في خضمّ الصراع الداخلي على السلطة وخوفاً من اندلاع الانتفاضات الجماهيرية خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، عاد نظام الملالي في إيران ليلجأ إلى سياسة تصعيد الإعدامات وإقامة المشانق أمام الملأ محطماً رقماً قياسياً جديداً في ارتكاب الجريمة والسلوك الهمجي، من خلال ما لا يقل عن 45 حالة إعدام خلال 5 أيام. وذلك في ظل محاولة السلطات الإيرانية منع أي ظهور للمعارضة مرة أخرى منذ الاضطرابات التي أعقبت إعادة انتخاب نجاد رئيساً للجمهورية الإسلامية عام 2009.
وتتضح الخطورة بعد إعلان الأممالمتحدة مؤخراً عن تقريرين صدرا في جنيف عبر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، ومقرر الأممالمتحدة الخاص بشأن حقوق الإنسان في إيران أحمد شهيد، عن قلقهما إزاء ما وصفاه بالزيادة الواضحة في وتيرة وخطورة الانتهاكات الإنسانية في إيران.
الشرارة الأولى بينما كان العالم مشغولاً بما تفرضه أحداث "الربيع العربي" من تغييرات على الخريطة السياسية في الشرق الأوسط، صعدت السلطات الإيرانية من حملتها ضد المعارضة، لقمع أي دعوات مناهضة لنظام الرئيس محمود أحمدي نجاد.
كما شهدت بعض أحياء العاصمة الإيرانيةطهران صدامات بين محتجين ورجال الشرطة على خلفية أزمة العُملة الإيرانية بعد أن خسرت أكثر من نصف القيمة إثر الانخفاض الخطير الذي سجلته أكتوبر الماضي.
ويرى المحللون أن المشهد بدأ بالتغير بعد الحديث عن خامنئي علناً عبر رسائل المعارضة التي تنتقده وتكسر المحرمات الإيرانية، مما مثل في الواقع شكل جديد من المقاومة، التي تنزع الصبغة المقدسة عن الجمهورية الإسلامية، مرجعين ذلك إلى تداعيات الربيع العربي.
يأتي ذلك بعد نشر الرسالة الأكثر إثارة للصدمة في صحيفة إيرانية من قائد في قوات الحرس الثوري الإيراني وهو الأميرال حسين علائي، الذي دعا فيها زعيم إيران إلى التعلّم من مصير الشاه المخلوع، ووضع حدّ لحملة القمع ضد المعارضين.
وكان موسوي وزميله الإصلاحي مهدي كروبي قد خاضا انتخابات الرئاسة ضد الرئيس محمود أحمدي نجاد في شهر يونيو 2009، وأصبحا من زعماء حركة الاحتجاجات الواسعة التي أعقبت الإعلان عن النتيجة التي اتهم إيرانيون السلطات بتزويرها لصالح الرئيس المتشدد، لكن السلطات تنفي ذلك قطعياً.
فيما وجه الرئيس الإيراني خطاباً للإيرانيين وصف فيه الانتخابات الرئاسية بأنها "الأكثر نزاهة وحرية في العالم"، ودعا ثلاثة من كبار الزعماء الإصلاحيين في إيران إلى وضع حد لما وصفوه ب"المناخ الأمني" السائد في البلاد، في إشارة إلى ما قالوا إنه رد حكومي بقبضة من حديد على الاحتجاجات التي تلت الانتخابات الرئاسية الشهر الماضي.
إقامة جبرية ومطالب ب”الإعدام” ويخضع موسوي وزوجته وكروبي للإقامة الجبرية منذ شهر فبراير 2011 عندما دعا الزعيمان المعارضان أنصارهما إلى الخروج للشوارع للتظاهر دعماً للانتفاضات الشعبية في العالم العربي.
وكانت تلك أول مظاهرات منادية بالإصلاح تقوم بها "الحركة الخضراء" التي يتزعمانها بعد احتجاجات الشوارع التي أجهزت عليها قوات الأمن في نهاية عام 2009.
هذا وقد دعا آلاف المتظاهرين، بينهم أكثر من مائتي نائب ورجال دين ومؤيدين للحكومة، إلى اعتقال وإعدام زعيمي المعارضة مير حسين موسوي ومهدي كروبي، بتهمة تهديد النظام الإسلامي والتعاون مع الأجانب.
ودون أن يذكر الاحتجاجات التي أعقبت الانتخابات، قال نجاد: إن "النقد الموجه للحكومة هو مفتاح نجاح أي أمة.. الجميع لديهم نقد.. حتى أنا"، واتهم الرئيس الإيراني "قوى الاستكبار" و"أعداء الأمة" بالتدخل في شؤون بلاده الداخلية، على حد تعبيره، مشيراً إلى أن بعض الإيرانيين "تعاونوا مع الأعداء".
الموقف الدولي وبعد مضي عامين على وضع قادة المعارضة الإيرانية السيدين مهدي كروبي وحسين موسوي في الإقامة تحت المراقبة، تحرك المجتمع الدولي ليشجب تلك الممارسات المنافية لحقوق الإنسان.
يأتي ذلك بعدما قالت السيدة مريم رجوي رئيسة الجمهورية المنتخبة من قبل المقاومة الإيرانية: إن الإعدامات الجماعية والتعسفية وعشية مفاوضات الدول ال5 + 1، وكذلك عشية اجتماع دورة مجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة، تبين أن هذا النظام ليس ملتزماً بأي أصل وقانون، وأن تقديم عروضات «أساسية وجدية» من قبل الدول الغربية للمجرمين الحاكمين في إيران يشجعهم على الاستمرار في الجريمة وتصعيدها. وأكدت أن من مستلزمات وقف مسار الإجرام اتخاذ قرارات ملزمة من قبل مجلس الأمن الدولي وفرض عقوبات شاملة على النظام ومحاكمة قادته لارتكابهم جرائم ضد الإنسانية.
هذا وقد صرحت الأممالمتحدة مؤخراً أن إيران كثفت عمليات الإعدام بما فيها لسجناء قصر واعتقال المعارضين الذين كثيراً ما يتعرضون للتعذيب في السجون، الأمر الذي قد يؤدي أحياناً إلى الموت.
يأتي ذلك بعد صدور تقريرين في جنيف عبر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، ومقرر الأممالمتحدة الخاص بشأن حقوق الإنسان في إيران أحمد شهيد، عن قلقهما إزاء ما وصفاه بالزيادة الواضحة في وتيرة وخطورة الانتهاكات في إيران.
وقال شهيد في تقريره: "إن الجمهورية الإسلامية تقاعست عن التحقيق في الانتهاكات الواسعة والمنظمة والممنهجة لحقوق الإنسان". ومن جانبها أدانت الولاياتالمتحدة استمرار سجن المعارضين ومضايقة أفراد عائلاتهم، وطالبت بالإفراج عنهم فورًا، كما دعت المسئولين الإيرانيين لإجراء انتخابات رئاسية نزيهة وشفافة في يونيو تتوافق مع المعايير الدولية المقبولة، والالتزام بالحقوق التي تكفلها القوانين والدستور الإيراني.
وأعربت عن قلقها البالغ جرّاء حملة التخويف والترهيب الأخيرة التي شنها النظام الإيراني لإخماد المعارضة، والقضاء على حرية التعبير، وحرمان الشعب الإيراني من حقوقه في الوقت نفسه الذي يتخلف فيه النظام عن مساءلة أسوأ منتهكي الحقوق الإنسانية عن أفعالهم.
وقالت أيضاً في بيان لوزارة الخارجية حول الإقامة الجبرية المفروضة على قادة المعارضة في إيران: إنها تشعر بدواعي القلق البالغ جرّاء الحظر المستمر المفروض على الأحزاب السياسية، وسجن القادة السياسيين خلال هذه الفترة السابقة للانتخابات الرئاسية الإيرانية المزمع إجراؤها في يونيو المقبل، ومحاولة المسئولين تقييد المناظرات السياسية المفتوحة مع اعتقال ما يزيد عن 12 صحافياً، كما حاول النظام إسكات أصوات العديد من الناشطين المدافعين عن حقوق الإنسان من خلال الاعتقال والترهيب.
وجددت مناشدتها من أجل الإفراج الفوري عن هؤلاء الأفراد وجميع السجناء المحتجزين بسبب معتقداتهم الدينية أو السياسية.
وأدانت فرنسا في بيان خارجيتها «أعمال العنف ضد المتظاهرين»، معتبرة هذا الوضع غير مقبول ومقلق جداً، ودعت مرة جديدة السلطات الإيرانية إلى احترام التزاماتها الدولية التي وقعت عليها في ميدان حقوق الإنسان، لاسيما حرية التعبير، والإطلاق الفوري لجميع الأشخاص الموقوفين بشكل تعسفي أو موضوعين في إقامة تحت المراقبة.
وطالبت بريطانيا السلطات الإيرانية بالإفراج عن زعيمي المعارضة اللذين قضيا عامين قيد الإقامة الجبرية، واحترام حقوق جميع المواطنين الإيرانيين في حرية الحركة والتعبير.
ودعت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون إيران إلى احترام حق التظاهر السلمي وانتقدت القيود على بعض أعضاء المعارضة الإصلاحية.
واعتبر رئيس البرلمان الأوروبي يرجي بوزيك أن التظاهرة في إيران تظهر أن الشعب متعطش للديمقراطية مثل شعوب مصر وتونس وليبيا.
وقالت منظمة العفو الدولية "أمنستي"، في تقرير أصدرته قبل أيام على الانتخابات التشريعية الأخيرة في الجمهورية الإسلامية: إن أعمال القمع في إيران تصاعدت إلى "درجة شديدة الخطورة"، خلال العام الماضي، معربة عن أن ثمة قلقاً حقيقياً من أن تستخدم قوات الأمن الإيرانية القوة المفرطة لقمع الاحتجاجات في البلاد. وذكرت المنظمة أن تقريرها يوثق انتهاكات واسعة وممنهجة لحقوق الإنسان في إيران.
فيما أكدت منظمة هيومن رايتس ووتش لحقوق الإنسان أنه يجب على السلطات الإيرانية أن تفرج فوراً عن اثنين من زعماء المعارضة البارزين وأفراد أسرهم، وأن تسمح لهم بالانخراط في النشاط السياسي السلمي.
هل تملك المعارضة أن تكون بديلاً للنظام ؟ ومن جهة أخرى ففي ضوء السيناريوهات المتوقعة يثور التساؤل عن مدى إمكانية تطويع وضع المعارضة مع السلطة في إيران للوصول إلى نظام يضمن مشاركة المعارضة الفعلية، أم أن الأوضاع ستستمر مع زيادة حدة الانتهاكات التي يمارسها النظام ضد معارضيه؟ وتبقى القناعة بأن إيران علي مفترق طرق، فإما أن تنطفئ كرة النار بمياه الحوار أو تأكل الأخضر واليابس، خصوصاً في ظل تأزم مباحثات إيران النووية مع الغرب في مباحثات دول 5+1، ومع اشتداد تداعيات الوضع السوري، ويذهب المحللون أنه قد يشجع سقوط نظام الأسد حال حدوثه أيضاً المعارضة في إيران النائمة منذ 2009، للتحرك مما جعل الحكومة في إيران تبذل كل ما في وسعها لمساعدة نظام الأسد.