بات الدخول في الشبكة العنكبوتية مخاطرة بعد انتشار الجرائم الإلكترونية، مثل النصب والتجسس وغسل الأموال، وتزوير بطاقات الائتمان، وتسريب المواد الإباحية ودعارة الأطفال، والتشهير، واقتحام الحواسيب الخاصة، والدخول إلى البريد الإلكتروني للجمهور، وانتحال الهوية وغيرها. ويمكن لمخاطر أمن المعلومات أن ترقى إلى مستوى تهديد الأمن القومي ككل، بما يحتم على الدول تطوير وسائل المواجهة والحماية في إطار منظومة الأمن القومي، ويقدر الخبراء قيمة الخسائر المادية للاعتداءات على حقوق الملكية الفكرية بنحو (72) بليون دولار سنوياً، كما قدّر معرض ومؤتمر الخليج لأمن المعلومات في اختتام أعماله مؤخراً خسائر الشركات نتيجة الجريمة الإلكترونية المنظمة بحوالى (800) بليون دولار سنوياً. وهكذا، دفعت الثورة الرقمية والتطورات الجارية في الاتصالات والمعلومات، إلى الساحة بالعديد من المتغيرات الجديدة فيما يتعلق بأمن المعلومات، بعد تحولها إلى الشكل الرقمي، وجعلت منها قضية مهيمنة على صناع القرار السياسي والجمهور المتخصص والعام كأحد أدوات الصراع بشكله الجديد. عدوى العالم وتتعدد تعريفات الجريمة الإلكترونية، إلا أنه يمكن وصفها بشكل عام بأنها كل فعل ضار يأتيه الفرد أو الجماعة عبر استعماله الأجهزة الإلكترونية، ويكون لهذا الفعل أثر ضار على غيره من الأفراد، والجريمة الإلكترونية ذات طابع مادي، وتتمثل في كل سلوك غير قانوني مرتبط بأي شكل بالأجهزة الإلكترونية، ويتسبب في حصول المجرم على فوائد مع تحميل الضحية خسارة، ودائماً يكون هدف هذه الجرائم هو سرقة وقرصنة المعلومات الموجودة في الأجهزة، أو تهدف إلى ابتزاز الأشخاص بمعلوماتهم المخزنة على أجهزتهم المسروقة. وقد بات العالم أمام هذه الحرب الجديدة بعد انتشار ما يسمى ب"التجسس التجاري" بين الشركات، الأمر الذي استدعى العديد من الدول الكبرى إلى التصدي لهذه الهجمات، من خلال سن تشريعات رادعة جديدة، وتعديل القائم منها، ففي هذا الإطار اقترحت مجموعة مشرعين أمريكيين مؤخرًا تشريعاً يمنع دخول الأجانب المتورطين في أعمال القرصنة أو الجرائم الإلكترونية ضد "الولاياتالمتحدة"، ويسمح بتجميد ممتلكاتهم. وفي نفس السياق، أقر أعضاء البرلمان الأوروبي والمفاوضون من المجلس الأوروبي والمفوضية الأوروبية، مشروع قانون يشدد العقوبات على الجرائم الإلكترونية التي وصلت خسارة الاقتصاد الأوروبي بسببها إلى حوالي 12 مليار يورو بحسب المفوضية الأوروبية، واعتمدت لجنة الحريات المدنية في البرلمان الأوروبي هذا القانون، الذي يهدف أيضاً إلى تعزيز عمليات الوقاية من الهجمات الإلكترونية، وتقوية تعاون الشرطة والأجهزة القضائية في الدول الأعضاء في الاتحاد، وينتظر أن يتم الاعتماد النهائي للتشريع في جلسة عامة للبرلمان الأوروبي في يوليو المقبل، لتبدأ الدول الأعضاء تطبيقه الفعلي. وقبل ذلك، قد تلقت "إسرائيل" حرباً إلكترونية على أهم مواقعها الأمنية والاجتماعية من قبل عدد كبير من الدول العربية، مثل "فلسطين وا?ردن ومصر وتركيا وتونس والسعودية"، وغيرها من الدول الأخرى، حيث وصل أعداد المهاجمين إلى أكثر من 10000 هاكرز، ووصفها البعض بأنها حلقة جديدة من حلقات الصراع العربي الإسرائيلي. والجدير بالذكر، أن مخاطر أمن المعلومات في عصر مجتمع المعلومات، تضم مستويين، الأول: يتعلق بمستوى تعقب وجمع المعلومات، ويشمل الوسائل التقليدية لجمع المعلومات التي تعتمد بشكل كبير على العناصر البشرية من الجواسيس، ووسائل الاستطلاع الحديثة، وفي مقدمتها الأقمار الصناعية التي تطورت بشكل كبير، كما يشمل هذا المستوى العديد من أدوات تعقب وجمع من داخل البنية المعلوماتية الأساسية للجهة المستهدفة، وغيرها من الثغرات أو نقاط الضعف الأمنية التي توجد بشبكات ونظم المعلومات، والبرامج المختلفة التي يمكن استخدامها في تعقب وجمع المعلومات، وأدوات التلصص على شبكات المعلومات وعمليات الاعتراض. أما المستوى الثاني من هذه المخاطر، يستهدف إفساد وتعطيل المعلومات، وتستخدم فيه العديد من الأدوات كفيروسات الحاسب، والاختراق المباشر لشبكات المعلومات، والهجوم بفيض الرسائل والطلبات، وهجمات الاختناق المروري الإلكتروني على نطاق واسع وغيرها. أسباب الجريمة وعلى صعيد الأسباب التي أججت من جريمة القرصنة المعلوماتية، يمكن القول أن اتساع قضية أمن المعلومات وتطورها على هذا النحو الخطير عالمياً وعربياً يعود إلى أمرين، الأول أن أغلب دول العالم بما فيها الدول العربية، ترفع حالياً شعار التحول إلى مجتمع المعلومات والمعرفة، وتنفذ خططاً واسعة النطاق لتحويل هذا الشعار إلى واقع. والثاني، أن تشييد بنية معلوماتية قومية واسعة المجال وتبني التوجه نحو مجتمع المعلومات، وضع المجتمع والدولة والمؤسسات إلى مرمى المخاطر، وحتم عليها مواجهة التحديات الشاملة والواسعة النطاق في أمن المعلومات، بمعنى أن تحديات أمن المعلومات في مجتمع يمتلك بنية معلوماتية واسعة يجعله يواجه تهديدات فى أمن المعلومات، تتسم بالشمول والاتساع وعمق التأثير وتنوع الأدوات وتعدد مصادر الهجوم وأدواته، وغزارة الأهداف التي تشكل إغراء ومناطق جذب لمن يستهدفونه. وقد أصبح هناك علاقة طردية ما بين التقدم العلمي في مجال الحاسب والنمو المتزايد في معدل الجريمة الإلكترونية، فهذا النوع من الجرائم الحديثة والمستحدثة تتنوع وتتضاعف يوماً بعد يوم، فعادةً ما يختلف مرتكب الجريمة عن المجرمين التقليدين؛ لأنه في الغالب على دراية كافية من العلم والثقافة والمعرفة، وبالتالي أضحت الجريمة الإلكترونية واقعاً له تداعياته السلبية على الاقتصاد العالمي، وما تسببه من خسائر ضخمة للمجتمعات. سبل المواجهة ومع التوقع بأن يشهد أمن الأجهزة المتحركة إقبالاًً متزايداً، لا تزال الشركات تقع ضحية لخطط مرتكبي الهجمات الإلكترونية منذ عام 1999، مما يثبت أن بعض الشركات لا تواكب تسارع قطاع التقنية، وتكتفي باستخدام البروتوكولات ذاتها خلافاً لمرتكبي الهجمات الذين يصقلون خبراتهم ويطورون خطط الهجوم وأساليبه، فلا شك أن صد الهجمات الإلكترونية يحتاج إلى تعاضد أقطاب القطاع وتكاتف الحكومات، لإطلاق حلول ناجحة رادعة لتلك الهجمات. كما يمكن ذكر بعض طرق الوقاية من القرصنة والجرائم الإلكترونية على مستوى الفرد، مثل أخذ الحيطة والحذر، وعدم تصديق كل ما يصل من إعلانات، والتأكد من مصداقيتها من خلال محركات البحث الشهيرة، إلى جانب تجنب فتح أي رسالة إلكترونية مجهولة المصدر، بل المسارعة إلى إلغائها، إضافة إلى وضع الرقم السري بشكل مطابق للمواصفات الجيدة التي تصعّب من عملية القرصنة عليه، فضلاً عن الحرص على المعلومات الشخصية والحاسب الشخصي، وذلك بوضع برامج الحماية المناسبة. ولحفظ الحدود وزيادة الحماية، وجب سن القوانين التي ترغم المجرمين على التزام حدودهم، ولكن هناك عائق كبير في ذلك، وهو يواجه هذه القوانين في تطبيقها على أرض الواقع وبشكل فعلي؛ وذلك بسبب جهل الناس بها؛ لأنها قوانين مستجدة وحديثة لجرائم غير معهودة، وليست كغيرها من الجرائم، فكان من أهم خطوات تطبيق هذه القوانين هو توعية الناس بالجرائم الإلكترونية وما تسببه من أضرار. *باحث بمركز الدراسات والبحوث