لم تعد معاناة الفلسطينيين الذين يقطنون مدينة القدس تقتصر على هدم منازلهم وبناء المستوطنات أو مخاوفهم من الترحيل والتهجير خارج القدسالشرقيةالمحتلة بعد المحاولات العديدة التي يتبعها الإسرائيليون في تهويد المدينة المقدسة ، إلا أن المعاناة زادت بعد تفشي الفقر في الآونة الأخيرة بشكل مخيف . وما يتعرض له المقدسيون الذين يشكلون 39? من إجمالي سكان القدسالمحتلة، يعكس حالة القهر والمعاناة التي يتعرضون لها، فقد شهدت السنة الأخيرة تقييداً لحرية العبادة ومنع الوصول للمسجد الأقصى، وتقييدات مشددة على بلدتي سلوان والعيسوية، كما شهدت تزايداً في الاعتقالات، خصوصاً اعتقالات الأطفال، وهدم البيوت بحجة عدم الحصول على ترخيص ، وجاء الفقر ليزيد من معاناتهم . التمييز والعزل وبالتزامن مع ذكرى احتلال القدس كشفت الأممالمتحدة في دراسة نشرتها اليوم الخميس إن سياسة "التمييز" التي يمارسها الإسرائيليون بحق الفلسطينيين في القدسالشرقيةالمحتلة أدت إلى تفشي الفقر في هذا القطاع من المدينة خلال السنوات الأخيرة. ومن بين السياسات التي تتبعها سلطات الاحتلال الإسرائيلي، والتي تثبت وجود تمييز عنصري بين السكان الفلسطينيين واليهود في القدس، يوجد في القدسالغربية التي يقطنها اليهود 25 مركزاً للأمومة والطفولة، بينما يوجد فقط أربعة للفلسطينيين في القدسالشرقية. وأوضحت منظمة الأممالمتحدة للتجارة والتنمية أن "الاقتصاد في القدسالشرقية ليس مدمجا لا في الاقتصاد الفلسطيني ولا في الاقتصاد الإسرائيلي". وأضافت المنظمة أن "الفقر لا يتوقف عن الازدياد بين السكان الفلسطينيين في القدس منذ 10 سنوات، وبالواقع فإن عزل المدينة عن باقي الأراضي الفلسطينية استمر في الازدياد منذ الانتفاضة الثانية وبناء جدار الفصل الإسرائيلي". وبحسب المعطيات المتوفرة للمنظمة، فإن 82% من الأطفال الفلسطينيين في القدسالشرقية كانوا يعيشون الفقر عام 2010، مقابل 45% من الأطفال الإسرائيليين الذين يعيشون في القدس. ووفقا للتقرير، تسبب الجدار الاسرائيلي العازل في خسائر مباشرة على الاقتصاد في القدسالشرقية منذ بدء بنائه في العام 2003 تقدر باكثر من مليار دولار. وتؤكد اسرائيل إن الجدار العازل ضروري لأسباب أمنية، ولكن بناءه واجه ادانة دولية واسعة لأنه اقتطع مساحة كبيرة من الضفة الغربية وتسبب في تفريق اسر وإبعاد مزارعين عن أراضيهم. كما أشار التقرير إلى ان انتشار الفقر بين القاطنين في القدسالشرقية لا يرجع فقط إلى سياسات العزل الاسرائيلية، وأن مما يسهم فيه هو أن القاطنين في القدسالشرقية لهم وضع قانوني مختلف عن وضع الاسرائيليين، فهم يعانون من "سلسلة عقبات وخصوصا فيما يتعلق بالسكن والتوظيف والضريبة". تحت خط الفقر وقبل صدور التقرير السابق بيومين ذكرت "جمعية حقوق المواطن في اسرائيل " في تقرير نشر بينما تستعد اسرائيل للاحتفال بالذكرى السادسة والاربعين لاحتلال القدسالشرقية وضمها بأن " نحو 80% "من سكان القدسالشرقية يعيشون تحت خط الفقر". ويركز التقرير على آثار السياسات الاسرائيلية على "الحقوق الاساسية" لفلسطينييالقدس، ويقول ان الجدار الفاصل الذي بنته اسرائيل في الضفة الغربية يقطع القدسالشرقية عن الضفة الغربية، مما ادى الى "تفاقم الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية اصلا للسكان". وبحسب التقرير فان نحو 90 الف فلسطيني من حملة بطاقة الهوية الزرقاء من القدس "يمرون عبر الحواجز بشكل يومي ، من اجل الوصول إلى العمل او المدرسة او الحصول على خدمات صحية وزيارة عائلاتهم". وتحدث ايضا عن البنية التحتية السيئة، حيث تعاني القدسالشرقية من نقص من "نحو 50 كيلومترا من انابيب الصرف الصحي ، ويعتمد السكان بدلا من ذلك على حفر الصرف الصحي، وتكرار فيضاناتها يسبب مخاطر صحية خطيرة". ويدرس 46% فقط من طلاب المدارس في مدارس البلدية والتي تعاني من "نقص مزمن" في الصفوف الدراسية. وتقول الجمعية ان الطلاب الفلسطينيين الذين يجتازون امتحان الثانوية العامة الفلسطيني، يواجهون في الغالب صعوبات في قبولهم في الجامعات الاسرائيلية، بينما لا تعترف اسرائيل بشهادات بعض الجامعات الفلسطينية. واضافت بانه منذ عام 1967 "صادرت الحكومات الاسرائيلية ثلث الاراضي الفلسطينية في القدس، وبني عليها الاف الشقق للسكان اليهود في المدينة". وقامت وزارة الداخلية الاسرائيلية في عام 2012 بسحب اقامة 116 فلسطينيا من القدسالشرقية مما يرفع عدد "الذين لم يعد يسمح لهم بالعيش في مدينتهم" منذ عام 1967 الى 14 الفا. تزايد العرب وحول عدد سكان الفلسطينيين إلى اليهود يسير على عكس ما يخطط له الاحتلال في مشروع خارطتها الديمجرافية لمدينة القدس، الذي يسعى الى ضمان اكثرية يهودية مطلقة، حيث كشفت معطيات جديدة لمعهد القدس للابحاث في اسرائيل، ان نسبة السكان العرب تزداد في القدس فيما تنخفض نسبة اليهود. اما عدد سكان المدينة، بالاجمال، فيرتفع ليصل الى 804 الاف شخص، وتساوي ضعفي عدد المدينة الثانية في اسرائيل، تل ابيب وعدد سكانها 404. وفي بحث معهد القدس في ذكرى ما تسميه اسرائيل "يوم توحيد القدس"، تبين زيادة ظاهرة الهجرة السلبية لليهود، على عكس الوضع لدى العرب. اذ ترك المدينة عام 2011 اكثر من 7400 يهودي، وهو عدد يزيد عن عدد الاسرائيليين الذي انتقلوا للسكن فيها وعددهم 2300 شخص. وذكرت المعطيات أنه من بين سكان القدس هناك 64 في المائة هم يهود و36 في المائة عرب، وفي الوقت الذي زاد فيه عدد السكان اليهود ب 109 في المائة منذ حرب الأيام الستة فالسكان العرب زادوا ب 3.27 في المائة، وهو ما يراه معدو البحث مؤشرا الى ان نسبة السكان العرب ستواصل الارتفاع مع مرور السنوات، فيما تتواصل نسبة اليهود بالهبوط. وفي المعطيات الاسرائيلية فان الإنتاج في القدس هو الأعلى، مقارنة مع باقي المناطق، فيما تنجب العائلة في القدس 4.2 أولاد في المتوسط مقابل 2.9 في باقي البلاد، و3.6 للعائلة العربية مقابل 3.3 في باقي البلاد. والملفت في البحث ان 61 في المائة من سكان القدس يسكنون في شرقي المدينة، في المناطق التي تم احتلالها من الأردن خلال حرب الأيام الستة، منهم 60 في المائة من العرب و40 في المائة من اليهود. وبحسب معدي البحث فان المعطيات تشير الى ان القدسالغربية باتت بغالبيتها الساحقة يهود. وبين البحث ان السياسية الاسرائيلية استطاعت تهويد مساحات واسعة في المدينة، بما يضمن استحالة التوصل الى تسوية حولها، في أي مفاوضات مستقبلية، اذ يستدل ان عدد احد الاحياء اليهودية في المدينة يتجاور 41 الفا و400 يهودي، وهو عدد يتجاور عدد سكان مدن في اسرائيل مثل "ديمونة" و"كريات موتسكين". المدينة المقدسة والقُدْس هي أكبر مدينة في فلسطين التاريخية من حيث المساحة وعدد السكان وأكثرها أهمية دينيًا واقتصاديًا. تُعرف بأسماء أخرى في اللغة العربية مثل: بيت المقدس، القدس الشريف، وأولى القبلتين، وتُسميها إسرائيل رسميًا: أورشليم القدس . يعتبرها العرب والفلسطينيون عاصمة دولة فلسطين المستقبلية، كما ورد في وثيقة إعلان الاستقلال الفلسطينية التي تمت في الجزائر بتاريخ 15 نوفمبر سنة 1988 ، فيما تعتبرها إسرائيل عاصمتها الموحدة، أثر ضمها الجزء الشرقي من المدينة عام 1980، والذي احتلته بعد حرب سنة 1967 (يعتبرها اليهود عاصمتهم الدينية والوطنية لاكثر من 3000 سنة). أما الأممالمتحدة والمجتمع الدولي، فلا يعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وتعتبر القدسالشرقية جزء من الأراضي الفلسطينية، ولا يعترف بضمها لاسرائيل، مع بعض الاستثناءات. وتقع القدس ضمن سلسلة جبال الخليل وتتوسط المنطقة الواقعة بين البحر المتوسط والطرف الشمالي للبحر الميت، وقد نمت هذه المدينة وتوسعت حدودها كثيرًا عما كانت عليه في العصور السابقة. وتعتبر القدس مدينة مقدسة عند أتباع الديانات السماوية الثلاث: اليهودية، المسيحية، الإسلام. فبالنسبة لليهود، أصبحت المدينة أقدس المواقع بعد أن فتحها النبي والملك داود وجعل منها عاصمة مملكة إسرائيل الموحدة حوالي سنة 1000 ق.م، ثم أقدم ابنه سليمان، على بناء أول هيكل فيها، كما تنص التوراة. وعند المسيحيين، أصبحت المدينة موقعًا مقدسًا، بعد أن صُلب يسوع المسيح على إحدى تلالها المسماة "جلجثة" حوالي سنة 30 للميلاد، وبعد أن عثرت القديسة هيلانة على الصليب الذي عُلّق عليه بداخل المدينة بعد حوالي 300 سنة، وفقًا لما جاء في العهد الجديد. أما عند المسلمين. فالقدس هي ثالث أقدس المدن بعد مكةوالمدينةالمنورة، وهي أولى القبلتين، حيث كان المسلمون يتوجهون إليها في صلاتهم بعد أن فُرضت عليهم حوالي سنة 610 للميلاد، وهي أيضًا تمثل الموقع الذي عرج منه نبي الإسلام محمد بن عبد الله إلى السماء وفقًا للمعتقد الإسلامي. وكنتيجة لهذه الأهمية الدينية العظمى، تأوي المدينة القديمة عددًا من المعالم الدينية ذات الأهمية الكبرى، مثل: كنيسة القيامة، حائط البراق والمسجد الأقصى - المكون من عدة معالم مقدسة أهمها مسجد قبة الصخرة والمسجد القبلي، على الرغم من أن مساحتها تصل إلى 0.9 كيلومترات مربعة . وخلال تاريخها الطويل، تعرضت القدس للتدمير مرتين، وحوصرت 23 مرة، وهوجمت 52 مرة، وتمّ غزوها وفقدانها مجددًا 44 مرة. استوطن البشر الموقع الذي شُيدت به المدينة منذ الألفية الرابعة ق.م، الأمر الذي يجعل من القدس إحدى أقدم المدن المأهولة في العالم. وتُصنّف المدينة القديمة على أنها موقع تراث عالمي، وقد جرت العادة والعرف على تقسيمها إلى 4 حارات، إلا أن الأسماء المستخدمة اليوم لكل حارة من هذه الحارات: حارة الأرمن، حارة النصارى، حارة الشرف (أو حارة اليهود)، وحارة المسلمين، لم تظهر إلا في أوائل القرن التاسع عشر. ورشحت الأردن المدينة القديمة لتُدرج ضمن قائمة مواقع التراث العالمي المهددة في سنة 1982. ويُعتبر النزاع القائم حول وضع القدس مسألةً محورية في الصراع العربي الإسرائيلي ، وأقدمت الحكومة الإسرائيلية بعد حرب سنة 1967 بين الجيوش العربية والإسرائيلية على احتلال القدسالشرقية التي كانت تتبع الأردن، وألحقتها بإسرائيل واعتبرتها جزءاً لا يتجزأ منها، إلا أن المجتمع الدولي بأغلبيته، لم يعترف بهذا الضم، وما زال ينظر إلى القدسالشرقية على أنها منطقة متنازع عليها ويدعو بين الحين والآخر إلى حل هذه القضية عن طريق إجراء مفاوضات سلميّة بين إسرائيل والفلسطينيين. كذلك، فإن أغلبية الدول في العالم لا تعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، لذا فإن معظم السفارات والقنصليات الأجنبية تقع في مدينة تل أبيب وضواحيها. وطالب الفلسطينيون، وما زالوا، بالقدسالشرقية عاصمةً لدولة فلسطينية، منذ أن احتلها الإسرائيليون، إلا أن البرلمان الإسرائيلي أقرّ في 31 يوليو سنة 1980 "قانون أساس: القدس عاصمة إسرائيل"، الذي جعل إعلان القدس، بالحدود التي رسمتها الحكومة الإسرائيلية عام 1967، مبدأً دستوريًا في القانون الإسرائيلي. وفي النهاية نجدد الاشارة إلى أن معاناة القدس تزداد يوماً بعد يوم ، هذه المدينة المقدسة التي ترزح تحت الاحتلال الاسرائيلى وتمارس بحقها إجراءات قمعية وحواجز تقسمها عن بعضها البعض وخطط ممنهجة لتهويدها وتهجير سكانها الفلسطينيين عبر الاستيطان والاستيلاء على الاراضى وهدم البيوت والحفريات أسفل المسجد الأقصى وجدار الفصل العنصري وعزل المدينة بشكل كامل عن باقي الضفة الغربيةوفلسطين.