يشهد المجلس الشرعي الإسلامي بلبنان أزمة وحالة من الانقسام بعد إعلان مفتي الجمهورية اللبنانية محمد رشيد قباني عن تحديد موعد الانتخابات لاختيار أعضاء المجلس والتي انطلقت صباح اليوم الأحد وسط حالة من الجدل. وفي الوقت الذي يتجه فيه قطاع واسع من المعارضين لمقاطعة هذه الانتخابات، أكدت أوساط المفتي قباني أن الانتخابات ستحصل في موعدها في بيروت والمناطق.
وتأتي تلك الانتخابات على الرغم من قرار مجلس شورى الدولة، الذي هو المحكمة الإدارية العليا في لبنان، وقف إجرائها ، مما أدى إلى نشوب خلاف عميق بين المفتي ونسبة عالية من الشخصيات الإسلامية السنية التي قاطعتها بينها رؤساء الحكومات السابقون ونائب رئيس المجلس ونسبة عالية من أعضائه الحاليين.
وكان مفتي لبنان قد سلم منتصف مارس الماضي مقر دار الإفتاء إلى جميع العلماء المسلمين في لبنان، ويبقى في موقعه مفتيا للجمهورية اللبنانية، في تصعيد جديد للأزمة التي يواجهها مع رئيس حكومة تسيير الاعمال نجيب ميقاتي ، وعدد من رؤساء الجمهورية السابقين.
قباني و"المستقبل" ويدور صراع في لبنان بين المفتي قباني، الذي دعا لانتخابات جديدة للمجلس الشرعي، وبين تيار "المستقبل" الذي يرفض هذه الدعوة في الوقت الحالي والذي دعا من قبل إلى تأجيلها.
وتمسك المفتي قباني بتحديد نهاية ولاية المجلس في 31 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، في مقابل تمسك تيار "المستقبل" بأن انتهاء ولاية المجلس تكون مع إعلان نتائج الانتخابات الجديدة، ومنعاً للفراغ يطالب بأن يستمر في عمله حتى انتخاب البديل.
وكان أنصار تيار "المستقبل" في المجلس الشرعي قد مددوا ولاية المجلس، في جلسة لم يترأسها مفتي الجمهورية، بل ترأسها نائب رئيس المجلس الوزير السابق عمر مسقاوي. وتقدم قباني دعوى أمام النيابة العامة الاستئنافية في بيروت، ضد مجهول، بتهمة تزوير محضر جلسة التمديد للمجلس الشرعي، كما أقام دعوى أمام مجلس شورى الدولة (معني بالشكاوى ضد الدولة) ضدّ "الدولة اللبنانية" و"المجلس الشرعي"، على خلفيّة نشر رئاسة مجلس الوزراء قرار التمديد في الجريدة الرسمية.
وكان رئيس الحكومة اللبنانية، ميقاتي، دعا إلى اجتماع طارئ في حال عدم تجاوب المفتي قباني مع الدعوة الموجهة إليه مجدداً، وذلك من أجل اتخاذ الإجراءات اللازمة. ونظم نحو 100 من علماء الدين ، مسيرة إلى منزل مفتي لبنان لدعمه في "كل القرارات التي يتخذها" إزاء الأزمة المشتعلة حاليا على خلفية عدم إجراء انتخابات المجلس الشرعي. وذكر مراسل وكالة الأناضول للأنباء، أن علماء دار الفتوى اجتمعوا في بهو دار الفتوى بالعاصمة اللبنانية بيروت، معربين عن وقوفهم إلى جانب قباني في "كل القرارات التي يتخذها" .
غير قانونية هذا وقد عقد في مركز اتحاد بلديات الدريب الاوسط في عكار لقاء حضره رئيس الاتحاد محمود عبدالمجيد ورؤساء البلديات المنضوية في الاتحاد، وبعد التشاور في الدعوة إلى انتخابات اعضاء المجلس الشرعي الاسلامي الاعلى أصدر المجتمعون بيانا رأوا فيه ان "هذه الدعوة غير قانونية باعتبارها تتناقض وقرار مجلس شورى الدولة الذي اعتبر هذه الانتخابات غير قانونية وتتناقض وبيانات رؤساء الحكومات لتأجيل هذه الانتخابات".
وقال البيان: "أمام ما قد تولده هذه الانتخابات من انقسامات حادة في صفوف الطائفة السنية وفي ظل هذه الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد، نرى لزاما علينا اتخاذ المواقف التي تتناسب ومصلحة منطقتنا ومصلحة عكار مؤكدين ان موقفنا هذا ليس موجها ضد أي أحد من المرجعيات الدينية التي نحترم ونجل بل ضد قرارات اعتباطية نتج عنها تشرذم واضح وانقسامات حادة وخلافات في الرؤى والتوجهات ووضعت المصلحة الشخصية والاعتبارات الخاصة فوق اي مصلحة اخرى".
وتابع: "لذا نعلن مقاطعتنا الشاملة للانتخابات التي ستجرى يوم غد الاحد لانها انتخابات سوف تلحق الضرر البالغ بصفوفنا كما انها لم تراع حجم عكار الجغرافي والسكاني بزيادة عدد اعضاء المجلس الشرعي فيها على غرار المناطق الاخرى. ومن هنا ندعو الجميع الى التريث والهدوء وايجاد المخارج اللازمة بما يضمن مصلحة هذه الطائفة الكريمة وبالتالي يضمن مصلحة لبنان من اي تشرذم او انقسام يطيح بكل ما تحقق طوال السنوات الماضية".
كما أعلن رئيس بلدية القرقف الشيخ يحيي الرفاعي سحب ترشحه لانتخابات المجلس الاسلامي الشرعي الاعلى عن مقعد عكار.
وقال في بيان: "بما ان ترشيحي من قبل الاخوة في اتحاد بلديات وسط وساحل القيطع برئاسة احمد المير لعضوية المجلس الشرعي الاسلامي الاعلى عن محافظة عكار، كان بهدف المساهمة بتعزيز دوره الوطني والمؤسساتي في رعاية امور المسلمين في لبنان، وبما ان هذا الهدف بات الان من الصعب تحقيقه في ظل الانقسام الحاصل في الطائفة الاسلامية السنية، وحيث اصبح من المؤكد ان هذه الانتخابات لن تكون شرعية ولا قانونية اضافة الى انها تزيد الانقسامات الخطيرة في جسم الطائفة وتلحق اكبر الاضرار بسمعتها ووحدتها بشكل غير مسبوق، بما ان مجلس شورى الدولة قد اصدر قراره بوقف تنفيذ قرار مفتي الجمهورية لجهة الدعوة الى انتخابات المجلس الشرعي يوم 14 -4-2013".
وأضاف: "وبما ان استمراري في الترشح برغم من صدور قرار قضائي يوقف هذه الانتخابات يشكل مخالفة للقرار المذكور فضلا عما يستتبع ذلك من مسئوليات قانونية، لاسيما انه في ظل هذا القرار لا يكون للانتخابات اي مفاعيل وتعتبر باطلة لا قيمة لها، والتزاما مني ومن الاخوة في اتحاد بلديات وسط القيطع بقرار مجلس شورى الدولة واحتراما للمرسوم الاشتراعي رقم 181955، ونزولا عند دعوة المجلس الشرعي الاسلامي الاعلى في جلسته بتاريخ 9-4-2013، لذلك فاننني اعلن سحب ترشيحي الشرعي الاسلامي الاعلى عن محافظة عكار".
"اسحبوا ترشيحاتكم" كما اعلن مرشحي الجماعة الإسلامية في مختلف المحافظات انسحابهم من انتخابات المجلس الشرعي ، وجددت الجماعة دعوة قباني لاتخاذ موقف موحد وشجاع يجمع الساحة الإسلامية في هذه المرحلة الدقيقة والحرجة عبر وقف قرار إجراء الانتخابات، وإتاحة الفرصة من جديد لأصحاب المساعي الحميدة لإيجاد المخارج التي تنهي الأزمة وتليق بالجميع.
فخلال مارس الماضي أصدر المكتب السياسي للجماعة الاسلامية امر لمرشحيه الى عضوية المجلس الشرعي "اسحبوا ترشيحاتكم، لن نشارك في انتخابات المجلس".
وقال القيادي في الجماعة عمر المصري لصحيفة "الأخبار" اللبنانية :"إن هذه الانتخابات، وبعد اصدار مجلس شورى الدولة قرار وقف تنفيذها، ستقسم الطائفة اكثر". وأضاف المصري :"لذلك قررت الجماعة سحب ترشيح اعضائها في مختلف المناطق كي لا نساهم في الازمة اكثر".
ويبدو أن دار الفتوى قد ضربت بتلك الانسحابات عرض الحائط ، حينما أعلنت مصادر داخل الدار ان انسحاب الجماعة لن يؤثر على سير العملية الانتخابية التي لا تزال في موعدها ، والتي انطلقت بالفعل اليوم .
انتخابات باطلة من جانبه وجه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي كتابا الى مفتي الجمهورية اتهمه فيه ب"الخروج عن سيادة القانون واحترام سلطة القضاء، بسبب عدم التقيد بقرار مجلس شورى الدولة الذي يقضي بوقف تنفيذ الدعوة الى انتخابات المجلس الشرعي الاسلامي الاعلى"، محذراً اياه من "النتائج السلبية التي ستترتب على هكذا قرار لا تليق بمقام دار الافتاء".
وشدد في الكتاب، الذي نشرته صحيفتا "المستقبل" و"الحياة"، على ان "أي انتخاب لاعضاء المجلس الشرعي سيكون باطلاً بطلاناً مطلقاً، وهو ما لا يرتضيه دار الافتاء، وقطعاً لن يحقق المصلحة العليا للطائفة السنية.
وفي ذات السياق شرح نائب رئيس المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى الوزير السابق المحامي عمر مسقاوي ، واقع الأزمة القائمة بين مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني بدعوته الى إجراء انتخابات، والمجلس الشرعي الاسلامي الاعلى الذي جدد لنفسه بقرار منه في نهاية العام الماضي.
وقال: "إن وقائع الخلاف الذي نشأ مع مفتي الجمهورية اللبنانية، أمام القضاء الإداري الذي هو معني بمشروعية الانتخابات، وكما هو معروف فإن مجلس الشورى أوقف بقرار صادر منه في صورة مؤقتة انتخابات المجلس سواء في 30/12/2012 او في 14/4/2013 وهو الذي يوافق اليوم".
واشار إلى أن "الجميع توافقوا على وجوب التقيد مبدئيا، بقرارات مجلس شورى الدولة، باعتبار مؤسسة الافتاء والمجلس الشرعي مؤسستين عامتين تابعتين لرئاسة مجلس الوزراء، وان موقف رئاسة الوزراء وبناء للكتاب الذي ارسله رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي الى سماحة مفتي الجمهورية، يطلب فيه التقيد بالقرارات الصادرة عن السلطة القضائية، حفاظا على كرامة دار الفتوى، هو امر واجب مهما كان موقف سماحته منها".
ولفت إلى أن "مفتي الجمهورية وفقا لصلاحياته المنصوص عليها، لا يستطيع الدعوة الى جلسة انتخاب المجلس الشرعي الاسلامي الاعلى، الا بالتوافق مع المجلس الشرعي".
وفي الختام أعلن مسقاوي "توافق الحضور على ضرورة اقناع جميع الذين يرغبون في الاقتراع، الامتناع عن الحضور والانسحاب من الترشيح، حفظا لكرامة هذه المؤسسة وفاعليتها المتبقية".
ودعا مسقاوي "من بقي من مرشحين الى سحب ترشيحاتهم والناخبين الى عدم المشاركة حضورا واقتراعا تقيدا بالأنظمة والقوانين المرعية الاجراء التي قضت بوقف الانتخابات".
رأي وليس قرار ورغم الآراء السابقة التي تؤكد على عدم قانونية الانتخابات ، إلا أن المفتي أكد أن "انتخابات المجلس قانونية وشرعية 100%"، مشيرا الى أن "مجلس شورى الدولة أعطى رأياً ولم يصدر قراراً" ، وقال "يدنا ممدودة للجميع". ويدفع قباني بعدم قانونية قرار مجلس شورى الدولة بوقف إجراء الانتخابات لعدم اختصاص المجلس النظر بشئون الطوائف، إلى جانب ضرورة الحاجة لانتخاب مجلس شرعي جديد بسبب انتهاء ولاية المجلس الحالي القانونية.
كما أكد قباني انه لا صلاحية لشورى الدولة للنظر في شئون الشرعي وسير العملية الانتخابية فيه، كما لا سلطة له عليه ، وأوضح في حديث إلى صحيفة "السفير" ، أنه حينما تقدّم بدعوى قانونيّة في "الشورى"، فإنه لم يقدّمها ضدّ أعضاء "الشرعي" الذين مددوا لأنفسهم زوراً، وإنما ضدّ رئاسة مجلس الوزراء بعد نشرها قرار التمديد في الجريدة الرسميّة.
من جانبه أوضح الشيخ وليد أبو القطع على هامش انتخابات المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى ان مفتي الجمهورية أراد ان يجري الانتخابات في موعدها حتى يؤكد لكل مواطن ان دار الفتوى للجميع وليست لشخص واحد"، مشددا في حديث تلفزيوني على ان "الانتخابات ستسير بشكل منظم".