كيف يتخلص المصريون من الإحباط الذى يحاصرهم؟!!.. وكيف نجحوا بالأمل والتفاؤل فى الثورة على الظلم وهى الثورة التى تحدث عنها العالم لعظمتها؟!!.. أسئلة عديدة تطرحها د. جمال حسان تسعى من خلالها إلى الوقوف على الحالة النفسية التي يمر بها المواطن المصري الآن، ومحاولة تفسيرها، وكيف يتغلب على كل ما يثير الإحباط؟. د. جمال حسان استضافها معرض الكتاب أمس لمناقشة كتابها: "التفاؤل والطاقة الخلاقة أيام التحرير" ضمن نشاط "كاتب وكتاب" الندوة شارك فيها الناقد د. مدحت الجيار الذى قال: جرت العادة في كتب علم النفس وعلم الاجتماع أن نجد مصطلحات وتعقيدات، إنما الدكتورة جمال مؤلفة الكتاب قامت بتقسيم الكتاب بشكل غير تقليدي، فالكتاب كله من أجل أن تقول كلمة عن الثورة المصرية، والكتاب قام بتحليل الإنسان في إطار المخلوقات الأخرى.
وأوضح الجيار أن الكتاب يجعلنا نتساءل عن السبب الحقيقي لعدم امتلاك الثورة المناعة، مشيرا إلى أن الكتاب يجمع بين الثورة وعلم النفس والاجتماع، وهو مفتاح لكي يضمن للثوري نفسه السلامة والصحة والاستمرارية. وأكد الجيار أن الكتاب إضافة لكتب علم النفس الاجتماعي والسياسي، ونوع جديد من التأليف فكتب السياسة والثورات عادة ما نصطدم فيها بمصطلحات تعطلنا عن فهم الكتاب.
من جانبها قالت الدكتورة جمال حسان، مؤلفة الكتاب: مشروع الكتابة بالنسبة لي قائم طول الوقت، بمعني أن الكتابة تحدث بالفعل في خاطري قبل أن أضعها علي ورق أو صفحة الكمبيوتر بصورة تلقائية، ولا يمكن التنبؤ حقيقة متى يحدث ذلك.. لكنني ألاحظ مثلا أن ظواهر الطبيعة والكون بكل ما فيه من إعجاز الخالق يحرك في كثير من التأمل، وقد يتكون لدي رد فعل أو انطباع أو تصور أو رؤية كاشفة لسلوك ما أو انفعال بموضوع مباشر يدور في الحياة اليومية، بكل ما فيها من شخوص وانكسارات وتناقضات وتجدد مستمر في أنفسنا والعالم حولنا.
وأضافت: بعد ذلك تأتي مرحلة الكتابة المنظمة لتلك المادة الإبداعية التلقائية فأقرأها أكثر من مرة لأفهم جيدا ما تحتويه وما خفي علي وقت كتابتها وأنسج منها قصصا إما في قصة قصيرة أو عمل روائي طويل، وهذا يحتاج عندئذ إلى بحث مصادر مختلفة سواء عربية أو أجنبية لتدعيم بناء كل شخصية بحيثياتها ومكوناتها والمتوقع منطقيا منها في شكل معالجة الأفكار التي تطرحها وترتبط بالمضمون الداخلي دون إصدار أي حكم مسبق علي الأفكار ذاتها.
قالت جمال أن كتابها يعد احتفاء بحدث عظيم يوصف حالة التفاؤل التي عمت ميدان التحرير واستثمارها في الطاقة الخلاقة، فالتفاؤل نور يضيء العقل والقلب والروح والبدن.. وهو بالضرورة فعل عقلاني وجداني يترجمه العقل إلي سلوك نراه كل ثانية فيما يصدر عنا من قول أو فعل.
وأشارت إلى أن التفاؤل هو الأصل في الأشياء، حيث تفاءل بنا المولي عز وجل من لحظة خلقنا (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم مالا تعلمون).
وفي تصوري أن ما حدث في 25 يناير وما تلاه من أيام يعكس قوة التفاؤل ولغز المصريين البهيج في حالة نادرة من نشوة الذوبان في الكل، وصاغوها في صورة علاقات إنسانية رفيعة المستوي شديدة الجودة تبعد عن الخاص المحدود إلي العام الأرحب.
سلوكيات جديدة من احترام الآخر وروح المشاركة والتعاون وتصاعد ثقة الفرد والجماعة بقدراتهم وهمتهم وإرادتهم في التغيير ومواجهة التحدي بأقصى درجة ممكنة، لأن التفاؤل بكيمائيته أخرج الطاقة الكامنة في كل فرد فجاءت رؤيتهم لنفسهم كوحدة واحدة وانطلقت الطاقة الخلاقة في كل منهم وانسابت في نهر يتدفق من معين نقي علي مستوي الوعي بدرجاته فارتفعت وتيرة التفاؤل ومعها سقف التغييرات المطلوبة.
وتابعت: والطاقة الخلاقة بطبيعتها تطور الشعوب والإنسانية من خلال تجديد الفكر والخطاب وباقي صور الأنشطة المتميزة التي ينفرد بها عقل الإنسان عن باقي المخلوقات.
فبداية الكتاب تضمن التفاؤل والطاقة غير العادية التي صاحبت المصريين طوال فترة ال 18 يوم التي قضوها في الميدان قبل التنحي، كانت طاقة تبشر بشيء جديد في تاريخ العالم وليس بمصر فقط، فما حدث بالتحرير أشبه بالحلم بما سيحدث بالمستقبل.
وأوضحت أن الشباب في الخارج وخاصة في لندن يتظاهرون ويتفاعلون مع المظاهرات التي خرجت في مصر اعتراضا على استفتاء الدستور، وهذه نقطه البداية لجرعة التفاؤل وان هناك مستقبل رائع لنا ولكن لابد أن نغير أنفسنا.
وأشارت جمال إلى أن الجزء الثاني من الكتاب يشير إلى أن الإنسان له دور، وأن الله سبحانه وتعالى حباه بمعجزة العقل الذي يميزه انه مختلف عن باقي الكائنات الأخرى.. كما يتناول مفهوم الطاقة والتي يشعر بها الإنسان عند مقابلة شخص أخر فإما أن تكون طاقة ايجابية تجعله يتقرب منه أو طاقة سلبية تجعله يبتعد عنه.
كما أشارت إلى أن من أكثر الدول التي تهتم بمفهوم الطاقة هي دول شرق أسيا، حيث يهتمون بالحصول على الطاقة الموجودة في الكون، وذلك من خلال ممارسة رياضة "اليوجا"، وهي تعد جزء من حياتهم كالصلاة عندنا، لأنها تجعلهم يشعرون بالتحسن في أجسامهم، مشيره إلى أنهم يمارسون هذه الرياضة لأنها توصلهم مباشرة بالله سبحانه وتعالى، وهذا يتشابه مع التصوف، وبالبحث حول كلمة يوجا في اللغة الهندية نجد أنها تعني واحد.
ولفتت إلى التشابه بين اليوجا والتصوف تعني أن البشر في كل العالم واحد ولكنهم يختلفون من حيث التقاليد والموروثات.
وأكدت جمال أن ما يحدث الآن بعد الثورة أمر طبيعي، مشيرة إلى أن الطب النفسي يوضح أن النشوة الكبيرة لابد أن يعقبها نزول للأسفل، وضربت مثال بما كان يشعر به الناس قبل الثورة حيث كان لديهم إحباط غير عادي، صعد لأعلى وقت الثورة ووصل قمة النشوة، وبالتالي المشاعر التي تلت الثورة منطقيه، لأن الإنسان لا يمكنه العيش بهذه النشوة، بالإضافة إلى أنه إذا لم يحدث ما يحدث الآن فلن نلتفت للواقع، وسنظل نعيش في المثالية المفرطة التي ظهرت في الميدان قبل التنحي.
وأشارت إلى أن المواطن المصري في العامين الماضيين ارتفعت درجة وعيه بشكل كبير، فبعد أن كان لا يهتم سوى بمشاهدة المسلسلات، أصبح يهتم بالأحداث المحيطة به وبكل الأمور السياسية والاقتصادية.
كما أشارت جمال إلى دارسة طبقت على مستوى 800 دولة لقياس مستوى السعادة، حصل الشعب الدنماركي على المركز الأول وذلك لأن الدولة وفرت له ثلاث أمور الصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية، وقدرته على احترام الرأي والرأي الأخر.