"دينية النواب": إقرار قانون "تنظيم الفتوى" خطوة نحو خطاب ديني موحد    الفاتورة شرط أساسي.. متحدث "البترول": تعويضات لمتضررين من أزمة البنزين "كاش"    رويترز عن مصدر: سيتم الإفراج عن الأسير ألكسندر عيدان يوم الثلاثاء    رئيسة الحزب الاشتراكي الألماني تعلن اعتزامها عدم الترشح مجددا لهذا المنصب    على أمل تعثر نابولي... إنتر ميلان يتجاوز تورينو بثنائية في الدوري الإيطالي    بعد تعادل ليفربول وأرسنال.. جدول ترتيب الدوري الإنجليزي    استدعاء فنان شهير للتحقيق في واقعة دهس موظف بكرداسة    "سيكو سيكو" في المقدمة.. تركي آل الشيخ يكشف آخر إحصائيات شباك التذاكر السعودي    وفاة سيدة في عملية ولادة قيصرية بعيادة خاصة والنيابة تنتدب الطب الشرعي بسوهاج    البرلمان العربي يوجّه رسائل عاجلة للأمم المتحدة وحقوق الإنسان واليونسيف لإنقاذ أطفال غزة    «بيانولا» «نوستالجيا» «ابن مين» حركة مسرحية ساخنة منتصف العام    محمد توفيق: قابلت صنع الله إبراهيم بعد رفضه جائزة ال100 ألف جنيه.. وتعلمت منه كيف تدفع ثمن أفكارك    ترامب: سأعلن الخبر الأكثر أهمية بعد قليل    أول تعليق من هانز فليك بعد اكتساح برشلونة نظيره ريال مدريد في الدوري الإسباني    تنطلق 22 مايو.. جدول امتحانات الصف الأول الإعدادي الترم الثاني 2025 محافظة أسيوط    مركز السينما العربية يمنح جائزة الإنجاز النقدي للناقد العراقي عرفان رشيد والقبرصي نينوس ميكيليدس    أمينة الفتوى: لا حرج في استخدام «الكُحل والشامبو الخالي من العطر» في الحج.. والحناء مكروهة لكن غير محرّمة    الاعتماد والرقابة الصحية: القيادة السياسية تضع تطوير القطاع الصحي بسيناء ضمن أولوياتها    البترول تنفي وجود تسريب غاز بطريق الواحات.. لا خطر في موقع الحادث السابق    القبانى يُظهر «العين الحمرا»..وتساؤل عواد يثير الجدل فى السوشيال ميديا    بث مباشر.. مدبولي يستقبل 150 شابًا من 80 دولة ضمن النسخة الخامسة من "منحة ناصر"    وزير الخارجية والهجرة يلتقي قيادات وأعضاء السلك الدبلوماسي والقنصلي    جيش الاحتلال: نقل لواء المظليين من الجبهة السورية إلى غزة لتوسيع الهجوم    النائب محمد طارق يكشف كواليس إقرار قانون تنظيم الفتوى    قريباً.. «الأوابك» تصدر تقريرها الربع سنوي حول تحليلات وبيانات وتوقعات السوق العالمي    الإفتاء توضح كيف يكون قصر الصلاة في الحج    هل هناك حياة أخرى بعد الموت والحساب؟.. أمين الفتوى يُجيب    إصابة طالبة سقطت من الطابق الثالث داخل مدرسة فى بشتيل بالجيزة    محافظ شمال سيناء يستقبل رئيس الهيئة العامة للاعتماد والرقابة الصحية    محافظ الغربية: إطلاق أكبر قافلة طبية علاجية بمركز قطور    محامية: نشوز الزوج يمثل خطرًا كبيرًا على تماسك الأسرة    وزير الخارجية الفرنسي: العلاقات مع الجزائر «مجمدة تمامًا»    حملات مكثفة لإزالة الإشغالات والتعديات بمدينة العاشر من رمضان    فرص مفاجئة.. اعرف حظ برج الجوزاء في النصف الثاني من مايو 2025    سقوط مسجل شقى خطر بحوزته 25 كيس أستروكس معدة لتوزيعها بالفيوم    تفاصيل ضبط المتهم بالتعدي على الكلاب الضالة في البحيرة    نقيب الصحفيين الفلسطينيين: إسرائيل تشن ضدنا حرب إبادة إعلامية    محافظ أسوان يوجه للإسراع بإستكمال المشروعات المدرجة ضمن خطة الرصف بنسبة 98 %    الصور الأولى من فيلم هيبتا: المناظرة الأخيرة    الرياضية: النصر يقترب من الموافقة على رحيل لابورت    طرح 3 شواطئ بالإسكندرية للإيجار في مزاد علني| التفاصيل والمواعيد    جنى يسري تتألق وتحرز برونزية بطولة العالم للتايكوندو للناشئين تحت 14 سنة    السكرتير العام المساعد لبني سويف يتابع سير منظومة العمل بملف التصالح بالمركز التكنولوجي في الواسطى    فتح باب التسجيل للتدريبات الصيفية بمكاتب المحاماة الدولية والبنوك لطلبة جامعة حلوان    خلف الزناتي: تنظيم دورات تدريبية للمعلمين العرب في مصر    انطلاق قافلة دعوية مشتركة بين الأزهر الشريف والأوقاف    رئيس ائتلاف ملاك الإيجارات القديمة يرفض مشروع قانون الحكومة    محافظ الشرقية يشهد حفل قسم لأعضاء جدد بنقابة الأطباء بالزقازيق    الأحوال المدنية تستخرج 32 ألف بطاقة رقم قومي للمواطنين بمحل إقامتهم    هل يجبُ عليَّ الحجُّ بمجرد استطاعتي، أم يجوزُ لي تأجيلُه؟.. الأزهر للفتوى يوضح    وزير الخارجية يؤكد على موقف مصر الداعي لضرورة إصلاح مجلس الأمن    تأجيل محاكمة 41 متهم ب "لجان العمليات النوعية بالنزهة" استهدفوا محكمة مصر الجديدة    خبر في الجول - عمر خضر يقترب من الغياب أمام غانا بسبب الإصابة    ارتفاع كميات القمح المحلي الموردة للشون والصوامع بأسيوط إلى 89 ألف طن    محافظ الدقهلية يحيل مدير مستشفى التأمين الصحي بجديلة ونائبه للتحقيق    ماذا يحدث للشرايين والقلب في ارتفاع الحرارة وطرق الوقاية    عاجل- البترول تعلن نتائج تحليل شكاوى البنزين: 5 عينات غير مطابقة وصرف تعويضات للمتضررين    الدوري الفرنسي.. مارسيليا وموناكو يتأهلان إلى دوري أبطال أوروبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"محاكمة زعيم"..النديم يؤلف نشيداً ضد الإنجليز والجماهير تردد خلفه (6-9)
نشر في محيط يوم 03 - 03 - 2013

لم تكن محاكمة لأحمد عرابي فقط. بل كانت محاكمة للثورة العرابية ولانتفاضة مصر ضد الظلم المتمثل في الخديوي والتدخل الأجنبي في شئون البلاد والذي وصل إلى حد الاحتلال البريطاني لمصر.

ولهذا كان من الطبيعي أن يشمل استجواب الزعيم أحمد عرابي آخرين. كان في مقدمتهم الثائر الفريد صاحب القلم المدفع عبد الله النديم.

وقد بدأت رحلة النديم مع الثورية قبل عهد الخديوي توفيق، عندما أصبح تلميذًا لجمال الدين الأفغاني.

كان النديم يجلس مع غيره من الوطنيين في قهوة متاتيا بالعتبة الخضراء منبهرًا بالأفغاني الذي كان يلقي الخطب النارية مستثيرًا حماس المصريين.

كان الأفغاني يقول : "أنتم معشر المصريين قد نشأتم على الاستعباد وتربيتم في حجر الاستبداد والأكراد والمماليك، وكلهم يشق جلودكم بمبضع نهمه ويهيض عظامكم بأداة عسفه، ويستنزف قوام حياتكم بما يتحلب من حياتكم من عرق جباهكم بالعصا والمقرعة والسوط. وأنتم كالصخرة الملقاة في الفلاة.. لا حس لكم ولا صوت.

وتنتفض الدماء في شرايين النديم وهو يستمع إلى الأفغاني يواصل صارخًا: انظروا أهرام مصر وهياكل ممفيس وآثار طيبة وحصون دمياط شاهدة بمنعة آبائكم وأجدادكم.. هبوا من غفلتكم واصحوا من سكرتكم.. عيشوا كباقي الأمم أحرارًا، موتوا مأجورين شهداء.. وأنت أيها الفلاح المسكين تشق قلب الأرض لتستنبت ما يسد الرمق ويقوم بأود العيال.. لماذا لا تشق قلب ظالمك.. لماذا لا تشق قلب الذين يأكلون أتعابك.

مصر الفتاة

وعندما يرفض الخديوي إسماعيل نصيحة الأفغاني بإشراك الأمة في حكم البلاد وإجراء انتخابات نواب عن الأمة – يؤلف الأفغاني الحزب الوطني الحر الذي كان أول حزب سياسي في مصر. ويسارع عبد الله النديم إلى الالتحاق بالحزب.

وعندما يقبض على جمال الدين الأفغاني ينضم عبد الله النديم إلى جمعية سرية اسمها مصر الفتاة وجمعية علنية هي الجمعية الخيرية الإسلامية التي يفصل منها فيما بعد لأسباب غير معروفة.

ويبدأ القلم الثائر حربه ضد الظلم والطغيان..

وبينما لم يكن قد تجاوز السادسة والثلاثين من عمره يصدر عبد الله النديم مجلة "التنكيت والتبكيت" التي كانت معولاً وسيفًا أعمله النديم في جسد الذين يظلمون الشعب المصري.

وعندما يشتد خطرها وتأثيرها تتوقف التنكيت والتبكيت لكن النديم لا يتوقف فيصدر مجلة أخرى يختار لها أحمد عرابي اسمها وهي الطائف التي أصبحت عنوانًا لفكر الثورة العرابية.

وينطلق عبد الله النديم رئيس تحرير الطائف يندد بجرائم الخديو إسماعيل في حق مصر والمصريين، حتى ينعقد مجلس شورى النواب برئاسة محمد سلطان باشا، ويقرر تعطيل الطائف شهرًا.

لكن القلم الذي أرادوا له الاحتجاب ينكسر وينطلق النديم مع فرق للخطابة يطوف أقاليم مصر ومدنها. مشعلاً حماس الوطنيين وداعيًا إلى تأييد الثورة العرابية. ويغني النديم أول نشيد وطني يردده خلفه الشعب المصري. ضد المذكرة الإنجليزية – الفرنسية.

فكان يقول : اللايحة.. اللايحة.

فتردد الجماهير خلفه: مرفوضة.. مرفوضة.

وبعد أن تدك مدافع الأسطول الإنجليزي الإسكندرية.

وتقع الخيانة ويتم القبض على عبد الله النديم. يصدر الحكم بنفيه إلى يافا في فلسطين ولا يعود إلى مصر إلا بعد وفاة الخديوي توفيق.

النديم منسوب إليك

وعندما يواصل رئيس القومسيون التحقيق مع أحمد عرابي يتهمه بأنه أرسل تلغرافًا للسيد قنديل مأمور ضبطية الإسكندرية قبل المقتلة التي جرت يوم 11 يونيه 1882 في الإسكندرية، تقولون فيه له أن يتحد مع سليمان سامي ومصطفى بك عبد الرحيم في إجراء ما نبهتم عليه به.

ويسأله رئيس القومسيون: هل تذكر هذا التلغراف.. وما هي التنبيهات التي نبهت بها عليه؟.

يقول له رئيس القومسيون: ألم يبلغك أن عبد الله النديم كان يتوجه إلى الإسكندرية قبل الواقعة المذكورة، ويجتمع مع الشبان ويلقي عليهم خطبًا مهيجة. حتى إن محافظة الإسكندرية أراد أن يخرجه من البلاد. ولانتساب النديم ومأمور الضبطية لكم لم يحصل منعه ولا إخراجه؟.

يرد عرابي: فضلاً عن عدم إبلاغي بذلك.. فإن عبد الله النديم ليس هو منسوبا لي ولا تحت إرادتي ولا أنا مسئول عنه. كما أن مأمور ضبطية إسكندرية كذلك.

يقول له رئيس القومسيون: معلوم للجميع أن عبد الله النديم كان محرر جرنال الطائف، الذي جميع عباراته منذ نشره مشتملة على تهييج الأفكار. ومحتوية على الأكاذيب، وصدور هذا الجرنال كان في معسكر كنج عثمان الذي كان النديم مقيمًا فيه معكم في مدة العصيان، ولابد أن ما حرره في تلك الجريدة كان يجري إطلاعك عليه. فكيف يمكن إنكار أن النديم ليس منسوبا إليك وهو يقيم معك في المعسكر ويحرر الجريدة التي كانت أيضًا مشحونة بالطعن في حق الذات الخديوية ودولة الإنجليز الفخيمة؟.

يرد أحمد عرابي قائلاً: إن جرنال الطائف جار طبعه ونشره في الحكومة من مدد زمانية ولم يصر قفله في تلك المدد.

أما عن إقامة محرره بالجيش أثناء المحاربة فليس لي حق في منعه. إذ هو مثل أي محرر لأي جرنال من الجرانيل المحلية أو الأجنبية. فلا حق لي في منعه أيضًا، كما جرت بذلك عادة المحاربات. وأما إطلاعي على ما هو محرر بالجرنال يوميُا فإن كثرة أشغالي الدفاعية تمنعني من الإطلاع على الجرانيل. بل كانت تمنعني عن ما هو أهم منها.

تسألونني... عن كل غائب

يعود رئيس القومسيون ليقول له: إقامة عبد الله النديم معك في المعسكر يستدل منها على أن ما حدث منه في تهييج الأفكار ضد الأورباويين بالإسكندرية. ونشأ عنه مقتلة 11 يونيه 1882، كان بتعليماتك له واتحادك معه. ولولا ذلك ما كان ينتمي إليكم وتحميه بالإقامة بطرفك. حتى يتجاسر على تحرير جريدة مماثلة لتلك، والآن لما علم بالقبض عليك وسجنك اختفى عن البصر بالكلية.. وهذا أعظم دليل على انتمائه إليك؟.

يقول عرابي : توضح بجوابي ما فيه الكفاية.. ولا مناسبة لسؤالي عن أعمال شخص آخر لمجرد وجوده بالجيش أثناء الحرب.

رئيس القومسيون : ألم يبلغك أيضا توجه حسن موسى العقاد إلى الإسكندرية قبل واقعة 11 يونيه 1882 واشتراكه مع النديم في تهييج الأفكار؟.

أحمد عرابي : لم يبلغني ذلك.

رئيس القومسيون : أما كان حسن موسى العقاد يتردد عليك بمنزلك والاجتماعات التي كنت تجريها. وألم تتوجه إلى منزله مرارًا؟.

أحمد عرابي : حضور حسن موسى العقاد إلى منزلي لم يكن أكثر من غيره فإني في أغلب أوقاتي ما كنت أتخلص من ازدحام الناس الحاضرين إلى منزلي، ولم يكن حضورهم بدعوة مني إليهم. كما أني توجهت في ضيافتين لمنزل حسن موسى العقاد مع وجود كثير من الأمراء والأعيان والعلماء، وبعد تناول الطعام توجهت إلى أشغالي كما جرت العادة.

رئس القومسيون: إذا لم يكن حسن موسى منسوبًا لك أيضًا مثل النديم. فلماذا اختفى هو كذلك، بعد أن صار سجنك ما دام أنه ليس في الجيش ولا كان موجودًا في المحاربات؟.

أحمد عرابي : يؤخذ عن هذا السؤال أنني أسأل عن كل من غاب مع أني لست بمأمور عليهم.

ورغم ذلك فإن رئيس القومسيون لا يشعر باليأس ويعود من جديد لإثارة كل ما يمكن أن يدين أحمد عرابي.

فيقول له : الجمعية التي صار عقدها بمصر عقب عزلك، كان قد تقرر فيها إرسال وفد لأجل كشف صحة الحال في إسكندرية والتأكد مما إذا كان الجناب الخديوي والنظار ليسوا محجورًا عليهم ولا هم تحت سلطة أحد بل هم في حريتهم. وأعطوكم نصايح بعدم إجراء ما كنت تجريه من العصيان وعدم استماع أوامر الخديوي؟.

يقول أحمد عرابي : لم يحصل ذلك من أحد منهم.. والوفد الذي أرسل إلى الإسكندرية كان بقصد طلب النظار والحضرة الخديوية إلى مصر إذا كانوا أحرارًا في أعمالهم. وقبل ذلك كنت لا يمكنني أن أجري عملاً ما في غير رأي المجلس المنعقد بمصر.

كلفوني بالدفاع عن مصر

يسأله رئيس القومسيون: أي مجلس هذا الذي تقول عنه؟.. وما اسمه؟ ومن الذي أحدثه؟

يرد عرابي قائلاً: هو مجلس إدارة البلاد الذي صار اجتماعه بمصر للنظر في أحوالها وصار تشكيله عقب الحرب باتفاق وكلاء الدواوين المعبر عنه بالمجلس العرفي.

رئيس القومسيون: بأمر من تشكل؟.

أحمد عرابي : بأمر وكلاء الدواوين وبعض الباشوات الموجودين في مصر.

رئيس القومسيون : في أجوبتك السابقة تدعي أن أهالي البلاد وسطوك أنت وباقي الضباط في طلب تشكيل مجلس نواب، ينوب عن الأمة المصرية ومنحتكم الحضرة الخديوية ذلك.

فإن كان العصيان الذي ارتكبته أنت وباقي الضباط ضد الحضرة الخديوية والدولة العلية، فيه أدنى موافقة للأمة المصرية كما تدعوني. فعلى الأقل كنت تستشير رأي مجلس النواب بدل الارتكان على وكلاء الدواوين. وكم شخصًا من الباشوات كما أوضحت الذين أغلبهم لما سئلوا الآن أجابوا أن قبولهم الدخول في هذا المجلس فقط من التهديدات التي كانت تحصل منكم وممن ارتكب جنحة العصيان معكم من باقي الضباط، فمن هنا يرى أن الأمة المصرية حاشا أن يكون لها مدخل في هذا العصيان الواقع منكم، أنتم ورؤساء العصبة العسكرية. وأن ما تحصلتم عليه من الذخاير والاستعدادات في وقت العصيان كان بواسطة قوة الأسلحة التي أعطتها لكم الحكومة.. لحفظ ناموسها وشرفها، وأنتم استعملتموها في هذا الأمر الشنيع الذي أدى إلى الخراب وقتل النفوس بدون وجه حق.. فأفدنا عن ذلك؟.

يقول أحمد عرابي: المجلس الذي تشكل للنظر في أحوال البلاد كان يزيد على الأربعمائة نفس. وكما قلت أولاً كان منهم البرنسات أعضاء العائلة الخديوية وشيخ الإسلام والقاضي والمفتي ووكلاء الدواوين والمديرون وقضاة الأقاليم وأعيان التجار وكثير من أعضاء مجلس النواب وغيرهم من أعيان وعمد البلاد.. وقرروا بلزوم إناطتي بالمدافعة عن البلاد حيث كنت موجودًا صحبة الجيش في كفر الدوار. وجميع العساكر كانت متوزعة في الثغور. ولم أكن موجودًا في المجلس. فكيف يتأتى مع ذلك أن حضورهم كان بصورة تهديدية. وكيف مع ذلك ينسب إلينا وإلى رؤساء الجيش العصيان الذي تكرر لفظه بهذه المذكرة. مع أنه لا توجد أمة من الأمم متصفة بالعدل تستطيع أن تنسب إلينا هذا العصيان المقال عنه. إذ إن الحرب كان افتتاحها بمقتضى قرار من مجلس شكل تحت رياسة الحضرة الخديوية بل الحق كانت شرعية قانونية، ثم بعد ذلك كانت استدامة المدافعة بمقتضى ذلك القرار. الذي لا يمكن القدح فيه بوجه من الوجوه. فالأسلحة ما صار استعمالها إلا لما وجدت له. وهو الذود عن البلاد وحمايتها مدافعة شرعيًا على مقتضى ما تقدم ذكره.

ذهبنا فقط للتهنئة

يسأله رئيس القومسيون: ألم يبلغك البيان الصادر من الحضرة السلطانية في حقك بأنك من العصاة بسبب ما فعلته؟.

عرابي : لم يبلغني.

رئيس القومسيون : بعد هزيمتك بالتل الكبير ورجوعك إلى المحروسة. حررت عريضة إلى الحضرة الخديوية. وأرسلتها مع رءوف باشا وبطرس باشا وعلي الروبي بطلب العفو من الحضرة الخديوية وأنك مطيع ومنقاد لأوامرها العلية فبعد سفرهم ابتدأت ثانيًا في اتخاذ خطوط النار بالعباسية. وطلبت مرعشلي باشا وأمرته بذلك.. فهل يصح أنه بعد العرض بالطاعة يحصل العصيان؟.

عرابي: التنبيه على مرعشلي باشا باستكشاف خط تحفظي على مصر. كان قبل تحرير العريضة وتوجه رءوف باشا ومن معه، ولما رؤي عدم اللزوم صرف النظر وتحررت تلك العريضة.

رئيس القومسيون : لما سئلت عن سبب حصر سراي عابدين بالعساكر في 9 سبتمبر 1881 أوضحت في أجوبتك السابقة بأن بعض أصحاب القضايا تبقى قضاياهم بالمجالس نحو عشرين سنة. حتى يموت أصحابها كمدًا ولا تنظر قضاياهم، ولذلك أردتم تشكيل مجلس نواب لينوب في رؤية حقوق الأمة كما هو بالبلاد المتمدنة. والحال من سياق التحقيقات الحاصلة الآن. أنه بعد هذه الواقعة توجهت أنت وعلي فهي وعبد العال وطلبة ومحمد عبيد وجانب من الضباط لمنزل قدري باشا مذ كان ناظر الحقانية. وطلبتم منه إطلاق عناني بك من السجن الذي كان متوقعًا عليه بأمر المجلس المختلط. ولما لم يوافقكم قدري باشا هددتموه ولم يتخلص منكم، إلا بتوجهه لطرف رئيس النظار وقتها. وأنتم توجهتم في أثره إلى محمود سامي ناظر الجهادية وقتها وأخذتموه معكم، وتوجهتم لطرف رئيس مجلس النظار لهذا الغرض. فهل يقع ذلك من أحد يدعي أنه يسعى في نيل العباد على حقوقها ويريد التشبه بالبلاد المتمدنة متعرضًا إلى أحكام مجلس مختلط أعضاؤه أوروباويون من الدول المتمدنة؟.

يرد أحمد عرابي قائلاً: الحقيقة غير ذلك.. بل الحق أن عناني بك أجرى عمل وليمة في الأزبكية فرحًا وسرورًا بصدور الأمر بافتتاح مجلس النواب، وبناء على ذلك جرى سجنه في الضبطية في أيام العيد، وكلنا توجهنا للمعايدة على سعادة قدري باشا، كما جرت العادة في أيام الأعياد. فذكرنا سعادته بمسأله العناني وترجيناه في إخلاء سبيله لأجل المعايدة مع أولاده، وفيما بعد إذا كان عليه قضية يحاكم عليها. فجاوبنا سعادته بأنه مسجون بالضبطية بأمر المجلس المختلط وسينظر في أمره. ولم تحصل تهديدات ولا يجوز أبدًا إجراء تهديدات لمثل هذا الفاضل.. وهذا هو الحق.

الأمة المصرية كلها

يعود رئيس القومسيون ليقول له: في أجوبتك السابقة أوضحت أن المجلس الذي عقد بالداخلية لم تحصل فيه تهديدات لأحد. وترتكنون على وجود البرنسات والعلماء خاتمين على المحضر الذي تحرر عنه. مع أن هؤلاء أوضحوا أنهم جبروا على ذلك. وفضلاً عن ثبوت حصول التهديدات من عصبتكم العاصية بديوان الداخلية. فإنكم أمرتم بعزل وسجن بعض المديرين وهم شاكر باشا وإبراهيم أدهم باشا وإبراهيم بك توفيق وحسن بك فهمي، وحصل فعلا عزلهم وسجنهم مدة أيام وصار سجن غيرهم، حتى أنه عند دخول الإنجليز إلى مصر – وجدوا نحو الثمانماية شخص مسجونين بالطوبجانة تهديدًا لباقي السكان. وهذه دلايل قوية مثبتة أن الذين ختموا بتلك الجمعيات كانوا مقهورين مجبورين على ذلك، وأن المساعدات التي حصلت من طرف الأهالي لجيش العصاة كانت أيضًا من هذا القبيل.

يرد أحمد عرابي بصبر: قلت بأجوبتي المتقدمة في هذا الخصوص أنه لا يتصور أصلاً حصول تهديدات مجلس مؤلف من أعيان الأمة المصرية ورؤسائها ونبهائها يزيدون على الأربعماية نفس.

كما أن المساعدات والتبرعات التي كانت ترد للجيش المدافع عن البلاد مدافعة شرعية لم تكن بتهديدات أيضًا بل من الناس من تبرع بنصف ماله ومن الناس من تبرع بماله أجمع ابتغاء مرضاة الله. ومن الناس من تبرع بثلاثة آلاف أردب غلال وثلاثين رأسًا من الخيول تبرعًا لمساعدة الجيش. إذ إن الحرب الشرعية إما أن تكون بالنفس أو بالمال أو بالرأي، ومن ضمن من تبرع وافتتح باب المساعدة دواير العائلة الخديوية وأغلب الذوات تبرعوا أيضًا، ولو استكشفت التلغرافات التي كانت ترد من جميع أهالي المديريات. حتى من مديرية إسنا بدون واسطة مديرياتهم. لعلم أن الأمة المصرية جميعها كانت محاربة بمالها وأنفسها. ولو استكشفت قوايم التبرعات لعلم أنه لم يتأخر أحد من أولي الرياسة في المساعدة ومن ضمنهم سعادة خيري باشا حال كونه لم يشهد الحرب بل كان في الإسكندرية.

ومن ضمنهم دايرة دولتلو رياض باشا.

ويسأل عرابي رئيس القومسيون: أفكل هذا كان جبرًا على جميع الناس؟ ومن الذي كان يجبرهم؟ إن هذا الأمر حق تعرفه أهل البصاير الحقة.. وأما الذين وجدوا مسجونين بالقلعة فأظنهم لا يزيدون عن ماية نفس من أرباب الجنايات المحكوم عليهم بالحبس ومحضرين من المديريات.

ولم يصدر مني أصلا أمر بسجن أحد في القلعة أو غيرها. كما أن عزل شاكر باشا وغيره من المديريات التي كانوا بها كان بأمر المجلس الإداري المعبر عنه بالعرفي لا بأمري. وإني ما كنت إلا رجلا مأمورًا بأمر من طرف ذلك المجلس الذي بيده حكومة البلاد. وهو حفظ البلاد والمدافعة عنها.

أسلوب حقير

ويستمر التحقيق مع أحمد عرابي..

ويغتاظ هؤلاء الذين يريدون لف حبل المشنقة حول رقبته من صموده خلال التحقيقات، ومبادرته بالرد الحاسم على كل ما يوجه إليه من أسئلة. والتزامه الذي لا يحيد بأحقية شعب مصر في الدفاع عن تراب وطنه.

ويلجأ هؤلاء إلى أسلوب آخر حقير..

ويحاولون الضغط على هيبة الأسد السجين..

بحيلة قديمة ومعروفة اسمها محاولة النيل من كرامة السجين السياسي. والضغط على أعصابه وهو سجين لا يستطيع الدفاع عن نفسه وهذا ما حدث مع أحمد عرابي.. وهو نائم ذات ليلة في زنزانته بالسجن!.

اقرأ أيضا :

الفصل الأول : 12 شاهد إثبات يحاولون إحكام التهمة علي عرابي

الفصل الثانى : الجيش يحضر إلي السجن ويطلق سراح زعيمه!!

الفصل الثالث : قصة حب أنقذت عرابي ورفاقه من السجن

الفصل الرابع : عرابي ورجاله يردون علي المصحف قسم الثورة خلف الشيخ محمد عبده

الفصل الخامس : تلغرافات من أحمد عرابي للأستانة: خديوي مصر اجاز إلي عدو البلاد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.