لقد ظل الإعلام المصري لسنوات طويلة يكذب ويتحري الكذب حتي صار غير قادر علي الصدق ولو لمرة واحدة بعد أن ربي صفوت الشريف تلاميذه علي فنون المراوغة والتضليل وأكسبهم مهارات عالية في هذا المجال فبات الإثم متوارثاً يمارس علي مدار اليوم دون أدني إحساس بأن هناك شيئ غير عادي يحدث .. ما كان يجرم أيام تولي الشريف منصب وزير الإعلام هوالحقيقة فإن تجرأ إعلامي أو إعلامية علي التصريح بما يمت لها بصلة ولو ذراً للرماد في العيون كان يلقي بنفسه في التهلكة فالحقيقة تعني فتح الملفات القديمة وتأليب المواجع ووضع المنظومة كلها علي صفيح ساخن ولأن وزير الإعلام الأسبق الذي هو رهين العدالة الآن رجل مخابرات فقد تدرب كثيراً علي أن الإحتفاظ بالأسرار يجعله دائماً محط الأنظار ومهاب من القيادات الأعلي . وقد بني محمد صفوت الشريف تاريخه كله علي هذه النظرية فهو حامل مفاتيح خزانة أسرار الدولة ويعرف ما لا يعرفه الآخرون ، بدءاً من ملفات الفنانات وحياتهن الشخصية وأدوارهن السياسية ونهاية بما يدور في رأس الحاكم الذي عاش في ظله وتحت جناحة ثلاثون عاماً تدرج خلالها في مناصب كثيرة وحساسة حتي أصبح محيطاً بكل شيئ في أجهزة الدولة وربما هذا ما عزز إختيارة لمنصب رئيس مجلس الشوري بعد إقالته من وزارة الإعلام وتعيين ممدوح البلتاجي خلفاً له ، الوزير النزيه الذي أذاقوة أعوان صفوت ألواناً من العذاب وشتتوا تفكيرة ولم يهدأوا إلا حين خرج من الوزارة قبل أن يكمل العام ونصف العام لتأتي الهانم برئيس هيئة قصور الثقافة أنس الفقي لتجلسه علي كرسي وزارة الشباب لبضعة أشهر تمهيداً لتصعيدة كوزير إعلام لتضمن سد جميع الثغرات التي يمكن أن تأتي منها الرياح فالإعلام الرسمي بأقمارة الصناعية وقنواته المتعددة هو الميكروفون الموجه إلي الشارع مباشرة يحركه في أي وقت كيفما يشاء ، فإذا تم تأمين الميكروفون والتحكم فيه تم التحكم في الشارع والسيطرة عليه . هكذا كانت تتجلي عبقرية الهانم حرم الرئيس المخلوع في إختيار الرجل المناسب للمكان المناسب ، وبالفعل ظل الفقي عند حسن الظن إلي آخر لحظة فلم يخيب رجاء من إختاروه للمنصب ولم يخون عهدة معهم في أن يجعل قطاع الإذاعة والتليفزيون أداة طيعة في يد أولي الأمر لا ينطق إلا ما ينطقون به ولا يقول الصدق قط طالما أن الصدق يعرضهم للخطر ، وعليه سارت العملية الإعلامية سريانها الطبيعي علي قضبان الخديعة والتضليل ولم تجد من يوقفها غير ثورة 25 يناير التي أطاحت بالوزير والمساعدين وبعض القيادات الرئيسية فظن الناس أن مرحلة التطهير قد حانت ثم سرعان ما اكتشفوا أن كل شيئ علي ما هو عليه وأن ما حدث من مظاهر الإصلاح داخل القلعة الحصينة ما هو إلا ورنيش يهدف إلي تلميع السطح الخارجي ، بينما الجوهر الداخلي كما هو علي عهده القديم فقد " شالو ألضوا وحطوا شاهين " علي رأي كابتن لطيف ، فأسامة هيكل يعمل وفق آليات ثابتة ومعايير سلطوية لا زالت تتحكم في الميكروفون والشاشة ولا تعترف بالإستقلال الإعلامي ، وليس هذا فحسب ولكنها تري في أي إجتهاد مغاير خروجاً علي النظام وخرقاً للقانون ! وتبعاً لهذا المنهج التأسيسي فإن أي أزمة تترتب علي إنحراف القطار الإعلامي عن القضبان يتحمل عواقبها الصف الثاني من الإعلاميين غير المسئولين كالمعدين والمخرجين والمذيعين فما إن تقع الكارثة ويدوي صداها يكون كبش الفدا جاهزاً فأول القرابين التي تم تقديمها في موقعة ماسبيرو الأخيرة التي راح ضحيتها عدد من الجنود والمدنيين كانت " رشا مجدي " التي ألصقوا بها تهمة تحريض الشارع وإثارة البلبلة والفتنة وهي ضحية العشوائية الإعلامية والسياسة المتضاربة لأصحاب القرار من الموظفين الذين صاروا نتيجة غياب المعايير المهنية قيادات لها صلاحية إعطاء الأوامر وهي لا تمتلك الحد الأدني من الخبرة . والشيئ الأهم في هذه القضية هو إنكار وزير الإعلام أسامة هيكل للواقعة برمتها وإصرارة علي أنها شائعة وحكاية ملفقة لا أساس لها من الصحة وهو ما أكدت عكسه المذيعة ، بإعترافها بنقل الأحداث بشكل مثير وفق تعليمات صدرت لها من قيادة إعلامية كبري لم تفصح عنها ويرجح أن تكون رئيس قطاع الأخبار بوصفه المسئول مسئولية مباشرة عن تغطية الأحداث السياسية والأمنية .. ثمة شجاعة تحلت بها رشا مجدي وهي تعترف بوجود قصور في المعلومات وعدم شفافية وكثير من أوجه الخلل والفوضي في التليفزيون المصري غير عابئة بما يمكن أن يلحق بها من أذي ، لذا فقد حق علينا أن نحييها علي صراحتها ونذكر في ذات الوقت وزير الإعلام بما جناه السابقون من الوزراء وكان سبباً في قلب النظام رأساً علي عقب ، حيث التدليس لم يوفر الحماية ولم يرفع أسهم المتواطئين عند رؤسائهم والدليل أنه حين أتي الطوفان تعلق كل شخص من "عرقوبة" فكل نفس بما كسبت رهينة