تواجه حكومة علي العريض في تونس تحديات سياسية واقتصادية عليها مواجهتها، على رأسها كسب ثقة الشارع التونسي ومواجهة خطر الإرهاب، وإلا ستعود المظاهرات والإضرابات من جديد إلى تونس. محمد البوعزيزي أشعل شرارة التغيير في تونس، وعاد من جديد بصورة الشاب عادل خذري بأعوامه ال 27 إلى شوارع تونس ليحترق بنارها بسب حاجته ويأسه. وبعدما أضرم النار في نفسه أمس الأول أمام المسرح البلدي في شارع الحبيب بورقيبة المعروف برمزيته الثورية، وجّه الخذري صفعة أخرى إلى الحكومة بموته بالتزامن مع نيل حكومة القيادي في حركة "النهضة" الحاكمة علي العريض الثقة من المجلس التأسيسي، أمس.
ترحيب وتحديات إلى ذلك .. تبدأ حكومة العريض مهمتها أمام تحديات وعورة، فيما تكثر الهواجس بشأن فشلها في الخروج بالبلاد من الأزمة، على اعتبار أنها استنساخ للحكومة السابقة، ولا تمثل الشارع بمختلف أطيافه، عدا انضوائها تحت عباءة ائتلاف "الترويكا" الحاكم. ونال العريض الثقة من "التأسيسي"، لكنه بدا مفتقراً إلى ثقة الشارع، برغم برنامج عمله الحكومي القائم على "أولويات تشغيل الاقتصاد ومحاربة غلاء المعيشة وخلق فرص عمل". وصادق 139 من إجمالي 217 من نواب البرلمان على منح الثقة لحكومة العريض مقابل 45 صوتوا معارضاً و13 احتفظوا بأصواتهم خلال جلسة عامة حضرها 197 نائبا.
وعلى جانب أخر رحب جون كيري وزير الخارجية الأمريكي بتشكيل حكومة جديدة بقيادة رئيس الوزراء على العريض، وقال إن واشنطن تشجع القادة في تونس على العمل معا بسرعة لوضع الصيغة النهائية لدستور يحترم حقوق الإنسان للجميع، ووضع خطة للانتخابات يمكن للتونسيين التصويت من خلالها في بلدهم في المستقبل.
وقال كيري في بيان للخارجية الأمريكية: "الإعلان عن موعد محدد للانتخابات سيوفر الوضوح فيما يتعلق باتجاه التحول الديمقراطي في تونس، وسوف يساعد في تحقيق الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي".
وأضاف كيري: "إننا نتطلع إلى الحكومة التونسية كي تعزز بيئة تتسم بالعدالة والمساءلة على نحو يفضي إلى عملية انتخابية حرة ونزيهة، بما في ذلك حرية الصحافة وعمل المراقبين المحليين والدوليين". وشدد كيري على أن الولاياتالمتحدة لا تزال صديقا للشعب التونسي، وسوف تواصل دائما دعم التحول الديمقراطي واحترام وحماية حقوق جميع التونسيين. وبالتزامن مع الاعلان الحكومة التونسيةالجديدة سمحت الولاياتالمتحدة أمس الأربعاء بعودة موظفيها غير الأساسيين إلى سفارتها في تونس بعد ستة أشهر من سحبهم منها، إلا أنها حذرت من أن الوضع الأمني في تونس يبقى "لا يمكن التنبؤ به".
وفي تحذير محدث للسفر إلى تونس قالت وزارة الخارجية الأمريكية أن "السفارة الأمريكية في تونس لم تعد خاضعة لأمر المغادرة، ولكنها تواصل العمل بعدد محدد من الموظفين بسبب المخاوف الأمنية". وسحبت واشنطن معظم موظفيها من سفارتها في تونس في 14 سبتمبر عقب سلسلة من الاحتجاجات والهجمات العنيفة على بعثاتها في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في الذكرى السنوية لهجمات 11 سبتمبر.
وتسببت الاحتجاجات التي شهدتها تونس في "أضرار واسعة" في مبنى السفارة الأميركية والمدرسة الأميركية المجاورة التي أضرمت فيها النار.
خطر الإرهاب أما خطر الإرهاب فيعد تحدي كبير أمام العريض الذي قال : إن "الإرهاب" يمثل أبرز خطر يهدد الأمن القومي التونسي اليوم.
وأضاف العريض "ابرز خطر على الأمن القومي التونسي اليوم هو الإرهاب سواء الذي يأتينا من الخارج بسبب انفتاح حدودنا أو ذلك الذي يمكن أن يتولد في الداخل بتأثير من الخارج".
وأوضح العريض لوكالة "فرانس برس" أن "الإرهاب هو الذي يمكن أن تقوم به مجموعة منظمة تعتمد العنف والسلاح للنيل من الأفراد أو إكراههم أو السيطرة على السلطة، وعادة ما يكون هذا الإرهاب له علاقات عالمية".
وإلى جانب الأمن تعاني تونس من مصاعب اقتصادية واستقطاب حاد بين الإسلاميين وخصومهم وهي تمر بمرحلة انتقالية بدأت بالإطاحة بالرئيس السابق زين العابدين بن علي في انتفاضة شعبية قبل عامين. وتصنف تونس تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي المرابط بالجزائر المجاورة، ضمن التنظيمات الإرهابية.
وفي ديسمبر 2012 أعلن علي العريض الذي كان وزيرا للداخلية تفكيك "مجموعة إرهابية في طور التكوين تابعة لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" في جبال ولاية القصرين (وسط غرب) القريبة من الحدود الجزائرية.
وأوضح العريض وقتها أن "أغلب" عناصر هذه المجموعة تونسيون وأن ثلاثة جزائريين "لهم علاقة مع أمير القاعدة في المغرب الإسلامي عبد المصعب عبد الودود" يشرفون على تدريب المجموعة التي قال إنها كانت تنوي تنفيذ أعمال تخريبية في تونس. وتكافح تونس لإحكام المراقبة الأمنية لحدودها مع جارتيها ليبيا "غرب" والجزائر "شرق".
وبعد الإطاحة بنظام الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي أصبحت تونس "ممرا" لتهريب الأسلحة حسبما أعلن الرئيس التونسي المنصف المرزوقي في وقت سابق. وسنة 2012 قتل الجيش والشرطة التونسيان عدة "إرهابيين" تسللوا إلى البلاد من ليبيا والجزائر.
الرسالة وصلتنا وفي وقت كان عشرات الباعة المتجولين والعاطلين من العمل يتظاهرون في شوارع تونس تنديداً ب"حكومة العار" و"الوضع المعيشي المأساوي"، علق العريض على الحادثة قائلاً "الرسالة وصلتنا".
وكذلك فعل الرئيس التونسي منصف المرزوقي الذي دعا العمال إلى عدم اليأس من الحكومة الجديدة التي كانت تؤدي اليمين في قصر قرطاج، ومع ذلك يؤكد الموجودون في الشارع أن الإضرابات والاحتجاجات ستكثف خلال الأسابيع القليلة المقبلة.
وبالرغم من أن الحكومة ما زالت في مرحلة اختبار وهي لا تملك عصا سحرية للحلّ، لكن ما الذي يضمن نجاح الرهان عليها، وهي مجرّد امتداد لكل الفترة السابقة.
وقرّرت الحكومة الشهر الحالي زيادة أسعار معظم أنواع الوقود للمرة الثانية في ستة أشهر، فارضة ضريبة بنسبة 1% على الأجور الأعلى من 1700 دينار (1075 دولاراً) بهدف خفض عجز الميزانية المتوقع أن يبلغ 6% هذا العام.
المراقبون الاقتصاديون عزوا الأمر إلى شروط يفرضها صندوق النقد الدولي من أجل قرض بقيمة 1.78 مليار دولار، والذي يفترض توفير نحو 200 مليون دينار.
وقد دفعت هذه القرارات إلى إعلان سائقي سيارات الأجرة بدء إضراب نادر في 18 الشهر الحالي، احتجاجاً على الزيادة، معتبرين أن القرار مفاجئ. أما "منظمة الدفاع عن المستهلك" فقالت إنها ترفض هذه الزيادة معلنة أنها ستقوم بسلسلة احتجاجات للضغط على الحكومة للتراجع عنها. كما دعت المنظمة إلى التظاهر يوم غد الجمعة.
وشمل الحراك كذلك مالكي محطات البنزين الذين دعوا إلى إضراب يمتد ثلاثة أيام في نيسان، قائلين إن رفع أسعار البنزين ينال من أرباحهم ويشجع تجارة البنزين المهرّب.