تأتى الانتخابات البرلمانية فى 2013 كآخر لبنة فى محطات استكمال الشكل السياسي للنظام الجديد، اعتمد النظام الحالي على تكتيك القفز للأمام؛ عدم مواجهة المشاكل والأوضاع الداخلية والمستجدات الخارجية، فى مقابل استكمال البنية السياسية التى تمكن له، وخطورة تكتيك: القفز للأمام باستمرار، أنه قد يخلق تكتيكا مضادا ورد فعل له وهو: معركة الخطأ الواحد، والعودة للمربع صفر. ما تزال بنية النظام القديم حاضرة، وكذلك معارضته السياسية (باستثناء انسلاخ الإخوان لتلعب دور الحزب الحاكم)، وما تزال آليات العمل السياسي داخل "نطاق السيطرة" هى السائدة، بمعنى أن كل نظام سياسي أيا كان يهندس ويصمم مساحة له ولمعارضيه، ومن يرضى بالوجود داخل هذه المساحة من المعارضة يعمل داخل "نطاق السيطرة"؛ ترسم الأنظمة الاستبدادية أدوارا بالمقاس، ومن يشغل تلك المقاعد التى تصنعها للمعارضة يتحرك -لا ريب- داخل "نطاق السيطرة".
فاعلية العمل السياسي قائمة على المشاركة الجماعية واستحداث وابتكار آليات لتشجيع الناس على ذلك، ولا يعنى العمل السياسي القبول بأدوار محددة النطاق والغرض سلفا! وليس كل من يفعل ذلك على وعى كاف، ولكن من يفعله بوعي هو الذى يؤكد على استبداد المستبد، من خلال لعب دور المعارضة وقضم قطع الجبن الذى يضعها فى مصيدته وعلى هامشه.
تنقسم النخبة التى يوظفها ويحرقها "النظام القديم" منذ بداية الثورة حتى الآن لنوعين؛ الأول: قسم التوظيف الفردي، ويتسم بعضه بعدم امتلاك الخبرة والممارسة السياسية الطويلة، وفى نفس الوقت قدر لا بأس به من نبل المقاصد والموضوعية ومن المعرفة العلمية والأكاديمية السابقة، وقد يحسب على هؤلاء: أيمن الصياد، سيف عبد الفتاح، المعتز بالله عبد الفتاح، عمرو حمزاوى.. كما تحتوى هذه التشكيلة نوعية أخرى على مستوى أعلى من الوعي والممارسة السياسية، لكنها تمارس الدور الفردي بغرض الاختبار وإقامة الحجة منهم على سبيل المثال: عصمت سيف الدولة.
أما النوع الثاني من النخبة السياسية التى يوظفها "النظام القديم" وورثها منه "النظام الحالي"، هى: نخبة التوظيف الجماعي، التى تسيطر على تجمعات سياسية راسخة فى البنية السياسية للنظام القديم، وهذا النوع ينقسم لنوعين بدوره، الواعي منه و الآخر الذى مازال يكتسب الحجة والممارسة السياسية، على رأس النوع الأول الذى قد يقضم ما يقدمه النظام من جبن: يأتي أيمن نور (بمنطقه عن التواجد والدور السياسي) وربما عمرو موسى (بطبيعته السياسية الإصلاحية)، وغيرهم ممن قد يتحالف مرحليا مع الإخوان إذا قدموا لهم بعض المقاعد أو قطع الجبن، أما النوع الثاني الذى مازال يكتسب الحجة واليقين السياسي فقد يأتي على رأسه عبد المنعم أبو الفتوح وحزبه وعمرو خالد وحزبه، ناهيك عن الرديف وحاشية النظام الحالي من التيار السلفي وباقي فرق الدين السياسي، التى تلعب أدوارا تكتيكية تبادلية على يمين ويسار النظام الحالي للإخوان، وتمارس السياسة من منطلق الوجود، أو إقامة الحجة، واكتساب الخبرة، أو دعم فكرة الدين السياسي إجمالا.
الخلاصة أن منطق القفز للأمام هو ما سيتم تطبيقه فى الانتخابات البرلمانية لمجلس الشعب 2013، كما لن تجد القوى الثورية غير المحزبة أو المسيسة فرصة للتدخل فى المشهد (إن لم يجد جديد)، لأن وجود جبهة المعارضة وتداخلها مع المشهد الثوري وفعالياته –بالطريقة الحالية- لن يعط الثوار المساحة المطلوبة للحركة، سوف يكثر اللغط من دعوة للحوار واستجابة البعض، وشد وجذب، ثم ربما بعض التدخل من المؤسسة العسكرية ببعض المطالب الموضوعية – لتكسب أرضية على المدى البعيد- بدعاوى التقريب بين الفرقاء، وسوف يقضم بعض الفئران قطع الجبن بحثا عن بعض المقاعد، وربما تنجح الجبهة فى تشكيل كتلة معارضة قوية – يدعمها الثوار- استنادا لفكرة العصيان المدني، والبصيرة السياسية للمحنك الصامت محمد البرادعى..
لكن النظام الحالي (للإخوان) سيمرر آخر أهدافه السياسية بدعم النظام القديم (المؤسسة العسكرية)، عبر تلبية بعض المطالب بمنطق إقامة الحجة.. فى استمرار لشراكتهم السياسية، لكن الخطورة فى أن تكتيك القفز للأمام الذى تسير به البلاد، والذى يجعل المشاكل تتراكم قد يؤدى لانفجار كبير عند أقرب خطأ واضح للنظام الجديد/القديم، والأخطر ساعتها هو الفوضى واحتمالات عودة المؤسسة العسكرية للمشهد لنعود للمربع صفر، أو لنعود لآخر لحظة حقيقة فى مسار الثورة المصرية يوم 28 يناير 2011 عندما أسقط الثوار النظام وأعاد إنتاج نفسه من خلال المؤسسة العسكرية..
البديل السياسي للثوار لم يلح فى الأفق بعد، ربما كان الشباب -وما زالوا- يكتسبون الخبرة، وفى تقديري الشخصي كان هناك ثلاثة من "ائتلاف شباب الثورة"، يملكون القدرة –والتقدير عن بعد لأن الظروف لم تجمعني بهم- لتشكيل نواة خطاب ثوري متماسك وجاد –على تنوعهم الفكري الطبيعي-؛ وهم: ناصر عبد الحميد، زياد العليمى، خالد تليمة، وذلك دون التقليل من شأن عشرات وآلاف الشباب الذين حملوا مسئولية الثورة، لكن الثلاثة – على تنوعهم- كانوا يملكون القدرة الشخصية – فى ظنى- للتعبير عن مشهد، وأهداف ثورية تعي ذاتها وتعي مسئوليتها..
برلمانية 2013 سوف تمر، البعض سوف يمتنع، بعض الفئران سوف تقضم الجبن، النظام القديم (المؤسسة العسكرية) مازال للمفارقة هو قلب العملية السياسة، يراهن عليه النظام والمعارضة معا! الثوار لم ينجحوا فى اكتساب الوعي وتشكيل بديل سياسي بعد، الخطورة من تكتيك: القفز للأمام، هى التكتيك المقابل والرد فعل له الذى قد يتمثل فى: معركة الخطأ الواحد، مازال الطريق – الضروري - أمام الثوار شاق وصعب لتشكيل بديل سياسي ثوري، يعبر عن طموح الشعب والأمة.
*باحث في الصراع العربي الإسرائيلي
الآراء المنشورة في الموقع تعبر عن توجهات وآراء أصحابها فقط ، و لا تعبر بالضرورة عن الموقع أو القائمين عليه