الشهادة الإعدادية 2024| 16807 طالبا وطالبة يؤدون أول امتحاناتهم ب108 لجان بالأقصر    جامعة كفر الشيخ الثالثة محليًا فى تصنيف التايمز للجامعات الناشئة    وزير الري يلتقي سفير دولة بيرو لبحث تعزيز التعاون بين البلدين في مجال المياه    آخر تحديث لأسعار الذهب في محال الصاغة اليوم السبت.. بكم عيار 21؟    "الإسكان": غدا.. بدء تسليم أراضي بيت الوطن بالعبور    توريد 575 ألف طن قمح للشون والصوامع بالشرقية    انطلاق المؤتمر الدولي الأول ل«التقدم في العلوم» بالإسكندرية    وفود سياحية تزور المناطق الأثرية بالمنيا    قتلى ومصابون.. إسرائيل ترتكب مجزرة جديدة في جباليا    محمد فايز فرحات: مصر أحبطت محاولات إسرائيل لتهجير الفلسطينيين    القوات الروسية تستهدف المراكز اللوجستية للجيش الأوكراني في منطقة أوديسا    3 منهم قرروا البقاء.. 17 طبيبا أمريكيا يغادرون غزة بعد محاصرتهم بالمستشفى    طيران الاحتلال يشن غارات على جنوب لبنان.. وحزب الله ينفذ هجوما صاروخيا    الزمالك بالزي الأساسي "الأبيض" في مواجهة نهضة بركان بنهائي الكونفدرالية    "قبل نهائي دوري الأبطال".. أبرز أرقام مارسيل كولر مع النادي الأهلي    دوري أبطال أفريقيا.. مران خفيف للاعبي الأهلي في فندق الإقامة    وُصف بالأسطورة.. كيف تفاعل لاعبو أرسنال مع إعلان رحيل النني؟    محمد صلاح: "تواصلي مع كلوب سيبقى مدى الحياة.. وسأطلب رأيه في هذه الحالة"    محافظ الجيزة: مسافات آمنة بين الطلاب في امتحانات الشهادة الإعدادية    بنك الأسئلة المتوقعة لمادة الجغرافيا لطلاب الثانوية العامة 2024    ضبط 14 طن دقيق مدعم قبل بيعها في السوق السوداء    25 صورة ترصد.. النيابة العامة تُجري تفتيشًا لمركز إصلاح وتأهيل 15 مايو    مصرع وإصابة 10 في حادث تصادم بالشرقية    سقوط 3 تشكيلات عصابية تخصصت في سرقة السيارات والدرجات النارية والكابلات بالقاهرة    بعد زفافها.. ريهام حجاج توجه رسالة ل ريم سامي (صور)    سينما الزعيم عادل امام.. أفلام قضايا الوطن والمواطن والكوميديا الموجعة    فيلم شقو يحقق إيرادات 614 ألف جنيه في دور العرض أمس    «السياحة» توضح تفاصيل اكتشاف نهر الأهرامات بالجيزة (فيديو).. عمقه 25 مترا    محسن أحمد يروي قصة اصابته في "زهايمر" وظلمه لأبنائه    "الصحة" تعلق على متحور كورونا الجديد "FLiRT"- هل يستعدعي القلق؟    وظائف وزارة العمل 2024.. فرص عمل في مصر والسعودية واليونان (تفاصيل)    بدء تلقي طلبات راغبي الالتحاق بمعهد معاوني الأمن.. اعرف الشروط    خبيرة فلك تبشر الأبراج الترابية والهوائية لهذا السبب    فانتازي يلا كورة.. تحدي الجولة 38 من لعبة الدوري الإنجليزي الجديدة.. وأفضل الاختيارات    "الصحة": معهد القلب قدم الخدمة الطبية ل 232 ألفا و341 مواطنا خلال 4 أشهر    ما حكم الرقية بالقرآن الكريم؟.. دار الإفتاء تحسم الجدل: ينبغي الحذر من الدجالين    أسعار الخضروات والفاكهة اليوم السبت 18-5-2024 في سوق العبور    وزير التعليم يصل بورسعيد لمتابعة امتحانات نهاية العام.. صور    بينها التوت والمكسرات.. 5 أطعمة أساسية للحفاظ على صحة القلب والأوعية الدموية    بحثا عن لقبه الأول.. مصطفى عسل يضرب موعدا ناريا مع دييجو الياس في بطولة العالم للاسكواش    مسلسل البيت بيتي 2، موعد عرض الحلقة 9    "الاحتفال باليوم العالمي للمتاحف".. افتتاح متحف الفن الإسلامي في القاهرة    «طائرة درون تراقبنا».. بيبو يشكو سوء التنظيم في ملعب رادس قبل مواجهة الترجي    باحث مصري يتمكن من تطوير حلول مبتكرة لاستخدام الفطريات من نباتات الغابات في الصناعات الدوائية    معاريف تكشف تفاصيل جديدة عن أزمة الحكومة الإسرائيلية    انتظام امتحانات الشهادتين الابتدائية والإعدادية الأزهرية بالقليوبية (صور)    طريقة عمل شاورما الفراخ، أكلة سريعة التحضير واقتصادية    حادث عصام صاصا.. اعرف جواز دفع الدية في حالات القتل الخطأ من الناحية الشرعية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 18-5-2024    مفتي الجمهورية يوضح مشروعية التبرع لمؤسسة حياة كريمة    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. السبت 18 مايو    عاجل.. حدث ليلا.. اقتراب استقالة حكومة الحرب الإسرائيلية وظاهرة تشل أمريكا وتوترات بين الدول    خالد أبو بكر: لو طلع قرار "العدل الدولية" ضد إسرائيل مين هينفذه؟    طبيب حالات حرجة: لا مانع من التبرع بالأعضاء مثل القرنية والكلية وفصوص الكبد    الأرصاد: طقس الغد شديد الحرارة نهارا معتدل ليلا على أغلب الأنحاء    قبل عيد الأضحى 2024.. تعرف على الشروط التي تصح بها الأضحية ووقتها الشرعي    عيار 21 يعود لسابق عهده.. أسعار الذهب اليوم السبت 18 مايو بالصاغة بعد الارتفاع الكبير    ب الأسماء.. التشكيل الجديد لمجلس إدارة نادي مجلس الدولة بعد إعلان نتيجة الانتخابات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"محاكمة زعيم"..النديم يؤلف نشيداً ضد الإنجليز والجماهير تردد خلفه (6-9)
نشر في محيط يوم 03 - 03 - 2013

لم تكن محاكمة لأحمد عرابي فقط. بل كانت محاكمة للثورة العرابية ولانتفاضة مصر ضد الظلم المتمثل في الخديوي والتدخل الأجنبي في شئون البلاد والذي وصل إلى حد الاحتلال البريطاني لمصر.

ولهذا كان من الطبيعي أن يشمل استجواب الزعيم أحمد عرابي آخرين. كان في مقدمتهم الثائر الفريد صاحب القلم المدفع عبد الله النديم.

وقد بدأت رحلة النديم مع الثورية قبل عهد الخديوي توفيق، عندما أصبح تلميذًا لجمال الدين الأفغاني.

كان النديم يجلس مع غيره من الوطنيين في قهوة متاتيا بالعتبة الخضراء منبهرًا بالأفغاني الذي كان يلقي الخطب النارية مستثيرًا حماس المصريين.

كان الأفغاني يقول : "أنتم معشر المصريين قد نشأتم على الاستعباد وتربيتم في حجر الاستبداد والأكراد والمماليك، وكلهم يشق جلودكم بمبضع نهمه ويهيض عظامكم بأداة عسفه، ويستنزف قوام حياتكم بما يتحلب من حياتكم من عرق جباهكم بالعصا والمقرعة والسوط. وأنتم كالصخرة الملقاة في الفلاة.. لا حس لكم ولا صوت.

وتنتفض الدماء في شرايين النديم وهو يستمع إلى الأفغاني يواصل صارخًا: انظروا أهرام مصر وهياكل ممفيس وآثار طيبة وحصون دمياط شاهدة بمنعة آبائكم وأجدادكم.. هبوا من غفلتكم واصحوا من سكرتكم.. عيشوا كباقي الأمم أحرارًا، موتوا مأجورين شهداء.. وأنت أيها الفلاح المسكين تشق قلب الأرض لتستنبت ما يسد الرمق ويقوم بأود العيال.. لماذا لا تشق قلب ظالمك.. لماذا لا تشق قلب الذين يأكلون أتعابك.

مصر الفتاة

وعندما يرفض الخديوي إسماعيل نصيحة الأفغاني بإشراك الأمة في حكم البلاد وإجراء انتخابات نواب عن الأمة – يؤلف الأفغاني الحزب الوطني الحر الذي كان أول حزب سياسي في مصر. ويسارع عبد الله النديم إلى الالتحاق بالحزب.

وعندما يقبض على جمال الدين الأفغاني ينضم عبد الله النديم إلى جمعية سرية اسمها مصر الفتاة وجمعية علنية هي الجمعية الخيرية الإسلامية التي يفصل منها فيما بعد لأسباب غير معروفة.

ويبدأ القلم الثائر حربه ضد الظلم والطغيان..

وبينما لم يكن قد تجاوز السادسة والثلاثين من عمره يصدر عبد الله النديم مجلة "التنكيت والتبكيت" التي كانت معولاً وسيفًا أعمله النديم في جسد الذين يظلمون الشعب المصري.

وعندما يشتد خطرها وتأثيرها تتوقف التنكيت والتبكيت لكن النديم لا يتوقف فيصدر مجلة أخرى يختار لها أحمد عرابي اسمها وهي الطائف التي أصبحت عنوانًا لفكر الثورة العرابية.

وينطلق عبد الله النديم رئيس تحرير الطائف يندد بجرائم الخديو إسماعيل في حق مصر والمصريين، حتى ينعقد مجلس شورى النواب برئاسة محمد سلطان باشا، ويقرر تعطيل الطائف شهرًا.

لكن القلم الذي أرادوا له الاحتجاب ينكسر وينطلق النديم مع فرق للخطابة يطوف أقاليم مصر ومدنها. مشعلاً حماس الوطنيين وداعيًا إلى تأييد الثورة العرابية. ويغني النديم أول نشيد وطني يردده خلفه الشعب المصري. ضد المذكرة الإنجليزية – الفرنسية.

فكان يقول : اللايحة.. اللايحة.

فتردد الجماهير خلفه: مرفوضة.. مرفوضة.

وبعد أن تدك مدافع الأسطول الإنجليزي الإسكندرية.

وتقع الخيانة ويتم القبض على عبد الله النديم. يصدر الحكم بنفيه إلى يافا في فلسطين ولا يعود إلى مصر إلا بعد وفاة الخديوي توفيق.

النديم منسوب إليك

وعندما يواصل رئيس القومسيون التحقيق مع أحمد عرابي يتهمه بأنه أرسل تلغرافًا للسيد قنديل مأمور ضبطية الإسكندرية قبل المقتلة التي جرت يوم 11 يونيه 1882 في الإسكندرية، تقولون فيه له أن يتحد مع سليمان سامي ومصطفى بك عبد الرحيم في إجراء ما نبهتم عليه به.

ويسأله رئيس القومسيون: هل تذكر هذا التلغراف.. وما هي التنبيهات التي نبهت بها عليه؟.

يقول له رئيس القومسيون: ألم يبلغك أن عبد الله النديم كان يتوجه إلى الإسكندرية قبل الواقعة المذكورة، ويجتمع مع الشبان ويلقي عليهم خطبًا مهيجة. حتى إن محافظة الإسكندرية أراد أن يخرجه من البلاد. ولانتساب النديم ومأمور الضبطية لكم لم يحصل منعه ولا إخراجه؟.

يرد عرابي: فضلاً عن عدم إبلاغي بذلك.. فإن عبد الله النديم ليس هو منسوبا لي ولا تحت إرادتي ولا أنا مسئول عنه. كما أن مأمور ضبطية إسكندرية كذلك.

يقول له رئيس القومسيون: معلوم للجميع أن عبد الله النديم كان محرر جرنال الطائف، الذي جميع عباراته منذ نشره مشتملة على تهييج الأفكار. ومحتوية على الأكاذيب، وصدور هذا الجرنال كان في معسكر كنج عثمان الذي كان النديم مقيمًا فيه معكم في مدة العصيان، ولابد أن ما حرره في تلك الجريدة كان يجري إطلاعك عليه. فكيف يمكن إنكار أن النديم ليس منسوبا إليك وهو يقيم معك في المعسكر ويحرر الجريدة التي كانت أيضًا مشحونة بالطعن في حق الذات الخديوية ودولة الإنجليز الفخيمة؟.

يرد أحمد عرابي قائلاً: إن جرنال الطائف جار طبعه ونشره في الحكومة من مدد زمانية ولم يصر قفله في تلك المدد.

أما عن إقامة محرره بالجيش أثناء المحاربة فليس لي حق في منعه. إذ هو مثل أي محرر لأي جرنال من الجرانيل المحلية أو الأجنبية. فلا حق لي في منعه أيضًا، كما جرت بذلك عادة المحاربات. وأما إطلاعي على ما هو محرر بالجرنال يوميُا فإن كثرة أشغالي الدفاعية تمنعني من الإطلاع على الجرانيل. بل كانت تمنعني عن ما هو أهم منها.

تسألونني... عن كل غائب

يعود رئيس القومسيون ليقول له: إقامة عبد الله النديم معك في المعسكر يستدل منها على أن ما حدث منه في تهييج الأفكار ضد الأورباويين بالإسكندرية. ونشأ عنه مقتلة 11 يونيه 1882، كان بتعليماتك له واتحادك معه. ولولا ذلك ما كان ينتمي إليكم وتحميه بالإقامة بطرفك. حتى يتجاسر على تحرير جريدة مماثلة لتلك، والآن لما علم بالقبض عليك وسجنك اختفى عن البصر بالكلية.. وهذا أعظم دليل على انتمائه إليك؟.

يقول عرابي : توضح بجوابي ما فيه الكفاية.. ولا مناسبة لسؤالي عن أعمال شخص آخر لمجرد وجوده بالجيش أثناء الحرب.

رئيس القومسيون : ألم يبلغك أيضا توجه حسن موسى العقاد إلى الإسكندرية قبل واقعة 11 يونيه 1882 واشتراكه مع النديم في تهييج الأفكار؟.

أحمد عرابي : لم يبلغني ذلك.

رئيس القومسيون : أما كان حسن موسى العقاد يتردد عليك بمنزلك والاجتماعات التي كنت تجريها. وألم تتوجه إلى منزله مرارًا؟.

أحمد عرابي : حضور حسن موسى العقاد إلى منزلي لم يكن أكثر من غيره فإني في أغلب أوقاتي ما كنت أتخلص من ازدحام الناس الحاضرين إلى منزلي، ولم يكن حضورهم بدعوة مني إليهم. كما أني توجهت في ضيافتين لمنزل حسن موسى العقاد مع وجود كثير من الأمراء والأعيان والعلماء، وبعد تناول الطعام توجهت إلى أشغالي كما جرت العادة.

رئس القومسيون: إذا لم يكن حسن موسى منسوبًا لك أيضًا مثل النديم. فلماذا اختفى هو كذلك، بعد أن صار سجنك ما دام أنه ليس في الجيش ولا كان موجودًا في المحاربات؟.

أحمد عرابي : يؤخذ عن هذا السؤال أنني أسأل عن كل من غاب مع أني لست بمأمور عليهم.

ورغم ذلك فإن رئيس القومسيون لا يشعر باليأس ويعود من جديد لإثارة كل ما يمكن أن يدين أحمد عرابي.

فيقول له : الجمعية التي صار عقدها بمصر عقب عزلك، كان قد تقرر فيها إرسال وفد لأجل كشف صحة الحال في إسكندرية والتأكد مما إذا كان الجناب الخديوي والنظار ليسوا محجورًا عليهم ولا هم تحت سلطة أحد بل هم في حريتهم. وأعطوكم نصايح بعدم إجراء ما كنت تجريه من العصيان وعدم استماع أوامر الخديوي؟.

يقول أحمد عرابي : لم يحصل ذلك من أحد منهم.. والوفد الذي أرسل إلى الإسكندرية كان بقصد طلب النظار والحضرة الخديوية إلى مصر إذا كانوا أحرارًا في أعمالهم. وقبل ذلك كنت لا يمكنني أن أجري عملاً ما في غير رأي المجلس المنعقد بمصر.

كلفوني بالدفاع عن مصر

يسأله رئيس القومسيون: أي مجلس هذا الذي تقول عنه؟.. وما اسمه؟ ومن الذي أحدثه؟

يرد عرابي قائلاً: هو مجلس إدارة البلاد الذي صار اجتماعه بمصر للنظر في أحوالها وصار تشكيله عقب الحرب باتفاق وكلاء الدواوين المعبر عنه بالمجلس العرفي.

رئيس القومسيون: بأمر من تشكل؟.

أحمد عرابي : بأمر وكلاء الدواوين وبعض الباشوات الموجودين في مصر.

رئيس القومسيون : في أجوبتك السابقة تدعي أن أهالي البلاد وسطوك أنت وباقي الضباط في طلب تشكيل مجلس نواب، ينوب عن الأمة المصرية ومنحتكم الحضرة الخديوية ذلك.

فإن كان العصيان الذي ارتكبته أنت وباقي الضباط ضد الحضرة الخديوية والدولة العلية، فيه أدنى موافقة للأمة المصرية كما تدعوني. فعلى الأقل كنت تستشير رأي مجلس النواب بدل الارتكان على وكلاء الدواوين. وكم شخصًا من الباشوات كما أوضحت الذين أغلبهم لما سئلوا الآن أجابوا أن قبولهم الدخول في هذا المجلس فقط من التهديدات التي كانت تحصل منكم وممن ارتكب جنحة العصيان معكم من باقي الضباط، فمن هنا يرى أن الأمة المصرية حاشا أن يكون لها مدخل في هذا العصيان الواقع منكم، أنتم ورؤساء العصبة العسكرية. وأن ما تحصلتم عليه من الذخاير والاستعدادات في وقت العصيان كان بواسطة قوة الأسلحة التي أعطتها لكم الحكومة.. لحفظ ناموسها وشرفها، وأنتم استعملتموها في هذا الأمر الشنيع الذي أدى إلى الخراب وقتل النفوس بدون وجه حق.. فأفدنا عن ذلك؟.

يقول أحمد عرابي: المجلس الذي تشكل للنظر في أحوال البلاد كان يزيد على الأربعمائة نفس. وكما قلت أولاً كان منهم البرنسات أعضاء العائلة الخديوية وشيخ الإسلام والقاضي والمفتي ووكلاء الدواوين والمديرون وقضاة الأقاليم وأعيان التجار وكثير من أعضاء مجلس النواب وغيرهم من أعيان وعمد البلاد.. وقرروا بلزوم إناطتي بالمدافعة عن البلاد حيث كنت موجودًا صحبة الجيش في كفر الدوار. وجميع العساكر كانت متوزعة في الثغور. ولم أكن موجودًا في المجلس. فكيف يتأتى مع ذلك أن حضورهم كان بصورة تهديدية. وكيف مع ذلك ينسب إلينا وإلى رؤساء الجيش العصيان الذي تكرر لفظه بهذه المذكرة. مع أنه لا توجد أمة من الأمم متصفة بالعدل تستطيع أن تنسب إلينا هذا العصيان المقال عنه. إذ إن الحرب كان افتتاحها بمقتضى قرار من مجلس شكل تحت رياسة الحضرة الخديوية بل الحق كانت شرعية قانونية، ثم بعد ذلك كانت استدامة المدافعة بمقتضى ذلك القرار. الذي لا يمكن القدح فيه بوجه من الوجوه. فالأسلحة ما صار استعمالها إلا لما وجدت له. وهو الذود عن البلاد وحمايتها مدافعة شرعيًا على مقتضى ما تقدم ذكره.

ذهبنا فقط للتهنئة

يسأله رئيس القومسيون: ألم يبلغك البيان الصادر من الحضرة السلطانية في حقك بأنك من العصاة بسبب ما فعلته؟.

عرابي : لم يبلغني.

رئيس القومسيون : بعد هزيمتك بالتل الكبير ورجوعك إلى المحروسة. حررت عريضة إلى الحضرة الخديوية. وأرسلتها مع رءوف باشا وبطرس باشا وعلي الروبي بطلب العفو من الحضرة الخديوية وأنك مطيع ومنقاد لأوامرها العلية فبعد سفرهم ابتدأت ثانيًا في اتخاذ خطوط النار بالعباسية. وطلبت مرعشلي باشا وأمرته بذلك.. فهل يصح أنه بعد العرض بالطاعة يحصل العصيان؟.

عرابي: التنبيه على مرعشلي باشا باستكشاف خط تحفظي على مصر. كان قبل تحرير العريضة وتوجه رءوف باشا ومن معه، ولما رؤي عدم اللزوم صرف النظر وتحررت تلك العريضة.

رئيس القومسيون : لما سئلت عن سبب حصر سراي عابدين بالعساكر في 9 سبتمبر 1881 أوضحت في أجوبتك السابقة بأن بعض أصحاب القضايا تبقى قضاياهم بالمجالس نحو عشرين سنة. حتى يموت أصحابها كمدًا ولا تنظر قضاياهم، ولذلك أردتم تشكيل مجلس نواب لينوب في رؤية حقوق الأمة كما هو بالبلاد المتمدنة. والحال من سياق التحقيقات الحاصلة الآن. أنه بعد هذه الواقعة توجهت أنت وعلي فهي وعبد العال وطلبة ومحمد عبيد وجانب من الضباط لمنزل قدري باشا مذ كان ناظر الحقانية. وطلبتم منه إطلاق عناني بك من السجن الذي كان متوقعًا عليه بأمر المجلس المختلط. ولما لم يوافقكم قدري باشا هددتموه ولم يتخلص منكم، إلا بتوجهه لطرف رئيس النظار وقتها. وأنتم توجهتم في أثره إلى محمود سامي ناظر الجهادية وقتها وأخذتموه معكم، وتوجهتم لطرف رئيس مجلس النظار لهذا الغرض. فهل يقع ذلك من أحد يدعي أنه يسعى في نيل العباد على حقوقها ويريد التشبه بالبلاد المتمدنة متعرضًا إلى أحكام مجلس مختلط أعضاؤه أوروباويون من الدول المتمدنة؟.

يرد أحمد عرابي قائلاً: الحقيقة غير ذلك.. بل الحق أن عناني بك أجرى عمل وليمة في الأزبكية فرحًا وسرورًا بصدور الأمر بافتتاح مجلس النواب، وبناء على ذلك جرى سجنه في الضبطية في أيام العيد، وكلنا توجهنا للمعايدة على سعادة قدري باشا، كما جرت العادة في أيام الأعياد. فذكرنا سعادته بمسأله العناني وترجيناه في إخلاء سبيله لأجل المعايدة مع أولاده، وفيما بعد إذا كان عليه قضية يحاكم عليها. فجاوبنا سعادته بأنه مسجون بالضبطية بأمر المجلس المختلط وسينظر في أمره. ولم تحصل تهديدات ولا يجوز أبدًا إجراء تهديدات لمثل هذا الفاضل.. وهذا هو الحق.

الأمة المصرية كلها

يعود رئيس القومسيون ليقول له: في أجوبتك السابقة أوضحت أن المجلس الذي عقد بالداخلية لم تحصل فيه تهديدات لأحد. وترتكنون على وجود البرنسات والعلماء خاتمين على المحضر الذي تحرر عنه. مع أن هؤلاء أوضحوا أنهم جبروا على ذلك. وفضلاً عن ثبوت حصول التهديدات من عصبتكم العاصية بديوان الداخلية. فإنكم أمرتم بعزل وسجن بعض المديرين وهم شاكر باشا وإبراهيم أدهم باشا وإبراهيم بك توفيق وحسن بك فهمي، وحصل فعلا عزلهم وسجنهم مدة أيام وصار سجن غيرهم، حتى أنه عند دخول الإنجليز إلى مصر – وجدوا نحو الثمانماية شخص مسجونين بالطوبجانة تهديدًا لباقي السكان. وهذه دلايل قوية مثبتة أن الذين ختموا بتلك الجمعيات كانوا مقهورين مجبورين على ذلك، وأن المساعدات التي حصلت من طرف الأهالي لجيش العصاة كانت أيضًا من هذا القبيل.

يرد أحمد عرابي بصبر: قلت بأجوبتي المتقدمة في هذا الخصوص أنه لا يتصور أصلاً حصول تهديدات مجلس مؤلف من أعيان الأمة المصرية ورؤسائها ونبهائها يزيدون على الأربعماية نفس.

كما أن المساعدات والتبرعات التي كانت ترد للجيش المدافع عن البلاد مدافعة شرعية لم تكن بتهديدات أيضًا بل من الناس من تبرع بنصف ماله ومن الناس من تبرع بماله أجمع ابتغاء مرضاة الله. ومن الناس من تبرع بثلاثة آلاف أردب غلال وثلاثين رأسًا من الخيول تبرعًا لمساعدة الجيش. إذ إن الحرب الشرعية إما أن تكون بالنفس أو بالمال أو بالرأي، ومن ضمن من تبرع وافتتح باب المساعدة دواير العائلة الخديوية وأغلب الذوات تبرعوا أيضًا، ولو استكشفت التلغرافات التي كانت ترد من جميع أهالي المديريات. حتى من مديرية إسنا بدون واسطة مديرياتهم. لعلم أن الأمة المصرية جميعها كانت محاربة بمالها وأنفسها. ولو استكشفت قوايم التبرعات لعلم أنه لم يتأخر أحد من أولي الرياسة في المساعدة ومن ضمنهم سعادة خيري باشا حال كونه لم يشهد الحرب بل كان في الإسكندرية.

ومن ضمنهم دايرة دولتلو رياض باشا.

ويسأل عرابي رئيس القومسيون: أفكل هذا كان جبرًا على جميع الناس؟ ومن الذي كان يجبرهم؟ إن هذا الأمر حق تعرفه أهل البصاير الحقة.. وأما الذين وجدوا مسجونين بالقلعة فأظنهم لا يزيدون عن ماية نفس من أرباب الجنايات المحكوم عليهم بالحبس ومحضرين من المديريات.

ولم يصدر مني أصلا أمر بسجن أحد في القلعة أو غيرها. كما أن عزل شاكر باشا وغيره من المديريات التي كانوا بها كان بأمر المجلس الإداري المعبر عنه بالعرفي لا بأمري. وإني ما كنت إلا رجلا مأمورًا بأمر من طرف ذلك المجلس الذي بيده حكومة البلاد. وهو حفظ البلاد والمدافعة عنها.

أسلوب حقير

ويستمر التحقيق مع أحمد عرابي..

ويغتاظ هؤلاء الذين يريدون لف حبل المشنقة حول رقبته من صموده خلال التحقيقات، ومبادرته بالرد الحاسم على كل ما يوجه إليه من أسئلة. والتزامه الذي لا يحيد بأحقية شعب مصر في الدفاع عن تراب وطنه.

ويلجأ هؤلاء إلى أسلوب آخر حقير..

ويحاولون الضغط على هيبة الأسد السجين..

بحيلة قديمة ومعروفة اسمها محاولة النيل من كرامة السجين السياسي. والضغط على أعصابه وهو سجين لا يستطيع الدفاع عن نفسه وهذا ما حدث مع أحمد عرابي.. وهو نائم ذات ليلة في زنزانته بالسجن!.

اقرأ أيضا :

الفصل الأول : 12 شاهد إثبات يحاولون إحكام التهمة علي عرابي

الفصل الثانى : الجيش يحضر إلي السجن ويطلق سراح زعيمه!!

الفصل الثالث : قصة حب أنقذت عرابي ورفاقه من السجن

الفصل الرابع : عرابي ورجاله يردون علي المصحف قسم الثورة خلف الشيخ محمد عبده

الفصل الخامس : تلغرافات من أحمد عرابي للأستانة: خديوي مصر اجاز إلي عدو البلاد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.