يختلف مفهوم الأسترخاء عند الغنى والفقير .. فالأول يسترخى ويغسل همومه بالسفر إلى الخارج أو الجلوس أمام الشاليه الخاص به فى مارينا أو العجمى يريح ذهنه من حسابات البنوك والمنافسات فى سوق شرسه لا تعترف بالمبادئ أو الأخلاق .. بعض الأثرياء أيضاً يختلسون ساعة كل يومين للذهاب للجيم والساونا لأراحه جسد أرهقه الخمول والجلوس لساعاتٍ طوال خلف المكتب ، ومن ثم يصبح التدليك والجاكوزى ضروريان لأسترخاء العقل. الفقير لا يملك رفاهية الذهاب لنادٍ صحى تكلفة الساعة فيه 400 جنيه على الأقل .. وهو ايضاً يبحث عن الأسترخاء بعد يوم عمل شاق يقف فيه 15 ساعة أو أكثر على قدميه بائعاً فى محل أو تاجراً أو حرفياً أمام ماكينة او ورشة سيارات أو ممتهناً أى عمل شريف ينفق منه على أسرته ..
والغريب أن الأسترخاء للجسد المرفه الخامل يستلزمه حجز مسبق فى الساونا أو النادى الصحى وموعد مع المدلك وتأكيد للحجز بالدقيقة والثانبة .. وطبعاً هناك أنديه تقدم الجنس بالإضافة للأسترخاء وذلك بأستقدام فتيات روسيات وقد تم أغلاق كثير منها .. أما الفقير الغلبان فلا يلزمه أكثر من "ليفه" وصابونه وحمام بلدى وكما يقولون عنه " يمص الرطوبه ويفك العضلات " ..
وبين الساونا والحمامات الشعبية او البلدية فروق كثيرة ليس اهمها الفروق المادية ، وأن كانت أحد أسبابها فالساونا - كما يقول الدكتور محمد نصر أخصائى القلب بمعهد القلب بأمبابة – رغم فوائدها ، فأنها خطر على مرضى الضغط المرتفع والقلب خصوصاً عند الأنتقال من حرارتها العالية إلى بروده الدش وقد تتسبب فى صدمة قلبية ..
والحمام الشعبى أو البلدى له مضار أيضاً يحددها الدكتور نبيل مؤمن أخصائى الأمراض الجلدية بأنه قد يحمل عدوى وفطريات خصوصاً إذا لم تكن "الفوط " معقمة جيدة وكذلك " البشاكير " ..
ولأن معظم الناس يعرفون الساونا ويجهلون طقوس الأسترخاء فى الحمام الشعبى أو البلدى فقد قررت أن أزور حمام "عوكل" الشهير بمنطقة بولاق الدكرور لصاحبه عوكل النسرى .. وهو من أشهر الحمامات الشعبية فى القاهرة وعمره 500 عام .. ويليه حمام الملوك بمنطقة الحسين .. والحمام له طابع إسلامى فى نقوش الأرضيات ويغطيه رخامٍ أملس على الجدران .. " عوكل " الت اليه إدارة الحمام عن والده ..وهو ملك لورثه أهملوه ويستأجره منهم عوكل .. بالمناسبة الحمام تابع لهيئة الأثار المصرية ولا يجوز بيعه ..
قال لى " عوكل " أن الحمام يقصده الحرفيون والتجار وبعض الموظفين ، لكن هناك أيضاً الأثرياء من تجار الذهب ووكالة البلح الذين يقصدونه ويفضلونه عن الساونا .. فالحمام – على مسئولية عوكل – يشفى من الروماتيزم وألام العظام .. زبائن الحمام شباب وخليجيون وعرائس وعرسان .. الموسم فى الشتاء والمناسبات الدينية والأعياد .. وفى الصيف يقل الأقبال ..
أسأله عن طقوس الحمام ويرد جرب يا أستاذ .. الحقيقة خفت لكن عندما شاهدت السيارات الفارهه تقف أمام باب الحمام توكلت على الله .. تبدأ الطقوس بوضع النقود وسلسلة المفاتيح والمحفظة فى الأمانات .. ثم تخلع الملابس وتتسلم "بشكيراً " نظيفاً ومعقماً وقبقاباً "خشبياً " يصدر صوتاً عالياً ما تلبث أن تتعود عليه ..ندخل إلى حماماتٍ منفصلة لنتلقى دشاً ساخناً لمدة عشر دقائق ثم البخار لمدة 15 دقيقة ..ثم ننزل إلى "المغطس"المملوء بالماء الساخن حيث يتم الجلوس فيه لمدة مماثلة ثم الأسترخاء على مصطبه رخام تتم عليها عملية التدليك ثم حمام ساخن أخير ترتشف بعده جنزبيل أو "قرفة " .. بالمناسبة الشاى ممنوع ومثله القهوة لأنهما منبهان ..
ثم تبدأ عملية التدليك التى تشعر خلالها أنك لوح خشب يتم "سنفرته " من خلال كيس صوف خشن لطرد الدهون والحجر الأحمر " لفرك القدمين واليدين " يستوى فى ذلك الرجال والنساء .. رفضت أن يقوم "المدلك " باستخدام الحجر لأنه فى أعتقادى للسيدات ،فقال أن الدورة الدموية فى القدمين تكون عادةٍ خاملة "للافندية " وراكبى السيارات ،لذا لابد من الحجر ! بالمناسبة الحمام له فترتين صباحية ومسائية للسيدات والرجال .. والمسئولة عن حمام الحريم هى "البلاّنه" وتكسب اكثر من الرجال .. فهناك سيدات من العرب والمصريات يحجزن الحمام بالكامل حتى لا يشعرن بأحراج مع غريبات عنهن .. الحاجة عزه المسئولة عن "الحريم " تقول أن العروسة والعريس لابد أن يزورا الحمام قبل ليلة الحنة وأحياناً تحدث الزفة من أمام الحمام حتى منزل الزوجية .. عزه تستخدم خلطات طبيعية وخلاصات عطرية لها مفعول السحر على الجسم كما تقول .. أدواتها هى مهروس قشر الحامض والبرتقال المنقوع فى الزيوت والعطور ويترك على البشرة والجسم لأكتساب النعومة والنضارة ..
المثل يقول إذا سألت أسأل خبيراً ، وعزه تقول ان حمام العروس والعريس مفيد جداً فى إزالة "التوتر" ليلة الدخلة.
وإذا تكلمنا عن الأحوال الأقتصادية سنجد أن الحمام البلدى يشكو من أرتفاع فواتير المياه وانقطاعها بالإضافة لندرة السولار وبيعه فى السوق السوداء وهو الذى يستخدم فى تسخين الماء .. أما الساونا ومراكز التجميل الراقية فتشكو من زيادة أسعار الكهرباء بشكل جنونى لأنهم يستخدمون تكييفاً مركزياً ، وكذلك أرتفاع أسعار كريمات الجسم والشعر والشامبو والزيوت المستورده واجرة "الباديكير والمانيكيرست " والمدلك وذلك يرفع فاتورة الساعة إلى 500 جنيه ومرشحة أن تكون 700 جنيه مع حلول الصيف .
تقول مدام" شيرى " صاحبة صالون تجميل وناد صحى وساونا بمنطقة المهندسين: أنها تحافظ على مستوى معين من الزبائن وتطلب منهم شهادة صحية بالخلو من الأمراض الجلدية والمعديه من طبيب مشهور بالإضافة إلى توقيع أقرار بأتباع قواعد الأخلاق والسلوك داخل النادى وإلا يتعرض العضو لأستدعاء الشرطة .. وبالمناسبة النادى مفتوح لأعضائه فقط وأنضمام العضو الجديد يستلزم موافقة أثنين من الأعضاء القدامى ودفع رسوم أشتراك ..
المهم أن " عوكل " و" شيري " يساعدان المرهقين على الأسترخاء كُلّ بطريقته وبأسعاره وبزبائنه وتبعاً للمنطقة التى يعيش فيها ..
أنا شخصياً أرتحت للحمام البلدى .. ربما لرائحة التاريخ المنبعثة منه .. والنقوش المحفورة على جدرانه تخبرك بأنك عدت إلى الوراء 600 عام وبالتحديد إلى " دولة المماليك " التى شهدت أنتشار الحمامات وفى أحداها تأمرت شجرة الدر على زوجها عز الدين أيبك لتقتله فى حمام " الخشبية " بسبب غيرتها عليه وخوفاً من زوجته الأولى " أم على " وكانت نهايتها هى أيضاً فى الحمام ضرباً بالقباقيب على يد "أم على " كذلك ..
على اى حال الباحث عن الأسترخاء( يمد رجليه على قد لحافه ) كما يقول المثل الشعبى .. والأثنان يحققان الغرض .. وكل منهما له مشجعيه ورواده .