جاء الشعار الذي تتخذه القمة الإسلامية ال12 التي ستنطلق من القاهرة يومي 6 و7 فبراير الجاري "العالم الإسلامي..تحديات جديدة وفرص متنامية" متناغما مع الواقع الصعب الذي يعيشه العالم الإسلامي حاليا ، فمثلا دولة مالي ، التي تعد أكبر دولة في غرب إفريقيا، تتطلع إليها دول الغرب الاستعمارية من جديد للنيل من ثرواتها الطبيعية. وتتجه عيون الاستعمار الغربي نحو مالي بسبب ثرواتها الطبيعية ، حيث يعد اليورانيوم من أهم مصادر تلك الثروات ويتركز في منطقة الشمال التي يسيطر عليها الإسلاميون ويبلغ مخزونه بتلك المنطقة ،حسب تقديرات الخبراء 100 مليون طن, كما أنها تعتبر أول مصدر للقطن في القارة السمراء، وثالث دولة بعد غانا وجنوب إفريقيا في تصدير الذهب " 52 طنا سنويا" .
وفى 21 مارس 2012،شهدت مالي تمردا عسكريا بقيادة الرائد آمادو هيا سنوجو ضد الرئيس السابق آمادو توماني توري، واضطر قادة الانقلاب تحت ضغط تجمع دول "الإيكواس" والدول الغربية لتعيين رئيس البرلمان ديونكوندا تراوري رئيسا مؤقتا للبلاد في إبريل من نفس العام لينسحبوا إلى قاعدة عسكرية ؛ ثم ليديروا البلاد من خلف الستار.
وقد أثار ذلك الانقلاب الحركة الأزوادية العلمانية في شمال مالي حركة "تحرير الأزواد" ، التي قادت حربا ضد الجيش المالي للمطالبة بإقامة دولة منفصلة للطوارق ، فاستطاعت تحقيق الكثير من الانتصارات عليه بفضل ما يملكونه من سلاح حصلوا عليه من مخازن السلاح الليبي وقتما كانوا يقاتلون في صفوف العقيد الراحل معمر القذافي.
الحركات الإسلامية ووجدت الحركات الإسلامية المنتشرة في مالي ، العلمانيين الطوارق يسيطرون على الإقليم ويتجهون به نحو الانفصال وإقامة الدولة العلمانية، فهبوا دفاعا عن وحدة البلاد وحماية لهويتها الإسلامية ، ولتطبيق الشريعة الإسلامية فخاضت قتالا مع حركة "تحرير الأزواد" وسيطرت على الإقليم ، وطردت ما تبقى من قوات الجيش المالي.
وتمكنت الحركات الإسلامية في إدارة الإقليم من بسط سيطرتها عليه بشكل كامل ، وانتهى بشكل شبه نهائي الوجود العسكري لحركة "تحرير الأزواد"، وبدأت حركة "أنصار الدين" في الزحف نحو الجنوب ومن ثم السيطرة على مدينة كونا الإستراتيجية المهمة في 10 يناير الماضي .
ويضم إقليم أزواد ثلاث مدن رئيسية هي تمبكتو "التي تتميز بكثرة الثروات الطبيعية منها اليورانيوم والغاز والفوسفات"، جاوه ، وكيدال ، ويقع بين خمس دول هي الجزائر ، موريتانيا ، مالي ، بوركينافاسو والنيجر، وقد تجاهلت الدول الاستعمارية حين وضعت الحدود الخصائص الأنتروبولوجية والتركيبة السكانية.
وفى 11 يناير 2013 ، أعلنت فرنسا بدء حملة عسكرية مشتركة ضد الجماعات الإسلامية في شمال مالي بعد أن كان الهدف هو إعادة تشكيل الجيش المالي وذلك لتمكينه من استعادة السيطرة على الشمال دون أن يتدخلوا ويشكل المسلمون في مالي حاليا نحو 90% من سكانها "البالغ 14.5 مليون نسمة" بينما لا تزيد نسبة المسيحيين باختلاف طوائفهم على نسبة 5% من الشعب المالي ، ويدين بديانات أخرى بقية الشعب البالغ نسبتهم 5%.
وقد أرادت فرنسا ومن ورائها حلف الناتو والولايات المتحدة إيقاف تقدم الجماعات الإسلامية نحو الجنوب ؛ لإدراكها أنه إذا لم يتم إيقاف هذا الزحف فإن هذه الجماعات ستسيطر على كافة أجزاء مالي بوقت قصير ؛ لما يعانيه جنوب مالي من أزمات سياسية وصراع بين القوى المختلفة منذ الانقلاب العسكري العام الماضي.
وتدرك فرنسا وحلفاؤها أن هذه الجماعات كلما طال بقاؤها في منطقة زاد نفوذها وصار من الصعب هزيمتها ، وأن قيامها بالزحف نحو الجنوب يعني أنها قد تمكنت من إحكام السيطرة على الشمال ، وبالتالي كان لابد من وقف هذا الزحف، وإحداث خلخلة في سيطرتها على الشمال حتى يتم وضع الخطة الكاملة للحرب عليهم.
شمال مالي ومن جانبها تخشى الجزائر وتجمع الإيكواس من أن تؤدي سيطرة الجماعات الإسلامية على شمال مالي إلى نزوعها إلى الانفصال بالإقليم مستقبلا، وإقامة دولة خاصة بالطوارق ، وهو ما سيشكل الكثير من المتاعب والأزمات لتلك الدول ، حيث أن الطوارق مشتتون في الكثير من الدول الإفريقية بناء على التقسيم الذي قام به الاحتلال الفرنسي في القرن الماضي.
وفى قمة لشبونة عام 2009 وقعت الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلنطي "ناتو" اتفاقا لتنظيم عملية الدفاع الجماعي للحلف عن أعضائه أو مصالحهم في العالم ، وذلك بتوزيع أعباء التدخل في منطقة النزاع على جميع الأعضاء ، بحيث تتصدر الدولة الأقرب لتلك المنطقة المشهد بصفة فردية وليس باسم الناتو ، فيما تدعمها بقية الدول عسكريا ولوجستيا واستخباراتيا وهو ما عرف باسم سياسة "الباب المفتوح".
وجاء اختيار فرنسا للقيام بالعملية العسكرية في مالي على اعتبار أنها أقرب دول الناتو إلى تلك المنطقة من العالم "غرب إفريقيا" ، حيث أن هذه المنطقة خضعت للاستعمار الفرنسي لعقود طويلة ، ولا يزال هناك تأثر بالاستعمار الفرنسي وتمثل في شيوع اللغة الفرنسية حتى الآن في المغرب وتونس والجزائر، كما لا يزال لفرنسا نفوذ لدى حكومات تلك الدول ، التي كانت تخضع لها سابقا إضافة للتقارب الجغرافي بين باريس ومالي بخلاف بقية دول حلف الناتو.
وكان لانقلاب مالي العسكري ، تداعيات كثيرة منها تفاقم المعاناة الإنسانية ، حيث أطلقت المنظمة الدولية للهجرة نداء عاجلا لجمع 3.5مليون دولار للمساعدة من أجل إنقاذ حياة الماليين المشردين داخليا الذين فروا من القتال وانعدام الأمن في شمال البلاد.
وتؤكد المنظمة أن أزمة الغذاء في مالي تؤثر الآن على نحو 5ر3 مليون شخص بينهم 84ر1 مليون يعانون من انعدام الأمن الغذائي الشديد، فيما تشير التقديرات الحالية إلى نزوح ما لا يقل عن 147 ألف شخص قسرا بسبب النزاع ، محذرة من أن النقص الحالي في تمويل استقرار أوضاع النازحين في مالي سيدفع بالمزيد من الفارين إلى الدول المجاورة بما في ذلك موريتانيا وبوركينا فاسو والنيجر التي تكافح بالفعل لمواجهة انعدام الأمن الغذائي ، خاصة مع وصول أكثر من 160 ألف لاجئ من مالي.
يشار إلى أن جمهورية مالي كانت قد حصلت على الاستقلال في عام 1960 ويشكل إقليم أزواد 70% من مساحتها البالغة نحو مليون و247 ألفا و228 كم أي ما يعادل 827 ألفا و485 كم.