التضامن الاجتماعي: نستهدف حوكمة إجراءات الأسر البديلة الكافلة بالتنسيق مع الجهات المعنية    قوات الدفاع الشعبى والعسكرى تواصل تنفيذ الأنشطة والفعاليات لدعم المجتمع المدنى    التعليم العالي: مكتب التنسيق الإلكتروني للقبول بالجامعات والمعاهد لجميع الشهادات يباشر أعماله هذا العام من جامعة القاهرة    سعر الدولار السبت 10-5-2025 أمام الجنيه المصرى يستقر عند 50.67 جنيه للبيع    المركزي للتعبئة العامة والإحصاء: ارتفاع معدل التضخم السنوي إلى 13.5% خلال ابريل    شعبة مستأجري عقارات الإيجار القديم: نرفض بند الإخلاء بعد 5 سنوات    بعد عملية عسكرية على الهند.. باكستان تنفي تحديد موعد لاجتماع هيئة نووية عليا    باكستان: واشنطن الوحيدة القادرة على تهدئة التصعيد مع الهند    إعلام عبري: إسرائيل تعتزم توسيع هجماتها باليمن وضرب أهداف بإيران    7 شهداء بينهم عائلة كاملة بقصف إسرائيلي على مدينة غزة الفلسطينية    باكستان: واشنطن الوحيدة القادرة على تهدئة التصعيد مع الهند    وزير الخارجية السعودي يبحث مع نظيريه الهندي والباكستاني جهود إنهاء المواجهات العسكرية    الرمادي يعقد جلسة مع لاعبي الزمالك قبل مواجهة بيراميدز    مواعيد مباريات اليوم السبت 10 مايو والقنوات الناقلة    هل أصدرت الرابطة قرارا بتأجيل مباراة القمة 48 ساعة؟.. ناقد رياضي يكشف مفاجأة (فيديو)    جوارديولا يعترف: هذا أصعب موسم في مسيرتي    تفاصيل مفاوضات الأهلي مع جارسيا بيمنتا    درجات الحرارة تتخطى ال40.. استمرار الموجة الحارة في البلاد والأرصاد تعلن موعد انكسارها    دعوة لتأهيل الشركات المصرية والعالمية لمشروع إدارة وتشغيل وصيانة حدائق "تلال الفسطاط"    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 10-5-2025 في محافظة قنا    حاجة الأمة إلى رجل الدولة    كيف تؤثر موجة الحر على صحة العين؟.. نصائح للوقاية    لأصحاب الخمسينات.. 3 طرق للتخلص من المشاكل المعوية    منة وهنا وأسماء وتارا.. نجمات يسيطرن على شاشة السينما المصرية    ثنائيات سينمائية تشعل شباك التذاكر في 2025    ريشة «الفلافلي» حائرة بين الراهب وآدم وحواء    الرئيس السيسي: أشكر بوتين على كرم الضيافة وأهنئ الشعب الروسي بعيد النصر    اليوم.. محاكمة 9 متهمين بخلية "ولاية داعش الدلتا"    أسعار الخضروات والأسماك اليوم السبت 10 مايو بسوق العبور للجملة    اليوم.. بدء الموجة ال 26 لإزالة التعديات على أراضي الدولة    روبيو يحث قائد الجيش الباكستاني على وقف التصعيد مع الهند    مشجع أهلاوي يمنح ثنائي البنك مكافأة خاصة بعد الفوز على بيراميدز    45 دقيقة تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. السبت 10 مايو 2025    جداول امتحانات الترم الثاني 2025 في محافظة سوهاج لجميع المراحل الدراسية    "جميعها حالات اختناق".. إصابة 11 جراء حريق قويسنا بالمنوفية (صور)    حبس لص المساكن بالخليفة    الصحة تكشف 7 فوائد للاهتمام بالحالة النفسية للأطفال    نشرة التوك شو| البترول تعلق على أزمة البنزين المغشوش.. وتفاصيل جديدة في أزمة بوسي شلبي    بعد 8 ساعات.. السيطرة على حريق شونة الكتان بشبرا ملس    شعبة الأجهزة الكهربائية: المعلومات أحد التحديات التي تواجه صغار المصنعين    مدير مدرسة السلام في واقعة الاعتداء: «الخناقة حصلت بين الناس اللي شغالين عندي وأولياء الأمور»    فاليكانو يضع بالماس على حافة الهبوط    الشعب الجمهوري بالمنيا ينظم احتفالية كبرى لتكريم الأمهات المثاليات.. صور    هل تجوز صلاة الرجل ب"الفانلة" بسبب ارتفاع الحرارة؟.. الإفتاء توضح    «زي النهارده».. وفاة الفنانة هالة فؤاد 10 مايو 1993    ملك أحمد زاهر تشارك الجمهور صورًا مع عائلتها.. وتوجه رسالة لشقيقتها ليلى    «صحة القاهرة» تكثف الاستعدادات لاعتماد وحداتها الطبية من «GAHAR»    عباسى يقود "فتاة الآرل" على أنغام السيمفونى بالأوبرا    تعرف على منافس منتخب مصر في ربع نهائي كأس أمم أفريقيا للشباب    متابعة للأداء وتوجيهات تطويرية جديدة.. النائب العام يلتقي أعضاء وموظفي نيابة استئناف المنصورة    بسبب عقب سيجارة.. نفوق 110 رأس أغنام في حريق حظيرة ومزرعة بالمنيا    أمين الفتوى: طواف الوداع سنة.. والحج صحيح دون فدية لمن تركه لعذر (فيديو)    النائب العام يلتقي أعضاء النيابة العامة وموظفيها بدائرة نيابة استئناف المنصورة    البترول: تلقينا 681 شكوى ليست جميعها مرتبطة بالبنزين.. وسنعلن النتائج بشفافية    فخري الفقي: تسهيلات ضريبية تخلق نظامًا متكاملًا يدعم الاقتصاد الرسمي ويحفز الاستثمار    جامعة القاهرة تكرّم رئيس المحكمة الدستورية العليا تقديرًا لمسيرته القضائية    «لماذا الجبن مع البطيخ؟».. «العلم» يكشف سر هذا الثنائي المدهش لعشاقه    هل يجوز الحج عن الوالدين؟ الإفتاء تُجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"محاكمة زعيم" .. أوراق القضية الأصلية لمحاكمة أحمد عرابي (2-9)
نشر في محيط يوم 26 - 02 - 2013


الجيش يحضر إلي السجن ويطلق سراح زعيمه!!

تأليف محمود صلاح

ربما لم يشهد تاريخ القضاء المصري مثل قضية محاكمة أحمد عرابي زعيم الثورة العرابية، هذا الضابط الفلاح الذي جاء من أعماق الريف المصري ورغم أنه تبوأ أكبر المناصب العسكرية حتى أصبح ناظرًا للجهادية إلا أن المنصب الكبير والرتب والنياشين لم تمنعه من أن يعلن الثورة على الخديوي من أجل كل المصريين. وأن يتصدى بكل جسارة وشجاعة لأساطيل وجيوش المحتل البريطاني.

إن وقائع محاكمة عرابي وأسرار القضية التي لم تذع من قبل. هي أشرف وسام للمواطن المصري.

ومن ناحية أخرى فإن تفاصيل القضية ومحضر استجواب أحمد عرابي، وحكم إعدامه الذي استبدل به النفي إلى الأبد من الأقطار المصرية، ستظل بكل ما فيها من أسرار وتناقضات شاهدًا على تاريخ مصر العظيمة وشجاعة رجالاتها الأوفياء، وكيف حاول – ويحاول – اللصوص والمنافقون تزييف هذا التاريخ برذاذ أسود وزبد الفقاعات الهشة. لكن الثوب يبقى ناصعًا رغم الرذاذ، والزبد دائمًا يذهب هباء.

ويكفي أن تهمة أحمد عرابي كانت الخيانة العظمى لأنه أبى الاستسلام وأصر على الدفاع عن مصر ضد الإنجليز.

هذه حقيقة ما حدث في بيت سلطان باشا رئيس مجلس النواب يوم الأربعاء 27 ذي القعدة من عام 1299 هجرية. تم استدعاء الزعيم أحمد عرابي من سجنه لإجراء التحقيق معه.. ويكشف محضر الاستجواب التاريخي بكل وضوح وعلى لسان أحمد عرابي الكثير من أسرار الثورة العرابية.. كانت هيئة القومسيون تتكون من إسماعيل أيوب ومحمد مختار ومصطفي خلوصي وآخرين. ودار الاستجواب على طريقة السؤال والجواب. وكانت إجابات أحمد عرابي قاطعة حازمة صريحة.

في بداية الاستجواب

سأله رئيس القومسيون: لما تولى خديونا الأعظم مسند الحكومة المصرية.. أين كنت مستخدمًا؟.

رد أحمد عرابي: كنت معينًا في تسليم 700 ألف أردب غلال.

رئيس القومسيون : لمن؟.

أحمد عرابي : من مديريات وجه قبلي لبعض التجار.

رئيس القومسيون: كنت تبع أي مصلحة؟.

أحمد عرابي : تبع نظارة الجهادية.

رئيس القومسيون: هل كنت من المستودعين؟.

أحمد عرابي: لم أكن من المستودعين بل كنت في ألاي وتعينت لمأمورية.

رئيس القومسيون : ما كانت رتبتك؟.

أحمد عرابي: قائمقام.

رئيس القومسيون : متى ترقيت لرتبة الميرالاي؟.

أحمد عرابي : في ابتداء تولية الجناب الخديوي العالي.

رئيس القومسيون : وفي أي ألاي تعينت؟.

أحمد عرابي : تعينت في ألاي بيادة.

هذا ليس ذنبا

ويواصل رئيس القومسيون استجواب أحمد عرابي. ويتطرق إلى واقعة ذهاب أحمد عرابي وبعض قوات الجيش إلى سراي الخديوي في عابدين.

فيسأله: في 15 صفر عام 1298ه تقدم منكم عرضحال لدولتلو رياض باشا رئيس مجلس النظار في ذلك الوقت فهل تتذكره؟

أحمد عرابي: نعم.

رئيس القومسيون: هذا العرضحال لم يكن عليه أختام بل مقال فقط من ضبطان (ضباط) الجهادية وقدمته أنت وعلي فهمي وعبد العال.. فهل عندك توكيل من ضباط الجهادية بتقديمه؟.

أحمد عرابي: هذه مسألة صدر عنها عفو من الحضرة الخديوية.

رئيس القومسيون : هل تعترف أن هذا ذنب حتى أن الحضرة الخديوية عفت عنه؟.

أحمد عرابي : لم يكن هذا ذنبًا.

رئيس القومسيون : نحن نسألك.. هل عندك توكيل أم لا؟

أحمد عرابي: توكيلهم لي ولعبد العال باشا وعلي باشا فهمي معلوم بداهة. ولم نأخذ منهم سندات.

رئيس القومسيون : قل أسماء بعض الضباط الذين وكلوكم لكي نسألهم؟.

أحمد عرابي : لا لزوم للسؤال منهم.. فإني لما كنت ميرالايًا كانت لي كلمة نافذة على ضباط سائر الميرالايات. وهذا دليل على أنهم وكلوني ومؤتمنون طرفي.

رئيس القومسيون: في ذلك الوقت صدر أمر من الجناب الخديوي بتوقيفكم. وتلي عليكم الأمر المذكور وامتثلتم وعلمتم منه بتشكيل مجلس عسكري مركب من الجنرال إستون وإبراهيم باشا فريق السواري وغيرهما للحكم فيما يختص بكم على حسب القانون.. فهل حصل ذلك أم لا؟.

أحمد عرابي : تلي علينا ذلك الأمر.. ولكن يؤخذ منه أنه ليس المفروض الحكم علينا بمقتضى القانون فقط. بل يستدل منه على موتنا أيضًا.

رئيس القومسيون: الأمر الذي صدر بشأن تشكيل المجلس المذكور موجود هنا. فسنتلوه عليك وقل لنا من أين يؤخذ أن الغرض موتكم.

كان المطلوب إعدامنا

وبدأ رئيس القومسيون يتلو على عرابي صورة الأمر العالي الصادر لنظارة الجهادية بتاريخ 29 صفر 1298 هجرية في حق كل من أحمد عرابي وعلي فهمي وعبد العال حشيش.

فقال : "بناء على الأفكار الفاسدة والحركات المتوقعة من كل من أحمد بك عرابي ميرالاي 4 بيادة، وعبد العال بك حشيش ميرالاي 6 بيادة، وعلي بك فهمي ميرالاي بيادة، خلافًا للقانون والنظام العسكري فقد تقرر بمجلس النظار المنعقد يوم تاريخه بسراي عابدين تحت رياستنا. توقيف الثلاثة ضباط المذكورين. وإحالتهم للمحاكمة على مجلس عسكري تحت رياسة الجنرال إستون، وأعضاؤه إبراهيم باشا فريق السواري ولاري باشا وبلوتز باشا ولواء خورشيد عاكف باشا ورضا باشا. ومن الضباط المتقاعدين لواء نجم الدين باشا. ولهذا أصدرنا أمرنا هذا لكم لكي تجرون حالاً توقيف الضباط الثلاثة المذكورين. مع أخذ الاحتياطات الكافية لعدم وقوع أدنى ما يخل بالنظام العمومي. وتحت كفالتكم وبمعرفتكم يصير انتخاب وتعيين بدل الضباط الثلاثة المذكورين. وتشكيل المجلس العسكري فوق العادة ومحاكمة الضباط الثلاثة. وقد تحرر في تاريخه لجناب الجنرال إستون بما لزم في ذلك يكون معلوما.

وعندما انتهى رئيس القومسيون من تلاوة أمر الخديوي. بادر أحمد عرابي بالرد عليه.

فقال لرئيس القومسيون: حيث إن الخديوي قال في ذلك الأمر إنه بناء على الأفكار الفاسدة إقالة أحمد عرابي وعبد العال. فلابد أن كل مجلس مصري يحكم علينا بالموت. ومقال به أيضًا مع أخذ الاحتياطيات الكافية لعدم وقوع ما يخل بالنظام العمومي تحت كفالتكم. فهذا لم يسبق له مثيل. ويستدل منه على أن الغرض إعدامنا. هذا فضلاً عما شاهدناه فإن الأمر قاصر على التوقيف ولم يذكر به السجن والذي حصل خلاف ذلك. فإنه أخذت منا السيوف. ووضعنا بالسجن ووقف علينا ناس بالطبنجات في أيديهم. فرؤي لنا من جميع ما ذكر أن هذه الحالة الغرض منها إعدامنا.

لم تحفظ النعمة!

ويواصل رئيس القومسيون استجواب أحمد عرابي..

فيسأله: مذ كنتم في السجن حضر 1 جي ألاي وأخرجكم من الحبس، وفي الغروب حضر 6 جي ألاي حكمدارية عبد العال والآلاي حكمداريتكم كان عازمًا على الحضور أيضًا.. فهل حضورهم كان بناء على أوامر منكم وباتفاق قبل حصول الحبس أم حضروا من تلقاء أنفسهم؟.

يرد أحمد عرابي قائلاً: الآلاي حكمداريتي لم يقم من محله ولم يكن عنده تنبيه بالحضور. أما الآلايان الآخران فلم أعلم بناء على أي شيء حضرا. ولكني حيث إن الضبطان (الضباط) وكلونا بطلب العرض للمساواة والإنصاف بين أصناف العسكرية. فهم طبعًا ملاحظون أحوالنا أولاً فأول. فلما رأوا هيئة ما حصل لنا من السجن أخبروا بعضهم بعضًا وحضروا لخلوصنا.

رئيس القومسيون: لكن علم من التحقيق أن ألاي علي فهمي لم يحضر إلا بناء على تنبيه من قبل الواقعة بيوم. وألاي عبد العال حضر في يومها بناء على أمره بواسطة إرسال واحد إلى طرة. وأن عدم حضور ألايكم هو بالنظر لعدم امتثال ألفي يوسف. وخلاف ذلك لم تتحرك باقي الآلايات.. فماذا تقول؟.

أحمد عرابي: هذه المسألة عرضت على قناصل الدول في ذلك اليوم وصدر عنها عفو عمومي.

رئيس القومسيون : بعد إخراجكم من السجن بقصر النيل بواسطة العساكر وحضوركم لعابدين. كنتم تعلمون جيدًا أنكم معزولون في ألاياتكم. فلماذا بقيتم هناك مع العساكر. وأصررتم على طلب عزل عثمان باشا رفقي في نظارة الجهادية مع أنه مرارًا يوعدكم جناب الخديوي بالإجابة. وينبه عليكم بالانصراف ولم تنصرفوا حتى تحصلتم على مرغوبكم؟.

أحمد عرابي : هذه مسألة صدر عنها عفو من الحضرة الخديوية.

يرد عليه رئيس القومسيون قائلاً: حيث إنه قيل منكم إنه صدر عن ذلك عفو من الحضرة الخديوية. وتحصلتم على رفع ناظر الجهادية الذي كنتم متشككين منه. فكان المأمول إذن مقابلة هذه النعمة بالطاعة والانقياد التام لأوامر الحضرة الخديوية والسلوك الحسن. لكن وقع منكم ضد المأمول وقبل انقضاء سبعة أشهر على هذا العفو. أحضرتم ألايكم وألايات الاثنين ميرالايات الذين اشتركوا معكم في واقعة 4 فبراير 1881 وبعض الآلايات التي أمكنكم إغراءها على ذلك وبطاريات الطوبجية، وأحطتم بهؤلاء العساكر سراي الجناب الخديوي بعابدين في يوم الجمعة 9 سبتمبر 1881. وقبل حضوركم لتلك الجهة ببضع ساعات. حررتم للقناصل ولناظر الجهادية كل هذا التصميم الذي تجاسرتم على إجرائه بالفعل. فما أسباب ذلك ولماذا تجاسرتم على هذا الفعل المضاد للنظام العسكري. وبدلاً من قيامكم بأداء وظيفتكم التي هي حفظ الذات العليا. هددتموها بالأسلحة التي أعطيت لكم لأجل حفظ تلك الذات السنية. وحفظ الحكومة المصرية. وفيما بعد طلبتم من الحضرة الخديوية طلبات لم تكن من وظائفكم. وأصررتم على عدم إعادة العساكر لمحلاتهم حتى تحصلتم على مطلوبكم بهذه الكيفية.

لأرفع الظلم عن الأمة

وهنا يرد أحمد عرابي على رئيس القومسيون ردًا تاريخيًا. لا يدافع فيه عن نفسه بقدر ما يدافع عن مصر والشعب المصري.

يقول عرابي: إن الأسباب التي دعت لذلك هي عدم الأخذ بالعدل والمساواة في المعاملات شأن البلاد التي لا تحكمها قوانين ولا يراعى فيها الإجراء على مقتضاها. فلذلك اعتمد أعيان البلاد على أبنائهم رؤساء العسكرية. وتاقت أنفسهم لتشكيل مجلس نواب بالبلاد. يحفظ لها حقوقها ويدفع عنها ما ألم بها من المظالم. حيث إنه من كان له مظلمة منهم وتلقى في مجلس من المجالس الأهلية فلا تنتهي ولا ينظر لها بعين الاعتبار. وربما تترك بالمجلس فوق العشرين سنة حتى يموت صاحب الدعوى كمدًا بظلمه. وكضياع حقوقهم المدفوعة في المقابلة التي هي عبارة عن 17 مليون جنيه. ولم يصر معاملتهم فيها أسوة الديّانة الذين لهم حقوق على الحكومة المصرية. وغير ذلك مما لا يمكن شرحه في هذا الجواب.

وأضاف عرابي قائلاً: واجتمعت إذن أفكار الناس على أنه لا مخلص في تلك المظالم إلا بوجود مجلس نيابي يكون من شأنه حفظ الأرواح والحقوق والأموال. فأجمعوا أمرهم على ذلك. مع سن قوانين عادلة تكفل لهم حقوقهم. وتحرر بها إعراضات، وختم عليها نحو الألفي نفس من عمد وأعيان وتجار البلاد. ولخوفهم من البطش أنابوني مع إخواني الضبطان (الضباط). لكوننا أبناءهم وهم أهلونا. يضرنا ما يضرهم وينفعنا ما ينفعهم. فقام العساكر البيادة والطوبجية والسواري الموجودون بمصر. بدون أن يتخلف منهم أحد. وتوجهوا إلى عابدين بعد إعلام قناصل الدول بتلك الطلبات الشرعية الحقة. التي لا ينكرها منصف أبدًا. وكان توجههم بغاية الأدب والسكون بصفة عرض الجيش على الحضرة الخديوية. نلتمس من حضرته العلية منح الأمة المصرية التي نحن أبناؤها ووكلاؤها في طلب تلك الطلبات الحقة. فمنحها ذلك وانصرف الكل شاكرًا لجنابه العالي على ما ذكر.. والإعراضات المقدمة من أعيان الأمة المصرية تقدمت جميعها لدولتلو شريف أيضًا عما حصل من القصور في هذه المادة. علمًا بأن تلك الطلبات جميعها هي من أقصى آمال الحضرة الخديوية وسبق التصريح بها في الدكريتو الصادر من جنابه الرفيع في أول ولايته".

وهنا يسأل رئيس القومسيون سؤالاً غريبًا.

فيقول له : لو فرض أن الحضرة الخديوية لم تسلم في هذه الطلبات.. فماذا كان يحصل؟.

فيرد عليه أحمد عرابي: نحن واثقون بكرم الخديوي ووفائه بوعده السابق في أول دكريتو صدر من جنابه الكريم. كما ذكرنا في جوابنا المتقدم حيث إن ذلك كان من أقصى آماله.

يقول له رئيس القومسيون: لم يوجد إذن وجه لتوجهكم بالعساكر والجبخانة معهم والإحاطة بالسراي بهذه الكيفية؟.

يرد عرابي قائلاً : البلاد التي لا يكون بها مجلس نيابي يحفظ للأمة حقوقها في كافة أقطار الأرض يحصل فيها أكبر من ذلك. وتراق فيها كثير من الدماء، وهذا لا يخفي على كل متذكر. ونحن بحمد الله لم يحصل أدنى شيء يخل بالراحة بخصوص هذا الطلب. وقد قلت إن حضور العساكر ما كان، إلا بالنسبة في هيئة عرض أنفسهم. ومع ذلك فقد صدر عفو الخديوي الذي شمل ما حصل في تلك المادة من القصور.

وأنا من أبناء مصر

وهنا يحاول رئيس القومسيون أن يؤكد في استجوابه أن أحمد عرابي لم يكن نائبًا عن الشعب المصري كله.

فيقول له : تدعي أن الأمة أنابتك أنت والضبطان في طلب تلك الطلبات التي ذكرتها. لكن الأمة المصرية عبارة عن خمسة ملايين ولا يتصور أنه صار توكيلكم أنت والضبطان من هذا القدر.. وحيث إنك تدعي أيضًا أنه تقدم إعراضات من نحو الألفي شخص من أهالي البلاد إلي دولتلو شريف باشا مباشرة. فيعلم عدم توكيلكم من طرف أحد من الأمة المصرية كما تدعون. فإن كان بيدكم والحالة هذه توكيل أبرزوه. وخصوصًا أن الأمة المصرية وأعيانها جميعًا موجودون. فبين ولو نحو عشرين من الأعيان الذين نوبوكم حتى باستجوابهم تتضح الحقيقة؟.

لكن عرابي يفحم رئيس القومسيون قائلاً: مهما كان تعداد أي أمة من الأمم فإنها تكون مرءوسة برؤساء يسمونهم المشايخ والعمد. ويطلق على هؤلاء الرؤساء لفظ الكل أعني الأمة. وعلى ذلك فرؤساء البلاد النائبون عن الأهالي هم الطالبون لتلك الطلبات. وهم الذين قدموا إعراضاتهم والتي كان أغلبها بطرفي في ذلك اليوم. ومن هؤلاء العمد والأعيان تركب مجلس النواب. والدليل علي أنهم أنابوني في طلب طلباتهم وجود نحو الألفي عمدة في ذاك اليوم. وإلحاحهم على دولتلو شريف باشا بقبول الرياسة عند حضوره من الإسكندرية إلى مصر. ولوثوقهم بي تراموا بأجمعهم على أعتاب الحضرة الخديوية لبقائي في نظارة الجهادية. حين انحلت نظارة محمود باشا سامي.. أفكل هذا لا يكون دليلاً على توكيلهم إياي ووثوقهم بي، على أني ومن معي من الضبطان والعساكر جميعنا من أبناء البلاد الذين تشملهم تلك الحقوق الوطنية.

وعندما يسقط في يد رئيس القومسيون يلجأ لنفس النظرية القائلة بعدم وجوب تدخل العسكريين في السياسة.

فيقول لعرابي : وظيفتك كانت ميرالاي جهادي وقوانين العسكرية لا تسمح لك بالتداخل في الأمور الإدارية فكيف تداخلت في ذلك وأغريت باقي الضباط الذين اتبعوك. هل الخديوي ونظاره وباقي حكامه كانوا محجوبين عن الأهالي وما كان أحد يمكنه الوصول إليهم حتى تداخلتم في أمورهم بهذه الكيفية؟.

يرد الزعيم أحمد عرابي قائلاً: قدمنا بأجوبتنا المتقدمة أن من كان له حق أو حاجة وتحال إلى أي مجلس أو أي ديوان، يموت بغصته دون أن يتحصل على شيء منها. فمن أجل ذلك ولشمولنا مع أهلينا بحقوق واحدة حصل ما تقدم. بدون أن تسقط رأس إنسان واحد. وما كانت لأغوي الناس بل كنت حافظًا نظامهم وموقفًا لحركات أفكارهم الشديدة والمتضارب بعضها لبعض. فهم الذين أناطوني لأسير بهم في منهج الاستقامة حفاظًا للنظام العام. ولولا ذلك بل لولا وجودي لما أمكن توقيف ذلك التيار المنبعث من قلوب مختلفة وأفكار متضاربة. وهذا شيء لا يخفى على كل ذي بصيرة.

ليلة أبي سلطان

ويبدو أن رئيس القومسيون لا يعرف اليأس. ولا يريد للاستجواب نهاية. سوى نهاية واحدة هي إدانة أحمد عرابي.

فيقول له : في أول دفعة في واقعة يوم 4 فبراير سنة 1881 طلبتم عزل ناظر الجهادية وأصررتم على ذلك بطريقة خارجة عن القانون وتحصلتم على مقصودكم وعفا عنكم جناب الخديوي كما قيل منكم.. وفي واقعة يوم 9 سبتمبر 1881 أشهرتم السلاح وأحطتم بسراي الحضرة الخديوية بالمدافع وهددتموها. وتحصلتم على طلبات خارجة عن وظائفكم وهي إحداث مجلس النواب وسقوط وزارة دولتلو رياض باشا وما أشبه. وقلتم إن الحضرة الخديوية عفت عنكم أيضًا. فبدلاً من مقابلة هذه النعمة التي تحصلتم عليها بالشكر لم يمض نحو شهر حتى توجهتم ذات ليلة لمنزل سلطان باشا رئيس مجلس النواب في ذلك الوقت وأحضرتم ضبطان العسكرية المتعصبين معكم، وهناك أمام من وجد من النواب والعلماء تلوتم خطبة بالقدح في الحضرة الخديوية وعائلته الشريفة. وختمتم خطبتكم بإعلان خلع جنابه العالي. وقلتم إن من يكون معكم في هذا الرأي يقوم واقفًا. ولما لم يرد أحد من الحاضرين القيام خلاف الضباط هددتم أنت ومحمد عبيد حال كونه شاهرًا سيفه. حتى حصل من ذلك اضطراب وغاغة بمنزل سلطان باشا. واندهش أهل البلد خصوصًا وأنك أمرت وقتها أحد الضبطان الحاضرين وهو خليل كامل الميرالاي باستعداد الآلاي للهجوم على سراي الإسماعيلية محل إقامة الحضرة الخديوية.. فهل يجوز وقوع ذلك منكم بعد توصلكم لكافة طلباتكم من الحضرة الخديوية وانغماركم بإحساناتها؟.

يسأله أحمد عرابي: أي ليلة هذه.. وفي أي تاريخ حصول ذلك.. أرجو تذكيري.

رئيس القومسيون : في ثاني ليلة سقوط وزارة محمود سامي التي كنتم فيها بصفة ناظر الجهادية.

يرد عرابي قائلاً : إني لم أطلب لنفسي شيئًا قط.. بل تلك الطلبات كانت على حساب ما سبق إيضاحه. وإني دائمًا محترم وحافظ للحضرة الخديوية ولم يقع مني أدنى تهديد أصلاً. بل كنت كسور عظيم البنيان مانع لتلك الأفكار السريعة. وكنت أظن أن تلك خدمة لا تغيب أهميتها عن أفكار أولي العدل والإنصاف.. أما تلك الليلة المعروفة بليلة أبي سلطان فللحق أقول إنه لما تحقق للحضرة الخديوية استقامتي وحسن خدماتي منحتني رتبة اللواء ووجهت إلى عهدتي مسند نظارة الجهادية. كل ذلك دليل على حسن رضائه عني. إلى أن انحلت نظارة محمود سامي باشا التي كنت ضمنها. لأسباب معلومة كانت نتيجتها من المحاربة الشنعاء. وهي الاختلاف الذي وقع بين النظارية المذكورة وبين الحضرة الخديوية في قبول اللائحة المتقدمة من قنصلي إنجلترا وفرنسا وعدم قبولها بطرفنا. وكان صار طلب مجلس النواب للنظر في هذه الاختلافات وإناطته بتسويتها. ولما لم يجد ذلك نفعًا حصل الاستعفاء وكنت بمنزلي فصار طلبي بتلك الليلة إلى بيت رئيس مجلس النواب. حيث كان جميع أعضاء المجلس موجودين فيه ومنتظرين حضوري. فلم أر بدًا من التوجه إليهم.

ويروي عرابي ما حدث في بيت سلطان باشا قائلا: توجهت إلى هناك بمفردي ولم يكن معي أحد. وبحضوري كلفوني بأن أداوم علي ملاحظة العسكرية وحفظ الراحة العمومية داخل البلد. فأجبتهم بأني استعفيت من مسند نظارة الجهادية مع إخواني وقبل ذلك لدى الحضرة الخديوية فلا يمكنني أن ألزم نفسي بما لا يمكنني إجراؤه.

فأجابني رئيس النواب ومن معه: إننا نحن نواب الأمة وقد كلفناك بهذه الخدمة. وإننا متوجهون إلى الحضرة الخديوية لنلتمس منها بقاءكم في نظارة الجهادية.

"ثم دار الكلام في الأسباب التي أوجبت الاستعفاء. وما كان من أمر اللائحة المتقدمة من قنصلي إنجلترا وفرنسا. وما يئول إليه أمر البلاد إذا حصل قبولها، وما كانت عليه البلاد قبل ذلك. وكان جميع أعضاء مجلس النواب كارهين لأمر هذه اللائحة وكارهين للأسباب التي انبنى عليها تقديمها. وأجمع أمرهم على عدم قبول هذه اللائحة وجميعهم أعطي قوله على ذلك. وكان من رأيهم عمومًا التسليم في عزل الخديوي ولا يسلمون في قبول اللائحة أبدًا. واشتدت حركة الأفكار ومكث هذا التضارب الناشئ من تلك الحركة مدة تزيد عن أسبوعين إلى أن قبل سعادة راغب باشا رياسة مجلس النظار. وصدر من الحضرة الخديوية عفو عام عن جميع ما يتعلق بهذه المسألة وما قبلها. لكثرة تشعب الأفكار والأفعال بجميع مديريات البلاد. وبناء على هذا العفو تشكلت النظارة المذكورة. وصدر أمره الكريم بتعييني ضمنها. ثم لما كنت بدون نيشان من نياشين الافتخار أحسن عليّ بطلبه النيشان المجيدي من الدرجة الأولي من الحضرة السلطانية خصوص. وما ذلك إلا إعلان رضاء عني.. هذا هو الحق الذي حصل ولم يسبق صدور أمر لخليل كامل ولا لغيره كما ذكر وما قيل غير ذلك لا أصل له البتة.

وحان وقت الغروب

كان استجواب أحمد عرابي قد استغرق يومًا بطوله. فقرر رئيس القومسيون تأجيل استمرار التحقيق إلى اليوم التالي.

وكتب في نهاية محضر الاستجواب: ".. ثم استصوب إعادة أحمد عرابي إلى السجن. حيث إنه قد حان وقت الغروب"!

اقرا ايضا
الفصل الاول : 12 شاهد إثبات يحاولون إحكام التهمة علي عرابي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.