هناك من العلماء من لا يرى فرقاً جوهريا بين الخلاف فى الرأي والاختلاف ، بل هما مترادفان، ومن العلماء من يفرق بينهما على قاعدة أن الاختلاف يستند إلى دليل، وأما الخلاف فلا يستند إلى دليل، بمعنى أن الاختلاف ناشئ عن الاجتهاد، وأما الخلاف فناشئ عن الهوى وبالإسقاط على الحالة التي تعيشها مصر حاليا نجد أننا قاطبة نفتقر إلى أدب الاختلاف في الرؤى الذى يستند على دليل واضح وبين دون الخلاف والمشاحنة بل والبغضاء والكراهية والتخوين والاتهام بالعمالة إلى غير هذا من الصفات والنعوت التي لا تضمر إلا المزيد من الانقسام والتفتت .
وربما يجعلنا هذا نتطرق إلى جانب آخر من الخلاف في وجهات النظر داخل إطار العمل والتي تتحول تدريجيا إلى اتهامات تنتج عن هذا الخلاف ، احد الزملاء المعروفين بيننا بحرصه على المصلحة الوطنية وغيرته على عروبته وحرصه على النقل الأمين لما يحدث من حوله للقارئ ، والقارئ هو الذي يحكم فيما يقرأ ، اتهمه زميل آخر لمجرد انه نشر خبرا لا يخالف أي أعراف صحفية أو وطنية وكان مجرد نقل صحفي أمين لوجهة نظر منسوبة إلى صاحبها ، بالعمالة لأطراف لا نعلمها ! .
من هذه الأطراف ؟ ومن أين أتت ؟ ومن أنبأ الزميل الآخر بهذا الأمر والاتهام الخطير الذي ألقاه مثل الحجر على رجل تربي في بيئة وطنية خالصة تعمل بقلمها على لم شمل الوطن من خلال سطور قليلة تسطرها دون تحيز أو تعصب لأي وجهة نظر أو رأى بل أن المصلحة الوطنية لديها فوق أي اعتبار .
وبصرف النظر عن تعامل "المتهم" بالعمالة مع هذا الأمر بابتسامة واسعة تعجبا ، بقدر ما يحزن ويدعو للأسف المغالاة في الاتهامات الباطلة التي لا تصب إلا مزيدا من الزيت على نار الفرقة بين أبناء الوطن الواحد .
واقتبس من هذا قول الدكتور محمد على عبيد " إن كل من يثور لمعارضة الآخرين لرأيه فيجعل من هؤلاء أعداء له , وعقلية فرض الرأي توارثناها جيلاً بعد جيل , فالأب يفرض رأيه من غير نقاش , ومنه يتعلم الأولاد ذات العاهة , المدرس يتعاطي غالباً مع طلابه بذات الطريقة , حتى في العمل يعامل المدير أو المسئول مساعديه بذات المنهجية , فكيف لنا يا سيدي أن لا نتوارث هذه العقلية السقيمة لتصبح عضواً من أعضاء تكون وجودنا .. كل هذا حصل لأننا لا نفكر بتبديل منهجية تفكيرنا إلى ما هو خير منها, ألفنا المرض فرفضنا العلاج ".
وبالعودة إلى المنهج الإسلامي الصحيح في هذا فنجد أن الاختلاف محمود وقد جعله الله في كل شيء في حياتنا ، يقول تعالى" ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين" الروم22 ، وعندما نختلف مع الآخرين فمطلوب منا أن نجادلهم بالتي هي أحسن .
ويقول تعالى" ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو اعلم بمن ضل عن سبيله وهو اعلم بالمهتدين"النحل 25 .
ولا حدود في الجدال بالتي هي أحسن حتى ولو خالفك المجادل في العقيدة ، قال تعالى" ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي انزل إلينا وانزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون" العنكبوت 46 .
وفى زمننا هذا على اختلاف ألواننا وأمصارنا نجد انه فى حالة الخلاف يحاول أحد الطرفين أو كلاهما فرض رأيه على الجميع دون أن ينسى تحقير الطرف الآخر والنيل منه ويصبح النقاش حلبة مصارعة كل واحد يحاول أن ينتصر لنفسه ويعجز صاحبه وينتظر تصفيق المتفرجين وامتنانهم لنصره على خصمه في الرأي .
ومن هنا هل لنا في دعوة إلى التوحد في خندق الوطن ، دون النظر إلى اتهام هذا أو ذاك وتغذية وتنمية تلك الصورة السلبية على الآخرين حتى تكون هي شغلنا الشاغل ونترك هموم الوطن المصيرية ونتفرغ فقط للحساب على أطراف وكيانات وننسي إننا كلنا أمام الله عز وجل نخطئ ونصيب بل وأخطاؤنا أكثر بكثير من صوابنا والله اعلم بالسرائر والنوايا .
الآراء المنشورة في الموقع تعبر عن توجهات وآراء أصحابها فقط ، و لا تعبر بالضرورة عن الموقع أو القائمين عليه