تعرف على أسعار الذهب اليوم السبت 10 مايو 2025    آخر تطورات الحرب بين الهند وباكستان| بدء مواجهات عسكرية جديدة    الرئيس السيسي: أشكر بوتين على كرم الضيافة وأهنئ الشعب الروسي بعيد النصر    اليوم.. محاكمة 9 متهمين بخلية "ولاية داعش الدلتا"    اليوم.. بدء الموجة ال 26 لإزالة التعديات على أراضي الدولة    «المضارين من قانون الإيجار القديم» توضح مطالبها من القانون الجديد (تفاصيل)    أسعار الخضروات والأسماك اليوم السبت 10 مايو بسوق العبور للجملة    تكريم مجدي يعقوب ورواد الطب بنقابة الأطباء اليوم    جداول امتحانات الترم الثاني 2025 في محافظة سوهاج لجميع المراحل الدراسية    مسيرات باكستانية تحلق في سماء نيودلهي وسط تصاعد التوترات    مواعيد مباريات اليوم والقنوات الناقلة.. ظهور مرموش ومدرب الأهلي المحتمل    45 دقيقة تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. السبت 10 مايو 2025    «احذر الخروج في هذه الأوقات».. الأرصاد تُصدر نشرة طقس عاجلة اليوم السبت 10 مايو 2025    "جميعها حالات اختناق".. إصابة 11 جراء حريق قويسنا بالمنوفية (صور)    حبس لص المساكن بالخليفة    الصحة تكشف 7 فوائد للاهتمام بالحالة النفسية للأطفال    بعد 8 ساعات.. السيطرة على حريق شونة الكتان بشبرا ملس    نشرة التوك شو| البترول تعلق على أزمة البنزين المغشوش.. وتفاصيل جديدة في أزمة بوسي شلبي    الرئيس السيسي يعود إلى مصر بعد حضوره احتفالات عيد النصر بموسكو    طحالب خضراء تسد الفجوة بنسبة 15%| «الكلوريلا».. مستقبل إنتاج الأعلاف    كلبشت في إيده وعايزة تحضنه، مقطع الفيديو الذي تسبب في طلاق أردنية بسبب راغب علامة    مدير مدرسة السلام في واقعة الاعتداء: «الخناقة حصلت بين الناس اللي شغالين عندي وأولياء الأمور»    الشعب الجمهوري بالمنيا ينظم احتفالية كبرى لتكريم الأمهات المثاليات.. صور    برلمانية: 100 ألف ريال غرامة الذهاب للحج بدون تأشيرة    شعبة الأجهزة الكهربائية: المعلومات أحد التحديات التي تواجه صغار المصنعين    طريقة عمل الخبيزة، أكلة شعبية لذيذة وسهلة التحضير    الهند تستهدف 3 قواعد جوية باكستانية بصواريخ دقيقة    استشهاد قائد كتيبة جنين في نابلس واقتحامات تطال رام الله    هل تجوز صلاة الرجل ب"الفانلة" بسبب ارتفاع الحرارة؟.. الإفتاء توضح    الترسانة يواجه «وي» في افتتاح مباريات الجولة ال 35 بدوري المحترفين    عقب الفوز على بيراميدز.. رئيس البنك الأهلي: نريد تأمين المركز الرابع    زعيم كوريا الشمالية: مشاركتنا في الحرب الروسية الأوكرانية مبررة    «زي النهارده».. وفاة الفنانة هالة فؤاد 10 مايو 1993    ملك أحمد زاهر تشارك الجمهور صورًا مع عائلتها.. وتوجه رسالة لشقيقتها ليلى    «زي النهارده».. وفاة الأديب والمفكر مصطفى صادق الرافعي 10 مايو 1937    تكريم منى زكي كأفضل ممثلة بمهرجان المركز الكاثوليكي للسينما    «صحة القاهرة» تكثف الاستعدادات لاعتماد وحداتها الطبية من «GAHAR»    عباسى يقود "فتاة الآرل" على أنغام السيمفونى بالأوبرا    تعرف على منافس منتخب مصر في ربع نهائي كأس أمم أفريقيا للشباب    «بنسبة 90%».. إبراهيم فايق يكشف مدرب الأهلي الجديد    رايو فاليكانو يحقق فوزا ثمينا أمام لاس بالماس بالدوري الإسباني    ستاندرد آند بورز تُبقي على التصنيف الائتماني لإسرائيل مع نظرة مستقبلية سلبية    حدث في منتصف الليل| ننشر تفاصيل لقاء الرئيس السيسي ونظيره الروسي.. والعمل تعلن عن وظائف جديدة    بسبب عقب سيجارة.. نفوق 110 رأس أغنام في حريق حظيرة ومزرعة بالمنيا    يسرا عن أزمة بوسي شلبي: «لحد آخر يوم في عمره كانت زوجته على سُنة الله ورسوله»    انطلاق مهرجان المسرح العالمي «دورة الأساتذة» بمعهد الفنون المسرحية| فيديو    جامعة القاهرة تكرّم رئيس المحكمة الدستورية العليا تقديرًا لمسيرته القضائية    أمين الفتوى: طواف الوداع سنة.. والحج صحيح دون فدية لمن تركه لعذر (فيديو)    عمرو أديب بعد هزيمة بيراميدز: البنك الأهلي أحسن بنك في مصر.. والزمالك ظالم وليس مظلومًا    هيثم فاروق يكشف عيب خطير في نجم الزمالك.. ويؤكد: «الأهداف الأخيرة بسببه»    البترول: تلقينا 681 شكوى ليست جميعها مرتبطة بالبنزين.. وسنعلن النتائج بشفافية    متابعة للأداء وتوجيهات تطويرية جديدة.. النائب العام يلتقي أعضاء وموظفي نيابة استئناف المنصورة    «لماذا الجبن مع البطيخ؟».. «العلم» يكشف سر هذا الثنائي المدهش لعشاقه    ما حكم من ترك طواف الوداع في الحج؟.. أمين الفتوى يوضح (فيديو)    خطيب الجامع الأزهر: الحديث بغير علم في أمور الدين تجرُؤ واستخفاف يقود للفتنة    هل يجوز الحج عن الوالدين؟ الإفتاء تُجيب    ضبط تشكيل عصابي انتحلوا صفة لسرقة المواطنين بعين شمس    البابا لاون الرابع عشر في قداس احتفالي: "رنموا للرب ترنيمة جديدة لأنه صنع العجائب"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"محاكمة زعيم" .. تلغرافات من أحمد عرابي للأستانة: خديوي مصر اجاز إلي عدو البلاد (5-9)
نشر في محيط يوم 02 - 03 - 2013

ربما لم يشهد تاريخ القضاء المصري مثل قضية محاكمة أحمد عرابي زعيم الثورة العرابية، هذا الضابط الفلاح الذي جاء من أعماق الريف المصري ورغم أنه تبوأ أكبر المناصب العسكرية حتى أصبح ناظرًا للجهادية إلا أن المنصب الكبير والرتب والنياشين لم تمنعه من أن يعلن الثورة على الخديوي من أجل كل المصريين. وأن يتصدى بكل جسارة وشجاعة لأساطيل وجيوش المحتل البريطاني.

إن وقائع محاكمة عرابي وأسرار القضية التي لم تذع من قبل. هي أشرف وسام للمواطن المصري.

ومن ناحية أخرى فإن تفاصيل القضية ومحضر استجواب أحمد عرابي، وحكم إعدامه الذي استبدل به النفي إلى الأبد من الأقطار المصرية، ستظل بكل ما فيها من أسرار وتناقضات شاهدًا على تاريخ مصر العظيمة وشجاعة رجالاتها الأوفياء، وكيف حاول – ويحاول – اللصوص والمنافقون تزييف هذا التاريخ برذاذ أسود وزبد الفقاعات الهشة. لكن الثوب يبقى ناصعًا رغم الرذاذ، والزبد دائمًا يذهب هباء.

ويكفي أن تهمة أحمد عرابي كانت الخيانة العظمى لأنه أبى الاستسلام وأصر على الدفاع عن مصر ضد الإنجليز.

ونواصل فى افصل الخامس من الكتاب اظهار المزيد من التفاصيل


عاد أحمد عرابي إلى سجنه عند الظهر في انتظار استدعاء القومسيون له ليستكمل التحقيق معه.

وفي زنزانته جلس الزعيم الكبير يسترد أنفاسه.. وتتوارد في خياله الأحداث الجسام التي عاشها سراعًا.

لم يكن أحمد عرابي في هذا الموقف يأسى على نفسه، بقدر ما كان يأسف لما أصاب وطنه، أما عن نفسه فلم يشعر بالخوف أو التخاذل لحظة واحدة، رغم كل ما أحاط به من مؤامرات دنيئة.

واسترجع في مخيلته مؤامرة الحكومة العثمانية لإبعاده عن مصر. وخديعة دولتلو درويش باشا لتنفيذها والتي لم تنطل عليه.

مع الخديوي.. وعرابي

كان الخديوي توفيق قد حاول في بداية الأزمة أن يستعين بالدولة العثمانية لضرب الثورة العرابية وهناك مراسلات تثبت ذلك دارت بين الخديوي توفيق و "الباب العالي" بالآستانة مثل "رسالة الخديوي إلى ثابت باشا قبوكتخدا الحضرة الخديوية بالآستانة" التي طالب فيها بإرسال "قوة عسكرية" يبلغ مقدارها عشرين طابورا على جناح السرعة على أن تكون قيادتها العامة منوطة به.

لكن السلطان العثماني تردد في تنفيذ طلب الخديوي خوفًا من الصدام مع الدول الأوروبية. كما أن مشايخ الآستانة أقنعوه بأن "إرسال عساكر مسلمين لقتال إخوانهم المسلمين يضر بالخلافة".

وقرر السلطان أن يرسل بدلا من الجيوش وفدا يرأسه مصطفى درويش باشا أحد رجال الحاشية السلطانية ويتكون من ثلاثين شخصًا.

ووصل درويش باشا إلى مصر على ظهر اليخت السلطاني "عز الدين" وأرسل له أحمد عرابي يعقوب سامي باشا وكيل نظارة الجهادية لاستقباله.. ومن ناحية أرسل له الخديوي توفيق وفدا لاستقباله.

وكانت تعليمات السلطات لدولتلو درويش باشا أن يتظاهر لكل من الخديوي وعرابي بأن السلطان معه. لكن الخديوي توفيق منح درويش باشا رشوة قيمتها خمسون ألف جنيه – وهدايا قيمتها خمسة وعشرون ألف جنيه.. فأعلن انضمامه لجانب الخديوي.

وفكر درويش باشا في خدعة للتخلص من الزعيم أحمد عرابي. وبعد أن منحه النيشان المجيدي من الطبقة الأولى طلب منه أن يسافر إلى الآستانة ليشكر السلطان على الوسام وأن يترك له ديوان الجهادية!

لكن أحمد عرابي فطن إلى الخدعة ورفض. ولم ييأس درويش باشا فأعطى أوامره السرية لقبطان اليخت التركي "عز الدين" بالاستعداد للرحيل على إستانبول ثم ذهب إلى عرابي وأظهر له وده وطلب منه زيارة السفن المصرية الراسية في الميناء وكذلك اليخت التركي!.

وللمرة الثانية يفطن أحمد عرابي إلى خدعة درويش باشا فيرفض.

ويقول له: أنا ضابط مشاة.. ولا شأن لي بالبحر!

كوردون حول السراي

دارت هذه الأفكار وغيرها في مخيلة زعيم الثورة العرابية وهو جالس في محبسه.. فمضى الوقت حتى فتح الحراس باب الزنزانة ليعيدوه إلى المجلس العسكري ليواصل القومسيون التحقيق معه.

وتكشف إجابات أحمد عرابي عن حقيقة ما حدث يوم هجوم الأسطول البريطاني على الإسكندرية.

يسأله رئيس القومسيون: أنت تدعي أن وضع الكوردون العسكري حول سراي الخديوي كان بغير أمرك. بل بأمر سليمان سامي. أفلم تبحث أسباب وضعه، وماذا أجريت مع سليمان سامي بالنظر لوضعه الكوردون المذكور من تلقاء نفسه.

يرد أحمد عرابي: قلت فيما تقدم إن الصاغقول أجاب بأنه محضر لتقوية الخفر. وبحضور سليمان سامي من تجمع العساكر في كفر الدوار أفاد بأن إرسال العساكر كان لتقوية الخفر ولأن كثرة أشغال المدافعة شغلنا جدًا فلم يحصل تحقيق في كيفية إرسال العساكر بغير إذن، وبالضرورة عند انتهاء المحاربات تجري المحاكمات مع من تقتضي محاكمته.

رئيس القومسيون: من أجوبتك السابقة علم أنك حضرت من الرمل في الساعة عشرة لباب شرقي وذكرت أن العساكر وقتها كانوا مزدحمين وخارجين من باب شرقي.. فهل ترك العساكر محلاتهم.. وهل كان خروجهم من البلد بأمرك أو بأمر من؟.

أحمد عرابي: من أجوبتي المتقدمة يعلم أنه بحضوري من الرمل، وجدت العساكر خارجين من إسكندرية إلى جهة وابور المياه. وعندما حضرت إلى باب شرقي كنت أمنع العساكر بنفسي من الخروج. ومن ذلك يعلم أن العساكر تركوا إسكندرية بصورة هزيمة. وفي الحقيقة أن قشلاق رأس التين هدمت محال كثيرة منه. التي يمكنها من هذا المكان الضرب على قشلاق باب شرقي بأكمله ويمكنها قطع خط الرجعة أيضًا. ولم يمكنني توقيف حركة العساكر فتوجهت خلف العساكر المنهزمين. كي أصل إلى مقدمتهم وأتخذ لهم موقعًا مناسبًا لتجميعهم. وأسرعت في السير حتى وصلت إلى كوبري حجر النواتية الكائن علي المحمودية.

وكان وصولي هناك الساعة ثلاثة ليلاً تقريبًا.

من حرق الإسكندرية؟

يسأله رئيس القومسيون: هل بقي معك سليمان سامي مع عساكره. بعد حصول المكالمة بينك وبينه في شأن حرق البلد في الساعة 11 ولازمك لحد حجر النواتية أم رجع للبلد؟.

أحمد عرابي : بعد أن علم عدم إمكان توقيف حركة العساكر. وكان من الضروري جمع العساكر في محل يأمنون فيه. خرجت بمفردي مسرعًا لأتخذ لهم محلاً مناسبًا كما ذكرت قبلا. والعساكر الذين أمكنني تجميعهم خرجوا من ضباطهم وسليمان بك سامي حضر إلى حجر النواتية بمن معه من العساكر في الساعة سبعة ليلاً تقريبًا.

رئيس القومسيون : هل سليمان سامي هو الذي تأخر بألايه فقط ولم يحضر إلا متأخرًا.. أو كافة عساكر الآلايات أيضًا؟.

أحمد عرابي : العساكر الذين أمكن تجمعهم في باب شرقي حضروا مع ضباطهم في الوقت الذي حضر فيه سليمان بك سامي. وما ذلك إلا لكثرة ازدحام الطريق بالأهالي والعساكر والعربات وصعوبة المرور.

رئيس القومسيون : ألم يبلغك أن سليمان سعى بعساكره وحرقوا إسكندرية؟.

أحمد عرابي : سبقت الإجابة عن ذلك.

رئيس القومسيون: إجابتكم السابقة كانت عن بلاغكم عن سليمان سامي على حرق البلد.. والآن هذا السؤال هو لمعرفة ما إذا كان قد بلغك أن سليمان سامي وعساكره حرقوا البلد بالفعل أم لا؟.

أحمد عرابي : لم يبلغني أن سليمان سامي هو الحارق للإسكندرية حقيقة.

رئيس القومسيون : حرق الإسكندرية لا ينكر..فمن حرقها؟

أحمد عرابي : محافظ البلد وضبطيتها يعلمون حقيقة الحرق.. وإن كنت أظن أن حرقها ناشئ عن مقذوفات المراكب كما حصل بسراي رأس التين.. وغير ذلك لم يبلغني شيء.

رئيس القومسيون: قيل في جوابك إنك كنت تظن.. والآن من هو الذي حرق البلد علي حسب ظنك؟

أحمد عرابي : كنت أظن ولا أزال أظن ذلك، حيث إني لا أعلم حقيقة.. لأني ما كنت بداخل البلد.

رئيس القومسيون: لما كنت في باب شرقي.. هل كان محمود سامي هناك أم لا؟ وإن كان هناك فهل حضوره كان بناء على طلبكم أم من تلقاء نفسه وماذا فعل؟ وألم يخبركم بشيء من جهة الحريق؟.

أحمد عرابي: وقت حضوري من الرمل وجدت محمود باشا سامي.. وسألته عن أسباب حضوره فقال: "حضرت حين بلغني مسألة الضرب على إسكندرية لأنظر الحالة" فتركته واشتغلت بجمع العساكر. ولم أكن متذكرا أنه قال لي شيئًا عن الحريق.

الخديو انحاز للإنكليز

يقول له رئيس القومسيون: بعد انسحابكم من إسكندرية وتوجهكم لجهة كنج عثمان في أواخر شعبان. صدرت لكم إرادة سنية ها هي صورتها منسوخة.

وأخذ رئيس القومسيون يتلو على مسامع أحمد عرابي الأمر الذي أصدره إليه الخديوي توفيق ويقول فيه: اعلموا أن ما حصل من ضرب المدافع من الدونتمة الإنكليزية على طوابي إسكندرية وتخريبها. إنما كان السبب فيه استمرار الأعمال التي كانت جارية بالطوابي وتركيب المدافع التي كلما يصير الاستفهام عنها كان يصير إخفاؤها وإنكارها. والآن قد حصلت المكالمة مع الأميرال فأفاد بأنه ليس للدولة الإنكليزية مع الحكومة الخديوية أدنى خصومة ولا عداوة. وأن ما حصل إنما هو في مقابل ما كان من التهديد والتحقير للدونتمة. وأنه إذا كان بيد الحكومة الخديوية جيش منتظم وممتثل ومؤتمن. فهو مستعد لتسليم مدينة الإسكندرية إليه. ولذلك إذا حضرت عساكر شاهانية فالحكومة الإنكليزية تحترمهم وتسلم لهم المدينة. فقد تحقق من هذا أن الدولة الإنكليزية ليست محاربة مع الحكومة الخديوية. وأنه تقرر من كافة الدول المعظمة بالقونقراتنس بأنه لا يصير مس امتيازات الحكومة ولا حريتها. ولا مس حقوق الدولة العلية. بل هي تبقى ثابتة لها كما كانت. وأن يصير إرسال عساكر شاهانية لأجل استتباب الراحة بمصر. فلذلك يلزم أن تصرفوا النظر عن جمع العساكر وعن كافة التجهيزات الحربية التي تجرونها بوصول أمرنا هذا. وتحضروا حالا إلى سراي رأس التين لأجل إعطاء التنبيهات المقتضية الشفاهية على حسب أمرنا هذا وما استقر عليه رأي مجلس النظار. فاطلعوا عليها وأفيدوا عن وصولها إليكم أو عدمه وعن تاريخ وصولها لكم"

يرد أحمد عرابي قائلا: نعم.. وصل إلينا هذا الأمر.. أما تاريخ الوصول فلم أكن متذكرًا.

يرد عليه رئيس القومسيون: لماذا لم تنقَد لأمر الحضرة الخديوية. وتتوجه للأعتاب السنية كباقي النظار؟

يقول أحمد عرابي: إن الحرب التي حصلت لم يسبق لها مثيل. إذ هي خارجة عن حد القياس؛ حيث أن الحرب وما صار إجراؤها إلا بمقتضى قرار من مجلس مؤلف من النظار والذوات الاختيارية. تحت رئاسة الحضرة الخديوية بحضور أعضاء الوفد العثماني، فكان إجراؤها على مقتضى الحق والقانون.. ثم بعد خروج العساكر من إسكندرية توجه الجناب الخديوي من سراي الرمل إلى داخل إسكندرية التي تركها أهلها والعساكر، فلما بلغنا ذلك الأمر تحقق أن انتقال جنابه العالي إلى إسكندرية مع حصول المناوشات الحربية بين مقدمات العساكر المصرية والعساكر الإنكليزية، إما أن يكون لأخذه أسيرًا أو لانحيازه إلى الطرف المحارب، فمن أجل ذلك كتب لوكيل الجهادية بما حصل للمشاورة مع رجال الحكومة. فهذا الأمر الذي لم يسبق له مثيل. وبناء على ذلك صار اجتماع عام من وكلاء الدواوين والمديرين والبرنسات والعلماء وشيخ الإسلام والقاضي والشيخ السادات والشيخ البكري وأعيان التجار والعمد وغير ذلك. وتشاوروا فيما بينهم عن هذا الأمر الذي دهم البلاد واستقر رأيهم جميعًا على إعطاء قرار بعدم سماع أوامر الحضرة الخديوية وتوقيفها عن الإعمال. حيث إنه توجه للطرف المحارب. وعرضوا ذلك تلغرافيا للحضرة السلطانية ببيان أسماء المشاهير من أعضاء ذلك المجمع. ومع ذلك ولأجل الاحتياط والوقوف على الحقيقة عرضت للحضرة الخديوية تلغرافيا عن طلب صورة المصلحة التي سيعقد عليها الصلح.. حتى نتمكن من الحضور فلم يرد لي جواب بعدها.

مكانه في العاصمة

يقول له رئيس القومسيون: بعد صدور الإرادة السنية حررتم تلغرافات من طرفكم للمديريات رأسا بالاستمرار على التجهيزات وجمع العساكر والمداومة على المحاربة. وعدم سماع أوامر تصدر من خلافكم. وحررتم أيضًا لوكيل الجهادية بهذا المضمون. ولم يذكر شيء فيما كتبتموه عن جمع من أوضحتم عنهم. لأخذ قرار منهم كما تدعون. فيعلم من ذلك عدم التقائكم لأوامر الخديوي والإصرار على جمع العساكر والمحاربة. قبل صدور قرار من ذكرتم عنهم.

يرد عليه أحمد عرابي قائلاً: قد قلت أولا إن هذه الحرب جرت على غير مثال. وإنه بعد خروج العساكر من إسكندرية وخروج أهلها منها توجه الجناب الخديوي إلى إسكندرية التي تبوأها الجيش المحارب للبلاد خلافا للقاعدة القانونية والشريعة الإسلامية. إذ إنه كان الذي يلزم حضور جنابه العالي إلى مصر عاصمة البلاد.. وهناك يصير تجييش الجيوش للحرب أو المخابرة في الصلح. ومع صدور الأمر في هذه الحالة لا يمكن لأي رئيس جيش العمل به إلا بعد تحقيقه. ربما أن يكون مدسوسًا من الطرف المحارب على لسانه. أو يكون مقهورًا عليه. إذ الحرب خدعة كما هو معلوم. من أجل ذلك عرضت لجنابه الرفيع بإرساله صورة المصالحة. حتى يمكنني التوجه إلى إسكندرية، وقد كتب للمديريات المذكورة بسرعة إرسال أنفار العملية لعمل الاستحكام واستمرار التجهيزات الحربية. وفي يوم ورود الأمر كانت المناوشة حاصلة بين مقدمات الجيشين إلى الغروب. فلو كان هناك صلح حقيقة، لما كان يحصل مناوشة بين مقدمات الجيشين. وأي رئيس من أي ديانة كانت وفي أي بلد كانت مترائسا على جيش مدافعا عن بلاده لا يمكنه أن يجري خلافا ما أجريته في حالة وجود حاكم البلاد بطرف الجيش المحارب لها.

عند "حجر النواتية"

لا يشير رئيس القومسيون من قريب أو بعيد بعد هذا الرد المفحم، إلى السبب الحقيقي في لجوء الخديوي توفيق إلى أحضان قوات الاحتلال الإنكليزية بمجرد دخولها الإسكندرية.

ولكنه يعود ليسأل عرابي: ما هي المناوشة.. أوضح لنا معناها.. هل كان حصل ضرب نار في مقدمات الجيشين وكيف؟.

يرد أحمد عرابي: نعم.. كان حصل مناوشة بضرب النار جهة كوبري حجر النواتية الكائن على المحمودية.
رئيس القومسيون: هل كان ضرب النار من طرفكم أو من طرف الإنكليز؟.

أحمد عرابي : من الطرفين.

رئيس القومسيون: لماذا لم تنقادوا إلى الإرادة السنية وداومتم على المحاربة.. ولماذا منعتم أهالي إسكندرية الذين كانوا قد حضروا منها إلى جملة جهات من العودة إلى وطنهم؟.

أحمد عرابي : تقدم كما قلت في جوابي أني عرضت للحضرة الخديوية بطلب صورة من المصالحة للوقوف على الحقيقة.. وما كنت أجاب.. وهذا لا يعد عدم امتثال بل هو بحث عن الحقيقة، ولما ورد أمر العزل تذكرت أنه من قبيل ذاك الأمر الأول حيث إن الخديوي موجود بطرف الجيش المحارب. ولم أقف على حقيقته كما ذكرت فأرسلته إلى وكيل الجهادية للنظر فيه بالمجلس وإفادتنا بما يستقر عليه الرأي ولم يحصل ورود أحد من أهل إسكندرية عائدًا إليها حتى يصير منعه. بل الكل كان مهاجرًا إلى بلاد الأرياف مع غاية الازدحام.

رئيس القومسيون : بعد صدور أمر الحضرة الخديوية وأمر سعادة رئيس مجلس النظار بإرجاع أهالي إسكندرية الذين هاجروا قد صار نزولهم بعربيات السكة الحديد، وقامت بهم قطارات متعددة لكن أرجعتم بعضهم من كفر الدوار والبعض من دمنهور والبعض من طنطا وتوقف قيام وابورات بهم بعد ذلك من محطة مصر.. ومن التلغرافات التي ستتلى عليكم الآن يتضح أنكم أنتم الآمرون بمنع عودة المهاجرين لأوطانهم.. فأفدنا عن سبب ذلك؟.

ثم تلا رئيس القومسيون على أحمد عرابي صورة تلغراف من يعقوب سامي إلى أحمد عرابي يخبره فيه أنه صدرت إرادة سنية تلغرافية لتحسين الحالة بالإسكندرية، وإرسال المهاجرين منها إليها مرة ثانية، لكن مأمور إدارة السكة الحديد تلقى تلغرافا من مأمور إدارة الجيش بكفر الدوار بأن عرابي لم يأمر بذلك، ويتساءل يعقوب سامي أي الأمرين ينفذ؟

تلغرافات عرابي للآستانة

ثم يعود رئيس القومسيون ليثير موضوعًا آخر.. وهو الاتصالات التي تمت بين أحمد عرابي والدولة العثمانية في الآستانة خلال الأزمة.

فيقول له : لدينا ثلاثة تلغرافات محررة منكم إلى نسيم بك طرف الحضرة السلطانية تتضمن القدح والذم في حق الحضرة الخديوية وتتهمه في أمور غير حقيقية وتتهم أيضًا عساكر دولة الإنكليز بما لا يقع منهم مثل القتل والفتك بالأهالي وما أشبه.

ويتلو عليه صورة التلغراف الأول الذي حرره عرابي في غرة رمضان إلى الآستانة ويقول فيه: في يوم الثلاثاء 25 شعبان ابتدأت الإنكليز في الضرب بمدافع الدونتمة على إسكندرية واستحكماتها. والضرب تسبب عن طلبات من الأميرال الإنجليزي، وبلغت إلى حضرة الخديوي وهو عرضها على مجلس نظاره الذي عقده تحت رياسته بحضور دولتلو درويش باشا مندوب الحضرة السلطانية وكثير من ذوات البلاد. ولما تحقق عند جميعهم أن الطلبات مضرة بالحكومة الخديوية ومخلة بشأن الدولة العلية، استقر رأيهم على معارضة طلب الأميرال. ولو أدى ذلك إلى الحرب. وبناء عليه قرر المجلس المذكور بلزوم المدافعة وأن لا تطلق المدافع من جهتنا إلا بعد إطلاق خمسة مدافع من السفن الإنكليزية.

"وحين ابتدأت السفن بالضرب على مدينة إسكندرية لم تقابلها الطوابي إلا بعد عشرين طلقة. حال كونها على غير استعداد ولا استمرار الأوامر بعدم الاستعداد ولهذه الأسباب تعتبر المحاربة واجبة بوجه الحق والشرع حيث إنها صادرة من الإنكليز ظلما وعدوانا. وإن العساكر المصرية الشاهانية تثبت غاية الثبات في مراكزها وبذلت غاية جهدها مدة الضرب التي استمرت نحو عشر ساعات ونصف الساعة. إلى أن تخربت الاستحكامات ومدينة الإسكندرية هدمًا وحرقًا من مقذوفات السفن ذات المواد الالتهابية.

"ثم تأخر الجيش خارج المدينة في موقع يصلح للقتال برا. وفي حال القيام بالمدينة دخل إليها الخديو بحرمه وبرفقته دولتلو درويش باشا وأنزل حرمه في البحر وأظهر انحيازه للإنكليز وترتب الحرس عليه من عساكر الإنكليز واتخذ المصريين والجيش الشاهاني عدوا له. وأرسل رسله إلى المهاجرين ينادونهم بالصلح ويحثونهم على العودة إلى المدينة. وبعد أن دخل بعضهم حرض عليهم عساكر الإنكليز يقتلون ويبطشون بهم وبالعساكر المصرية الشاهانية الذين كانوا خفرا عليه ثم صدرت الأوامر للمديريات بحصول الصلح وترك جميع العساكر والتجهيزات. فكان أمره كأمر باي تونس. وقد تحقق ما كنا عرضنا على الحضرة السلطانية فنرجو عرض ذلك على أعتاب حضرة أمير المؤمنين نصره الله.

عندنا جيش عظيم

أما التلغراف فيقول فيه عرابي: "أرفع لسدة أمير المؤمنين ما حل ببلادنا من تواطؤ الخديوي مع الإنكليز وميل دولتلو درويش باشا كل الميل لتعضيد الخديو. حتى بعد أن تحقق انحيازه إلى الإنكليز ومرافقته له حين توجهه إليهم بعد خلو مدينة إسكندرية من العساكر، مع أنه كان الواجب على دولته ذمة وربانة أن ينصح الخديوي بأن يتوجها معا إلى العاصمة مقر الحكومة ليكونا خلف الجيش، لا أن يتركا جيش الإسلام الشاهاني. وينحازا إلى جيش العدو المحارب فمما ذكر يتضح جليا أن العدوان الحاصل من الإنكليز ما كان إلا باتحادهما معا. ولذلك صدر إعلان من الأميرال الإنكليزي مقتضاه أن الخديوي فوض له إدارة إسكندرية مؤقتا.. ونأمل عرض ذلك على أعتاب الحضرة الملوكانية أيدها الله".

وفي التلغراف الثالث كتب عرابي يقول: "أعرض للسدة العلية السلطانية أن الشعب المصري الشاهاني لما رأى اتحاد توفيق باشا مع دولة الإنكليز.. على وقوع الفرقة بيننا وبين متبوعنا مولانا أمير المؤمنين لشق عصا الإسلام معاذ الله. وتحقق له ذلك من الحرب التي أثارتها علينا الإنكليز بغتة. اجتمعت كلمة أهل البلد على حفظها والدفاع عنها، وتسابقوا للانتظام في سلك الجهادية تطوعا حتى انتظم عندنا جيش عظيم جرار، وكذلك تجمع من قبائل العربان كل شاكي السلاح. وقد رتبنا العساكر والعربان في النقط المهمة. وأصبحت قوتنا البرية عظيمة. مع إعداد الذخيرة والمئونة الكافية لهذا الجيش الشاهاني.. وفي كل وقت تنطلق الألسنة المصرية بالدعاء لأمير المؤمنين وتأييد شوكته والشعب بأجمعه واثق بأن العظمة الشاهانية تحل مشاكله التي جلبها عليه توفيق باشا، أما المدافعة عن البلاد وأهلها والحقوق السلطانية فهي من الواجب علينا. وفي كل حال الأمر لمن له الأمر".

لهذا اتصلت بالآستانة

بعد ذلك.. يسأل رئيس القومسيون أحمد عرابي: فهل يجوز لك الدخول في الأمور السياسية والعرض للحضرة السلطانية بأشياء مماثلة لذلك؟

يرد أحمد عرابي قائلاً: من المعلوم أن الإنسان لا يمكن أن يحصي جميع أعماله. ولذلك قلت إنني لست متذكرًا إرسال تلغرافات غير تلغراف واحد إلى المابين الهمايوني.

والتلغرافان الآخران مرسلان من طرفي بواقعة الحال أحدهما بوقت حضور العساكر إلى كفر الدوار.. والآخر بعد تقرير المجلس العام بمصر عن لزوم توقيف الخديوي وعدم سماع ما يصدر من جنابه الرفيع من الأوامر. لمناسبة بقائه بطرف الجيش المحارب. وما عرض ذلك للمابين الهمايوني إلا لكون البلاد تابعة للسلطنة العثمانية. وأصبح حاكمها مع الجيش المحارب لها.

وهنا يقرر رئيس القومسيون تأجيل التحقيق ويأمر بإعادة الزعيم أحمد عرابي من جديد إلى محبسه. على أن يواصل التحقيق معه في اليوم التالي.

وكان بطل موضوع استجواب تلك الجلسة.. عبد الله النديم.. القلم الوطني المصري الثائر وصوت الثورة العرابية.

اقرأ أيضا

الفصل الأول : 12 شاهد إثبات يحاولون إحكام التهمة علي عرابي

الفصل الثانى : الجيش يحضر إلي السجن ويطلق سراح زعيمه!!

الفصل الثالث : قصة حب أنقذت عرابي ورفاقه من السجن

الفصل الرابع : عرابي ورجاله يردون علي المصحف قسم الثورة خلف الشيخ محمد عبده


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.