مستورة.. هي قصة إمرأة حملت هموم الزمان على كتفها. أكتب رواية تُشبّه ما نحن فيه بنكسة عام 1967م. المناخ الثقافي والأدبي الحالي يعاني من الشيخوخة السياسية والترهل. أتمنى أن تخرج مصر من كبوتها لتمضي في طريق نهضتها بالعلم والإبداع والحرية. خرجت إلينا في الأيام الأخيرة رواية تحمل كفاح سيدة من الريف المصري تدعي مستورة، من 200 صفحة من القطع المتوسط، تحمل في طيات صفحاتها عبق الاسقاطات على ما تمر به مصر في مرحلة الريعان والصبا والفتوة، ثم الترهل والكبر والشيخوخة. مستورة مستورة.. هي قصة إمرأة حملت هموم الزمان على كتفها وسارت بها جنوبا وشمالا تقع حينا وتمضي حينًا تفرح حينا وتبكي حينا، تحملت في سبيل حلمها الكثير والكثير حتى وصلت بعزمها إلى نهاية مشوارها الجميل. مستورة رواية اجتماعية واقعية تجوب في قاع الريف، البطلة فيها امرأة ريفية صامدة صابرة لها قصة مثيرة من بداية ميلادها في ثلاثينيات القرن العشرين وحتى بدايات القرن الحادي والعشرين تمضي بشكل متوازي مع الحالة المصرية منذ عهد الملكية وحتى قبيل ثورة يناير. ويتحدث كارم عبدالغفار عن الرواية، قائلا: طبيعة نشأتي في الريف بمحافظة البحيرة تجعلني دائمًا في رواياتي الأربع مشدودًا إلى أصلي، وأدواتي الأدبية تكون طيعة بشكل أكبر في العمل من داخل الريف لأنني عايشته وانغمست فيه وذقت ما ذاقه الناس وعاينت ما عاينوه، ومن وسط أهل الريف والفلاحين تلفتك شخصيات مثالية بعض الشيء في قدراتها، فتستفز الخيال وتثير القلم للكتابة، ومن هؤلاء شخصية (مستورة) وهي سيدة صاحبة صفات متناثرة في نساء كثيرات حولي جمعتها في سيدة واحدة وجمعت معها أحداث يومية تحدث للفلاحات ووضعت في ظلال الشخصية حقبا تاريخية مصرية موازية لمسيرة مستورة. شخصية البطلة أما الاسم فهو اسم يعبر عن تجذر البطلة في الشخصية الريفية فالاسم يعتبر فولكلوري ومتداول بشكل كبير، أيضا للاسم معنى كان هو هدف البطلة طوال الرواية وكان محور دعائها (الستر)، وبالفعل رغم كل ما مر بها عاشت وماتت مستورة.وبالرواية إسقاط سياسي يمضي كالظل، فهو هامشي في الحكي ولم أعول عليه أثناء الكتابة كغرض من الأغراض، أي لم أجعل الرواية رمزية واضحة، بل جعلت الرمزية فيها مجرد إشارات تقارب ما بين حال مستورة وحال مصر في الفترة من ثلاثينيات القرن العشرين وحتى بدايات القرن الحادي والعشرين. التقت شبكة الإعلام العربية "محيط" الروائي الشاب كارم عبدالغفار، لتناول نظرته وتقييمه للواقع الأدبي ونظرته إلى البعدين الرمزي والواقعي في توصيل المعلومة والمعنى للقارئ من خلال "مستورة" وكيفية الخروج من التراجع الثقافي والأدبي، ودوافع تأليفه لعمل يشبّه المرحلة الحالية بنكسة 1967م ، فإلى نصر الحوار: بداية.. ما تقييمك للواقع الأدبي بشكل عام في الأونة الأخيرة؟ العمل الإبداعي بشكل عام والأدبي بشكل خاص مرتبط بشكل كبير بالواقع السياسي الذي يعيشه المجتمع، لأن اللوحة التي يرسمها الفنان أو الرواية التي يكتبها الكاتب تكون مدفوعة بحافز من أرض الواقع، هذا الحافز سواء كان سلبياً أو إيجابيًا فهو الذي يحرك الإبداع ويوجهه، وفي حالتنا التي نعيشها، الأدب تأثر سلباً بشكل كبير على مستوى الإبداع والإنتاج، وأيضاً على مستوى المتابعة والقراءة، فالأحداث في الثلاث سنوات الأخيرة تأتي متتالية سريعة ساخنة تأخذ الأديب وسطها ولا تعطيه فرصة للتخيل والاختمار، وأيضًا المتابع للأدب والقارئ يعيش بنفس الحالة فهو يعيش الحدث بكامل تفاصيله على أرض الواقع، ولن يترك الواقع الذي يلمسه ليعيش بين سطور الخيال، لكل ذلك تجد الإنتاج الأدبي في الفترة الأخيرة قليل للغاية، وإن وُجد فهو غير متداول وغير مباع. لاحظنا في الأونة الأخيرة كساداً في سوق الأدب وعدم وجود ما يجذب الإنتباه ما السبب؟ أتحدث عن نفسي كقارئ قبل أن أكون كاتباً، بصراحة رأيت عناوين كثيرة عن الثورة والميدان بعد 11 فبراير، ولم تجذبنِ تلك الكتب لقراءتها، وأعتقد أن هذا حال الكثيرين، وهذا ليس لسوء تناول الحدث ولكن لأننا لا نزال نعيش الحالة الشعورية الساخنة، وبالتالي خيالنا ليس في حاجة إلى إشباع من خلال الورق، لأننا نرى الحدث بأعيننا الآن، كذلك لسنا في حاجة إلى معلومة لأننا نتابع الحدث والأخبار لحظة بلحظة، وهذا الوضع ينعكس سلباً على شهوة القراءة إذا جاز أن نسميها كذلك، فالقارئ يُدفع للقراءة إما لإشباع خيال وعاطفة، أو للبحث عن معلومة، والأمران لن يتحققا من خلال كتاب يحكي الآن عن ميدان التحرير مثلاً، وكل القراء تقريبا عاشوا الحدث ولا زال يقظاً بداخلهم، فبالتالي هم ليسوا بحاجة إلى كتاب في هذا الوقت، وهذا ما جعل سوق الكتابة غير رائج حتى وإن وجدت البضاعة الجيدة. كتب مميزة وما هي أكثر صنوف الأدب التي يمكن وصفها بالمتميزة، وأيها أصابه التعطل والإخفاق ؟ نتحدث سريعا عن أدب ما قبل الثورة.. حيث راج الأدب الساخر بشكل كبير وانتشرت كتب يوسف معاطي، وعمر طاهر، وأسامة غريب، وراجت عناوين مثل "إعمل عبيط" و"بلد متعلم عليها" و"رئيس جمهورية نفسي".. وكان عليها إقبال شديد من القراء لحالة الكبت الشديدة التي كانوا يعشونها في ظل نظام ما قبل ثورة يناير، أما بعد يناير فأكثر الكتب رواجاً كانت الكتب السياسية الحديثة، وزاد اهتمام الناس أكثر بالجرائد وقراءة المقالات اليومية، وكانت هناك صحوة ثقافية سياسية مؤقتة، واكبت الفعاليات السياسية والاستحقاقات الانتخابية المتوالية، لكن الآن أعتقد أن سوق الأدب في الآونة التي نعيشها سوف يضعف كثيراً، لأن الأوضاع الاقتصادية السيئة دائماً ما تجعل الرجل يفكر كثيراً من أين يأتي بطعام أولاده قبل أن يفكر في اقتناء رواية أو كتاب. الإلتزام الأدبي لكن إلى أي المدارس الأدبية تنتمي، وأيها تفضل، وكيف يمكن تحقيق الريادة الأدبية الضائعة؟أرى أن تحديد الإنتماء في الرواية الرابعة أمر صعب.. وهذا قد يسأل عنه ناقد، لكنني ككاتب أؤمن بمدرسة الإلتزام الأدبي، والتي تفرض على كل أديب ألا ينفصل شعورياً ولا واقعياً عن مجتمعه وأهله، بل يكتب عن أفراحهم وأحزانهم وينغمس في هموهم ويشخص الأدواء، وإن استطاع أن يشير إلى الطريق الصحيح دون مباشرة فليفعل، ولا يحول العمل الأدبي إلى غرفة نوم ومشاهد جنسية مبتذلة، يبتز فيها القارئ بإثارة غريزته بدلاً من أن يثير مشاعره، أما الإلتزام فهو أن يدرك الكاتب أنه خادم لوطنه ومجتمعه من خلال قلمه، وموهبته هي القدرة على التخيل والصياغة، والتحليل والحوار، وعرض الفكرة، ومداعبة المشاعر، وإخراج كل ما هو جميل، إذن عليه أن يوجه تلك الموهبة في سبيل سعادة مجتمعه. محفوظ الأديب من صاحب المدرسة الروائية الذي تاثرت به في رواياتك؟ لا تذكر الرواية العربية، إلا ويذكر نجيب محفوظ، وليس في وسع أي كاتب مهما كان اتجاهه الأدبي أو نمط تفكيره، أو ثقافته، أن يبدأ تأليف رواية، دون أن يستوعب أعمال هذا الرجل أو على الأقل معظمها، فهو صاحب المدرسة الأم التي لم تتكرر الآن، ولم يتكرر هو نفسه كشخص، ولذا إن كانت هناك مدرسة أريد أن أنتمي إلى صفوفها فأرجو أن أنسب لمدرسة محفوظ. هل تفضل الرمزية والتجرد في التناول القصصي الروائي، أم الواقعية الحسية كطريقة لمخاطبة القارئ؟ لكل عمل تقنيته ولكل فكرة وسيلة وأمثل لإيصالها لجمهور القراء، والأسلوب القصصي هو وعاء للقصة فما يصلح لعمل قد لا يصلح لغيره، والرمزية والتجريد والواقعية، هي وسائل تختلف من عمل لعمل بحسب طبيعة الخط الإبداعي والموضوع المطروح. لكن ما هي أخر تحضيراتك لعمل أدبي روائي مستقبلا؟ أعمالي الماضية هي دمعتان وبسمة، والغولة، ووحل الشتا، وأخيرا مستورة.. والقادمة بإذن الله عن فترة ما بعد النكسة للتشابه الكبير بينها وبين ما نحن فيه الآن. وما وجه الارتباط؟ من ناحية الحالة النفسية التي تلمح فيها شعورً بالخوف وعدم الأمان وفقدان الثقة فيما هو آت، وهذه اللحظة عشناها بعد النكسة ، حيث تسود أجواء الحظر والطوارئ وتكبيل الأيادي وتكميم الأفواه، كما كانت الحالة الاقتصادية تشهد خللاً مريعاً في مؤسسات الدولة قد يؤدي بنا إلى كارثة اقتصادية. وماذا تريد أن تركز عليه في العمل الادبي القادم؟ سأوجه عملي لهدف واحد وهو القول إن الخروج من أزمتنا لن يكون إلا بإحترام مكتسبات الشعب بعد ثورة يناير، وبالعودة إلى إرادة الشعب من خلال صناديق انتخابية نزيهة. ماذا تتمنى في المرحلة القادمة؟ أتمنى أن تخرج مصر من كبوتها لتمضي في طريق نهضتها بالعلم والإبداع والحرية فلا يخاف صاحب قلم من قصف ولا صاحب رأي من سجن، وتحتل مصر المكانة التي تستحقها بين دول العالم.