مفاجأة في أسعار الذهب اليوم 9-6-2024 بعد الارتفاعات الأخيرة    أسعار الفراخ والبيض اليوم 9 يونيو "خيالية".. الكل مصدوم    السعودية تلغي تصاريح بعض حجاج الداخل بسبب اللقاحات وتوجه رسالة للوافدين    حزب الله ينفذ 11 عملية ضد إسرائيل في أقل من يوم    البحرية البريطانية: حريق شب في سفينة نتيجة قذيفة أطلقت من اليمن    مصرع 6 أشخاص وإصابة 8 آخرين في انقلاب سيارة محملة بالعمالة بالبحيرة    اليوم .. طقس حار نهارا معتدل ليلا والعظمى بالقاهرة 36 درجة    اليوم.. مغادرة آخر أفواج حج الجمعيات الأهلية إلى مكة المكرمة    تامر عبد المنعم عن صفعة عمرو دياب: كل واحد يلزم حدوده ومليون دولار لن تكفي لرد الكرامة    وصفات طبيعية لعلاج قشرة الرأس، أبرزها الزبادي وزيت شجرة الشاي    أخبار غزة.. مسيرات تدد بمجزة النصيرات والاحتلال الإسرائيلي يقتحم بلدات جديدة    عاجل: حدث ليلا.. الغضب يشتعل ضد نتنياهو واحتجاجات عنيفة أمام البيت الأبيض    حزب الله يعلن قصف مقر قيادة كتيبة السهل في ثكنة بيت هلل الإسرائيلية براجمة من صواريخ فلق 2    عاجل.. اتحاد الكرة يحسم مصير إمام عاشور من المشاركة أمام غينيا بيساو    «مين هيقدر يديره؟».. القيعي يكشف سبب رفضه لتعاقد الأهلي مع ميدو    أمم أوروبا 2024.. المنتخب الإنجليزي الأعلى قيمة سوقية ب 1.78 مليار يورو    «البترول»: خططنا لتلبية احتياجات الكهرباء من الغاز أو المازوت    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الأحد 9 ونيو 2024    البنك المركزي يعلن معدلات التضخم في مصر بنهاية مايو.. الاثنين    جدول مواعيد امتحانات الثانوية العامة 2024.. تنطلق غدا    «التعليم»: اتخذنا إجراءات غير مسبوقة لمنع تداول امتحانات الثانوية    طلاب «إعلام المنوفية» يطلقون حملة «إعلامنا» للتعريف بالكلية ومميزات الدراسة بها    طرح البرومو الدعائي لفيلم عصابة الماكس: في كل خطوة كمين (فيديو)    مناخ «الزراعة»: الموجات الحارة تؤثر على الفواكه والخضروات    فضل الدعاء في هذه الأيام المباركة.. لا يرده الله    للحجاج والمعتمرين.. محظورات لا يجب فعلها أثناء الحج    «زي النهارده».. 9 يونيو 1967 تنحي الرئيس عبدالناصر بعد نكسة 67    وزير الصحة يتفقد مستشفيي رأس الحكمة والضبعة المركزي بمطروح (صور)    ما سبب الشعور بالصداع عند الاستيقاظ من النوم؟.. «السر في التنفس»    نشرة «المصري اليوم» الصباحية.. «هيئة الدواء» تسحب أدوية جديدة من الصيدليات.. انفراد..النيابة العامة تحيل «سفاح التجمع» لمحاكمة عاجلة أمام «الجنايات».. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم الأحد: 48 ساعة قبل عودة الغليان (تفاصيل)    حبس 8 مسجلين خطر بينهم سيدة ضبط بحوزتهم 13 كيلو مخدرات بالقاهرة    بايدن مخاطبًا ماكرون: شراكة الولايات المتحدة وفرنسا «لا تتزعزع»    تحرك عاجل من السعودية بشأن الحج بدون تصريح    10 سنوات إنجازات | طرق وكباري و3 محاور رئيسية لإحداث طفرة تنموية في قنا    أسامة كمال: الحكومة المستقيلة لهم الاحترام.. وشكل الوزارة الجديدة "تكهنات"    ليلى عبد اللطيف تكشف حقيقة توقعها بعيد أضحى حزين في مصر    كوميديا وإثارة وظهور مُفاجئ ل السقا وحمو بيكا..شاهد برومو «عصابة الماكس» (فيديو)    مقتل 45 شخصا على الأقل جراء صراع عشائري في الصومال    ياسر إدريس: لا ينقصنا لاستضافة الأولمبياد سوى إدارة الملف    طارق سليمان: كنت مع مشاركة شوبير في نهائي إفريقيا على حساب الشناوي    جامعة العريش تطلق مبادرة شاملة لتأهيل الخريجين لسوق العمل    مع بدء رحلات الحج.. خريطة حدود الإنفاق الدولي عبر بطاقات الائتمان في 10 بنوك    «القومى للمسرح المصري» يحتفي بدورة «سميحة أيوب»    «هيكسروا الدنيا».. سيف زاهر يكشف ثنائي جديد في الزمالك    خبير مائي: سد النهضة على وشك الانتهاء من الناحية الخرسانية وسيولد كهرباء خلال سنتين    طارق قنديل يتحدث عن.. سر نجاح الأهلي ..البطولة الأغلى له.. وأسعد صفقة بالنسبة له    إصابة 6 أشخاص في تصادم سيارة وتروسيكل بالإسماعيلية    ما أهم الأدعية عند الكعبة للحاج؟ عالم أزهري يجيب    مصرع طفل عقب تعرضه للدغ عقرب فى جرجا بسوهاج    النديم: 314 انتهاك في مايو بين تعذيب وإهمال طبي واخفاء قسري    ليلى عبداللطيف تتسبب في صدمة ل أحمد العوضي حول ياسمين عبدالعزيز (فيديو)    "نيويورك تايمز": قنبلة أمريكية صغيرة تقتل عشرات الفلسطينيين في غزة    وكيل صحة الإسماعيلية تتفقد انتظام سير العمل بعيادة الجلدية ووحدة طوسون الصحية    حظك اليوم برج الحوت الأحد 9-6-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    عاجل.. انفراجة جديدة في مفاوضات بن شرقي وحقيقة عرضين الخليج ل "الأخطبوط"    ما هي أيام التشريق 2024.. وهل يجوز صيامها؟    عقوبة تصل ل مليون جنيه.. احذر من إتلاف منشآت نقل وتوزيع الكهرباء    انتصار ومحمد محمود يرقصان بحفل قومي حقوق الإنسان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"محاكمة زعيم"..عرابي ورجاله يردون علي المصحف قسم الثورة خلف الشيخ محمد عبده (4-9)
نشر في محيط يوم 28 - 02 - 2013

ويستمر استجواب الزعيم أحمد عرابي بعد إحضاره من سجنه، ويبادر رئيس القومسيون الذي يحقق معه بسؤاله لماذا لم يستجب لنصيحة "دولتلو درويش باشا مندوب الحضرة السلطانية" بقبول اللائحة والخروج من القطر؟.

فيرد أحمد عرابي قائلا: إن اللائحة المذكورة متقدمة من جناب قنصلي إنكلتره وفرنسا، عن رأي ارتآه سلطان باشا كما هو واضح بها. ولم تكن صادرة عن تعليمات دولهما. وكان تقديمها عقب حضور المراكب الحربية إلى ثغر الإسكندرية. ولما حضر الوفد العثماني تحت رئاسة دولتلو درويش باشا. ورأى البلاد المصرية في غاية الهدوء والسكون، ولم يكن بها أدنى شيء يدل على ما يوجب تلك الارتباكات.

كما أنه رأى الجيش المصري في غاية الطاعة والانقياد، ملازما لخدماته وواجباته العسكرية. وعرض ذلك على الباب العالي بالآستانة، ترتب علي ذلك تشريفنا بالنيشان المجيدي. ولما أخبرني دولتلو بذلك التزمت بعرض تشكراتي تلغرافيا على الحضرة السلطانية. وتشرفت بقبولها وإجابتي تلغرافيا بحصول الممنونية للحضرة السلطانية، مما أديناه من حسن الخدمة والطاعة والانقياد. كما حضرت جملة نياشين برسم ضباط الجيش إعلانًا عن حسن طاعته وانقياده، ولكن لم يسع الوقت لإعطاء النياشين لأربابها، لمفاجأة الضرب على الإسكندرية، وكان دولتلو درويش باشا قد أخبرني أنه يرى لزوم توجهي للآستانة تحت كنف الذات الشاهانية.

فقلت له: إني أود ذلك بل هو أعظم شيء أتمناه، ولكني لتعلق الناس بي وازدحامهم علي في كل وقت. بحيث إنهم لا يمكنوني من تناول لوازماتي المعاشية، أخشى أن يحولوا بيني وبين ذلك. إذ لا علم لهم أني أريد السفر إلي خارج القطر المصري، لما يتوقعونه مما يحيق بهم من الضرر في المستقبل، ويترتب علي ذلك حدوث فتنة داخلية، التي دائما نحاذر الوقوع فيها. وعند انتهاء الأمر وانصراف المراكب الحربية يمكن أن نحتال في كيفية التملص من هذا الأمر ونتوجه إلى الآستانة كما ترون دولتكم.

حتى لو خلع الخديوي

ويعود رئيس القومسيون مرة أخرى لإثارة ما حدث في مجلس النواب.

فيقول لأحمد عرابي: أنتم أحضرتم مجلس النواب بالفعل للمحروسة للخلاف الذي قيل منكم إنه حاصل بينكم وبين الحضرة الخديوية.. فلماذا لم يفتح المجلس ويعرض الخلاف عليه كما صممتم من قبل؟.

يرد أحمد عرابي: بحضور جميع أعضاء مجلس النواب وإخبارهم عن لزوم افتتاح المجلس رسميا للنظر فيما حصل من الخلاف وأسبابه، توجهوا للحضرة الخديوية، وطلبوا صدور أمره الكريم بافتتاحه فلم يسمح لهم. وعلى حسب فكري أنه حصل الإجماع على التسليم في خلع الخديوي ولا يمكن التسليم في قبول اللائحة، ولما استقر الرأي على ذلك. كنت جالسًا فقمت.

وقلت: من وافق على ذلك فليقم معنا.

"فقام الكل ولم يتأخر أحد. وقام رئيس مجلس النواب ومن لزم معه من الأعضاء وتوجهوا إلى سراي الإسماعيلية في تلك الليلة نفسها. وعرضوا بقائي وإلزامي بالراحة والأمن، وفي غد تلك الليلة حضر لي سعادة رئيس المجلس وسعادة سليمان باشا أباظة وغيرهم، وسلموني إرادة خديوية ببقائي في نظارة الجهادية. فتوجهت مسرعا لتأدية التشكرات الواجبة لحضرته العلية.

يعود رئيس القومسيون ليسأله: كان رأيك إذن مع رأي من استقر رأيهم من الحاضرين على عزل الجناب الخديوي؟

يرد أحمد عرابي قائلا: مما توضح يعلم أنه لشدة تأثير اللائحة المذكورة التي قبلها جناب الخديوي ما كان يمكن قبولها، ولو أدى ذلك لخلع الخديوي.. وأنا وكل الناس علي هذا الرأي.

لائحة إنكلترا وفرنسا

يقول له رئيس القومسيون: مذ كان محمود سامي رئيس مجلس النظار ومذ كنت أنت ناظر الجهادية.. استقر رأيكما على طلب النواب وأحضرتموهم بالفعل بدون أمر الحضرة الخديوية.. فلماذا أجريتم ذلك مع علمكم أنه مخالف للائحة النواب؟.

يرد عرابي : من مقتضى لائحة مجلس النواب أنه إذا طرأ أمر مهم في مدة غياب مجلس النواب. فعلى مجلس النظار تدارك هذا الأمر تحت مسئوليتهم عنه. عند انعقاد المجلس في السنة التالية. ولم يكن أمرًا مهما أكبر من خلاف يقع في مسألة بين الحضرة الخديوية وبين النظار. فلتدارك هذا الأمر وعدم خروجه عن يد أهل البلاد. استقر رأي مجلس النظار على طلب مجلس النواب، لينظر فيما حصل الخلاف فيه، أملاً في إصلاح الأمر قبل تعاظمه، وعلى ذلك جري طلب النواب.

رئيس القومسيون: اعترفت إذن بطلب النواب بدون أمر الحضرة الخديوية؟.

أحمد عرابي : أوضحنا أن طلب النواب بغير أمر الحضرة الخديوية ما كان إلا اعتمادًا على قانون مجلس النواب، وعلى أن ذلك جائز في الحكومات إذا داهم البلاد أمر يخل بشأنها. ولم يكن أمر أكبر من خلاف يقع بين الحاكم وحكومته.

رئيس القومسيون: ما هو الخلاف الذي وقع بين الحضرة الخديوية وبين النظار وترتب عليه طلب النواب بمعرفتكم؟.

أحمد عرابي: هو قبول الحضرة الخديوية للائحة جناب قنصلي إنجلترا وفرنسا وعدم قبولها من طرف نظار حكومته.

رئيس القومسيون: ماذا كان مضمون تلك اللائحة المقدمة من الدولتين؟.

أحمد عرابي : كان مضمونها سقوط النظارة وإخراجي من بلادي إلى أوروبا وإخراج وتبعيد علي فهمي وعبد العال إلى داخل القطر.

رئيس القومسيون : هل في معلومكم أن الجناب الخديوي قبل هذه اللائحة من قنصلي الدولتين؟.

أحمد عرابي : تقدم بأجوبتي ما يدل على ذلك.

رئيس القومسيون: كان الواجب إذن قبولها مثل ما قبلها الجناب الخديوي لكونكم تحت أوامره. وهو المناط من طرف الدولة العلية بامتيازات مخصوصة، ويجري الأحكام على حسب ما يتراءى له. بدون أن يعارضه أحد في داخل حكومته، فلماذا تجاسرتم على رد أوامره حيث إنه قبلها ولاسيما أن خروجك من البلاد بإشرافك ومرتباتك ما كان يترتب عليه ضرر؟.

أحمد عرابي: صحيح كان أولى خروجي إلى أوروبا وكنت أتمنى ذلك. ولكن أفكار الناس وقتها وحالة البلاد كانا يمنعاني من ذلك. بل من أي شيء أريد فعله. وأما ما ذكر من لزوم موافقة النظارة للحضرة الخديوية لما لها من الامتيازات الخصوصية.. فذلك لا يكون أمرًا لازمًا في الحكومات الثورية.

أقسمت على المصحف

هل صحيح ما قيل إن زعماء الثورة العرابية اجتمعوا ووضعوا أياديهم فوق المصحف..ثم رددوا قسمًا خلف الشيخ محمد عبده؟

ذلك ما سيظهر خلال استجواب أحمد عرابي..

يسأله رئيس القومسيون: زعمتم أن النواب موافقون لرأيكم ولرأي باقي النظار في ذلك الوقت، فلو كان ذلك حقيقيًا لأمكنهم بالاتحاد معكم فتح المجلس والنظر في أحوال البلاد بدون رخصة من الحضرة الخديوية، وحيث إنه لم يصر افتتاح المجلس بالفعل فيعلم أن النواب لم يكونوا متحدين معكم جميعهم كما قلتم؟.

يسمعه أحمد عرابي ردًا مفحمًا بقوله: لا أظن أن أحدًا من المصريين على اختلاف مذاهبهم يسمح بحصول تدخل أجنبي في بلاده. ومن ذا يعلم لكل ذي ذوق سليم أن الأمة المصرية بأجمعها لا تسمح بذلك التدخل. ولكن مجلس النظار ارتأى أن يسلك طريقًا سهلة لإزالة الخلاف وتسوية الحالة. وقد حصل فعلا ونجح في مسعاه بتشكيل نظارة راغب باشا التي صدر فيها عفو عام من الحضرة الخديوية. شاملا كل ما ينسب إلى تلك المسائل. إلا مسألة إسكندرية التي حدثت يوم 11 يونيه.

يقول أحمد عرابي : هذه العبارة لا حقيقة لها.. وإنما دائمًا في كل مجتمع يحصل فيه التذاكر بالاتفاق علي تحرير البلاد وتحسين حالتها والسعي في جلب المنافع لها ورفع المضار عنها بواسطة تنسيق قوانين عادلة تكفل لكل إنسان حقه. حتى يعيش أهل البلاد وأبناؤها في أرغد عيش مثل الأمم المتمدنة في كافة أرجاء المسكونة مع السعي في منع الأسباب التي تخل بالراحة العمومية. أو ينسب للبلاد ما يشين اسمها في تاريخ العالم بل نعتبر أهل البلاد جميعها ومن فيها من أجانب إخوة في الإنسانية، لهم ما لنا وعليهم ما علينا.. ولا يتعرض أحد لهم بسوء تلك هي المجتمعات التي كانت تحصل وليست في تاريخ مخصوص.

رسالة إلى وكيل الجهادية

يقول له رئيس القومسيون: أنت تنكر حلف هذا اليمين فإذا حضر الشيخ محمد عبده وغيره ممن كان حاضرًا. وقال بحصول ذلك أمامك.. فماذا تقول؟.

يرد أحمد عرابي: لم يحصل إنكار شيء.. بل إن ما أوضحته بجوابي هو شامل لما كان يحصل في مجتمعاتنا مع تأكيده بالأيمان الموثوق بها على عدم حصول الضرر لأحد من الناس.. وكان ذلك حرصًا علي الراحة العامة.

وهنا يبدأ رئيس القومسيون في سؤال أحمد عرابي عن دوره في أحداث الإسكندرية ويتهمه بالتورط فيها.

فيقول له: لما حصلت واقعة يوم 11 يونيو 1882 وتعيين قومسيون لتحقيقها بالإسكندرية وكان من أعضائه وكيل الجهادية، وبدلا من التنبيه منكم بالتمسك بالعدل والإنصاف وعدم الميل لأي طرف كان، نبهتم وأكدتم عليه بأن يجتهد في إبعاد الشبهة والتهمة بقدر الإمكان عن الأهالي والعساكر مع معلوميتكم ومعلومية الجميع بأن عساكر المستحفظين بالإسكندرية كان لهم مدخل كبير في هذه المقتلة، فمن تنبيهاتكم لوكيلكم يعلم أن وقوع هذه الحادثة إما أن تكون بأمركم أو بتعليماتكم؟.

يرد أحمد عرابي قائلا: هذه العبارة مختلقة لا أصل لها.. ووكيل الجهادية ليس محتاجا لتعليماتي، ولا يمكنه أن يساعد على غير الحق مهما كانت الحالة. وأما ما ذكر من أن يكون ذلك حصل بتعليماتي فمن أنا حتى يكون لي تعليمات بمثل ذلك في جهة لم أحضرها ولم أشاهدها بل من تدبر كيفية سيرنا في مدة ثمانية عشر شهرا وكسور، وعلم ما حصل مني من التنبيهات والتأكيدات وإعلاني لجميع الناس علم اليقين أني اجتهد كل الاجتهاد في حفظ الأرواح والأعراض والأموال حتى لا تسفك شعرة واحدة من رأس أي إنسان كان. حرصا على عدم تسويد صحيفة المصريين، والحق أنه لم يتنبه منا على وكيل الجهادية بشيء أبدًا. إذا هو غني عني في مثل ذلك وكان طلبه على حين غفلة واستعجال.

وهنا يتلو رئيس القومسيون صورة التنبيه الذي يقول فيه: "جهادية وكيلي سعادتكو.. بعد السلام على سعادتكم، تعلمون أهمية مركز سعادتكم الآن بالنسبة للجنة التحقيق.. فإنه لا يخفى أن أعضاء اللجنة ليسوا جميعًا ممن يهمهم شرف العسكرية والأمة. فإن المتداول على ألسنة الخاص والعام هنا، أن الفاعل لهذا الأمر رجل مالطي من تبعة الإنكليز تشاجر مع وطني وضربه بسكين. وأن جماعة من الأروام اجتمعوا للدفاع عن الوطني فتكاثر عليهم المالطية وبعض الأورباويين. وضربت عليهم النيران من الشبابيك وعظم الخطب بتعدي الأورباويين على أنفسهم. وإن الوطنيين الذين حضروا إنما كانوا يدافعون عن أنفسهم بالعصي، وكذلك لهجت الألسنة بأن بعض الأورباويين انتهب بعض الدكاكين ولم يكن للوطنيين يد في ذلك، فليكن اجتهادكم في الدفاع عن جانب الحكومة والأمة. وإظهار الفاعل الأصلي من الأجانب، فقد قيل بأن المالطي المتسبب كان قبل ذلك خادما في قنسلاتوه الإنكليز. وهذه أمور نقدمها لتلاحظوها ولا تقبلوا كل ما يقال في جانب الوطنيين والحكومة من غير تدقيق وبحث طويل وتحقيق تعرفون صدقه وعدم تصنعه ولا يحتالوا بجانبكم لأحد من أعضاء اللجنة. خشية أن يخدع سعادتكم أو يستميلكم لأمر ظاهره الإصلاح وباطنه الإفساد. ولنا وثوق تام بأفكاركم. وإنما كتبنا هذا من باب التنبيه والإيقاف لأقوال وأفعال من معكم من رجال اللجنة، هذا ما يقتضي من جهة اللجنة والتحقيق. أما ما يلزم للمراقبة العمومية، فيلزم أن تلاحظوا حركات البلد وأخبارها. وتكتبوا ما تسمعونه وما ترونه. وتبادروا بإخبارنا أولا فأول عن جميع الأعمال والاكتشافات والمنظورات والمحظورات التي ترونها مما يظهر لكم الحوادث، واعلموا أن الحزم في الأمور يرشد لحسن العاقبة، وصدق العزيمة يوصل إلى المقصود.. والعاقل من احترس من صديقه قبل عدوه، ورجل الحرب من لا تخدعه حيل السياسيين ولا أعمال المنافقين. والله يرشدنا وإياكم لما فيه حفظ العباد والبلاد.

الضرب على الطوابي

فيقول أحمد عرابي بلا تردد: نعم.. صدر مني هذا الجواب الذي هو عبارة عن الأخذ بالحزم في إظهار الحقيقة والعمل بالحق وليس فيه ما ينكر عليه.

يقول له رئيس القومسيون: حيث إنه صدر لك أمر من الحضرة الخديوية ومن الحضرة السلطانية بإبطال التجهيزات بالطوابي وزيادة وضع المدافع بها.. فلماذا لم تمتثل لهذه الأوامر، واستمر العمل في التجهيزات حتى أن جناب الأميرال سيمور لما شاهد وضع مدافع زيادة عما كان موجودا طلب تنزيلها.. ولإصراركم على عدم الإصغاء للأوامر فشأن ذلك الضرب على طوابي إسكندرية؟

يرد أحمد عرابي قائلاً: على حسب العادة السنوية كان جاريا ترميم بعض طوابي إسكندرية. ولما ورد تلغراف من الحضرة السلطانية إلى الحضرة الخديوية بناء على تبليغات سفير إنكلترا بالآستانة بإبطال إنشاء وتجديد استحكامات إسكندرية. إذ يعد ذلك تهديدًا للمراكب كالحربية الإنكليزية، وصدر أمر الحضرة الخديوية بذلك في الحال صار إبطال الترميمات، وتعين من لزم من رجال المعية لمشاهدة إبطال العمل. ولما تحقق بطلان العمل بالترميمات كتب للآستانة بذلك من المعية، ولم يكن حصل إصرار وعدم سماع كما قيل. حتى أن الطوابي الموضحة بإفادة جناب الأميرال سيمور بأنه جاري وضع مدافع بها، قبل الضرب بيوم واحد، لم يسبق وضع مدافع على بعضها منذ إنشائها في مدة المرحوم محمد علي باشا.. ومن ضمن ذلك طابية صالح التي لم يكن بها شيء من الأسلحة الجديدة أبدَا.. وطابية باب العرب وطابية قايد بك التي هي على بعد زائد في وسط البحر. ويستمر التحقيق ليكشف تفاصيل ما حدث يوم هجوم الأسطول البريطاني على الإسكندرية.

رئيس القومسيون: لغاية أي ساعة استمر الضرب من المراكب على الطوابي في يوم 11 يوليو 1882.. وأين كنتم في هذا اليوم؟.

أحمد عرابي: ضرب إسكندرية في يوم 11 يوليو 1882 كان الساعة 12 عربي صباحًا. وعليه بمقتضى قرار المجلس المشكل تحت رئاسة الحضرة الخديوية لم تصر مجاوبة المراكب من الطوابي.. إلا بعد إطلاق نحو الخمس عشرة طلقة.. وبعدها حصلت المجاوبة من الطوابي.. واستمر الضرب من الطرفين إلى الساعة عشرة ونصف عربي من النهار وفي أثناء ذلك كنت في طابية الدماس لارتفاعها ومناظرة الجهات.

بعد رفع البيرق الأبيض

رئيس القومسيون: هل بقيتم في الطابية لغاية الساعة 10 حتى انتهى الضرب؟

أحمد عرابي: نعم.

رئيس القومسيون : من كان قومندان العساكر بإسكندرية في أثناء واقعة 11 يوليو 1882؟.

أحمد عرابي: كان القومندان طلبة باشا عصمت.

رئيس القومسيون: هل تعين لهذه الوظيفة بأمرك؟.

أحمد عرابي: طلبة باشا كان قومندانا على العساكر البرية الذين توجهوا من مصر إلى الإسكندرية عقب حادثة 11 يوليو 1882 لأجل حفظ البلد.. وحيث وجد هناك صار قومندانا على جميع العساكر البرية وأما الطوابي فكانت تحت قومندانية إسماعيل بك صبري.

رئيس القومسيون: لما توجه للمكالمة مع جناب الأميرال سيمور بأي صفة توجه.. هل بصفة قومندان الثغر؟.

أحمد عرابي: بصفته قومندان العساكر المصرية.

رئيس القومسيون: هل تعيينه بهذه الوظيفة منكم كان شفاهيا أو كتابة؟.

أحمد عرابي: شفاها.

رئيس القومسيون: في أي يوم رفع العلم الأبيض من الطوابي.. هل في أول يوم الضرب أو في ثاني يوم؟.

أحمد عرابي: في اليوم الثاني عند ابتداء الضرب.

رئيس القومسيون: في أي ساعة؟.

أحمد عرابي : في الساعة الواحدة تقريبًا.

رئيس القومسيون: وهل كان هذا بأمرك؟.

أحمد عرابي : رفع البيرق الأبيض عند إطلاق مدافع من المراكب الإنجليزية، كان بناء علي قرار من مجلس النظار، وغيرهم من الذوات تحت رئاسة الحضرة الخديوية بحضور دولتلو درويش باشا رئيس الوفد العثماني.

رئيس القومسيون: أين قضيت ليلة الأربعاء؟

أحمد عرابي : في باب شرق.

رئيس القومسيون: في أودة من؟.

أحمد عرابي: في أودة حكمدار الآلاي.. ولست متذكرا إن كانت أودة سليمان بك سامي أو عيد بك.

رئيس القومسيون: أين توجهتم في ثاني يوم صباحا؟.

أحمد عرابي: حضر لي طلب من المعية في الساعة اثنين تقريبا، فتوجهت من باب شرق للرمل.

رئيس القومسيون : لأي شيء طُلبت؟.

أحمد عرابي: طلبت لدى الحضرة الخديوية وسئلت عما إذا كان صار رفع البيارق البيضاء أولا.. وعن الضرب الذي حصل من المراكب فجاوبته أنه صار رفع البيارق المذكورة واستمر الضرب من المراكب بعد رفعها من خمس وعشرين إلى ثلاثين كلة.

رئيس القومسيون: هل حقيقة بعد رفع الأعلام البيضاء أطلقت خمس وعشرين كلة من المراكب الإنجليزية كما قيل منكم؟.

أحمد عرابي : نعم.. إنما لم يكن إطلاق هذه "الكلل" من مركب واحد بالتوالي. بل من مراكب متعددة في آن واحد.

جمعت العساكر المشتتة

ويستمر الزعيم أحمد عرابي في رواية تفاصيل ما حدث في ذلك اليوم التاريخي من خلال إجاباته على أسئلة المحقق.

يسأله رئيس القومسيون: ما هو الزمن الذي مكثتموه في الرمل؟.

يرد أحمد عرابي : بقينا بالرمل إلى الساعة عشرة تقريبا، حيث كان قد عقد مجلس تحت رئاسة الحضرة الخديوية عن طلبات جناب الأميرال سيمور بخصوص تسليم ثلاث قلاع إلى العساكر الإنجليزية لاتخاذها معسكرًا للجيش الإنجليزي. وتلك القلاع هي طابية العجمي وطابية المكس وطابية باب العرب. وكان أرسل لجنابه حسبما تقرر من لزم صحبة طلبة باشا لإبلاغ جنابه أن الفرمان الهمايوني لا يرخص للحضرة الخديوية بذلك. وأنه سيعرض للحضرة السلطانية عن تلك المقترحات.

رئيس القومسيون: قيل في أجوبتكم المتقدمة إنكم توجهتم للرمل الساعة 2 صباحا وبقيتم بها لغاية الساعة 10، أفلم تحضر من هناك في أثناء هذه المسافة لباب شرقي أو لجهة أخرى؟.

أحمد عرابي : نعم.. في منتصف تلك المسافة قبل انعقاد المجلس، كنت توجهت صحبة سعادة راغب باشا رئيس النظار بعربته إلى منزله وبعد مضي نحو ساعة أو ساعة ونصف عدنا ثانية للرمل معا.

رئيس القومسيون : القصد الإفادة عما إذا كان حضرتم لباب شرقي قبل الساعة عشرة أم لا؟.

أحمد عرابي: لم نحضر.

رئيس القومسيون : علم من التحقيق أنه في يوم الأربعاء حضر لطرفكم بباب شرقي سلطان باشا وسليمان باشا أباظة وشريعي باشا وياور دولتلو درويش باشا وحسين حسني بك ياور من طرف الحضرة الخديوية، وهؤلاء الذوات حضروا لكم معا بالباب المذكور، ليطلبوا منكم رفع كوردون العساكر الذي أحطتم به سراي الرمل. فحضورهم لكم في باب شرقي كان في أي ساعة؟ وما هي أسباب وضعكم الكوردون حول سراي الرمل ما دام الخفر المرتب للحضرة الخديوية كان موجودا هناك؟.

أحمد عرابي: أظن أن حضور حضرات الذوات المذكورين كان الساعة 11 حالة كوني مستقلا بنفسي في جمع العساكر المتشتتة بوقت خروجهم من إسكندرية، وفي الوقت المذكور الذي كنت به في الرمل كان الجناب الخديوي سألني عن عدم لزوم الأربع بلوكات البيادة الذين حضروا في ذلك اليوم لوجود الخفر الكفاية هناك. وقال إن توجههم لتأدية خدمات لازمة أولى. وحيث إنني كنت لا أعلم حقيقة الأمر. ولا ما هي الأربع بلوكات المذكورة، فعند خروجي من المعية توجهت لجهة القشلاق المجاور لسراي الرمل. وطلبت الضابط الموجود مع الأربع بلوكات التي حضرت إلى هناك. فأحضروا لي ضابطا أظن أن اسمه علي هشيمة من 6 جي ألاي.

فقلت له: ما سبب حضور العساكر الذين حضرت بهم ما دام موجودا الخفر كفاية؟

قال: حضرنا بأمر حكمدار الآلاي سليمان سامي.

سألته: لأي سبب؟

قال : لا أعلم.. جئت لتقوية الخفر.

فقلت له : الخفر كفاية.. خذ العساكر وتوجه إلى الآلاي.

"وكنت راكبًا عربة سعادة راغب باشا.. فلما قربت من الجبانة القريبة من باب شرقي وجدت العساكر والأهالي مختلفا بعضهم ببعض في ازدحام شديد خارجين جهة وابور المياه. فنزلت من العربة وصرت أتخلل الناس حتى وصلت باب شرقي. وصرت أوقف العساكر بنفسي وأمنعهم عن الخروج من الباب وأنهاهم عن ذلك، وما زلت كذلك حتى حضر إلي حضرات الذوات المذكورين وأخبروني أن العساكر منتشرة في هيئة كوردون حول السراي. ومن المقتضى رفع الكوردون فدهشت حين سمعت بهذه العبارة.. ووقتها كان حضر حضرة طلبة باشا الذي هو قومندان العساكر فنبهت عليه بسرعة التوجه لرفع ذلك والوقوف على أسبابه وقد توجه مع من ذكروا.

المحقق: يفهم من جوابك.. أولا أن الضابط لم يصغ لأوامرك حيث إنك قلت له خذ العساكر وتوجه إلى ألايك. وبعد ذلك عمل الكوردون حول السراي.. ثانيًا أن جناب الخديوي نفسه أمركم بإعادة الأربع بلوكات المذكورة وأنت بالرمل.. ومن جوابكم علم أنكم حضرتم من الرمل إلى قشلاق باب شرقي ولم تصرفهم.. ثالثًا اتضح من التحقيقات ومن أجوبة بعض من حضروا لك من الذوات لباب شرقي.. أنك لم ترض برفع الكوردون إلا بعد تكرار الرجاء وإلحاح ياور دولتلو درويش باشا، فمن هنا يعلم أن أصل وضع الكوردون كان بأمركم. إذ إنه مع وجودكم بصفة ناظر الجهادية ومع أن العساكر في جهة واحدة، لا يتصور أن ميرالايات الآلايات أو ضباطهم يتجاسرون على فعل أمر مهم مماثل لذلك بدون أمرك؟.

وحان وقت الظهر

يرد أحمد عرابي قائلاً: الأمر المهم المماثل لذلك كنت أتولاه بنفسي ولا أرتكن فيه علي غيري.. والإنسان مهما كانت قوته لا يمكنه حصر وضبط أفكار جميع الناس الذين معه. خصوصًا في هذا الوقت الصعب الذي كثيرًا ما تذهل فيه العقول. فكيف يقال إنه لا يتصور وقوع أمر من أحد حكمدارية الآلايات بدون أمر مني. مع أني لست بضابط لأفكاره وإني كما أوضحت لا أعلم أصل إرسال البلوكات ولا الغرض منه. وإنه تنبه مني على الصاغقول أغاسي كما ذكر بإعادة البلوكات على محلاتها. وتركت وتوجهت لرؤية الأشغال الضرورية. وأما القول بأن المخبرين لي برفع الكوردون كان مع الترجي والإلحاح فهذا لا حقيقة له. بل بمجرد أن أخبرت وتمالكت نفسي من الدهشة، حالا أرسلت معهم قومندان العساكر طلبة باشا وحتى بعد عودته وسؤاله عن الكيفية أخبرني أنه لم يجد هناك كوردون أصلا. وقيل له إنهم تفرقوا قبل وصوله.

كان الاستجواب قد استمر من الصباح حتى الظهر.. فقرر رئيس القومسيون تأجيله إلى ما بعد الظهر..

وسجل في نهاية التحقيق عبارة :"أعيد إلى السجن بما أنه حان وقت الظهر"!

اقرأ ايضا
**********

الفصل الاول : 12 شاهد إثبات يحاولون إحكام التهمة علي عرابي

الفصل الثانى : الجيش يحضر إلي السجن ويطلق سراح زعيمه!!

الفصل الثالث : قصة حب أنقذت عرابي ورفاقه من السجن


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.