علمنا بالحرب قبل "ساعة الصفر"و"الضربة الجوية" ب 5 ساعات بتوقيت ساعة جامعة القاهرة قائد الفرقة قال لنا: "مبروك يا رجالة الساعة التى نتمناها منذ سنوات قد جاءت.. سنحارب اليوم سنحرر سيناء" اللواء الجمسي قام بعمل دراسة بخط يده أكد فيها أن "أكتوبر" أنسب الشهور للحرب يستمر اللواء طلعت موسي المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية العليا وأحد المشاركين بحرب أكتوبر في سرده لنا في "حلقات" بطولات الجندي المصري في حرب 73 ". كان قد استعرض اللواء طلعت موسى قصص وبطولات - اختص بها "محيط" ، ففى الحلقة السابقة كان حديث الذكريات حول تفاصيل ما تم منذ يوم 6 أكتوبر وحتى وقف إطلاق النار. ويستكمل اللواء "موسي" في هذه الحلقة عن توقيت حرب أكتوبر وتحقيق عنصر المفاجأة توقيت الحربكنت رئيسا لعمليات كتيبة مشاه ميكانيكى تعمل فى النسق الثانى للجيش الثالث الميدانى، وطبقا لبرنامج التدريب اليومى، كانت الكتيبة مصطفة فى الطابور الصباحى الساعة الثانية لإجراء طابور اللياقة البدنية، وإذا بقائد الكتيبة يبلغنى بجمع ضباط الكتيبة فى ميس الضباط الساعة التاسعة، حيث مؤتمر مع قائد الفرقة، فأبلغت الضباط بسرعة تبديل ملابس اللياقة البدنية، وارتداء الأفرول والتواجد فى الميس الساعة التاسعة إلا الربع. وفى الساعة التاسعة حضر قائد الفرقة، وقال لنا: «مبروك يا رجالة الساعة التى نتمناها منذ سنوات قد جاءت، سنحارب اليوم سنحرر سيناء، اضبطوا ساعاتكم على ساعة جامعة القاهرة الساعة 12 ظهرا، ستعبر الطائرات من فوقكم الساعة الثانية إلا خمس دقائق، الضربة الجوية ستكون الساعة 1400، وسيعقبها التمهيد النيرانى بالمدفعية لمدة 53 دقيقة، وسنبدأ موجات العبور الساعة 1420، يتواجد جميع القادة فى مراكز قياداتهم الساعة 1330، استعدوا يا رجالة، وألف مبروك ونتقابل فى سيناء بإذن الله»، ثم صافح جميع ضباط الكتيبة، وانصرف مسرعا إلى كتيبة أخرى ليقول لضباطها نفس التلقين. التوقيتات الحقيقة وبمجرد انصراف قائد الفرقة تعانق جميع ضباط الكتيبة مهنئين بعضهم البعض فرحين بالتحول من حالة الدفاع واللاسلم واللاحرب التى استمرت لأكثر من ست سنوات إلى الهجوم.. ولأول مرة.. ثم تم إصدار التعليمات برفع درجة الاستعداد إلى الحالة الكاملة والاستعداد للتحرك فى التوقيت المحدد طبقا للخطة. وانصرف كل قائد ليعطى نفس التلقين للصف والجنود ويعدهم للقتال، ولقد تم تعريفنا فى الكتيبة بالتوقيتات الحقيقية للهجوم فى إطار سرية التخطيط التى أحيطت بها الخطة «جرانيت 2 المعدلة» والتى كانت تنص على أن كل مستوى من القيادات يعرف بالتحول إلى الخطة العملية، فعلى سبيل المثال يتم تعريف قادة الجيوش والمناطق قبل بدء العملية ب 48 ساعة، وقادة الفرق قبلها ب 24 ساعة، وقادة اللواءات قبلها ب 12 ساعة، وأخيرا قادة الكتائب قبلها ب 6 ساعات فقط، كان لذلك أثره الكبير فى تحقيق المفاجأة الكاملة للعدو. ساعة الصفر عندما جاءت الساعة الواحدة والنصف انتشرت الكتيبة فى منطقة الانتشار واحتل الجنود الحفر البرميلية المخصصة لكل فرد، وذلك لتحقيق الوقاية وتقليل الخسائر عند هجوم العدو الجوى، وقمت باحتلال نقطة الملاحظة الخاصة بى ومعى سجل سير الحوادث للكتيبة، والتليفون المتصل بقيادة اللواء لتلقى البلاغات من الرئاسة الأعلى. وما أن جاءت الساعة الثانية إلا خمس دقائق حتى عبرت من فوق رءوسنا طائرتان ميج 17 متجهتين فى اتجاه الشرق نحو الضفة الشرقية للقناة، وما أن عبرت من فوقنا حتى فوجئت بأفراد الكتيبة يخرجون من الحفر البرميلية ويقفزون لأعلى فى الهواء صائحين «الله أكبر.. الله أكبر» ربنا معاكم.. تروحوا وتيجوا بالسلامة، منتظرينكم، ولتحقيق الوقاية لأفراد الكتيبة أمرتهم بالنزول مرة أخرى داخل الحفر البرميلية فى منطقة الانتشار لحين صدور أوامر أخرى. الجبهة فى الساعة الثانية بعد الظهر انطلقت 200 طائرة تشق عنان السماء إلى سيناء لتنفذ بمهارة الضربة الجوية المركزة لتصب جم نيرانها على الأهداف المخصصة لها وهى: 3 مطارات وقواعد جوية، و10 مواقع صواريخ هوك، 3 مراكز قيادة وسيطرة وإعاقة الكترونية، 2 موقع مدفعية بعيدة المدى، 3 مناطق شئون إدارية، عدد من محطات الرادار، كافة حصون العدو شرق بور فؤاد.وفى نفس اللحظة هدرت نيران أكثر من 2000 مدفع على طول جبهة القناة فى أكبر تمهيد نيرانى لعملية هجومية يشهده التاريخ لمدة 53 دقيقة بمعدل 175 طلقة فى الثانية. ثم بدأت فى الساعة الثانية والثلث موجات عبور قوات فرق النسق الأول ليتم الإعلان عن سقوط أول نقطة قوية للعدو ورفع العلم المصرى عليها فى قطاع الفرقة السابعة فى الساعة الثانية والنصف.وفى أقل من 6 ساعات وتحديدا فى الساعة 1930 أتمت فرق النسق الأول الخمس المشاة وقوات قطاع بورسعيد اقتحام قناة السويس على مواجهة 170كم بقوة 80 ألف جندى من أعز أبناء مصر. اختيار التوقيت فى الحقيقة قامت بتلك الدراسة فى ذلك الوقت هيئة عمليات القوات المسلحة برئاسة اللواء عبد الغنى الجمسى أثناء دراسته لاختيار أنسب توقيت للعملية الهجومية والاستعانة بالجهات المختصة فى إجراء هذه الدراسة من الجهات المدنية وقام بتسجيلها بخط يده فى كشكول خاص به لم يطّلع أحد عليه بغرض السرية ، وذلك لتوفير واختيار أنسب الظروف والأحوال الجوية والهيدروجرافية والأرصاد الجوية التى تساعد على أعمال العبور وتؤّمن أعمال القتال البحرى والجوى، ولقد توصل إلى أن شهر أكتوبر هو أنسب الشهور لتنفيذ العملية للأسباب التالية : 1 - يزدحم شهر أكتوبر بالأعياد الدينية وهى «عيد الغفران» و«عيد المظال»، و«عيد التوراة». 2 - يأتى هذا الشهر خلال شهر رمضان المبارك بما له من تأثير معنوى على قواتنا، وإمكان تحقيق المفاجأة الاستراتيجية فى شهر الصيام. 3 - ليل أكتوبر ليل طويل يصل الظلام فيه إلى حوالى 12 ساعة. 4 - أفضل شهر فى السنة بالنسبة للأحوال الجوية والبحار والطقس والصلاحية للعمليات الحربية. 5 - الطقس صالح فى الجبهتين السورية والمصرية لتنفيذ عمليات حربية واسعة. 6 - انشغال إسرائيل بالاستعداد لإجراء انتخابات الكنيست فى يوم 28 أكتوبر. أما سبب اختيار يوم السادس من أكتوبر لبدء العمليات فكان للأسباب التالية: 1 - تتوقف الحياة تماماً فى إسرائيل فى هذا اليوم - فضلاً عن كونه يوم سبت وعطلة نهاية الأسبوع. 2 - يوافق يوم 10 رمضان حيث يكون القمر مناسبا ومضيئا من غروب الشمس حتى منتصف الليل. 3 - يعتبر فرق منسوب المياه فى القناة مناسبا فى هذا اليوم حيث يتزايد بعد ذلك مع اكتمال القمر. أما عن اختيار ساعة الصفر لتكون الساعة 1400 أى قبل آخر ضوء بمدة 3.5 ساعة حتى يمكن إتمام الأعمال الرئيسية التالية: 1 - توجيه الضربة الجوية المشتركة بالقوات المصرية بقوة حوالى 300 طائرة وإمكان تكرار الضربة قبل آخر ضوء عند عدم تحقيق نسبة الخسائر المطلوبة فى الضربة الأولى. 2 - إمكان القوات السورية من اجتياز الخندق المضاد للدبابات والاستيلاء على خط مهم من المرتفعات خلال ضوء النهار. 3 - أن تكون أشعة الشمس فى أعين العدو أثناء عبور قناة السويس مما يقلل من كفاءته فى المراقبة والتصويب. 4 - إمكان إسقاط معدات العبور الثقيلة فى مياه قناة السويس بمجرد هبوط الظلام ويبدأ تركيبها فى ضوء القمر، ويبدأ العبور عليها فى منتصف الليل. 5 - فتح الممرات فى الساتر الترابى باستخدام مضخات المياه. 6 - إمكان إبرار قوات الصاعقة فى عمق العدو قبل آخر ضوء مباشرة. ويواصل اللواء طلعت موسى فى العدد القادم حديثه حول "الثغرة"