بعد مرور سنة على تولي الرئيس محمد مرسي قيادة البلاد، طالبت جبهة "الإنقاذ" المصرية المعارضة بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، لما شهدته البلاد من ضعف وانقسام وتدهور على كافة المستويات الاقتصادية والسياسية والأمنية. إلى ذلك، ذكر مركز ''بصيرة'' لبحوث الرأي العام، الذي كان قد أجرى استطلاعات للرأي بشأن شعبية الرئيس مرسي، ورؤية المصريين للانتخابات الرئاسية المبكرة، مشيراً إلى تراجع شعبية الرئيس، وتأييد 45% ممن شملهم الاستطلاع لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، بينما أكد 50% منهم، أنهم لن يعيدوا انتخاب الدكتور محمد مرسي مرة أخرى. وعلى الرغم من نتائج هذا الاستطلاع المرحبة بإجراء الانتخابات الرئاسية المبكرة، يعارضها آخرون منادين بالسرعة والتوجه نحو إجراء انتخابات برلمانية في الفترة المقبلة. ومن هنا يأتي التساؤل عن أيهما أنفع للوطن وأكثر درءاً للفتن وأنسب لتحقيق تغيير آمن، انتخابات رئاسية قبل موعدها بثلاث سنوات، أم انتخابات برلمانية ربما تحدث بعد شهور قليلة وبترتيب من الرئيس الحالي وحكومته القائمة. وللإجابة على هذا التساؤل، يستلزم إجراء مقارنة موضوعية بين الحدثين "انتخابات برلمانية وانتخابات رئاسية"، والتي من خلالها نستطيع أن نستقي الرؤية الأفضل التي تهدف إلى مرور البلاد إلى نقطة سلام حقيقية. السيناريو الأول وعند التطرق إلى الاحتمال الأول وهو إجراء الانتخابات الرئاسية المبكرة، نجد أن من شأنه فرض مسار جديد للبدء من نقطة الصفر بشكل يوحي بإبقاء التوتر في الشارع فترة أطول إلى جانب الوضع المأزوم أصلاً. ومن الممكن أن يسهم أيضاً في تطور احتمال الدخول في دائرة العنف المفرغة، مما يعني أن تغيير مسار متبع بالفعل "المشروعية الدستورية وانتخاب الرئيس بشكل ديمقراطي"، مهما اختلفنا حول قبول هذا المسار من عدمه. بيد أن الأمر قد يؤدي إلى مزيد من التدهور في المشهد الديمقراطي برمته، ولا سيما في حالة رفض الطرف الموجود في السلطة حالياً "الإخوان" للنتيجة التي يفرزها صندوق الانتخابات المبكرة. فمن المتوقع بدء حلقة جديدة من مسلسل السعي لإسقاط الرئيس الجديد من قبل غير الراضين عن انتخابه من الفصيل الآخر المناوئ، وبالتالي ستنعدم فرص عدم الانصياع لقواعد اللعبة الديمقراطية الأساسية. و من المتوقع تصاعد نغمة التشدد داخل التيارات الإسلامية بعدما تفقد إيمانها بجدوى الالتزام بضوابط العمل الديمقراطي. وفي ظل قبول مبدأ الانقلاب على الشرعية وقلب النظم السياسية عقب كل انتخابات وأي استفتاء، ومن ثم يعترض البعض على هذا السيناريو، ويعتبره عودة إلى الوراء تضر أكثر مما تنفع، ويرون أنه قد يدخل مصر في دوامة من حالة عدم الاستقرار، تشبه ما حدث خلال الفترة الانتقالية الماضية، ولا سيما في حالة عدم التوافق على آليات تنفيذ سيناريو الانتخابات الرئاسية المبكرة، فهل نعود إلى الجدل العقيم حول المفاضلة بين مجلس رئاسي مدني أم رئيس المحكمة الدستورية العليا، أم حكومة ائتلافية، أم رئيس المجلس التشريعي؟. وإذا حدث وتم الاتفاق على من سيحكم بعد فترة طالت أم قصرت، ووقع الاختيار على طريق بعينه، سيكون السؤال التالي: ما هي آلية الاختيار التي يمكن أن تحظى بموافقة الأغلبية؟ وما هي معايير الاختيار؟ "والمخاض العسير للجمعيتين التأسيسيتين الأولى والثانية ليس ببعيد عن الأذهان". والأخطر، من هم الأشخاص الذين تنطبق عليهم هذه المعايير؟ ومن سيكون قائد إدارة المرحلة الانتقالية الجديدة المقبول من غالبية المجتمع، انتظاراً للانتخابات المقبلة؟ وما هو مصير الدستور الحالي؟ وما هي قاعدة التشريع التي سنرتكن عليها؟ وهل سنعود مرة أخرى لسجال الإعلانات الدستورية؟ أم سنكتفي بالعودة إلى دستور 1971؟. لا تزال تلك الأسئلة مطروحة خلال السيناريو الأول، وكلما استطاع أنصاره الإجابة عليها، اتجهت والتفت معظم الرؤى حوله، بل وهاجمت السيناريو الثاني بقسوة بالغة. بيد أن ثمة مميزات لهذا السيناريو - من وجهه نظر البعض -، فمن الممكن أن يدخل البلاد في حالة من الاستقرار الاقتصادي، وقد يسمح للإطاحة بجماعة الإخوان المسلمين الذي تبين لهم أنها إذا استمرت لفترة أطول من ذلك ستنهار الدولة، ولا سيما مع فشلهم في مواجهة عدد كبير من الأزمات خلال الفترة الماضية مثل (أزمة الكهرباء، وأزمة المياه الأخيرة، والتعامل مع المعارضة السياسية، والملف الاقتصادي فضلاً عن انتشار العنف الديني). السيناريو الثاني أما عن سيناريو انتخاب مجلس النواب، فيرى المراقبون - وإن كان معظمهم من التيار الإسلامي - أنه استحقاق دستوري ديمقراطي متفق عليه من غالبية الشعب المصري منذ أشهر قليلة، أتى وفق استفتاء حر نزيه حظي فيه دستور2012 بأغلبية وصلت إلى نحو ثلثي الأصوات، ما سيعني مزيداً من الاستقرار والدعم للطرق الديمقراطية القائمة على معيار المشاركة، مقارنة بمعيار الحشد (رغم أن كليهما من آليات الديمقراطية). ويرى أنصار هذا الاتجاه أن الاحتكام لأسلوب الحشد من شأنه المنافسة على بقاء الأمور مفتوحة إلى ما لا نهاية، بطريق يتجه نحو التغيير بصفة مستمرة تزيد فيه فرص الاحتكاك والصدام. على عكس الاحتكام للصندوق الذي له نهاية مؤقتة تنتهي بمجرد فرز نتيجة الصندوق؛ لتبدأ عجلة البناء في الدوران، ولتعطي فرصة للجميع أن يقوم بأدواره المهمة كسلطة وكمعارضة على حد سواء، حتى موعد الجولات الانتخابية الأخرى. ومن هنا، فإن الرؤية المستقبلية لذلك المسار السياسي تتضح بدقة من حيث إصدار قانون الانتخابات بعد مراجعته من المحكمة الدستورية العليا، (وبالفعل أرسل مجلس الشورى قانون مباشرة الحقوق السياسية للمحكمة الأسبوع الماضي، وعلى وشك إرسال قانون انتخاب مجلس النواب)، وما هي إلا أيام بعدها، وترسل المحكمة ردها النهائي كما هو متوقع؛ لتقوم اللجنة العليا للانتخابات خلال ستين يوماً بالدعوة لانتخابات مجلس النواب، تليها انتخابات الشورى، وبعدها انتخابات المحليات. وفي محاولة لاستمالة أنصار هذا السيناريو الثاني لأصحاب السيناريو الأول تفادياً لعدم الاستقرار المؤسسي (منصب الرئيس)، يقولون: إن الدستور المصري الحالي كفيل بتحقيق أهدافهم الخاص باستقالة الرئيس، ولا سيما بعد رفض الشعب حل مجلس النواب في استفتاء مطروح من الرئيس، وهو ما يزيد مسئولية الرئيس لتمتد إلى المساءلة السياسية أيضاً. وبهذا السيناريو الثاني يمكن تلافي السلبيات المذكورة في السيناريو الأول؛ لأنه يحقق ميزة مهمة، وهي الإسراع بأن تلعب القوى السياسية دورها كشريك في صنع السياسات العامة بشكل أوسع، تشارك فيه مختلف الأحزاب السياسية والتيارات الفكرية في السلطة التشريعية (مجلس النواب) والتنفيذية (الحكومة)، فالخريطة السياسية الناجمة عن انتخابات مجلس النواب ستكون الأساس الذي تنبني عليه الحكومة الجديدة، والتي من المتوقع أن تكون ائتلافية؛ لأنه ليس وارداً أن يحظى أي حزب بمفرده بالأغلبية التي تمكنه من تشكيل الحكومة منفرداً في ظل هذا الزخم السياسي الموجود على الساحة المصرية. ولكن التساؤلات هنا، هل ستكون الانتخابات البرلمانية نزيهة؟ وكيف ستكون في ظل حكومة يفترض أن شعبيتها في تراجع، وبعض منها سيكون لاعباً في الإشراف عليها؛ وإذا ما كانت الانتخابات نزيهة، وكسب من هم يعارضون الآن السطة الحالية (جماعة الإخوان المسلمين)، هل سيرضى المعارضون الجدد بها (تيار الإسلام السياسي)، وبنتائجها أم لا!!. خلاصة القول، إن الأيام المقبلة بصدد طريقين، الأول طريق احتجاجي ربما يكون متعرجاً طويلاً يمر عبر30 يونيو، متأرجحة سرعة السير فيه، والأخطر أنه غير واضح إلى أين يؤدي في نهاية المطاف، أما الطريق الثاني فطريق مؤسسي يمر عبر المؤسسات التشريعية (مجلس الشورى) والقضائية (المحكمة الدستورية العليا، واللجنة العليا للانتخابات)، ممهد, لكن يصعب معه التنبؤ بأن تكون فيه الانتخابات نزيهة أم لا.