الكثير منا لا يعرف من هو "ستيف جوبز" وأنا كنت من هؤلاء قبل أن أرى واستخدم أجهزة الحاسب الآلي "أبل ماك" ذات الإمكانيات الخارقة، وقررت أن أزيد معرفتي له أكثر بعدما رأيت بأم عيني الهاتف العبقري "أي فون" وجهاز "أي باد"؛ وعلمت أنه أحد مؤسسي شركة "أبل" الأمريكية صاحبة الأجهزة سالفة الذكر ومجموعة برمجيات وأجهزة الكترونية أخرى متطورة جدا. لكن جميعنا يعرف من هو أسامة بن لادن خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر2001، والكثير كانوا يعرفونه من قبل ذلك التاريخ منذ أن كان محاربا في أفغانستان ضد الاتحاد السوفيتي من آواخر السبعينيات.
لفت نظري التشابه في مشوار حياة هذان الرجلان اللذان كانا سبباً في تغيير مسار أمم وحياة شعوب، مع اختلاف الأهداف؛ وأسلوب كل واحد منهم وسعيه لتحقيق حلمه وتبعات هذه الأحلام على العالم بأسره. فتعالوا معي نلقي نظرة سريعة على حياة كل منهما منذ ولادته وحتى وفاته.
العامل المشترك الأول هو الجذور العربية فوالد "ستيف جوبز" سوري يدعى عبد الفتاح جون جندلي، وحصل على شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية من الولاياتالمتحدة. ووالدة أسامة بن لادن سورية دمشقية ووالده سعودي ثري جدا هو محمد بن لادن والذي كان يعمل في المقاولات وأعمال البناء.
وكان العامل المشترك الثاني هو أن كلاهما عندما أراد أن يبدأ حلمه اتجه نحو وسط آسيا، فاتجه جوبز الى الهند لتنمية قدراته في عالم التقنية والبرمجيات، وبن لادن الى أفغانستان لاقامة الدولة الإسلامية التي يحلم بها هو ورفاقه.
عاد جوبز من الهند بعدما أكتسب خبرة مناسبة لكي يكمل ما قد بدأه في مجال الإلكترونيات مع شركة "أتاري" الأولى في صناعة ألعاب الفيديو بالولاياتالمتحدة آنذاك.
بينما لم يعد أسامة بن لادن من أفغانستان بعدما وجد فيها نفسه زعيم إسلامي، في عام 1988 أسس بن لادن ما أسماه هو ومعاونوه ب "سجل القاعدة "، وهو عبارة عن قاعدة معلومات تشمل تفاصيل كاملة عن حركة المجاهدين العرب قدوما وذهابا والتحاقا بالجبهات.
التقى جوبز بمهندس الحاسوب والمبرمج ستيف وزنياك ليصبحا صديقين ويؤسسا معاً شركة أبل (Apple) عام 1976 التي بدأت بإنتاج أجهزة الحاسوب، لتنجح بعد ذلك في إنتاج جهاز أبل2 (Apple 2) كأول حاسوب شخصي ناجح على المستوى التجاري.
على الجانب الآخر تلاقت جهود أسامة بن لادن مع جهود أيمن الظواهري وأسسوا "الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين" عام 1998، وأطلق الاثنان فتوى تدعو إلى "قتل الأمريكان وحلفاءهم أينما كانوا.
في عام 2001 قدم جوبز جهاز آيبود بحجمه الصغير وتصميمه الأنيق، ولكن الإنجاز الأهم كان عام 2007 باختراع جهاز آيفون الأنيق والمتطور الذي أحدث انقلابا في عالم الأجهزة النقالة من خلال شاشة اللمس المتطورة التي زود بها.
في نفس العام 2001 نفذت القاعدة تحت زعامة أسامة بن لادن هجمات بطائرات مدنية على الولاياتالمتحدة مستهدفة مركز التجارة العالمي ومبنى البنتاجون، وراح ضحيتها ثلاثة آلاف شخص وأدت إلى خسائر اقتصادية تقدر بأكثر من 150 مليارات من الدولارات، كان من الممكن أن يكون جوبز نفسه متواجدا في مركز التجارة العالمي آنذاك.
شهد عام 2010 انطلاقة جديدة لشركة "أبل" بعدما كشف ستيف جوبز عن جهاز الحاسوب اللوحي آيباد ثم آيباد 2. في نفس العام 2010 - تعهد زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن بمواصلة الهجمات على الولاياتالمتحدة ودول أوروبا.
ومن المفارقات أن عام 2011 شهد رحيل كلا من ستيف جوبز بعد صراع مع مرض السرطان انتصر المرض عليه فجر 6 أكتوبر الجاري. ورحل أسامة بن لادن بعد صراع مع معظم دول العالم حتى كانت نهايته في شهر مايو الماضي مقتولا.
اختلفنا نحن العرب والمسلمون بين مؤيد ومعارض وحائر على شرعية معتقدات وأحلام وطموحات وأهداف أسامة بن لادن، ونتائج ما قام به تنظيم القاعدة تحت قيادته من تفجيرات هنا وهناك، ولكن لم تختلف باقي دول العالم على أنه الإرهابي الأول في العالم، حتى هذا الانقسام كان حاضرا بعد إعلان مقتل زعيم القاعدة.
بينما لم يختلف أحد من العرب والمسلمون وباقي دول العالم على إسهامات وإنجازات شركة "أبل" تحت قيادة ستيف جوبز في تطوير تكنولوجيا الحاسب والهاتف المحمول، وغيرها من أدوات التكنولوجيا التي ساعدت في توفير حياة أفضل لجميع البشر مهما كانت دياناتهم ومعتقداتهم، ودور هذه التكنولوجيا في تذليل مصاعب كثيرة استفاد منها أسامة بن لادن نفسه فيما قام به من تفجيرات هزت أرجاء العالم، وكان هذا الاجماع العالمي على جوبز حتى بعد اعلان خبر وفاته فحزن عليه كل إنسان سمع عنه.
ترك ستيف جوبز إرث علمي يستفيد به جميع البشر دون تمييز، نلمس جميعا نتائجه في حياتنا اليومية، وترك أسامة بن لادن إرث فكري نرى جميعا نتائجه ونسمع صوته بقوة من حين لآخر.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له، رواه مسلم.