الرئيس السيسى: مصر انتهجت مسارا دبلوماسيا نزيها بشأن السد الإثيوبى..وحماية المياه تمثل قضية مصيرية    لليوم الخامس .. فتح لجان تلقى أوراق طلبات الترشح لانتخابات مجلس النواب    وكيل "تعليم الفيوم" يشهد طابور الصباح وتحية العلم بمدرسة المسلة الإعدادية للبنات    التضامن: غلق 7 دور رعاية وتحرير 8 محاضر ضبط قضائي    اسعار الدولار اليوم الأحد 12 أكتوبر 2025.. بكام النهاردة ؟    تعرف علي أسعار البنزين والسولار صباح اليوم الأحد 12 أكتوبر 2025 فى محطات الوقود    مصر تحصد ثمار التطوير.. قفزات نوعية في التصنيفات العالمية للطرق والموانئ    مصر تتسلم رئاسة المنظمة الدولية للتقييس "أيزو" لمدة 3 أعوام بعد فوز مشرف ومستحق    صحف قطرية: قمة شرم الشيخ بارقة أمل لإنهاء معاناة الفلسطينيين    انفراجة كبيرة .. 400 شاحنة مساعدات من مصر تعيد الحياة إلى قطاع غزة    60 ساعة من الأمطار تغرق المكسيك..مصرع أكثر من 41 شخصا و5 ولايات منكوبة    العراق يحقق فوزًا مهما على إندونيسيا في تصفيات كأس العالم    توروب يحضر مباراة منتخب مصر أمام غينيا بيساو من استاد القاهرة لمتابعة لاعبيه الدوليين    مواعيد مباريات اليوم الأحد 12-10- 2025 والقنوات الناقلة لها    الأرصاد الجوية : انخفاض بدرجات الحرارة اليوم وفرص أمطار ببعض المناطق والعظمى بالقاهرة 28 درجة    وزارة التعليم تحدد 3 امتحانات بالفصل الدراسى الواحد .. اعرف المواعيد    غدًا.. عرض أفلام مهرجان بردية السينمائي في ضيافة المركز القومي للسينما بالهناجر    مواقيت الصلاه اليوم الأحد 12اكتوبر 2025 فى المنيا    وزير الصحة يشهد حفل توزيع جائزة «فيركو» للصحة العامة في ألمانيا    مستشفى قنا الجامعي ينقذ شاب بعد إصابته بطلق ناري نافذ بالصدر.. اعرف التفاصيل    انخفاض درجات الحرارة بشمال سيناء.. والعريش 28 درجة    مصرع 4 أشخاص وإصابة 12 آخرين إثر اصطدام أتوبيس بسيارة نقل على طريق الجلالة    وزير العمل يلتقي نظيره السوداني لتفعيل التعاون في الملفات المُشتركة    9 مرشحين حتى اليوم الرابع.. هدوء في سباق الترشح لمجلس النواب بالبحر الأحمر    أسعار الفراخ اليوم في العالي.. وتحذير من قفزات جديدة قادمة    بتهمة نشر أخبار كاذبة والإنضمام لجماعة إرهابية.. محاكمة 56 متهمًا اليوم    إعلام القاهرة تحصل على تجديد الأيزو في جودة الجهاز الإداري والصحة والسلامة المهنية وإدارة استمرارية الأعمال    الاعتراض وحده لا يكفي.. نبيل فهمي: على الدول العربية أن تبادر وتقدّم البدائل العملية لحماية أمنها القومي    عضو مجلس السيادة السوداني: الحرب ستتوقف عندما تُثبَّت أركان الدولة السودانية    محافظ الغربية يتفقد احتفالات مولد «السيد البدوي» بطنطا    «زي النهارده».. اغتيال الدكتور رفعت المحجوب 12 أكتوبر 1990    قراءة فنجان وصديق مشترك.. كيف تزوجت إيناس الدغيدي من «سوكارنو» ؟    تفاصيل ظهور «رونالدينيو» في كليب عالمي لمحمد رمضان    مسلسل «لينك» الحلقة 1.. سيد رجب يتعرض لسرقة أمواله عبر رابط مجهول    45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. الأحد 12 أكتوبر    بعد تعيين توروب.. الأهلي ينهي اتفاقه مع صفقة جديدة (تفاصيل)    اشتباكات عنيفة على الحدود الأفغانية الباكستانية    قيادي ب فتح يدعو حماس لإجراء مراجعة وإنهاء حكمهم في غزة.. ويطالب مصر باحتضان حوار فلسطيني-فلسطيني    سفارة قطر بالقاهرة تعرب عن بالغ حزنها لوفاة ثلاثة من منتسبي الديوان الأميري في حادث    موعد عرض مسلسل المؤسس أورهان الحلقة الأولى على قناة atv التركية.. والقنوات العربية الناقلة وترددها    بهدف زيدان.. العراق يفوز على إندونيسيا ويخوض مواجهة نارية أمام السعودية    نهاية عصابة «مخدرات الوراق».. المشدد 6 سنوات لأربعة عاطلين    نتيجة اختلال عجلة القيادة.. حادث مؤسف لوفد دبلوماسي قطري قبل شرم الشيخ ووفاة 3 وإصابة 3    صحة دمياط: متابعة دورية للحوامل وخدمات متكاملة داخل الوحدات الصحية    وزير الأوقاف فى الندوة التثقيفية بالإسماعيلية: الوعى أساس بناء الوطن    مثقل بمشاكل العائلة.. حظ برج الدلو اليوم 12 أكتوبر    18 معلومة عن مي فاروق: الرئيس السيسي كرمها و«تأخير» حرمها من المشاركة بمسلسل شهير وخضعت ل«عملية تكميم»    خالد عجاج ينهار باكيًا على الهواء أثناء غناء «الست دي أمي» (فيديو)    وفاة «عبدالله» بطل إنقاذ «عجوز فيصل» بعد توقف القلب والمخ.. تفاصيل الساعات الأخيرة داخل العناية المركزة    تركيا تكتسح بلغاريا بسداسية مدوية وتواصل التألق في تصفيات كأس العالم الأوروبية    خالد جلال: جون إدوارد ناجح مع الزمالك.. وتقييم فيريرا بعد الدور الأول    نجم الأهلي السابق: توروب سيعيد الانضباط للأحمر.. ومدافع الزمالك «جريء»    رسميًا.. مواعيد صرف مرتبات أكتوبر 2025 للمعلمين والأشهر المتبقية من العام وجدول الحد الأدني للأجور    4 خطوات ل تخزين الأنسولين بأمان بعد أزمة والدة مصطفى كامل: الصلاحية تختلف من منتج لآخر وتخلص منه حال ظهور «عكارة»    أوقاف الفيوم تكرم الأطفال المشاركين في البرنامج التثقيفي بمسجد المنشية الغربي    رئيس جامعة الأزهر يوضح الفرق بين العهد والوعد في حديث سيد الاستغفار    عالم أزهري يوضح أحكام صلاة الكسوف والخسوف وأدب الخلاف الفقهي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 11-10-2025 في محافظة الأقصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



واجب الأمة نحو الأقصى
نشر في محيط يوم 30 - 05 - 2013

أخرج أحمد وغيره عن أبي أمامة رضي الله عنه: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الدِّينِ ظَاهِرِينَ، لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ (أي من شدة وتعب) حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ».
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ: «بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ».نذكر هذا الحديث الشريف ونحن في شهر رجب الحرام الذي دخل فيه القائد المظفر صلاح الدين الأيوبي وجنوده المؤمنون القدس الشريف وحرَّروا بيت المقدس بعد معركة حطين سنة 583 ه، ونحن أيضا في شهر مايو الذي أعلنت فيه العصابات الصهيونية المجرمة إقامة دولة الكيان الصهيوني سنة 1948 م، وعلى بُعد أيام من شهر يونية الذي سقطت فيه القدس بيد الصهاينة في السابع من يونية 1967 م إبان الهزيمة المرة للنظام العربي في 5 يونية 1967 م ، وما بين النصر والهزيمة، وما بين الارتفاع والهبوط؛ تتأرجح مشاعر الأحرار المخلصين، وتتعلق الآمال بفتح قريب، يعود فيه الحق للظهور، وتعود فيه الأمة لسابق عزها ومجدها، وتنتظر قلوب المحبين بلهفة قوية لحظة الدخول إلى ساحات الأقصى المحرر في ظلال دولة فلسطين الحرة المستقلة، وإلى أن يتحقق هذا الأمل المنشود فإن الأمة لا بد أن تعيش مع قضيتها الكبرى قضية فلسطين والأقصى، وأن تتوارث الأجيال الإيمان بهذه القضية والعزيمة في العمل لها والهمة في الانتصار لها، لتكون من الطائفة المنصورة، الظاهرة على دينها، القاهرة لعدوها، الصابرة على كل لأواء تصيبها، لك الطائفة التي بدت طلائعها ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس، حيث المجاهدون من أبناء القسام والياسين والرنتيسي والمقادمة وفتحي الشقاقي وغيرهم في فلسطين، والمحاهدون القابضون على الزناد العاضون على الجراح الواثقون بالنصر في أرض الشام، وغيرهم من المجاهدين في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس.
أهمية المسجد الأقصى عند المسلمينلقد ارتبطتْ قُدسيَّةُ المسجدِ الأقصى المباركِ وما حوله من أرض فلسطين والشام بالعقيدةِ الإسلاميَّةِ منذ أن أُسريَ برسول الله صلى الله عليه وسلم إليه، وعُرِج منه به إلى السماواتِ العلى، وقد خلَّد القرآنُ هذا الحدَثَ العظيمَ في سورةٍ سُمِّيتْ به، هي سورةُ (الإسراء)؛ حيث افتتحها سبحانه بقوله ?سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ? (الإسراء: 1).
وتعزَّز هذا الارتباط منذ أن كان المسجدُ المباركُ هو القبلةَ الأولى للمسلمين، قبل أن يتحوَّلوا إلى الكعبةِ ويتخذوها قبلَتَهم بأمرِ الله عز وجل، فاعتُبر أولى القبلتين، وقبل ذلك كان هذا المسجدُ الشريفُ ثانيَ مسجدٍ بُنيَ على الأرضِ، بعد المسجدِ الحرامِ، فعُرف بثاني المسجدين، فعن أبي ذَرٍّ رضي الله عنه قَال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ في الأَرْضِ أَوَّلُ؟ قَال: «الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ»، قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟! قَالَ: «الْمَسْجِدُ الأَقْصَى»، قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَال: «أَرْبَعُونَ سَنَةً، ثُمَّ أَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاَةُ بَعْدُ فَصَلِّهْ، فَإِنَّ الْفَضْلَ فِيهِ» (متفق عليه)، ثم ربط الرسول صلى الله عليه وسلم مكانته بالمسجد الحرام ومسجد المدينة، فاشتُهر بأنه ثالث الحرمين، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى» (متفق عليه)، وعن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ مَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الأَقْصَى وَمَسْجِدِي» (متفق عليه).وجعل النبيُّ صلى الله عليه وسلم الصلاةَ فيه أعظمَ أجرًا من الصلاة فيما سواه من المساجد غير المسجد الحرام والمسجد النبوي، فجعل الصلاة فيه بخمسمائة صلاة فيما سواه، فعن أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الصَّلاةُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِمِائَةِ أَلْفِ صَلاةٍ، وَالصَّلاةُ فِي مَسْجِدِي بِأَلْفِ صَلاةٍ، وَالصَّلاةُ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِخَمْسِمِائَةِ صَلاةٍ» (أخرجه الطبراني وقال الهيثمي: رجاله ثقات، وفى بعضهم كلام).
اهتمام المسلمين على مرِّ التاريخ بالمسجد الأقصى وبيت المقدس وفلسطينحين أمر اللهُ المسلمين بالتحوُّلِ من بيتِ المقدسِ إلى الكعبةِ المشرَّفةِ أدرك المسلمون أنَّ عليهم استنقاذَ القبلتين، فبذلوا المُهَجَ والأرواحَ، حتى فتح الله عليهم مكَّةَ، ودخل الناسُ في دينِ الله أفواجًا، ثم وجَّهوا همَّتَهم لاستنقاذِ القبلةِ الأولى، وكان الفتحُ العُمَريُّ لفلسطين ولبيت المقدس عام 15ه هو حجرَ الأساسِ لانطلاقةِ بناءِ المسجدِ الأقصى المباركِ؛ حيث سار الخليفةُ الراشديُّ عمرُ بنُ الخطاب رضي الله عنه إلى المنطقةِ المباركةِ، وزار موقعَ الصخرةِ المشرَّفةِ التي كانت قد طُمِرت تحت الأتربةِ والنفايات، وأمر بتنظيفِها، كما أمر بإقامةِ مسجدٍ في الجهةِ الجنوبيةِ منها، ثم نُفِّذ مشروعُ تعميرِ منطقةِ المسجدِ في عهدي الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان وابنه الوليد.وظلَّت فلسطين والمسجدُ الأقصى مع المدينةِ المباركةِ تحت إمْرَةِ المسلمين يتعهَّدونه بالرعايةِ والعنايةِ، حتى سقط عام 493ه في أيدي الصليبيين، الذين استغلوا ضعفَ الخلافةِ، وتفكَّك الوحدةِ الإسلاميةِ، وتنازُعَ الأمراءِ، وغلبةَ الأهواءِ على المسلمين، واستمرَّ الاحتلالُ الصليبيُّ حوالي تسعين عاما هجريةً، حتى حرَّره القائدُ صلاحُ الدين الأيوبيُّ الذي حلف ألاَّ يبتسمَ حتى يحرِّره، وكان له ما أراد عام 583 ه، وقام صلاحُ الدين بإعادةِ ترميمِه وإصلاحِه وتجديدِ وتزيينِ محرابِه، وقامتْ في ساحاتِ المسجدِ وحوله مدارسُ ومكتباتٌ ودورٌ لحفظِ القرآنِ ودراسةِ علومِهِ ودورٌ للحديثِ النبويِّ الشريف ودراسةِ علومِ السُّنَّة.
وعادت فلسطين عربية إسلامية حتى قام الاستعمارُ الغربيُّ الذي عمَّ الأقطارَ العربيةَ والإسلاميةَ في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين بزرعِ الكيانِ الصهيونيِّ في جسدِ فلسطين، ثم تَمَّ الاعترافُ الدوليُّ الظالمُ بما سُمِّيَ بدولةِ إسرائيل عام 1948م، وتم تشريد ملايين الفلسطينيين في مخيمات داخل وخارج بلادهم، وفي الشتات، ثم في ظل أنظمة الاستبداد العربي قام الكيانُ الغاصبُ باغتصابِ القدس عام 1967م مع ما تبقى من فلسطين وبعض الأراضي المصرية والسورية، ثم كانت المحاولةُ اليهوديَّةُ الآثمةُ لحرق المسجد في 21 أغسطس 1969م على يَدِ شابٍّ يهوديٍّ يُدْعَى مايكل روهان، ثم تمَّ إعلانُ ضمِّ القدسِ سياسيًّا إلى دولةِ الاحتلال الصهيوني سنة 1980م، وتوالتْ محاولاتُ قطْعاِن المغتصبين الصهاينةِ المدعومين من دولةِ الاحتلالِ للإساءة للمسجد المبارك في غفلةٍ عجيبةٍ من المسلمين، بدت في بعض الأحيان تواطأً من أنظمة فاسدة مستبدة مع الكيان الصهيوني الغاصب.
لقد أكد هذا التاريخ أن فلسطين والمسجد الأقصى دائما كانا عنوان عز الأمة أو ذلها، وعلامة نهوضها أو سقوطها، فحيث كانت الأمة قوية موحدة مستمسكة بدينها وهويتها تكون فلسطين حرة ويكون المسجد الأقصى عزيزا، وحيث أخلدت الأمة إلى الأرض وتفرقت بها الأهواء وغلبت عليها الشهوات وقعت فلسطين تحت الاحتلال ورسف الأقصى في قيود الأسر.ومع تنامي الصحوة الإسلامية وظهور الربيع العربي المبارك عاد الأمل قويا في استعادة القدس وفلسطين لعالمها العربي والإسلامي، رغم كل المحاولات الصهيونية الفاشلة بإذن الله تعالى.محاولات تهويد القدسمنذ بدأتْ العصاباتُ الصهيونيةُ في التوافدِ على فلسطين وهي تضع الخططَ وتبذل الجهودَ الجبارةَ لتهويدِ المدينة المباركة، وتهجير الفلسطينيين منها بشتى الطرق غير المشروعة، فمن ذلك:
- أنهم أصدروا تشريعًا يُسَمَّى (قانون الغائب) يقضي بأن مَنْ يتغيَّب من الفلسطينيين عن منزله من 8 إلى 10 سنوات تتم مصادرةُ أرضِه وبيتِه لسلطاتِ الاحتلال، ثم كانوا يستغلون خروج الفلسطيني لغرض العلاج أو زيارة الأقارب أو غير ذلك ليمنعوه من الدخول حتى تمر المدة المذكورة فيصادروا داره وحقه في العودة.
- وتوسَّعوا في إنشاءِ المغتصبات الضخمةِ لتسكين عشرات الآلاف من الصهاينة داخل وحول المدينة المباركة، ولا تزال مخططاتهم الاستيطانية متواصلة رغم كل المحاولات الأممية لإدانتها، وعسى الله أن يحعلها ميراثا لأصحاب الحق والأرض الفلسطينيين إن شاء الله تعالى.
- وتوسَّعوا في حَفْرِ الأنفاقِ في المنطقةِ القريبةِ من المسجد، إلى الحدِّ الذي صار يُخْشَى منه على انهيارِ المسجدِ الأقصى قريبًا، بل قد انهارت بالفعل بعضُ ملحقاته.- ولما أعيتهم الحِيَل في إيجادِ أيَّةِ آثارٍ تُشير لما يزعمون من تاريخِ اليهودِ في هذه البلادِ المباركةِ انطلقوا في تزويرِ الحقائق، ويدَّعُون بوقاحةٍ أنَّ بعضَ الآثارِ الإسلاميةِ والعربيةِ القديمةِ هي آثارٌ يهوديةٌ؛ ظلمًا وزورًا.
- وأقرب حلقات التهويد وربما لا تكون آخرها: رفع الأعلام الصهيونية فوق المسجد الأقصى المبارك، ومن قبل ذلك محاولة الصهاينة هدم باب المغاربة، تلك المحاولة الأثيمة التي تريد سلطات الكيان الصهيوني الغاصب إنجازها في ظل انشغال العرب والمسلمين بمشاكلهم الداخلية وانشغال الفلسطينيين بإنجاز التصالح الداخلي بين الفصائل المختلفة، ولا يقتصر مخطط باب المغاربة على هدم طريق باب المغاربة، بل يشمل بناء جسر عسكري يمهّد لاقتحام أعداد كبيرة من قوات وآليات الاحتلال، ولاقتحامات واسعة النطاق ومتكررة للمغتصبين الصهاينة للمسجد الأقصى المبارك، لخدمة مخطط تقسيم المسجد بين المسلمين واليهود، على غرار المسجد الإبراهيمي في الخليل.
- كما يشمل المخطط استكمال تهويد ساحة البراق التي حولها المغتصبون الصهاينة سابقا إلى معلم ديني لدولتهم، وطمس باقي المعالم الاسلامية في البلدة القديمة في القدس، بل وربط الساحة التي ترتبط برحلة الإسراء بالرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم بالمغتصبات التي تسمى بالبؤر الاستيطانية المحيطة بالقدس.كل هذه التحديات تطرح علينا السؤال الضروري عن واجبنا نحو فلسطين والمسجد الأقصى في ظل كل تلك المخاطر؟.
واجباتنا نحو القدس والمسجد الأقصىمن أهم الواجبات ما يلي:- العملُ على دعْمِ ونشرِ القضيةِ، وفضحِ المخططاتِ الصهيونيةِ، من خلال المنابر الدينية والثقافية، والصحافة، والفن، والأدبِ، والرياضة، والعمل النقابي، والعمل الكشفي، والبرلمانات، ومناهجِ التعليمِ، ووسائلِ الإعلامِ، والمؤتمرات والندوات وحلقات النقاش العلمية؛ للتأكيدِ على هُوِّيَّةِ القدس العربية الإسلامية، وكشف المؤامرة الصهيونية والغربية على فلسطين، وتوضيح حجم وآثار المعاناة الإنسانية لأهلنا المرابطين هناك، وحجم التضحيات العزيزة التي يقدمها الصامدون المرابطون على ثغور الأقصى وفلسطين، وتأكيد الوعي بحقيقة وتاريخ هذا الصراع الذي فرض علينا فرضا، وبث روح الأمل والتفاؤل بقرب تحقيق النصر لأهلنا في فلسطين وللأمة من ورائهم، والتبشير بقرب تحلل وزوال الكيان الغاصب المزروع في قلب الأمة؛ باعتباره جسما غريبا منبت الجذور وعديم الصلة بهذه الأرض المباركة، وغير مرتبط عضويا بهذه المنطقة من العالم، وأنه آخذ في الانحسار بفضل الله ثم بفضل تنامي الرفض الشعبي العربي للتطبيع معه، وبفضل تنامي القوة المجاهدة التي تواجهه وتكسره، حتى بصدورها العارية.
- القيامُ بإنجازات عملية وحقيقية في ترميمِ الآثارِ الإسلاميةِ والعربيةِ، وعدمُ تركِها لعواملِ الزمنِ لتنهار، وتسجيلها لدى الهيئات الدولية ذات الصلة، خصوصا بعد أن تم الاعتراف بفلسطين دولة كاملة العضوية في اليونسكو، مما يفتح الباب أمام العرب والفلسطينيين لتسجيل كل ما هو فلسطيني، حتى لا يستمر الصهاينة في سرقة التراث الفلسطيني، وتسجيله على أنه تراث يهودي، بعد أن أعيتهم الحيل وفقدوا الأمل في العثور على أية حفريات أو آثار تشير إلى أي دور حضاري لهم في تاريخ بلادنا.
- إقامةُ المشاريع التي تدعم بقاءَ الفلسطينيين ببلادِهم، عن طريقِ صناديقِ تمويلٍ عربيةٍ وإسلاميةٍ حكوميةٍ وأهليةٍ؛ لدعمِ صمودِ شعبِنا المجاهدِ الصابرِ في أرضِ الرباطِ، وعدمُ تركِ الإعمارِ يمرُّ عبر القناة الصهيونية، ولنذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن قيمة الأرض القريبة من الأقصى، فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ مِثْلُ سِيَةِ قَوْسِهِ (ما عُطِفَ من طَرَفَيْها) مِنَ الْأَرْضِ؛ حَيْثُ يَرَى مِنْهُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ خَيْرٌ لَهُ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا» (أخرجه الحاكم والطبراني والبيهقي في الشعب).
- دعمُ جهادِ المقاومةِ الفلسطينيةِ ماديًّا ومعنويًّا وإعلاميًّا، وتثبيتُ قوّتِها، والتواصلُ الرسميُّ والشعبيُ معها؛ ومساندتها في الرفع الكامل للحصار، وإعادة إعمار قطاع غزة الأبيّ، حتى لا تظلَّ هذه الجبهةُ المقاومةُ وحيدةً في ميْدانِ المعركة، وخصوصًا بعد الإنجازات الرائعة التي حققتها في السنوات الأخيرة، في حرب الفرقان، ثم في معركة حجارة السجيل، ونجاحها الرائع في معركة الأسير شاليط، وغير ذلك من الإنجازات التي أذلت الغاصب الصهيوني وحطمت كبرياءه.
- الإسراع والضغط باتجاه تحقيق المصالحة الفلسطينية بين الفصائل المختلفة، وبخاصة بين فتح وحماس، ودعم وحماية الفلسطينيين من الرضوخ للضغوط الصهيوأمريكية والغربية، وتحقيق الاستفادة العملية من الانكسار الصهيوني والتنامي المطرد للوعي وللقوة الجهادية المدعومة شعبيا ورسميا من امتدادها وعمقها العربي والإسلامي.
- تحقيقُ مشروعِ صندوقِ الأقصى وفلسطين وتفعيلُه بحيث يكون حكوميًّا وأهليًّا، فرديًّا وجماعيًّا، تُسْهِمُ فيه المؤسساتُ والأفرادُ، وتتبنَّاه جميعُ الهيئاتِ والأُسَر في الأمة.- العملُ على استقطابِ الرأيِ العامِ الغربيِّ والعالميِّ لنُصرةِ الحقِّ الفلسطينيِّ العربيِّ الإسلاميِّ، من خلالِ حملاتٍ إعلاميةٍ وقانونيةٍ، ونشرِ دراساتٍ علميةٍ وتاريخيةٍ حقيقيةٍ، بمختلف اللغات الحية، وعبر كلِّ وسائلِ الإعلامِ وصناعةِ الرأيِ العامِ المؤثرة، تقوم بها لجانٌ متخصصةٌ يتوفر فيها الإخلاصُ للقضية، ويتوفر لها الدعمُ الماليُّ المناسبُ رسميًّا وشعبيًّا؛ حتى تتمكنَ من إحداثِ التأثير المطلوب، حتى تعي كل القوى المؤثرة في العالم اليوم أن إصرارها على مواقفها المعادية، أو المستهترة بآلام الشعب الفلسطيني، وآمال الشعوب العربية، يُخْشَى منه أن يؤدي إلى تأسيس وتغذية نوع من الحقد بين الشعوب لا تُحمَد عقباه، ولا يُتصوَّر مداه، وأن الشعب العربي والمسلم لن يبقى ساكتا على هذا العدوان طويلا.وهنا لا بد من التأكيد على الرفض الرسمي والشعبي لدورة الألعاب الرياضية الأوربية المزمع إقامتها في دولة الاحتلال الصهيوني في يونية القادم، ومخاطبة كافة الاتحادات الرياضية وممارسة الضغط عليها لرفض هذه الدورة، والقيام بتنظيم دورة رياضية عربية إسلامية في غزة في نفس التوقيت.
- أخذُ المجامعِ العلميَّةِ والفقهيَّةِ لدورِها في إحياءِ الروحِ الإسلاميَّةِ في الأمَّةِ، وإصدار الفتاوَى الشرعيةِ التي تُلْزِمُ الأمة حكامًا ومحكومين بالعملِ لاستنقاذِ فلسطين والمسجد الأقصى؛ باعتبارِ ذلك واجبًا دينيًّا ومسئوليةً شرعيةً وأخلاقيةً، لا مجال للتردد في تحمُّلها بحقِّها، وقيام الأئمة بتعريف الناس وبث الوعي بهذه الحقائق الدينية والتاريخية والإنسانية من خلال الخطب المنبرية والدروس المسجدية.
وهنا أذكر بفتوى لجنة الفتوى بالجامع الأزهر المكونة من كل علماء المذاهب الفقهية في يوم الأحد 18 جمادى الأولى سنة 1375 ه الموافق "أول يناير سنة 1956" التي حرمت التصالح مع الكيان الصهيوني أو التقاعس عن مواجهة مشروعاته الاستعمارية، ومما ورد فيها : «وكذلك يحرم شرعا على المسلمين أن يمكنوا إسرائيل ومن ورائها الدول الاستعمارية التي كفلت لها الحماية والبقاء من تنفيذ تلك المشروعات، التي لا يراد بها إلا ازدهار دولة اليهود وبقاؤها في رغد من العيش وخصوبة في الأرض، حتى تعيش كدولة تناوئ العرب والإسلام في أعز دياره، وتفسد في البلاد أشد الفساد، وتكيد للمسلمين في أقطارهم، ويجب على المسلمين أن يَحُولوا بكل قوة دون تنفيذها، وأن يقفوا صفا واحدا في الدفاع عن حَوْزة الإسلام، وفي إحباط هذه المؤامرات الخبيثة، التي من أولها المشروعات الضارة، ومن قصر في ذلك أو ساعد على تنفيذها أو وقف موقفا سلبيا منها فقد ارتكب إثما عظيما» ، وختمت اللجنة فتواها بالقول: «وتهيب اللجنة بعامة المسلمين أن يعتصموا بحبل الله المتين، وأن ينهضوا بما يحقق لهم العزة والكرامة وأن يقدروا عواقب الوهن والاستكانة أمام اعتداء الباغين وتدبير الكائدين، وأن يجمعوا أمرهم على القيام بحق الله تعالى وحق الأجيال المقبلة في ذلك، إعزازا لدينهم القويم»أخيراً- وأخيرًا فلا بدَّ أن يعلمَ الجميعُ أن قضيةَ القدسِ والأقصى وفلسطين هي معيارُ الشرعيةِ الحقيقيةِ للنظامِ السياسيِّ العربيِّ، وهي رمانةُ الميزانِ في الوحدةِ العربيةِ والإسلاميةِ، وأن التَخَلِّيَ عنها يُسْقط الشرعية عن كل نظامٍ ينفض يده من هذه المسئولية.
وهذا الربيع العربي الكريم بشير خير بأن تأخذ قضية فلسطين والأقصى موقعها الحقيقي من البرامج السياسية للنظم الجديدة التي تعبر عن ضمير الشعب العربي المسلم الذي يهتف بضرورة قطع كل علاقة بإسرائيل: دبلوماسية، كانت أو ثقافية فنية، أو عسكرية.وستبقى هذه القضيةُ هي قضيةَ الأمة الأساسية حتى يأذنَ اللهُ بزوالِ دولةِ الاحتلالِ العنصرية، وحتى يقاتلَ آخرُ هذه الأمةِ الدجالَ وجيشَه من اليهود، ويخلِّصون الأرض من شرهم. فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَال: «تُقَاتِلُونَ الْيَهُودَ حَتَّى يَخْتَبِئَ أَحَدُهُمْ وَرَاءَ الْحَجَرِ، فَيَقُولُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، هَذَا يَهُودِيٌ وَرَائِي فَاقْتُلْهُ»، وفي رواية: «لَتُقَاتِلُنَّ الْيَهُودَ فَلَتَقْتُلُنَّهُمْ حَتَّى يَقُولَ الْحَجَرُ: يَا مُسْلِمُ هَذَا يَهُودِيٌّ فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ» (متفق عليه)، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ، فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ، حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللهِ، هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ، إِلاَّ الْغَرْقَدَ؛ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ» (أخرجه مسلم)ولسنا في حاجة إلى بيان أن انتصار المسلمين في هذه القضية –قضية مقدساتهم الروحية العليا- يحقق شرطا أوليا ويعطي قوة دعم لا تُقَدَّر للنصر في قضاياهم الوطنية الأخرى، وهو نصر قريب بإذن الله تعالى. وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَريبا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.