ النَّارِ) (رواه أحمد، وحسنه الألباني). قيام الليل: قال تعالى: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ) (الزمر:9)، ولما هاجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينةالمنورة كان يحث على قيام الليل وأنه طريق إلى الجنة، فعن عبد الله بن سلام -رضي الله عنه- قال: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المَدِينَةَ انْجَفَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ، وَقِيلَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجِئْتُ فِي النَّاسِ لأَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا اسْتَبَنْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ، وَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ تَكَلَّمَ بِهِ أَنْ قَالَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشُوا السَّلامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ بِسَلامٍ) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني). عن الحسن -رحمه الله- قال: "نعم زمان المؤمن الشتاء ليله طويل فيقومه، ونهاره قصير فيصومه"، وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: "مرحبًا بالشتاء تنزل فيه البركة ويطول فيه الليل للقيام، ويقصر فيه النهار للصيام"، وعن عبيد بن عمير أنه كان إذا جاء الشتاء قال: "يا أهل القرآن طال ليلكم لقراءتكم فاقرءوا، وقصر النهار لصيامكم فصوموا". إسباغ الوضوء على المكاره: يعتبر الوضوء في شدة البرد من الوظائف الفاضلة في موسم الشتاء بمعنى" إسباغ الوضوء على المكاره، - عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (أَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟)، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: (إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ) (رواه مسلم). تأملات في آيات الله الكونية: نتعرض في فصل الشتاء لبعض الآيات الكونية، مثل: الرياح والغيم والرعد والبرق، فلابد لنا من وقفة مع هذه الآيات، لابد أن نتفاعل معها كما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتفاعل مع الآيات الكونية، عن عائشة -رضي الله عنها- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا رَأَى غَيْمًا أَوْ رِيحًا عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ أَرَى النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الْغَيْمَ فَرِحُوا رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْمَطَرُ وَأَرَاكَ إِذَا رَأَيْتَهُ عَرَفْتُ فِي وَجْهِكَ الْكَرَاهِيَةَ؟ قَالَتْ: فَقَالَ: (يَا عَائِشَةُ مَا يُؤَمِّنُنِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَذَابٌ، قَدْ عُذِّبَ قَوْمٌ بِالرِّيحِ، وَقَدْ رَأَى قَوْمٌ الْعَذَابَ، فَقَالُوا: هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا) (رواه مسلم). تأمل حال الرياح فهي من آيات الله الدالة على وحدانيته وقدرته -جل وعلا-، قال -تعالى-: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (البقرة:164).