جاءت أزمة النائب العام لتزيد من تعقيد المشهد السياسي في مصر، وذلك بعد إعلان قضاة مصريين أمس البدء باتخاذ حزمة من الإجراءات القانونية، تجاه كافة الجهات المسئولة، لتنفيذ الحكم الصادر من محكمة الاستئناف ببطلان تعيين المستشار طلعت عبدالله، باعتبار أن الحكم واجب النفاذ وبمسودته الأولية دون انتظار لحكم محكمة النقض . ونقلت صحيفة "الخليج" الإماراتية عن عدد من القضاة قولهم :"إنهم قد يضطرون في حال عدم تنفيذ الحكم في اليوم الثاني لإعلان الجهات التنفيذية، إلى اتخاذ ما وصفوه بحزمة من الإجراءات القانونية، من بينها تطبيق نص المادة الخاصة بالامتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية، وعقوبتها الحبس والعزل، واستخدام أعضاء النيابة العامة والقضاة لحقهم في الضبطية القضائية، التي منحها لهم القانون بعد رجال الشرطة، مشيرين إلى أنهم قد يضطرون إلى تنفيذ منطوق الحكم ب"القوة الجبرية" ، في حال عدم اضطلاع الشرطة بمهامها في حتمية تنفيذ الحكم القضائي".
انفجار جديد وتزامنت تهديدات القضاة مع زحف آلاف من النشطاء والحركات والقوى الثورية على مبنى دار القضاء العالي، احتجاجاً على أوامر بضبط وإحضار نشطاء للتحقيق معهم في اتهامات تتعلق بالدعوة للعنف وإثارة الفوضى في البلاد، وتهديد مئات من أعضاء النيابة العامة بالدخول في حالة إضراب كلي بجميع النيابات والمحاكم المصرية، وهو الأمر الذي يؤشر لانفجار جديد في الأزمة بين مؤسسة الرئاسة والمؤسسة القضائية في البلاد، والتي بدأت في 22 نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، في أعقاب قرار للرئيس محمد مرسي بإقالة النائب العام السابق المستشار عبد المجيد محمود، بالتزامن مع صدور إعلان دستوري، تضمن إعادة المحاكمات في جرائم قتل المتظاهرين، وتحصين مجلس الشورى، أو الجمعية التأسيسية لوضع مشروع الدستور من الحل .
ويمنح الدستور الجديد، المجلس الأعلى للقضاء وحده الحق في اختيار من يشغل موقع النائب العام، من بين نواب رئيس محكمة النقض، ورؤساء محاكم الاستئناف ومساعدي النائب العام، حيث يقصر دور رئيس البلاد، على التصديق على الاختيار، عكس قانون السلطة القضائية الساري حتى اليوم في البلاد، والذي يمنح الرئيس الحق في اختيار النائب العام، وهو القانون الذي استند إليه الرئيس مرسي في اختيار المستشار طلعت عبدالله، الذي تم تعيينه في منصبه، قبل أيام من الاستفتاء على الدستور الجديد، وهو ما يثبت في نظر كثير من القضاة المصريين المناوئين لهيمنة جماعة الإخوان على السلطة القضائية، نية مبيتة من قبل الجماعة ومؤسسة الرئاسة في آن، لاختيار نائب عام موال للنظام .
ارتباك ب"الرئاسة" وتعكس أزمة النائب العام الجديدة ارتباكاً واضحاً في مؤسسة الرئاسة، وتجاهلها لمطالب الأغلبية العظمي من القضاة، والقوى السياسية والثورية، وهو ارتباك يبدو متطابقاً في نظر كثيرين، مع طريقة أداء النظام السابق وتعاطيه مع العديد من القضايا السياسية المهمة على الساحة المصرية، والتي كان ينظر إلى مسألة الاستجابة لها باعتبارها تحدياً لسلطاته والتفافاً على قراراته السيادية، وإن ظل نظام الرئيس السابق هو الأكثر دقة ومؤسسية، فيما يتعلق بعملية اتخاذ القرار، التي كانت تخضع لاستشارات فنية من قبل مؤسسات الدولة المعنية بمثل هذه الملفات .
وحسبما جاء بصحيفة "الخليج" فإنه على مدار شهور تجاهلت مؤسسة الرئاسة العديد من الطروحات التي تقدم بها القضاة للخروج من أزمة النائب العام على نحو يحفظ للموقع كرامته، ولمؤسسة الرئاسة هيبتها في قراراتها، حتى السيناريوهات التي طرحها المجلس الأعلى للقضاء، واستجاب لها النائب العام الحالي نفسه عندما تقدم باستقالة شفهية، تحت ضغط تظاهرات رجال النيابة العامة، لم تمنع الرئيس مرسي من الاستمرار في تجاهله للأزمة، في مشهد بدا متطابقاً لطريقة مبارك الشهيرة "خليهم يتسلوا"، وهو التجاهل الذي دفع النائب العام إلى العودة إلى مكتبه مجددا، والعدول عن استقالته في خطوة انتقصت كثيراً من هيبته كمحام للشعب .
المؤكد أن أزمة النائب العام، ربما تصلح عنواناً يكشف إلى حد كبير، ليس فحسب مدى الارتباك الحاصل في مؤسسة الرئاسة، وإنما في الوقت ذاته منهجهاً في التفكير، الذي يعتمد بصورة لافتة على سياسة القسر والمغالبة، انطلاقاً من اعتقاد يبدو أنه راسخ في يقين الرئيس وجماعته، مفاده أن القوة هي مصدر الشرعية، وأن السلطة تعني وفق هذا الاعتقاد، إجبار المجتمع على قبول كل ما هو شاذ وغريب من قرارات، حتى لو كانت هذه القرارات ضد مبدأ سيادة دولة القانون الذي لا تفلت الجماعة ومؤسسة الرئاسة فرصة إلا وتحدثت عنه، واتهمت قوى المعارضة بالعمل على هدمه، من دون أن تشعر أنها أول من يضرب المعول في عملية صناعة “دولة الفوضى.
قرار باطل وأعلن نشطاء أمس رفضهم الاستجابة لطلبات الاستدعاء التي حركها النائب العام، ومثولهم للتحقيق أمام النيابة في اتهامات تتعلق بالتحريض على العنف والتورط في أحداث المقطم الجمعة الماضية .
وقال محمود عفيفي المتحدث السابق باسم حركة 6 إبريل :"إن قرار الضبط والإحضار للنشطاء السياسيين، باطل لأنه يصدر من جهة غير شرعية، مشيرا إلى أن النائب العام جاء ليكون أداة للإخوان ضمن مخطط يستهدف تكميم الأفواه" .
كما أشار إلى أن التحرك السريع لوزارة الداخلية لتوقيف عدد من المطلوبين للتحقيق من النشطاء السياسيين، يعني صراحة أن نظام مبارك لم يسقط، وأن الداخلية مازالت تمارس البلطجة .
وقال شادي الغزالي حرب القيادي بحزب الجبهة، إن القوى الثورية سوف تواصل فعالياتها من أجل الإفراج عن كافة الثوار المعتقلين، ومن بينهم الناشط حمادة المصري، مشيراً إلى أن التظاهرات التي اندلعت أمس قبالة مبنى دار القضاء العالي، كانت موجهة بشكل رئيسي لنظام الإخوان و"نائبهم الخاص". واتهم باسل عادل القيادي بحزب الدستور، الرئيس مرسي بتعمد إسقاط القانون، من أجل مصلحة جماعته، محذراً من خطورة ما وصفه ب"اللعب بالقضاء"، مشيراً إلى أن الحكم الصادر من محكمة الاستئناف يكشف مدى العوار الذي أصاب قرار تعيين النائب العام، ويؤكد بطلان قرار إقالة النائب العام عبد المجيد محمود .
وكانت حركة 6 إبريل جناح أحمد ماهر قد استبقت تظاهرات الأمس المنددة بطلبات استدعاء النشطاء السياسيين، بتظاهرة مفاجئة ليلة أمس الأول، أمام منزل وزير الداخلية في ضاحية مدينة نصر، أثارت جدلاً واسعاً بين أوساط سياسية وثورية، حيث رفعت خلالها الحركة لافتات خادشة للحياء، فضلاً عن قيام عدد من أعضائها برفع الملابس الداخلية النسائية في إشارة إلى طريقة أجهزة الأمن في زمن الإخوان، وملاحقتهم للنشطاء السياسيين .
سلسلة انهيارات وعلى صعيد آخر حذر باحثون واقتصاديون مصريون من سلسلة من انهيارات اقتصادية وثقافية ومجتمعية، في ظل صعود جماعة الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم في العديد من البلدان العربية ، عقب الثورات.
وحمل هؤلاء على قوى الإسلام السياسي وانحرافها بمسار الثورات العربية، فبدلا من أن تفتح الباب واسعا أمام مجتمعاتها، لدخول عصر الحداثة والسياسية والاجتماعية، نجحت هذه القوى في الانحراف بمسار هذه الثورات إلى العصور الوسطى .
وحمل الدكتور علي مبروك أستاذ الفلسفة بجامعة القاهرة، قوى الإسلام السياسي في مصر مسئولية أعمال العنف التي شهدتها البلاد على مدار الأسابيع الأخيرة، مشيرا في ورقة بحثية شارك بها في يوم بحثي نظمه مركز "دال" للأبحاث والإنتاج الإعلامي الخميس تحت عنوان "يحدث في مصر الآن"، إلى أن العنف أصبح سمة هذه المرحلة من عمر الثورة المصرية، رافضا التفريق بين قوى إسلامية تقدمية وأخرى رجعية .
ونقلت "الخليج" عن أستاذ الفلسفة قوله :"إن الإخوان يتحملون المسئولية كاملة عن أحداث العنف التي تورطت فيها قوى إسلامية أخرى" ، مشيرا إلى تأثر هذه القوى على مدار تاريخها الحديث في مصر بالأدبيات الفكرية للجماعة، وهو ما يعني أنهم جميعاً ينطلقون من العمل تحت مظلة واحدة .
من جانبه، حذر الدكتور سامح مهدي أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة من سلسلة من انهيارات اقتصادية قد تتعرض لها مصر خلال الفترة المقبلة، بسبب عدم وضوح الرؤية في ما يسمى بالاقتصاد الإسلامي . ووصف الوضع الاقتصادي في مصر الآن بأنه تحول إلى اقتصاد ظل يعتمد على أنشطة غير مشروعة، مثل تجارة السلاح وغيرها، مشيراً إلى أن مثل هذا النوع من الاقتصاد موجود في العديد من الدول مثل الهند، غير أن الوضع في هذه الدول يختلف حيث تعتمد حكوماتها على مشروعات تنموية وصناعية كبرى، تقلل من آثار انتشار أنشطة الظل . ولفت الدكتور عمار علي حسن في بحثه الذي حمل عنوان "العنف السياسي والاجتماعي في مصر بعد ثورة يناير"، إلى استخدام جماعة الإخوان لأصحاب الآراء السلفية الجهادية كعصا غليظة ضد منافسيهم السياسيين، مشيراً إلى أن هذا الاستخدام يمتد لاستخدامهم أيضا كفزاعة للخارج طمعاً في الدعم والمناصرة للجماعة . وقال إن هذه الجماعات خرجت تاريخيا من عباءة الإخوان، مشيراً إلى أن مراهنات السلطة على بعض فصائل السلفية الجهادية تعد مقامرة قد تدفع مصر ثمنها فادحا من أمنها ومستقبلها، لأنها قد تفتح الباب أمام التدخل الخارجي .