سوزان وجيهان تفتقدان صفات بنت البلد المصرية الأصيلة غلطة عمري : عدم مساعدة والدي ماليا والتسبب في حرمان زوجي من أن يصبح سفيرا أوروبا نجحت في تطبيق العلمانية..وفي مصر لسنا مهيئين لها أديبة مصرية سويسرية هاجرت إلى جنيف وهي لا تزال في العقد الثالث من العمر، بزغ نجمها داخل المدينة السويسرية، وأصبحت مرجعا للثقافة العربية والإسلامية في الجامعة هناك. هي دكتورة فوزية العشماوي التي حاورها "محيط" بمناسبة صدور كتابها "أمواج العمر: بين بحر إسكندرية وبحيرة جنيف"عن دار "العين". الكتاب سيرة ذاتية، رصدت فيه ابنة الإسكندرية، تجربتها الحياتية، والأحداث السياسية والتغييرات الاجتماعية التي عاصرتها في مصر في الخمسينيات والستينيات، قبل سفرها للدراسة في سويسرا، وتعرض التجارب التي مرت بها، والأزمات التي تعرضت لها بسبب مواقفها في التصدي لتيارات العداء والإسلاموفوبيا، ونشاطها المكثف للتعريف بالإسلام المعتدل، وتصحيح صورة المرأة المسلمة في وسائل الإعلام الغربية . والعشماوي هي رئيسة قسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية بجامعة جنيف سابقا، بعد انتهاء عقدها مع جامعة "جنيف" وبلوغها سن المعاش، قررت العودة نهائياً إلى مصر بعد أن مضت 40 عاماً في الغربة ، لكنها فوجئت كما كتبت في سيرتها الذاتية، بتناقض شديد في المجتمع المصري، وتدين شكلي مغلوط وعدم تعمق في جوهر الدين، مما جعلها تعيد النظر وتعدل عن قرار العودة النهائية، وقررت أن تعيش بين الإسكندريةوجنيف، وجعلت حياتها تدور في دائرة قطرها يمتد من بحر إسكندرية إلى بحيرة جنيف!. في حوارها معنا أكدت على فشل الرئيس المعزول مرسي، وفسرت لماذا كره المصريون الإخوان برأيها، ورغم تأييدها للحكومة الجديدة كما أكدت لنا إلا أنها أدانت فض الاعتصام بالقوة، وشبهت البرادعي بأنه "غاندي" الذي يؤيد المقاومة السلمية. وروت الكاتبة ذكرياتها مع المشاهير التي التقت معظمهم في جنيف، وأشادت بالنظام العلماني في سويسرا التي أكدت انه لا يصلح لمصر الغير مهيأة لاستقباله حاليا. إلى نص الحوار. كيف تقيمين فترة حكم الرئيس مرسي؟ مرسي انتخبه الجميع باعتباره رئيس مدني لكل المصريين، وسيخلع عباءة الجماعة ويحقق كل الوعود التي وعد بها الشعب، لكنه ارتبط أكثر بالعشيرة والأهل وحاول أن يجعل السيادة للإخوان، عبر أخونة مؤسسات الدولة، رغم أن جماعة الإخوان منذ تأسيسها على يد حسن البنا هدفها الأساسي هو الدعوة، وإصلاح المجتمع دينيا، فلم يكن هدفهم السياسة أو الحكم، فحين قيام الجماعة لم يفكر البنا في خلع الملك فاروق والاستيلاء على الحكم. لذلك حين وصلت الجماعة للحكم خلطوا الدين بالسياسة، وانحرفوا عن المسار الأساسي لجماعة الإخوان، فضلاً عن تخبطهم لانعدام الخبرة، فلم نشهد أحداً منهم من قبل وزيرا أو سفيراً أو دبلوماسياً، كذلك استعانوا بأهل الثقة وليس الخبرة، لذلك لم يستطع مرسي تشكيل حكومة يمكنها أن تمر بمصر من مرحلتها العصيبة بعد الثورة. حاول الإخوان تغيير حدود الوطن، الإسلام كدين لا يعترف بالحدود الجغرافية الموجودة حاليا، فالحدود وجدت بعد وجود الدولة الحديثة، ومن ثم فالمسلم له انتماء وطني وديني، لكن يريد الإخوان أن يلغوا الانتماءات الوطنية ويغيروا حدود مصر، فيعطوا جزءاً لفلسطين وآخر للسودان، وهو أمر غير مقبول. نحن وطن محدد الجغرافيا، ننتمي للأمة الإسلامية لكننا ننتمي لمصريتنا أيضاً ونعتز بأوطاننا. بما أنك تعيشين في جنيف..هل تلجأ الدول الديمقراطية لفض الاعتصامات بالقوة؟ هناك قوانين دولية لفض الاعتصامات في كل دول العالم، فهي تستخدم خراطيم المياه، والغاز المسيل للدموع، وقطع الكهرباء والمياه على المتظاهرين، وكان من الممكن استخدام هذه الطرق مع قطع المؤن الغذائية على المعتصمين دون قوة، وفي لبنان استمر أحد الاعتصامات عام كامل، ولجأت لبنان لفضه بهذه الطريقة. من يعيشون في الخارج يكون لديهم حس إنساني كبير، فمهما اختلفت مع الآخر لا أنسى أنه أخي في الإنسانية، وأنا من مؤيدي سياسة غاندي وهي "المقاومة بالسلم"، لذلك أيدت دكتور محمد البرادعي في موقفه، لأنه سلك مسلك غاندي، ولا يمكن اعتبار المقاومة السلمية خيانة، فلم يتهم غاندي بالعمالة مثلما يتهم البرادعي الآن، فهو هو شخصية عالمية على مستوى رفيع من الثقافة، ولا أتفهم سر الحملة الشعواء التي تشن ضده الآن. تعلمت من الإقامة في الخارج احترام الآخر، وهكذا البرادعي، صحيح أن الإخوان حرقوا مصر وقلوب الأمهات، وأصبحوا إرهابيين، وسيذكر التاريخ لهم هذا، إلا أنه كان من الممكن معاملتهم بشكل آخر، بعيداً عن العنف. لكن ما نراه الآن من تزكية للعنف يعد نتاج 30 عام من القمع والاضطهاد وسوء التعليم وانعدام الحرية، وأنصاف المتعلمين المنتشرين في المجتمع المصري، الذي جعل الأخلاقيات تتدنى في المجتمع المصري. لماذا أقدمت على كتابة سيرتك الذاتية؟ لأسجل تجربة امرأة مصرية عاشت في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، وللتأكيد على أن الظروف إذا سمحت، يستطيع المصري النجاح والتميز والتغلب على الصعاب، ولتعرف شابات اليوم أن فتيات الخمسينيات كن يكافحن ويصمدن، على العكس منهن الآن حيث يردن كل شئ متوفر وجاهز أمامهن. فرغم كوني خريجة مدارس أجنبية إلا أنني تزوجت دون ثلاجة أو غسالة أو تليفزيون، ولا أفهم سر إصرار بعض الأسر على ان تتزوج بناتهن بكل هذه الكماليات، وهذا دليل على تدني أخلاق المصريين الذين اعتادوا على الأخذ دون العطاء، فقد قابلت أثناء زيارتي لمصر نساء يقومون بالتسول من أجل شراء هذه الأجهزة لتزويج بناتهن!. قلت أن ما يميز سويسرا هو الديمقراطية وان الجميع هناك كأسنان المشط، إلا أن هناك عنصرية في التعامل مع الإسلام كما ذكرتِ في كتابك..كيف ذلك؟ لا يوجد اضطهاد لكن يوجد خوف من انتشار الإسلام، فهناك في سويسرا حرية رأي وتعبير أفضل مما تتمتع به الدول العربية والإسلامية، أما المضطهد الحقيقي فهم الخارجون عن القانون. أما التخوف من انتشار الإسلام فهو يجتاح أوروبا كلها، فأعداد من يدخلون في الإسلام في تزايد دائماً، عن طريق القراءات أو التصوف الذي يجذب كثير من النساء، كذلك أوروبا تخاف من تزايد أعداد المسلمين في الغرب، فهم يتكاثرون عددياً أكثر من باقي الأسر الأوروبية. ولي كتاب يصدر قريباً عن دار "العين" يصف أوضاع المسلمين في الدول الأوروبية، خاصة أن الأجيال الثانية والثالثة هناك من المسلمين تبوءوا مناصب مهمة فمنهم وزراء ونواب، والكتاب يعالج التخوف من تغلغل المسلمين في النسيج الأوروبي. واؤكد أن المسلم الأوروبي سيمثل رفعة للإسلام والمسلمين، فهم أفضل المسلمين لتمتعهم بقيم الإسلام الوسطي وتقبلهم للآخر ومعرفة كيفية الحوار معه. كنت شجاعة في حديثك عن أبيكِ واعترفتِ بأنك لم تقرضيه مالك حين طلب منك ذلك في مرضه..لماذا أوردتِ ذلك بمذكراتك؟ لأنها "غلطة عمري" ارتكبتها في شبابي حين رفضت مساعدة أبي، ندمت على ذلك طوال حياتي، لكنني أكملت رسالته في الحياة، آثرت كتابتها لأنها حقيقة وواقع آلمني كثيراً، وما زال يؤلمني كلما تذكرتها، لذلك كتبتها لأتخلص من وزر ارتكبته في حق والدي، رغم أنه كان معي في منتهى الحنو والحنان، وأنفق علي تعليمي مبالغ طائلة، وقام برعايتي رعاية كاملة، إلا أنني قابلت هذا الكرم بجحود. كذلك من ضمن آثامي، أنني حرمت زوجي أن يصبح سفيراً رغم توفر كافة الشروط به، وكان حينها العرف أن يتم إجراء مقابلة مع زوجة المرشح للتأكد من أنها تصلح لتكون زوجة دبلوماسي، وحين ذهب مندوب الخارجية لمقابلتي دون موعد مسبق، كنت أقوم بأعمال المنزل بنفسي وظن أنني الخادمة، وحينها أخذتني العزة بالإثم وعنفته وطردته!. وهو أمر يدينني، لكنه وزر أتحمله. وهدف الكتابة ليس تفخيم ذاتي، بل أن أذكر الخطايا التي ارتكبتها، وأتأملها ويكون عندي شجاعة الاعتراف بها. ما سبب إعجابك بالنظام العلماني السويسري؟ العلمانية لا تعني الكفر بل حياد الدولة التام أمام جميع الأديان، فالحكومة لا تعتنق دين معين بل تحترم جميع الأديان، وكل فرد في المجتمع يعتنق الديانة التي يريدها، كما أن الأوراق الرسمية خالية من خانة "الديانة"، فلا أحد يعلن عن دينه لكنه يمارسه في بيته ودور العبادة الخاصة به، ففي سويسرا يمكنك أداء كافة الصلوات في المسجد بلا مضايقة. وفي مصر يصعب تطبيق ذلك الآن ، لأن ثقافة تقبل الآخر غائبة، وقد ظلت أوروبا قرنين بعد الثورة الفرنسية حتى تطبق العلمانية في 1905 لكن سويسرا تخلت عن حيادها تجاه المسلمين حين حظرت بناء المآذن عام 2009؟ الأمر ليس كذلك، فهذه الأزمة كانت بسبب الهندسة المعمارية وليس التعصب الديني كما أشيع، فقد نشأت الأزمة حين حاول بعض المسلمين المتشددين بناء أطول مأذنة في المدينة، وحينها رفضت البلدية إعطاءهم التصريح، فقاموا هم بتحويلها إلى قضية دينية، علماً بأنه في الخارج يجب ألا يصدر صوت خارج مبنى العبادة سواء كان كنيسة أو مسجد، وبالتالي لا فائدة للمأذنة لأنه لا يوجد مؤذن، فالمشكلة بالأساس هندسية، كما أن القانون لا يسري على المآذن القديمة، بل يختص ببناء الجديد. من واقع لقاءاتك بالمشاهير .. ما أبرز الفروق بين جيهان السادات وسوزان مبارك؟ لا يوجد فرق كبير، الاثنتان تتحدثن الإنجليزية بطلاقة، وتفتخران بأمهاتهما الإنجليزيتين، الاثنان أيضاً لم أشعر معهما بالمصرية الأصلية، وافتقدت "بنت البلد الجدعة"، فلا واحدة بينهما تمثل المرأة المصرية الأصيلة. وإن شعرت أن سوزان مبارك أكثر ثقافة من جيهان السادات، التي أثقلت ثقافتها حين بدأت تدرس في أمريكا. وما الفرق بين مبارك والسادات؟ الاثنان تربية عسكرية، السادات كان لديه عمق في التفكير والإدراك، و"ابن بلد" أكثر من مبارك، ومصري أصيل، ولديه ثقافة مصرية. أما مبارك فقد كان سطحي يخطب في العلماء الأجلاء خطبة بسيطة عن المولد النبوي، والحضور من كبار العلماء ينصتون ويصفقون ويقفون له احتراماً، رغم أنهم يفوقونه علماً بكثير، وكنت الوحيدة التي لم تقف ولم تصفق من بينهم. وقد منحني الرئيس الأسبق مبارك وسام الاستحقاق عام 2008 خلال الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، وكنت من المكرمين من علماء المسلمين، وكانت تعليمات المسئولين بمكتب الأمن برئاسة الجمهورية، عدم توجيه كلام للرئيس أو الضغط على يده وعدم الاقتراب الشديد منه أو النظر في عينيه وترك مسافة ذراع ممتدة بيننا وبينه!. ما أبرز ذكرياتك مع الأديب العالمي نجيب محفوظ؟ قابلته لأن رسالتي للدكتوراه كانت عنه، كنت أحب ضحكته لأنها "مجلجلة" حلوة، كان يطلقها للتهرب من الإجابة على سؤال محرج. سألته مرة لماذا لا يحب السفر رغم كونه ثقافة فأجابني بقوله: الإنسان مهما سافر فإنه ما يدخل مكان إلا ويطالع وجهه، ويجد نفسه في كل أنحاء العالم، فما فائدة التجوال، ونحن نواجه أنفسنا دائماً ونحمل نفس الوجه. باعتبارك خبيرة لدى اليونسكو لمراجعة المناهج التعليمية الدراسية فى العالم العربي والإسلامي، ما هو تقييمك لها؟ التاريخ في المناهج عسكري رغم أنه ليس فقط معارك وحروب، بل ثقافة وحضارة، كذلك التاريخ ذكوري يتحدثون عن الآباء والأجداد، دون الأمهات رغم أن الخطاب القرآني قال: بالوالدين إحساناً، علينا أن نبدي اهتماماً بالمرأة ، ونحذو حذو الخطاب القرآني. حتى حين يذكرون بعضهن مثل "شجرة الدر" يذكرون أنها ضربت بالقباقيب حتى الموت، ويغفلون دورها العظيم في طرد الصليبيين! ذكرتي بكتابك "معارك" خضتيها بالغربة، فما هي التي تشغلك الآن ؟ المعارك لا تنتهي، معركتي الآن مع حفيداتي الذين يعيشون في سويسرا، ولا يرغبون في تعلم اللغة العربية بدعوى أنهم لا يستعملونها، وإصراري على تعليمهم الفصحى، ومبادئ الدين الإسلامي والثقافة العربية الإسلامية، وهو ما أتمنى النجاح فيه