يحتفل العالم في الثالث من مايو من كل عام ب«اليوم العالمي لحرية الصحافة»، بالرغم من استمرار الانتهاكات التي يتعرض لها الصحفيون في مختلف المناطق، ومنها الدول العربية التي أظهرت تقارير منظمات معنية تراجع الحريات فيها بل إن بعضها صنف في قائمة الأسوأ. ويؤكد تقرير لمنظمة «مراسلون بلا حدود» صدر بمناسبة هذا اليوم أن عام 2012 كان أحد أعنف الأعوام في التاريخ بالنسبة إلى العاملين في مجال الإعلام، حيث سجل فيه مقتل أكبر عدد من الصحفيين، وهو تسعون صحفيا. الكلام بأمان وبمناسبة هذا اليوم دعا مسؤولون في الأممالمتحدة إلى العمل لضمان سلامة الصحفيين في كل بلد، مرددين مقولة الأمين العام بان كي مون، «عندما يصبح الكلام آمنا، تعم الفوائد في العالم كله». وقال الأمين العام بان كي مون والسيدة إيرينا بوكوفا، المديرة العامة لمنظمة اليونسكو، في رسالة للعالم: " إن الصحفيين والعاملين في وسائل الإعلام يتعرضون للهجوم كل يوم في جميع أنحاء العالم، فهم يواجهون أعمال التخويف والتهديد والعنف من جانب الحكومات أو المؤسسات أو المجرمين أو القوى الأخرى التي ترغب في تكميم أفواههم أو فرض الرقابة عليهم". وأردفوا أن موضوع اليوم العالمي لحرية الصحافة هذا العام، هو «الكلام بأمان: تأمين حرية التعبير في جميع وسائل الإعلام»، يبرز الحاجة إلى اتخاذ إجراءات لترسيخ حق الصحفيين في الاضطلاع بعملهم الحيوي، و كسر حلقة الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضدهم. ووفقا لمنظمة اليونسكو، وعلى مدى العقد الماضي، قُتل أكثر من 600 صحفي، منهم ما لا يقل عن 120 صحفيا في السنة الماضية وحدها واحتجز المئات غيرهم. وشدد كي مون وبوكوفا على أن حرية الصحافة "لا تحدث تلقائيا،" ولكنها تتطلب إنشاء بيئة آمنة للحوار على أن تشمل وسائل الإعلام التقليدية وكذلك الوسائل الرقمية. آمال وانتكاسات من جهته، توصل تقرير منظمة «فريدوم هاوس» الأميركية لعام 2012 أن نسبة سكان العالم الذين يعيشون في مجتمعات تتمتع بحرية كاملة للصحافة، تراجعت إلى أدنى مستوى في أكثر من عقد. وبحسب تقرير منظمة «فريدوم هاوس» الأميركية لعام 2012، لا يزال مستوى حرية الإعلام في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سيئا رغم تحسنه الكبير في دول الربيع العربي كتونس وليبيا، لكن مصر شهدت «تقدما متواضعا نسبيا» وارتفعت من (غير حرة) إلى (حرة جزئيا). وأشار التقرير إلى أن «الآمال العريضة» التي بشر بها الربيع العربي فيما يتعلق بحريات الصحافة شهدت "انتكاسات" في العراق والأردن وسوريا. وأضاف أنه في شبه الجزيرة العربية التراجع لوحظ في البحرين والكويت والإمارات؛ وظلت أغلب الدول العربية في وضعية "غير حرة". وفي سوريا، أوضح تقرير آخر لمنظمة «العفو الدولية» صدر بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة أن الصحفيين الذين يقومون بتغطية الأزمة السورية يستهدفون سواء من طرف النظام أو من طرف المعارضة المسلحة. وقالت المنظمة في بيان "إن عددا من الصحفيين الموجودين في سوريا لنقل انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة في هذا البلد، قتلوا، وأوقفوا بطريقة اعتباطية، واحتجزوا، وكانوا ضحية الإخفاء والتعذيب منذ عامين". وفي تقرير بعنوان «إطلاق النار على الرسول: الصحفيون مستهدفون من كل الأطراف في سوريا»، اعتبرت المنظمة المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان إن الانتهاكات المرتكبة من السلطات السورية والمجموعات المسلحة للمعارضة، تجعل من سوريا بلدا شديد الخطورة على الصحفيين العاملين فيه. وبحسب منظمة «مراسلون بلا حدود»، فقد لقي 23 صحفيا حتفهم خلال تغطية النزاع السوري، إضافة إلى 58 ناشطا إعلاميا واجهوا المصير نفسه، بعدما حملوا الكاميرا لنقل صورة ما يجري في بلادهم من يوميات أعمال العنف. العراق الأسوأ وفي سياق متصل سجل تراجع خطير في مجال الحريات العامة والصحفية بالسودان في ظل استمرار الرقابة الأمنية للصحفيين وكتاب الرأي. كما صنف العراق أسوأ البلدان التي عجزت حكوماتها عن التوصل للجناة في جرائم قتل الصحفيين؛كما أضيفت نيجيريا للمرة الأولى للقائمة، وصنفت بدورها بين الأسوأ بعدد القتلى بأوساط الصحفيين، حيث يشير التقرير إلى أن هناك خمسة صحفيين على الأقل قتلوا بهذا البلد منذ عام 2009. ونزلت البرازيل من المرتبة ال11 إلى المرتبة عشرة في مجال حماية الصحفيين. وأظهرت روسيا ونيبال تحسنا، حيث تم إسقاط الأخيرة تماما من القائمة. ومن بين الدول الأخرى التي ضمها المؤشر: الصومال والفلبين وسريلانكا وكولومبيا وأفغانستان والمكسيك وباكستان والبرازيل والهند. وفي دول شمال أفريقيا التي لم تشهد «ربيعا عربيا»، صنف تقرير «فريدوم هاوس» الأميركية الجزائر ضمن البلدان المقيدة لحرية الصحافة، وتوجد في الجزائر عشرات الصحف لكن الحكومة ما زالت تحتكر الإعلام المرئي والمسموع رغم صدور قانون جديد للإعلام صادق عليه البرلمان الجزائري في ديسمبر 2011 ينهي هذا الاحتكار. وقد وعد الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الذي يعالج منذ السبت بالعاصمة الفرنسية باريس، في رسالة قبل اليوم العالمي لحرية الصحافة ب"تمكين الصحافة الوطنية والإعلام من الآليات القانونية ومختلف أشكال الدعم لأداء مهامها النبيلة". وصنفت «فريدوم هاوس» المغرب والجزائر ضمن البلدان المقيدة لحرية الصحافة، وتحدث نقيب الصحفيين المغاربة يونس مجاهد في ندوة صحفية في الرباط أمس عن "تزايد القمع والاعتداء الجسدي على الصحفيين لإسكاتهم". وينطبق الوضع في الجزائر والمغرب على بقية دول المغرب العربي وبقية دول العالم التي لا تزال حكوماتها تحتكر المجال الإعلامي وتقمع الصحفيين. صيادي الحريات من جهتها شطبت منظمة «مراسلون بلا حدود» خمسة من «لائحة صيادي حرية الإعلام» بينهم القوى الأمنية التابعة لحركة المقاومة الإسلامية «حماس» والسلطة الفلسطينية. كما أضافت منظمة "مراسلون بلا حدود" أربعة أسماء وشطبت خمسة من "لائحة صيادي حرية الإعلام" التي تنشرها سنويا، حيث باتت اللائحة تشمل 39 اسما لرؤساء دول وسياسيين ورجال دين وعناصر مليشيات ومنظمات "إجرامية" تقوم برقابة وسجن وخطف وتعذيب وأحيانا اغتيال صحفيين. وقال أمين عام المنظمة كريستوف دولوار في بيان إن «صيادي حرية الإعلام» مسؤولون عن بعض أسوأ أعمال الانتقام من وسائل الإعلام وممثليها، واعتبر أن 2012 كان أحد أعنف الأعوام بالتاريخ بالنسبة للعاملين بمجال الإعلام، وسجل فيه مقتل أكبر عدد من الصحفيين. وتنشر هذه اللائحة كل عام بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، وأكد دولوار أنها: "فرصة لتكريم جميع الصحفيين المحترفين والمبتدئين الذين يدفعون حياتهم أو صحتهم الجسدية أو حريتهم ثمنا لالتزامهم، وللتنديد بإفلات هؤلاء الصيادين من العقاب". وأضافت المنظمة خمسة أسماء هم الرئيس الصيني تشي جين بينغ و«جبهة النصرة» في سوريا وأعضاء وأنصار حركة الإخوان المسلمين بمصر وجماعات البلوش المسلحة بباكستان و«المتطرفين» الدينيين بالمالديف. كما شطبت أربعة أسماء هم وزير الإعلام والاتصالات الصومالي السابق عبد القادر حسين محمد ورئيس بورما ثين سين ومنظمة «إيتا الباسكية» التي أعلنت عن وقف أعمالها المسلحة نهائيا والقوى الأمنية التابعة لحماس والسلطة الوطنية الفلسطينية التي قالت المنظمة إن أعمالها الانتقامية شهدت «تراجعا ملحوظا». ولا تقتصر الأخطار التي يتعرض لها الصحفيون على الأخطار المادية، فالأقوياء يلجئون إلى أدوات عديدة، تتراوح ما بين الهجمات على الإنترنت وأعمال الترهيب، لمحاولة منع وسائل الإعلام من تسليط الضوء على فساد الحكم وسوء العمل.