يمثّل الإعلام في الوقت الراهن أحد أهم القوى المؤثرة في السياسة بشكل عام وفي عملية التغيير السياسي بصفة خاصة، وبات الإعلام المرئي أحد أبرز وسائله على الإطلاق، وتجسد ذلك بشكل كبير في ثورات الربيع العربي، ولاسيما مع الدور الذي قامت به بعض القنوات الفضائية خلال فترات الثورة مما ساهم في تأجيج مشاعر الغضب لدى العديد من الشعوب. فلعبت تلك القنوات دوراً مهماً في تغطيتها المتواصلة للاعتصامات التي شاهدتها بعض الدول العربية خصوصاً في تونس ومصر، مما ساهم في إيصال صوت هؤلاء المحتجين في الوقت الذي تجاهلت فيه القنوات المصرية والتونسية الرسمية لهم. ظاهرة سريعة في بداية الأمر، نود الإشارة إلى أن ظاهرة التليفزيون الفضائي، قد تزايدت وشهدت تقدماً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، ويعود ذلك إلى السرعة الكبيرة والتقدم التكنولوجي الهائل في الأجهزة الإلكترونية والأقمار الاصطناعية التي تبث على مدار الساعة، وزاد إقبال الجمهور عليها ببرامجها الكثيرة والمتنوعة على عكس الصحف والوسائل التقليدية، وشكّلت هذه البرامج تأثيراً كبيراً في سلوكيات المجتمع، وأثرت على اتجاهاته وميوله، ولا سيما اتجاهات الشباب الاجتماعية والثقافية والسياسية. وخير دليل على ذلك العلاقة بين الثورات العربية وتلك الفضائيات وخاصة القنوات العربية (الجزيرة والعربية) ، حيث بدأت الثورات في البلاد العربية، وثارت فيها الشعوب وتحركت تعبيراً عن رفضها للظلم والاستبداد والفساد، وجاءت هذه الفضائيات معبراً عن حالها، فاتجه بعضها إلى احتضان هذه الثورات وتحريكها، في حين اتجه آخرون إلى إخمادها وإطفاء نارها. ولكن بفضل صوت الشعوب الحرة وبدعم وسائل الإعلام المحبذة لهذه الثورات، نجحت ووجدت طريقها إلى النور. ثلاثة مواقف وإذا ما أرادنا أن نقسم مواقف الأجهزة الإعلامية (وعلى رأسها الفضائية) من الثورات العربية، فهي على النحو التالي: تمثل الموقف الأول في تبنّى بعض الفضائيات لنهج الثورات، حيث بدأت تبث أخبارها بشكل مباشر ومكثف، ويمكن أن نضرب فضائية الجزيرة مثالاً على ذلك في الثورة المصرية، حيث تبنت القناة نهج التحرك الشعبي في ميدان التحرير، وأصبحت تصف هذا التحرك بالثورة وتنقل البث الحي المباشر لما يحدث ويقع هناك. في مقابل هذا النوع، ظهر الإعلام الرسمي المناهض للثورات، والذي حاول بصورة يائسة مساندة الأنظمة المتهاوية، بل استخدمته الأنظمة السابقة سلاحاً لبث أكاذيبها للناس، فحرص الإعلام المصري الرسمي - وقتها- على نقل مناظر هادئة بعيداً عن مشاهد الثورة الحقيقية، وكذلك الأمر في سوريا، حيث أقال النظام السوري الحالي، رئيسة تحرير «صحيفة تشرين» لمجرد أنه تحدث مع قناة الجزيرة. وهناك نوع ثالث من الإعلام، وهو إعلام متردد ويمثل هذا الإعلام الروسي والصيني، فلم يدرك الإعلام الروسي والصيني حجم التحرك الشعبي، فركز في بداية الأمر من خلال المحللين السياسيين التابعين له، على التحذير من هذه التحركات والتشكيك فيها. وبعد أن أدركت روسيا أن النظام في مصر ساقط لا محالة تحول إعلامها كي يقترب من الحقيقة والشارع أكثر فأكثر، لكنه بقي متردداً من المجهول، وكرروا هذا الخطأ مع باقي الثورات في ليبيا وسوريا؛ الأمر الذي جعل هذا الإعلام ضعيف الأثر في الناس وتحركهم. نجاح وتباين وعلى إثر ذلك نالت القنوات التي اتخذت مساراً مؤيداً للثوار أعلى نسبة مشاهدة، وتزايدت شعبيتها في العالم العربي نتيجة بثها واسع النطاق والغير مسبوق، حيث نشرت مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية مقالاً عن الرابحين والخاسرين من الثورات، ووقعت قناة الجزيرة في المركز الثاني ضمن قائمة الرابحين، كما اعتبرت المجلة المذكورة أن "الجزيرة" تفوقت على جميع القنوات الفضائية بما فيها القنوات الغربية في تغطية أحداث مصر ومن قبلها تونس. تقارب إسلامي وبالرغم من موقفها الداعم لثورات مصر وتونس وليبيا، غير أنه لم يكن له نفس الحالة في ثورات أخرى مثل اليمن، فضلاً عن عدد من الاحتجاجات في دول الخليج مثل البحرين، والتي تعاملت معها بنوع من إهمال الحدث وربما بشكل مقصود، وبالأخص بعد دخول قوات درع الجزيرة إلى أرض البحرين، الأمر الذي جعل الكثيرين يصفونها بالأداة السياسية القطرية الطامحة إلى لعب أدوار مؤثرة على المستوى الإقليمي والعالمي، ضمن عناصر القوة الناعمة للمشروع السياسي القطري، فزاد نفوذها حتى باتت ركناً من أركان الدولة القطرية ووسيلة مهمة للتعبير عن الدولة وسياستها. فيرى الخبير الإعلامي ياسر عبد العزيز، أن قطر استخدمت "الجزيرة" لتعزيز صورتها وزرع مكانتها للضغط على خصومها ولتحسين حظوظها التفاوضية، وأيضاً في لعب أدوار بالوكالة في المنطقة العربية والإقليمية عامة. كما ظهرت عددٌ من الاتهامات لقناة الجزيرة بالميل إلى تغطية تيار الإسلام السياسي وإهمال تغطية أحداث الثورة والاحتجاجات بنفس الدرجة التي كانت تشهدها مصر في ظل المجلس العسكري، وفسر البعض ذلك بالتقارب بين الرئيس القطري وجماعة الإخوان المسلمين المصرية. وفي النهاية، ما زالت الفضائيات الإخبارية العربية محافظة على تفوقها بشكل واضح مقارنة بوسائل الإعلام الأخرى، لكونها ميزت بين الخبر والرأي، ولالتزامها خطاً وطنياً لا يعادي الرأي العام العربي. فباقترابها من "الشارع العربي"، أصبحت ذات تأثير أكبر على الناس، وبالتالي داعماً حقيقياً لنجاح أي ثورة أو انتفاضة تحدث في المنطقة. ولكن، كلما وُجد تناقض وتضارب وتباين في سياساتها – ويظهر ذلك من خلال نقل مشاهد وأحداث غير واقعية- وبين توجهات الرأي العام العربي، ستصبح مثل الإعلام الرسمي أو الإعلام المتردد غير القادر على تلبية مطالب الشعوب، وهو ما سَتُسفر عنه الأيام القادمة صدقاً أم كذباً.