اعتداء.. قطيعة.. اعتذار.. وأخيراً مفاوضات ، حيث توشك إسرائيل وتركيا على توقيع اتفاقية تعويض ضحايا الهجوم الإسرائيلي على سفينة «مرمرة» التي كانت ضمن أسطول الحرية لكسر الحصار الإسرائيلي عن غزة، وذلك في إطار المساعي لتطبيع العلاقات بينهما التي يرجح ألا تعود لسابق عهدها. ونتج الهجوم الإسرائيلي على سفينة «مرمرة» أثناء توجها إلى قطاع غزة، بتأزيم العلاقات التي كانت متوترة بالفعل بين إسرائيل وتركيا بسبب عملية «الرصاص المصبوب» العسكرية الإسرائيلية ضد قطاع غزة نهاية العام 2008 ومطلع العام 2009، مما أدى إلى قطع العلاقات الدبلوماسية وطرد السفير الإسرائيلي من تركيا ووقف التعاون العسكري بين البلدين. اتفاق مشروط وكان رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان قد ربط المصالحة مع إسرائيل بتطبيقها الاتفاق بينهما، حيث قال أن العلاقات مع إسرائيل لن تعود إلى طبيعتها قبل قيام الأخيرة بدفع التعويضات لعائلات ضحايا الهجوم الإسرائيلي على السفينة التركية «مرمرة»، التي استهدفت كسر الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة في مايو 2010. ونقلت شبكة «ايه بي سي نيوز» الأمريكية عن «أردوغان» قوله: "لن يكون هناك تطبيعا للعلاقات مع إسرائيل قبل رؤية خطوات عملية من قبلهاعلى أرض الواقع"، في إشارة إلى دفع التعويضات للضحايا وتخفيف الحصار الإسرائيلي عن الأراضي الفلسطينية. وبدوره قال وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو، إن الاعتذار الإسرائيلي، والتعويضات لأسر ضحايا سفينة «مافي مرمرة»، ورفع الحصار عن قطاع غزة ليست ثمنًا لدماء الشهداء، الذين سقطوا في الاعتداء، الذين يُعتبر كل واحد منهم، كإنسان وكمواطن، قيمة لا تُعوض، ولا شيء يمكن أن يسدد ثمن حتى قطرة واحدة من دمائهم». وعلى جانب أخر قال نتنياهو عقب اعتذاره إنه بعد ثلاث سنوات من القطيعة بين إسرائيل وتركيا قرر أن الوقت قد حان لترميم العلاقات، مشيرا إلى التطورات في سوريا. من جهتها قالت عضو الكنيست حنين الزعبي إن الاعتذار الإسرائيلي لم يكن كاملا بل هو خطوة تكتيكية، ولم يكن اعتذارا على تصرفات أدت مقتل نشطاء. وأضافت زعبي أن الجميع يعلم أن المعنى الحقيقي لهذا الاعتذار هو ليس تراجعا إسرائيليا وإنما التوقيت السياسي وبسبب ما يحدث في المنطقة. وتأتي المداولات الثنائية بشأن تعويض أهالي الضحايا والجرحى، والتي بدأت قبل نحو أسبوعين عقب اعتذار إسرائيل رسميا لتركيا على لسان رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو في نهاية مارس الماضي، عشية زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما للمنطقة. تعويضات وقضايا ونحو هذا السياق قال مصدر تركي إن الطرفين التركي والإسرائيلي قد يشكلان صندوقًا مخصصا «لتلبية مطالب عائلات الضحايا» دون إعطاء توضيحات أخرى. لكن هذا الأمر يواجه صعوبات، لأن عائلات الضحايا، وهم من الأوساط الإسلامية يطالبون في المقام الأول برفع الحصار عن غزة. وقال المحامي رمضان أريتورك، الذي يدافع عن 430 من أصل 450 من أقرباء الضحايا الأتراك، الذين ادعوا بالحق المدني لوكالة الأنباء الفرنسية، «إن هذه العائلات تجعل من رفع الحظر والحصار المفروضين على غزة أولويتها»، وأضاف أنها «تريد حتى التأكد من ذلك بنفسها، على الأرض، بتوجهها إلى غزة». وقد فتح القضاء التركي من جانب آخر السنة الماضية محاكمة بحق المسئولين العسكريين الإسرائيليين الأربعة السابقين، الذين يحاكمون غيابيًا؛ ورفضت عائلات الضحايا سحب الدعاوى من أمام محكمة اسطنبول حيث حددت الجلسة المقبلة في 20 مايو. من جهتها، نقلت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية الجمعة عن موظفين إسرائيليين كبار قولهم إن الاتفاقية قيد التداول، وهي تقضي بتعويض عائلات القتلى وسبعين جريحا كانوا على متن مرمرة. كما نقلت عنهم أن الاتفاقية ستصبح مستقبلا قانونا يحول دون تقديم دعاوى جنائية ضد جنود وضباط إسرائيليين. وكانت وسائل إعلام إسرائيلية نقلت عن مصادر دبلوماسية أن وفدا تركيا برئاسة نائب وزير الخارجية التركية التقى مسئولين إسرائيليين برئاسة مستشار الأمن القومي لرئيس الحكومة يعقوب عميدرور في القدسالمحتلة، وبلوروا مسودة اتفاق شامل للتصالح بين الدولتين. وسبقت هذه اللقاءات مداولات تمت في أنقرة الشهر الماضي في محاولة للتوصل لاتفاق بشأن حجم تعويضات ضحايا «مرمرة». قصة حب ومن الناحية التحليلية للوضع القائم حاليا بين تركيا وإسرائيل ، قال المحاضر في العلوم السياسية والسفير الإسرائيلي الأسبق في أنقرة ألون ليئيل لموقع "الجزيرة نت" إن المفاوضات حول التعويضات تسير بوتيرة ممتازة وتوشك أن تتوّج قبيل نهاية الشهر الحالي باتفاقية تحتاج لمصادقة البرلمانين التركي والإسرائيلي. ولا يساور ليئيل أي شك في أن الدولتين ستتفقان قريبا على موضوع التعويضات كجزء من عملية تطبيع العلاقات بينهما، مرجحا أن تتبادل الدولتان سفيريهما قبل نهاية العام الجاري، لافتا إلى أن المصالحة بينهما ساهمت في إعطاء واشنطن الضوء الأخضر لإسرائيل بضرب قافلة الصواريخ في سوريا الأسبوع الماضي. وتابع "من الصعب أن أصدق أن تمر تركيا مرور الكرام على الهجوم الإسرائيلي ضد مواقع في سوريا والاكتفاء بتنديد فاتر أشبه بإسقاط واجب لولا المصالحة بين أنقرة وتل أبيب بدعم أمريكي". لكن ليئيل يؤكد أن العلاقات الثنائية بين الدولتين لن تعود لسابق مجدها، ولن تكون «قصة حب» في كل الظروف بسبب موقف الأتراك من القضية الفلسطينية ومن الحصار على غزة. ويرى محللون سياسيون أن المياه لن تعود لمجاريها كما كانت في الماضي خاصة في المجال الإستراتيجي، رغم المصالحة، و أن تركيا صارت إسلامية التوجه فيما أصبحت إسرائيل أكثر يهودية وبالمعنى السلبي. وأضاف المحللون أن الولاياتالمتحدة لعبت دورا حاسما في اعتذار إسرائيل وانطلاق مسيرة تطبيع العلاقات بين أنقرة وتل أبيب، وبالإضافة للضغط الأمريكي المكثف تلعب المصالح دورا في استعادة تركيا وإسرائيل علاقاتهما. وأوضح مراقبون أن الاحتلال الإسرائيلي يعيق تطلعات تركيا لتعزيز مكانتها في منطقة الشرق الأوسط، وأضافوا أن لو قبلت إسرائيل المبادرة العربية لانعكست إيجابا على علاقاتها مع تركيا. من جانبه اعتبر الخبير في الشؤون الأمنية فادي نحاس أن إسرائيل في مرحلة بناء رؤية ومنظومة إستراتيجية، وان مسودة الاتفاق جاءت نتيجة لمفاوضات استمرت لأشهر. وأشار الخبير لقناة « روسيا اليوم» إلى أن سبب التحالف الاستراتيجي بين تركيا وإسرائيل برعاية أمريكية أمر يتعلق بالهاجس الإسرائيلي من النووي الإيراني.