قالت صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» الأمريكية، أن منظمات المجتمع المدني في مصر تكافح من أجل العمل والبقاء مع وقف الحكومة التمويل الأجنبي الذي تعتمد عليه هذه المنظمات، مشيرة إلى ما يقوله الموظفين في المنظمات غير الحكومية بأن الحكومة ترفض الموافقة على العديد من المنح الخارجية التي يتلقونها لإدارة البرامج مما يجبرهم على الاستغناء عن الموظفين أو خفض الرواتب وإبعادهم عن الأعمال التي يتم تمويلهم من أجلها. أكد « مجدي عبد الحميد », رئيس الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية , أن الأمر يزداد سوءًا وأنه في عهد الرئيس السابق « حسني مبارك » كان هناك مشكلات وكان يتم بعض الأوقات رفض الموافقة على التمويل الأجنبي ولكن في العموم كان الوضع أفضل مما هو عليه الآن، موضحًا أن الحكومة منذ تولي المجلس العسكري للسلطة لم تسمح لجمعيته بالحصول على أي منحة كما لم يتغير الوضع بعد تولي حكومة الرئيس « محمد مرسي »، مضيفًا أن الحكومة لم توافق لجمعيته على الحصول على منحة من منظمة سويدية « لم نقدم أي طلبات جديدة لأننا نعرف كيف ستكون الإجابة».
أوضح العاملين في هذه المنظمات أن الموافقة التي ينبغي الحصول عليها من وزارة التأمينات والشئون الاجتماعية يتم في العادة رفضها بسبب أمن الدولة في مصر على الرغم من أن القانون لا يمنحهم دورًا في هذه العملية وغالبًا ما تأتي الرفض دون إبداء أسباب.
أضاف « حافظ أبو سعدة » , رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان , أنهم قاموا بتسريح نصف موظفيهم لانعدام التمويل، مشيرًا إلى أنه في عهد « مبارك » تم رفض مشروع واحد للمنظمة أثناء تاريخها الممتدة إلى 28 سنة، بينما رفضت الوزارة ثلاثة من المنح في الأشهر الست الماضية تتضمن مشاريع لتدريب الشباب بشأن كيفية حماية حقوق الإنسان وتشجيع المشاركة السياسية ومراقبة حرية التعبير في مصر.
كما أعتقد « أبو سعدة » أن العديد من منظمات حقوق الإنسان لديها الوضع ذاته، موضحًا أن منظمته تلقت مؤخرًا خطابًا من الوزارة تفيد بأنه لا يسمح ل « كيان محلي » بالتعامل مع « الكيانات الدولية » دون الحصول على إذن من « الأجهزة الأمنية » بناء على تعليمات من رئيس الوزراء.
يرى « محمد زارع » , مصر مدير برنامج في مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان , أن السيطرة على التمويل هي وسيلة الحكومة للسيطرة على أنشطة المنظمات، مؤكدًا أن الحكومة تحاول « خنق أنشطة المنظمات من خلال السماح أو عدم السماح بالتمويل للأنشطة الخاصة »، مؤكدًا أن المنح الأجنبية التي تقدر ب 600 مليون جنيه التي أعلنت الوزارة أنها وافقت عليها توجه معظمها إلى الجمعيات الخيرية التي كان أغلبها إسلامية.
أكد « زارع » أنه استمرت الوزارة في قطع التمويل الأجنبي سوف تغلق المنظمات أبوابها أو ستعمل كشركة مدني وإذا لم يتاح ذلك لها أيضًا سوف تعمل في الخفاء وهو الأمر الذي سيؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار، مشيرًا إلى أن المجتمع المدني يلعب دورًا حاسمًا في المحافظة على مساءلة الحكومة التي لا يمكن أن تضيع، ضاربًا أمثلة بالدور الذي لعبته المنظمات في إبراز التعذيب التي قام به الشرطة ومؤيدي « مرسي » في الاتحادية والفساد في عهد « مبارك » والآن.
ومن بين المنظمات التي تلقت مؤخرًا أخبارًا جيدة هي « مؤسسة المرأة الجديد » , التي تعمل مع النساء في القطاع الصناعي , عندما حكمت المحكمة لصالحها في قرار رفض الوزارة لمنحة تلقتها لتعزز حقوق النساء في العمل، وتعد هذه الموافقة الأولي من منحة حصلت عليها في عام ونصف، وتنتظر البدء بالعمل على سبعة منح حصلت عليها ولكن لم توافق ولم ترفضها الوزارة بعد.
أشارت « نولة درويش » , مديرة المؤسسة , إلى اضطرارهم لخفض رواتب العاملين، وأنهم يعملون الآن نصف الوقت بنصف المرتب مما دفع العديد للرحيل عن المؤسسة لحاجتهم لإيجاد مصدر للدخل.
ولا تشعر منظمات حقوق الإنسان فقط بالمعاناة فقد رفضت الوزارة مؤخرًا منحتين لمنظمة لا تعمل في مجال حقوق الإنسان وإنما في تدريب لوسائل الإعلام، وهو الأمر الذي لم يحدث أبدًا في عهد « مبارك »، وطلب موظفيها عدم تحديدهم خشية أن يؤذي ذلك قدرتهم على الحصول على المنح في المستقبل.
كما تأثرت المنظمات الخاصة بالبيئة بهذا الأمر، فقد حصلت « الجمعية المصرية لحماية الطبيعة » على منحة لتمويل أساسي ولكن الوزارة لم توافق عليه، قال « نور نور » المنسق التنفيذي للجمعية , أن المنح التي تستهدف خلق فرص العمل أو التخفيف من وطأة الفقر الوحيدة المعتمدة، بينما معظم الآخرين – حتى في مجال البيئة – إما يتم رفضهم أو تبقى في الوزارة دون الحصول على موافقة.
وشدد « نور » إلى أن الإجراء البيروقراطي ذاته مازال موجودًا، مضيفًا أن الخوف من البقاء معلقًا بدون العلم بما يمكن فعله وبدون العلم بوضع تمويلك هو أمر كارثي بمعنى أنه تقوم بتقييد ذاتك عن تطبيق بعض الأمور لأنك تعرف أنك لا تستطيع الحصول على تمويل لذلك، مضيفًا أنه من المفاجئ تمامًا أن هذه القيود قد تصبح أكثر صرامة في القانون المقبل.
أوضح « ميندي بهاء الدين » , مدير التطوير في الجمعية , أن تقييد التمويل ومن ثم الأنشطة يعني قلة فرص العمل للمصريين « إن الأموال تذهب إلى الدول الأكثر انفتاحًا ولديها مجتمع مدني نشط، وقلة الفرص يعني تأخر المصريين في التطوير »، كما أن هذا يعني أن المنظمات لا يمكنها معالجة القضايا الاجتماعية الاقتصادية أو البيئية الخطيرة، مشددًا على أن الحكومة لا يمكنها فعل ذلك بفردها وأن المنظمات واحدة من أفضل الوسائل لمعالجة هذه المشاكل على المستوى الشعبي ".
في النهاية، قالت الحكومة أن بعض المنظمات للالتفاف على التقييد قامت بتسجيل ذاتها كشركات بدلا من منظمات غير حكومية ولكن هذا يضعهم في منطقة رمادية من الناحية القانونية يجعلهم عرضة لتهديدات الحكومة بالإغلاق.