من التيار الانفتاحي داخل حركة "حماس" خاصة بعد مساهماته في تدشين هدنة مع إسرائيل العام الماضي، وكذلك جهوده المتواصلة من أجل إتمام المصالحة مع حركة فتح ، هكذا يرى كثيرون "أبو الوليد" خالد مشعل الذي أعادت الحركة انتخابه رئيسا لمكتبها السياسي لفترة جديدة تستمر 4 سنوات، بعد تصويت أعضائها بالعاصمة المصرية القاهرة وفوزه بالتزكية. يأتي ذلك بعد أعلنت حركة "حماس" أكثر من مرة خلال العام الماضي أن رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل أبلغ مجلس شورى الحركة أنه لا يرغب في الترشح لانتخابات رئاسة المكتب السياسي للحركة مجددا . وكان يقول مشعل انه يريد أن "يفسح المجال لآخرٍ من أبناء حركة حماس ليتسلم المسئولية، ويحمل الأمانة، ويتقدم الركب، ويأخذ بزمام القافلة، ويواصل المسيرة، ويتابع العمل". وكانت قيادات الحركة ورموزها تمنوا على أن يتراجع مشعل عن رغبته، ويبدو أنه استجاب لهم وتم العدول عن قراره. ويقود مشعل البالغ من العمر 56 عاما منذ عام 2004 حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة ، واكتسب صورة أكثر اعتدالا في العالم العربي ولدى بعض الغربيين منذ مساعدته في تحقيق هدنة مع إسرائيل العام الماضي.
حلقة الوصل ويرى مراقبون فلسطينيون أن تراجع مشعل عن قراره بعدم الترشح لولاية رابعة حدث لأسباب عدة، منها، الخبرة السياسية التي يتمتع بها مشعل منذ توليه رئاسة المكتب السياسي، إضافة إلى علاقاته العربية والإقليمية مثل "مصر-الأردن-قطر-تركيا-إيران"، ناهيك عن ما يجري من ثورات عربية في المحيط وهو ما تعول عليه حماس كثيراً. ومجلس الشورى في حماس هو الإطار القيادي الأوسع للحركة، وحلقة الوصل بين المكتب السياسي وقواعد الحركة، ويقوم أعضاء مجلس الشورى العام بانتخابات سرية لاختيار أعضاء المكتب السياسي ورئيس للمكتب. وتجري كل ثلاثة أعوام بشكل دوري انتخابات داخلية في حركة حماس لاختيار أربعة مجالس شورى في قطاع غزة والضفة الغربية والخارج، إضافة إلى داخل السجون الإسرائيلية ، ويمثل عدد من الأعضاء كل واحد من هذه المجالس الأربعة في لجنة تتولى التنسيق مع المكتب السياسي. ويرفض قادة حماس في غالب الأحيان الخوض في أي حديث يتعلق بالأمور التنظيمية والانتخابات الداخلية للحركة.
الأفضل ورغم الانتقادات التي كان مشعل يوجهها للقائد التاريخي لحركة فتح الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، إلا أن جميع قيادات "فتح" يفضلون بقاء "أبو الوليد" قائداً ل"حماس" لاعتقادهم أنه الأكثر "اعتدالاً واتزاناً" في التعامل معهم والأكثر حرصاً على تحقيق الوحدة الفلسطينية - حسبما يقولون.
واعتبر الكاتب الفلسطيني مصطفى الصواف في اتصال هاتفي مع "سكاي نيوز عربية" أن حركة حماس فضلت بقاء مشعل رئيسا لمكتبها السياسي لأسباب داخلية وإقليمية ودولية، معتبرا أن هذا الخيار يصب في مصلحة الحركة.
وعربيًّا فإن الرئيس الحالي للمكتب السياسي ل"حماس" حظى باهتمام واحترام من جميع قادة العرب، وأبرزهم أمير قطر حمد بن خليفة آل ثان، الذي شارك بالضغط على قيادة "حماس" لبقاء مشعل قائدًا للحركة، وفق تصريحات أدلت بها مصادر داخل "حماس" لوكالة "الأناضول" للأنباء.
وليس العرب وحدهم، فالقيادة التركية أيضاً تفضل "أبو الوليد" ممثلاً ل "حماس" نظراً للبراغماتية والكاريزما التي يتمتع بها.
وعلى الصعيد الإسرائيلي فإن القيادة الإسرائيلية، وفق محللين ومتابعين للشأن الإسرائيلي، لا تفضل وجود مشعل وتعتبره عدواً خطيراً.
ووصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، خطاب مشعل في مهرجان ذكرى انطلاقة "حماس" الخامسة والعشرين، الذي عقد في قطاع غزة نهاية العام الماضي، ب "العدواني والمتحدي لإسرائيل".
من الفيزياء إلى "حماس" وحول نشأته نجد أن خالد مشعل ولد في 28 مايو في قرية سلواد قضاء رام اللهبفلسطين، وتلقى التعليم الابتدائي فيها حتى عام 1967 حيث هاجر مع أسرته إلى الكويت، وعاش هناك في مستوى اقتصادي فوق المتوسط وأكمل هناك دراسته المتوسطة (الإعدادية) والثانوية، ثم أكمل دراسته الجامعية حتى حصل على البكالوريوس في الفيزياء من جامعة الكويت.
كانت جامعة الكويت في السبعينيات من القرن الماضي تعج بالتيارات الفكرية العربية منها عامة، والفلسطينية خاصة، وشهدت انتعاشة طلابية حركية نشطة ما زالت آثارها الإيجابية تظهر على من عايشها حتى اليوم. وساهمت هذه الفترة الذهبية بشكل كبير في تكوين شخصيته وتنمية ملكاته، حيث شهدت قمة عطائه ونضجه الفكري والحركي والسياسي، فقاد التيار الإسلامي الفلسطيني في جامعة الكويت، وشارك في تأسيس كتلة الحق الإسلامية التي نافست قوائم حركة فتح على قيادة الاتحاد العام لطلبة فلسطين في الكويت، تلك الكتلة التي سرعان ما تحولت بعد تخرجه إلى ما عرِف بالرابطة الإسلامية لطلبة فلسطين.
تخرج مشعل في عام 1978 وعمل مدرسا للفيزياء في الكويت، ثم تزوج بعدها بسنتين وله من الأبناء سبعة، ثلاث فتيات وأربعة صبية.
ويحمل خالد مشعل إجازة في القرآن الكريم بسند متصل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم برواية حفص عن عاصم. بدأ مشعل بحفظ أجزاء من القرآن الكريم في مرحلة مبكرة من عمره، وفي المرحلة الثانوية أتقن أحكام التجويد على يد الشيخ محمد عبد الرحمن (من علماء الأزهر)، وفي بداية مرحلته الجامعية حفظ سورة البقرة في أسبوعين ومن ثم سورة آل عمران في عشرة أيام.
ولكن بسبب انشغاله بالجامعة لم يكن لديه الوقت الكافي للحفظ إلى أن سافر إلى سوريا حيث تتلمذ هناك على أيادي شيوخ سوريا، فحفظ القرآن على يد الشيخ عبد الهادي الطباع الذي يحمل اجازة في القرآن، وأتم الحفظ في شهر ذو الحجة سنة 2007.
وانضم خالد مشعل إلى تنظيم الإخوان المسلمين - الجناح الفلسطيني عام 1971، وكان له دور كبير في انتماء العديدين لتنظيم الإخوان المسلمين - الجناح الفلسطيني الذي تبوأ فيه أعلى المناصب، حيث شارك مشعل في تأسيس حركة المقاومة الإسلامية - حماس عام 1987. وانضم إلى المكتب السياسي لحركة حماس منذ تأسيسها نهاية عام 1987، ولدى عودته إلى الأردن أصبح عضوا نشيطا فيها حتى انتخب عام 1996 رئيسا للمكتب السياسي للحركة.
محاولة اغتياله وفي 25 سبتمبر 1997 استهدفه الموساد الإسرائيلي بتوجيهات مباشرة من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والجهاز الأمني الإسرائيلي التابع لرئيس الوزراء ، حيث قام 10 عناصر من جهاز الموساد بالدخول إلى الأردن بجوازات سفر كندية مزورة حيث كان خالد مشعل الحامل للجنسية الأردنية مقيماً آنذاك وتم حقنه بمادة سامة أثناء سيره في شارع وصفي التل في عمّان.
واكتشفت السلطات الأردنية محاولة الاغتيال وقامت بإلقاء القبض على اثنين من عناصر الموساد المتورطين في عملية الاغتيال، وطلب العاهل الأردني الراحل الملك حسين بن طلال من رئيس الوزراء الإسرائيلي المصل المضاد للمادة السامة التي حقن بها خالد مشعل، فرفض نتنياهو مطلب الملك حسين في بادئ الأمر، فأخذت محاولة اغياله بعداً سياسياً، وقام الرئيس الأمريكي بيل كلينتون بالتدخل وإرغام نتنياهو بتقديم المصل المضاد للسم المستعمل. رضخ نتنياهو لضغوط كلينتون في النهاية وقام بتسليم المصل المضاد. ووصف الرئيس الأمريكي بيل كلينتون رئيس الوزراء الإسرائيلي بالكلمات التالية: "لا أستطيع التعامل مع هذا الرجل، إنه مستحيل". وبعد ذلك قامت السلطات الأردنية فيما بعد بإطلاق سراح عملاء الموساد مقابل إطلاق سراح الشيخ أحمد ياسين المحكوم بالسجون الإسرائيلية مدى الحياة.
وقدمت "حماس" في عهد خالد مشعل "أهم منجزاتها حتى باتت القائدة للشعب الفلسطيني والممثلة لطموحاته وتطلعاته"، بحسب تصريحات سابقة لعزت الرشق القيادي في الحركة، والمقرب من مشعل.