في ظل التحديات وتصاعد الاضطرابات بين السنة والشيعة، وانعكاسات ما يحدث في إيران وسوريا ولبنان على الجغرافيا السياسية لدول المنطقة، يظل مستقبل العراق هو التحدي والهاجس المسيطر على رجل الشارع العراقي، وإن كان الساسة قد دعوه جانباً. فبعد غياب لأكثر من عامين، قام رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بزيارة «أربيل» - عاصمة إقليم كردستان العراق - يوم الأحد الماضي الموافق 9 يونيو، حيث التقى برئيس الإقليم مسعود بارزاني، وعقدت جلسة للحكومة الاتحادية في "أربيل"، كما عقد مؤتمراً صحفياً مع بارزاني بعد اللقاء قال فيه: "لا أنا أو بارزاني نملك عصا سحرية. الأمر الهام هو رغبتنا المشتركة في التوصل إلى حلول"، كما أشار الزعيمان إلى اتفاق «النقاط السبع» الذي أبرم قبل أسابيع في بغداد، كأرضية لحل القضايا العالقة، وأبرزها المناطق المتنازع عليها ومنها «كركوك»، ودور حرس الإقليم "البيشمركة"، وقانون النفط والغاز، وعقود النفط الكردية. وتجاه هذه الأزمات التي يواجهها «المالكي» مع الأكراد من جانب، والعرب السنة من جانب آخر، هناك جدل حول جدوى هذا اللقاء في أن يسهم في حل الخلافات التي يعيشها العراق، وحول التنازلات التي يقدمها «المالكي» عندما يشعر فقط بالضعف، وليس عندما يكون قوياً، والفرصة التي أتت إلى الأكراد الآن من أجل دفع «المالكي» إلى التعاون. ويرى مراقبون أن زيارة «المالكي» إلى الإقليم، تندرج ضمن جهود تنقية الأجواء بين القوى السياسية العراقية؛ لحل الأزمات الجمة التي بدأها زعيمُ المجلس الأعلى الإسلامي "عمار الحكيم"، من خلال ما أطلق عليه «اللقاء الرمزي» للزعماء العراقيين في بغداد مؤخراً. منجم الخلاف يشار إلى أن هناك خلافات هامة بين المالكي وبارزاني حول عدد من الملفات الهامة، من بينها عائدات النفط، فقد توقف تصدير النفط من إقليم كردستان العراق منذ شهر ديسمبر 2012 الماضي بسبب الخلاف حول اقتسام عائدات النفط مع الشركات التي تعاقد معها الإقليم، كما أن هناك خلافاً آخر بين بغداد وأربيل حول نشر قوات للجيش العراقي في مناطق يعتبرها إقليم كردستان العراق خاضعة لسيطرة قواته من البشمركة. وفي نفس الوقت هناك أزمة حادة بين المالكي والمحتجين من العرب السنة، الذين يواصلون مظاهراتهم منذ شهور، ويتهمون المالكي بالعمل على تهميشهم. كما شهد العراق في الأسابيع الأخيرة موجة من التفجيرات، الأمر الذي أدى إلى مقتل أكثر من ألف عراقي خلال شهر مايو المنصرم، مما يجعل الشهر الماضي الأكثر دموية في العراق منذ عام 2008. وفي إطار الأسباب والعوامل التي ساقها الخبراء والمحللون لسعي المالكي للتوجه إلى تحييد موقف إقليم كردستان من خلال الاستجابة لبعض مطالب الأكراد، نجد أن تلك العوامل انقسمت إلى محلية وأخرى دولية خصوصا بعد تأزم الأوضاع السياسية التي رافقت الاعتصام في محافظة الأنبار وبعض المحافظات الأخرى منذ نحو ستة أشهر. ورغم عدم إنكار شقة الخلاف بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان العراق حول تلك الملفات الخلافية، إلا أنه في حال تنازل كلا الطرفين عن بعض التشدد في المطالب فإنهما قد يصلان إلى منطقة تخفف أجواء التأزم التي شابت الوضع في العراق خلال السنوات العشر الأخيرة. وعليه يمكن الاعتراف بأن اختيار الحوار والتنازل المتبادل عن المطالب المتشددة، يهيئ أرضيةً جيدة لإنهاء التوتر، خاصة أن كركوك وعقائديتها ملف يصعب حسمه قريبا. ردود أفعال وعلى مستوى ردود الأفعال، ترك لقاء المالكي وبارزاني في اربيل انطباعات متباينة على مكونات القوى السياسية العراقية، فقد أبدى عضو مجلس العرب في كركوك عبد الرحمن العاصي قلقه من أن ينطوي التقارب بين المالكي وبارزاني على ما سمّاه ب«صفقة» بحق العرب المهددين بالترحيل من كركوك. وفي متابعة لتداعيات لقاء «أربيل»، اعتبر عضو ائتلاف دولة القانون "حسين الصافي"، أن انعقاد مجلس الوزراء الاتحادي في أربيل أمر صحي ينطوي على إشارة للتوجه لحل النقاط الخلافية بين بغداد وأربيل. وتوقع عضو التحالف الكردستاني النائب محسن السعدون، أن ينعكس تحسن الأجواء مع إقليم كردستان بشكل إيجابي على مجمل الوضع السياسي في العراق. فيما توقع القيادي في الاتحاد الإسلامي الكردستاني ريبوار طالباني، أن تنعكس زيارة المالكي لإقليم كردستان، ولقائه ببارزاني بإيجابية على الأوضاع في كركوك، وتمهد لحل العديد من المشاكل العالقة. ومن جانبه رأى عضو ائتلاف العراقية النائب أحمد المساري، أنه ليس من الواضح أن اللقاء سيخرج بأي نتائج ملموسة لحل المشاكل، على الرغم أنه اعتبرها خطوة قد تنجح في ترطيب الأجواء بين جميع الكتل السياسية. وتركت الزيارة صداها أيضاً على التركمان، إذ أبدى عضو المجموعة التركمانية في مجلس محافظة كركوك نجاة حسين ارتياحه من زيارة "المالكي" إلى "أربيل"، لكنه لمح إلى المخاوف من عقد اتفاقات قد تنطوي على تجاوز لحقوق التركمان. وفي هذه الأثناء رحبت السفارة الأمريكية في بغداد بعقد اجتماع مجلس الوزراء العراقي والاجتماعات المصاحبة في أربيل، بما في ذلك الاجتماع ما بين رئيس الوزراء نوري المالكي ورئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني، وأثنى بيان للسفارة على القادة العراقيين لكونهم ملتزمين بتقوية دولتهم بموجب الدستور العراقي، وعزل الإرهابيين والمجاميع الإجرامية الذين يسعون إلى زرع الفتنة الطائفية. بحسب تعبير البيان. بين الفشل والنجاح وبعد العرض السابق لملف التطور على الساحة السياسية العراقية، وما يقتضيه من تداعيات على الشارع العراقي، يمكن لنا التكهن على المستوى الأول من التوقعات بنجاح محاور اللقاء بين المالكي والأكراد، فنظراً لأن الخطر المحلي والإقليمي على حكومة المالكي يأتي من جانب السنة، فإن الأكراد يمكنهم التحرك باتجاه الحصول على تنازلات من "المالكي" مقابل التعاون معه. وعليه يمكن القول بأن هناك إمكانية للتوصل إلى اتفاقات معينة بين بغداد وأربيل، قد تؤجل أو تحل جزئياً بعض المشاكل، بما يؤمن فرصة لإدارة الصراع، وليس حل الأزمة في العراق. لكن على المستوى الثاني من التوقعات الخاصة بمدي جدوى هذا الاجتماع، فإن هناك احتمالاً لإعادة إحياء ما عرف عراقياً عبر السنوات العشر الماضية ب«التحالف الكردي الشيعي» هو أمر بعيد المنال، خاصة وأن المتغيرات الداخلية والإقليمية لا تدعم مثل هذا التوجه، على الأقل في المدى القريب، فكل الأطراف تنتظر الانتخابات بداية عام 2014 لتحديد أوزانها ودراسة توازناتها. ونعود في نهاية الحديث لنؤكد علي أن بقاء الأزمات على توترها الحالي يقرب البلاد من حرب أهلية جديدة، وهو ما يحول دون إجراء انتخابات يتم التعويل عليها لحسم التوجهات المستقبلية، فيبقى الأمل لدى القوى السياسية في التوجه إلى التهدئة، لا من أجل حل الأزمات جذرياً، ولكن من أجل التوازنات السياسية قبيل الانتخابات المرتقبة.