عمقت أحداث «الحويجة» من الأزمة السياسية في العراق، ودفعت العراق نحو مصيرا مجهولاً، خاصة مع تهديد القائمة العراقية بسحب جميع وزرائها من الحكومة إذا لم ينسحب الجيش من «الحويجة» وتسليم الملف الأمني للشرطة ومحاسبة المسئولين عن مقتل العشرات هناك. وتعقيبا على أحداث «الحويجة»، اعتبر ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في العراق مارتن كوبلر الجمعة، أن البلاد تقف عند مفترق طرق وتتجه نحو المجهول، ما لم تتخذ إجراءات «حاسمة وفورية» لوقف انتشار العنف الذي حصد في أربعة أيام أكثر من 200 قتيل. وفي ذات الوقت، أكد ائتلاف دولة القانون ضرورة الحفاظ على «هيبة الدولة» وتحميل المعتصمين مسئولية الأحداث الدامية. اعتذار واعتراض وكانت لجنة تحقيق برئاسة نائب رئيس الوزراء صالح المطلك قد قدمت اعتذارها عن أحداث «الحويجة» التي سقط فيها العشرات معظمهم من المتظاهرين. ومن جانبه اعتبر أحمد المساري عضو القائمة العراقية «بزعامة رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي» أن الاعتذار الذي تقدمت به اللجنة، غير كاف ولا يتناسب مع حجم الكارثة التي حصلت الثلاثاء الماضي - على حد وصفه. وأكد المساري، الذي يعد أحد أبرز المفاوضين في قضية الحويجة ل «سكاي نيوز» قائلا: «إن مطالبنا واضحة وصريحة، تتضمن سحب الجيش بالكامل من قضاء الحويجة وتسليم الملف الأمني إلى أجهزة الشرطة». وأشار إلى أن اللجنة الحقيقية التي شكلها رئيس الحكومة نوري المالكي اعترفت يوم الأربعاء الماضي، من خلال اعتذارها إلى أهالي «الحويجة» بأن عملية الاجتياح التي حصلت كانت خاطئة - بحسب قوله. وكان المالكي قد وجه في وقت سابق، بتشكيل لجنة وزارية برئاسة نائبه صالح المطلك وعضوية حسين الشهرستاني «نائب رئيس الوزراء» ووزير الدفاع وكالة سعدون الدليمي ووزير حقوق الإنسان محمد شياع السوداني للتحقيق في ملابسات ما حدث في قضاء الحويجة وتحديد المقصرين ومحاسبتهم"، بحسب البيان الذي صدر من مكتبه. وأكد المساري على موقف «القائمة العراقية» بشأن التهديد بسحب وزرائها من الحكومة وتعليق المشاركة في جلسات مجلس النواب، لكنه قال إن نواب القائمة "سيحضرون جلسة استثنائية الأحد المقبل لبحث جريمة الحويجة" على حد تعبيره. ويتفق التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، مع «العراقية» على اعتبار أن الحكومة «اعترفت بخطئها» بقرار التعويض، وقال النائب عن كتلة الأحرار عبد الحسين ريسان في تصريحات صحفية إن "قرار تعويض قتلى الحويجة جاء بعد اعتراف الحكومة الاتحادية بالخطأ". «دولة القانون» يدافع من جانبه، دافع سامي العسكري عضو ائتلاف دولة القانون «بزعامة المالكي» والمستشار الإعلامي لوزارة الدفاع، عن قرار مهاجمة ساحة الاعتصام في الحويجة، قائلاُ: «إن القضية تتعلق بهيبة الدولة والقوات المسلحة التي كانت على المحك خلال الفترة السابقة». وشدد القيادي المقرب من المالكي على أنه "كان هناك إصرار من قبل بعض الجهات (لم يسمها) بتحويل ساحات الاعتصام إلى ساحات للمجرمين والقتلة، وبالتالي كان على الحكومة حل هذا الموضوع". وكان عدد من العشائر في محافظات كركوك وصلاح الدين والموصل والأنبار انتفضوا عقب اقتحام ساحة الحويجة، ونشرت الآلاف من أبنائها المدججين بالسلاح وشنت عشرات الهجمات على النقاط العسكرية والأمنية في تلك المحافظات، مما أسفر عن مقتل وإصابة العشرات من الطرفين، الأمر الذي يرجح مزيدا من التصعيد على المستويين الأمني والسياسي، بحسب مراقبين. الحرب الأهلية تعود وفي رد فعله على الأحداث الجارية، حذر رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي من عودة الحرب الأهلية إلى بلاده مع انتشار أعمال العنف والاشتباكات في أكثر من مدينة عراقية، وفي وقت تستمر سيطرة مسلحين عشائريين على ناحية «سليمان بيك» في محافظة صلاح الدين. وقال المالكي في خطاب تليفزيوني: «إن تنظيم القاعدة وبقايا حزب البعث العراقي وكذلك أطرافا إقليمية يستهدفون العراق». وأضاف: «ليس لنا عدو في الشعب العراقي.. عدونا فقط القاعدة والإرهاب وفلول حزب البعث الذين هم من أشعلوا الفتنة الأخيرة»، وتابع أنه ربما تكون هناك جهات خارجية تريد أن تسقط العراق في دوامة الفوضى. وأكد المالكي أن حكومته لن تسمح "لأي تجاوز من رجال الأمن على المواطن.. ولن نسمح بأي تجاوز على الأمن والجيش العراقي". استقالة المالكي وعلى جانب أخر، أكد الدكتور رافع العيساوي نائب رئيس الوزراء العراقي المستقيل من الحكومة العراقية، أنه "لا حل لأزمة العراق إلا بعد استقالة رئيس الوزراء نوري المالكي". وأضاف العيساوي في حديث لبرنامج «نهاية الأسبوع»، على قناة «العربية» أمس، أنه على التحالف الوطني "تقديم مرشح بديل" للمالكي في رئاسة الوزراء، محذراً من أن سياسة المالكي وحكومته "تقود البلاد إلى الفتنة". وأعلن العيساوي أن جميع الاعتصامات، المستمرة منذ 4 أشهر، سلمية، وأن منتسبين للجيش العراقي أطلقوا النار على المعتصمين في الحويجة بدم بارد، في انتهاك واضح لأخلاقيات وتاريخ الجيش العراقي، على حد كلماته. وتحدى أن يوجد مقطع فيديو واحد يثبت إطلاق نار من داخل ساحة الاعتصام، مشيرا إلى أن الخطاب الحكومي إزاء المجزرة التي حدثت في ساحة الحويجة، يتسم بالاضطراب، فهم يطلقون لفظ "الأبطال" على الجنود الذين قتلوا المعتصمين، ويسمون الضحايا "الشهداء". وشدّد العيساوي على أن الحكومة تصرّ على رفض الاستجابة لمطالب المعتصمين، وبدلا من البحث عن قتلة المعتصمين في الفلوجة، قتلوا آخرين في الحويجة. مواجهات دامية وحول المواجهات الدامية بين الجيش والعشائر، قال سعد المطلبي القيادي في دولة ائتلاف القانون: "إن ساحات الاعتصام تخضع لسيطرة عناصر تنظيم القاعدة، بعد أن كانت سلمية وتحت سيطرة العشائر" - على حد تعبيره. وأفاد بأن الجيش لم يهاجم ساحة الاعتصام في الحويجة إلا بعد إطلاق النار من داخلها على الجيش العراقي. وأمهل الجيش العراقي مجموعات من المسلحين تسيطر على ناحية في محافظة صلاح الدين 48 ساعة قبل بدء "تطهير" المنطقة. وتمكن مسلحون مساء الأربعاء الماضي، من السيطرة "بالكامل" على ناحية سليمان بيك الواقعة على بعد نحو 150 كيلومترا شمال بغداد على الطريق بين العاصمة وإقليم كردستان العراق إثر معارك مع الجيش العراقي فيها. وقتل وأصيب العشرات من أفراد الجيش والمسلحين في معارك الناحية التي تشمل 28 قرية وتسكنها 30 ألف نسمة معظمهم من التركمان السنة. وجاءت هذه المواجهات بعد اقتحام ساحة الاعتصام المناهض لرئيس الوزراء في الحويجة (55 كلم غرب بغداد) الثلاثاء، حيث قتل 50 مدنيا وأصيب 110 بجروح، وهو ما أطلق شرارة أعمال عنف ضد قوات الأمن في أنحاء مختلفة من البلاد. وقال شلال عبدول بابان قائم قام قضاء طوزخرماتو القريب من سليمان بيك إن "المسلحين ما زالوا يسيطرون بشكل كامل وتام على الناحية"، مؤكدا أن "قوات الجيش تقوم بتعزيز أفرادها وتحاصر بشكل كامل الناحية". وفي الموصل قتل 41 شخصا في اشتباكات بين مسلحين عشائريين وقوات الأمن؛ وفي الفلوجة، قال ضابط في الشرطة إن "مجموعة من المسلحين يحملون أسلحة ثقيلة وقاذفات آر بي جي هاجموا مقر الشرطة الوطنية وسط الفلوجة ، ما أسفر عن مقتل اثنين من الشرطة وإصابة اثنين آخرين". وفي تطور آخر، قالت مصادر في شركة نفط الشمال العراقية ل"رويترز" إن مسلحين فجروا خط أنابيب ينقل النفط العراقي من مدينة كركوك إلى ساحل تركيا على البحر المتوسط الخميس وهو ما أدى إلى توقف تدفق الخام. وفي سياق متصل، دعت الخارجية البريطانية خطباء الجمعة في العراق إلى استخدام منابرهم لحث المواطنين على العمل على وقف التدهور الأمني في البلاد. ولا يزال الوضع متوتر في العراق ، فالأمور وصلت لطريق مسدود لن يفتح إلا باستقالة المالكي حسبما قال بعض المسئولين، بالإضافة إلى حسم الأزمات السياسية بالبلاد.