صدر عن دار العين ثلاثة إصدارات جديدة، الأول بعنوان "ثقوب زرقاء" جاء فيه: أخذ يتحسس رأسه ويشعر بشقوق تتصدع، نقطة زرقاء ترتسم في عمقه، يحسها صغيرة جدا وسرعان ما تكبر وتبتلع ما تجد أمامها، بل لها جاذبية غريبة تحولها إلى ثقب كثيف لا يعلم كيف تكون نهايته.. أحلامه تستوي كخطوط متداعية. أقلام رصاص ملونة منزوعة الرؤوس تتكسر تحت أرجل الأطفال وهم يصرخون ومرعوبون مما سيأتي، ربما يكون انفجارا مدويا حدث في الشارع المقابل، والأرواح تكاد تخرج وسحابة بلون الملاءة تكبر وتكبر، ثم يجذبها الثقب الأزرق ليحدث صفيرا في الذاكرة المتداعية، ويد ترتجف كأنها مصابة بالتيتانوس تمتد إلى الجبهة لتجدها في حالة غليان. يحاول إطلاق صرخة مدوية، ليشعر بألم حاد في حنجرته كأن قوة تدخلت لتمزق حباله الصوتية التي يكاد يراها أمامه ممزقة ويبقى بلا صوت وهو الذي بلا ذاكرة، منذ أن وجد نفسه على هامش هذه المدينة الكبيرة التي يقرأ يوميا في لوحات طرقها أسماء لا توحي إليه بأي شيء، وينكمش على ذاته، والصور تضطرب عنده وهو يمسك بالرأس مشبها ذلك التاجر الذي تفجر رأسه في سوق الخضر والفواكه كأنه حشي بالمتفجرات التي تستعمل في العمليات الانتحارية التي أصبحت موضة هذا الزمن الجديد. يتحسس بكلتى يديه وجهه كأنه يكتشف ذاته لأول مرة، ويتأمل يديه بحثا عن شيء لا يعرفه، فقد يجد أثرا قديما يذكّره بحادثة ويكون مفتاحا لإعادة قراءة نفسه. عن الدار أيضاً صدر كتاب "الموت في وهران" وجاء في كلمة الناشر: احتشد المارون في ساحة المغرب العربي (لاباستي، سابقا) حتى حدود كنيسة الروح القدس المخرس بابها، على تذكار تفجيرٍ في ليلة صيفية كان شتت أشلاءً جسديْ أُسقفها كلافيري ومحمد سائقه الشخصي. وعند الأكشاك الأربعة، كأبراج رُكْنية لحصنٍ اندثرت أسواره: نساء ورجالا، فتيانا وصبايا بأعمار متفتحة وأخرى آيلة إلى ذبول، في أزياء ربيعية وأخرى لا تزال تحمل آثار شتاء المدينة الساحلي. ومن شرفات بناية وهران بويلدينغ أطلت وجوه عتيقة لأزواج من بقايا الأقدام السوداء. تحتها، من حانة فالوريس (سابقا)، خرج بكؤوس قهوتهم المعصورة مَن تبقى من زبائن كانوا، قبل حوالي ثلث قرن، شبابا وكهولا متوثبين يحتسون البيرة فيها مع ال?َطعة بالمر?از والدولمْة والعصبان والسردينة المشوية والبصل والليم أو يشربون الپاستيس مع الكَمْية بالحمص والفول والببّوش بالملح والكمون وأنواع زيتون السي?ية الملحّم بألوانه الخضراء والسوداء والبنفسجية خاصة. أو هذا الشراب أو ذاك مع هذه ال?َطعة أو تلك الكَمْية. كانوا يرفعون كئوسا أخرى، بشراب آخر، أنخابا لأيام أفراح غيّبها أفول زمانهم وخذلتهم فيها شيخوختهم فإن عبدقا الن?ريطو لم يكن حدّثني إلا قليلا مما يُبكي قلبه على زمن وهران. صدر عن الدار أيضاً كتاب "وأرقص.." جاء في كلمة الغلاف: "ذات صباح جميل مع قدوم الربيع، رأيتها مجددًا، لم أصدق ما جرى لهذه الشجرة.. كان ابتهاجها بالحياة يفوق الوصف، بدأت أوراق طازجة خضراء جميلة تنمو في كل مكان فيها، وما هي إلا أيام قليلة حتى اكتست تمامًا بالأوراق الخضراء، بل وبدأت زهرة رائعة تنطلق من منتصفها، زهرة شديدة الجمال. أهذه هي زهرة الصبار، رمز الحب غير المشروط؟ سرت البهجة في كل كياني مما جرى لشجرتي. ومنذ هذا اليوم، أتذكرها كلما ذبل عودي وأنا أمر بأزمة من أزمات الحياة، أكون على يقين من أنني سوف أورق من جديد، لا أعرف متى، ولكني أكون على ثقة من أنه ذات صباح جميل سأبتهج مجددًا بالحياة كشجرتي، أكون على ثقة أنه مهما طال الوقت فإن هذا الصباح آتٍ".