تميزت الانتخابات الجارية حالياً في موريتانيا بأحداث ومفارقات عديدة، لعل أبرزها فتوى عالم موريتاني بحرمة مشاركة النساء في الحملات الانتخابية، واستأثر "آدم" بترشيحات حزب "حواء" بعد أن رشح الحزب على رأس لوائحه المهمة رجالاً بدل النساء، وترشيح أحزاب الشباب لمرشحين تجاوزت أعمارهم الستين عاماً، إضافة إلى نشوب معارك انتخابية بين الأحزاب على الرموز والشعارات، وتنافس أحزاب أخرى بالشعر والغناء لجذب الناخبين. وخالف حزب "حواء"، الذي ترأسه السياسية سهلة بنت أحمد زايد، كل التوقعات حين فضل "آدم" على حواء ورشح على اللائحة الوطنية للحزب السياسي أحمد محمود ولد أنحوي، ولم يكتفِ بذلك بل رشح أيضاِ على اللائحة الجهوية للعاصمة نواكشوط الشاب يوسف ولد حرمة ولد ببانة. ورغم أن أصوات النساء ارتفعت عالياً في الانتخابات الحالية، مطالبة بزيادة تمثيل السيدات في المجالس الانتخابية في موريتانيا، وتطبيق نسبة 20% من المناصب الانتخابية التي يمنحها الدستور الموريتاني للنساء، وترشيح السيدات على رأس اللوائح، فإن حزب "حواء" لم يرشح على رأس لوائحه إلا رئيسة الحزب التي ترشحت على رأس اللائحة النسائية للحزب باعتبارها لائحة خاصة بالنساء لا يمكن أن يترشح من خلالها "آدم". وفي حادثة أخرى تعيق جهود النساء للمشاركة الفعالة في الانتخابات، أفتى عالم موريتاني بحرمة مشاركة المرأة في الانتخابات، وقال إبراهيم بن الشيخ سيدي إن ما يحدث في الانتخابات من اختلاط وخلوة ومزاحمة للرجال بالمناكب ومنافستهم في المناصب والمكاسب المحرمة والتشبه بهم، من المآثم الغليظة والقبائح المحرمة بالنص والإجماع. وأضاف أن المرشحة لا تنفك عن الخلوة المحرمة والاختلاط بالأجانب وطلب المال والدعم من التجار ورجال الأعمال والوجهاء والشباب والأصدقاء، والاجتماع بالرجال تحت الأضواء وعلى الأغاني المحرمة، فضلاً عن رفع صوتها وصورها الدعائية. فنانون وشعراء في بلد المليون شاعر استعان بعض المرشحين بالشعراء لكتابة قصائد تمجدهم، فيما لجأت بعض الأحزاب إلى ترشيح شعراء لكسب تأييد الناخبين، وأضفى ترشيح الشعراء والفنانين تنوعاً على المشهد الانتخابي، وانعكس إيجاباً على مستوى الحضور الجماهيري للمترشحين. ومن بين الشعراء المرشحين الشاعر أحمد ولد الوالد، الذي ترشح على رأس حزب جديد أسسه مؤخراً يدعى حزب الرؤية الجديدة، أو حزب الشعراء، كما يفضل الكثيرون أن يطلقوا عليه، كما ترشح رسام الكاريكاتير المعروف في موريتانيا بونه ولد الدف بدائرة تيارت بنواكشوط التي لطالما انتقد أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية في رسوماته الساخرة. ومن المطربين الذين ترشحوا للانتخابات المغني اعلي سالم ولد أعلي الذي عانى كثيرا خلال الحملة الانتخابية، بسبب إصرار الجماهير على سماع صوته كمغني وليس كخطيب سياسي، ويأمل المطرب ولد أعلي أن يأثر رصيده الغنائي في الناخبين ليمكنه من الدخول إلى قبة البرلمان. كما ترشح للانتخابات الجارية أيضاً، عازف الجيتار الدي ولد اعمر تيشيت، إضافة إلى عدد من العازفين والملحنين، وقد دفع ارتفاع ترشيحات الفنانين مجموعات شبابية إلى إطلاق حملة دعم الفنانين الموريتانيين. معارك حول الرموز في حملة الانتخابات الجارية، خاضت أحزاب معارك ضارية على الرموز والشعارات، وهددت بعضها بالانسحاب في حال حرمانها من رمزها، وفضلت أخرى التنافس برموز وشعارات معروفة لدى أحزاب أخرى مع الاحتفاظ بفروق بسيطة ربما لكسب الأصوات الضائقة والتي التبس عليها الأمر بين الرمزين، مما تسبب في حدوث خلافات بين المسؤولين عن الحملات الانتخابية. ونادراً ما يثير توزيع الرموز الانتخابية نزاعاً بين الأحزاب الموريتانية، غير أن الأمر اختلف هذه المرة ربما بسبب كثرة الأحزاب المشاركة والتي وصل عددها إلى أكثر من 70 حزباً، وشكل الاختيار الرمزي الذي قامت به الأحزاب الموريتانية المشهورة نقطة خلاف مع الأحزاب الأخرى الصغيرة التي قررت المشاركة في اللحظة الأخيرة، فبينما تمسكت بعض الأحزاب بشعارها التقليدي ورمزها المعروف باعتبار أن له دلالات عدة عن طبيعة عمل الحزب وتوجهه رفضت أخرى احتكار الأحزاب الرئيسية لرموز مشحونة بالدلالات التاريخية والاجتماعية، ومن بين الرموز التي دارت عليها معارك طاحنة: الحصان والخيمة والميزان والكتاب والكف والسبحة والقلم والسيف والجمل والبراد. شعار رابعة ولم تخل الصور الدعائية للمرشحين من غرابة، فبعضهم لوح بشارة النصر وآخرون لوحوا بشعار "رابعة" رغم أن توجههم ليس إسلامياً، أيضاً الأغاني الدعائية واللافتات لم تخلُ من تسجيل مفارقات وطرائف، لعل أغربها لافتة حزب الوئام التي تضمنت "صوتوا لسفراء النبي (ص)"، إضافة إلى التفاخر بصفة المرشحين ومكانتهم ك"لائحة العلماء" ولائحة "الشاعر الوطني". ومن الأغاني الدعاية التي أثارت جدلاً كبيراً نشيد حزب تواصل الذي جاء فيه "صوتك أمانة أعطه لمولانا (الله)"، وانتقد الكثير من المراقبين الاستخدام المبالغ فيه للعبارات الدينية بالنشيد واعتبروا أنها تلغي الآخر. وفي هذه الانتخابات التي يقاطعها الجزء الأكبر من قوى المعارضة، هناك من لم يسعفه الأجل المحتوم للمشاركة فيها وإكمال حملته الدعائية، حيث توفي السياسي محمد ولد صمب الفلاني مرشح حزب الوئام في مقاطعة المذرذرة.