تتمة للمقال الذي تم نشره يوم الاثنين الموافق 7/1/2013 هنا في موقع شبكة الإعلام العربية - محيط، تحت عنوان «الثانوية العامة للدبوس !!»، وكي لا يتم الحديث عن مشكلة بلا طرح رؤية للحل، أقول: إنه قد آن الأوان لننظر بإرادة التغيير إلى نظام الامتحان المعمول به حالياً في مرحلة التعليم قبل الجامعي والمتمثل في ورقة أسئلة وورقة إجابة، وما يتمخض عنهما من لجان وتكاليف مالية باهظة، وذلك اتساقاً مع ما تفرضه اللحظة الآنية من ضرورة إيجاد آليات جديدة لإنتاج أجيال جديدة بأفكار جديدة، بعيداً عن تلكم النظم النمطية التي وضعت عقول النشء في قوالب صماء على مدي عقود طويلة، والنتيجة تعليم لا يفرز مبدعين ولا خلاقين إلا في حدود الاستثناء وبمحض الصدفة لا أكثر.
الامتحان بالورقة بشكله الراهن لا يمثل - في رأيي - إلا سلة أو وعاء تُلقي فيه المعلومات المُخزنة عبر عدة شهور، كي يلقي هو بدوره في أرشيف ما لوقت ما وانتهت القصة عند ذلك، دون أن يكون لهذا الامتحان بصمة علمية حقيقية على حجر الزاوية في العملية التعليمية ألا وهو الطالب، على نحو ما نري من تجمد ملموس في المستوي الفكري والعلمي والمهاري لمعظم من يُتمون مرحلة التعليم قبل الجامعي، ذلك لأن النظام بهيئته الراهنة لا يمكنه إنتاج ما هو أكثر من ذلك.
الامتحان - في رأيي المتواضع - يجب أن يكون تأكيداً على مجموعة من المفاهيم العلمية والعملية والتربوية، لا مجرد تفريغ لمعلومات مُخزنة في الرأس على ورقة بيضاء في مدى زمني معين، دون أن يكون لتلك المعلومات أي أثر في بناء الفكر، وتنمية القدرات والمهارات، وتعزيز الثقافة والمعرفة على نحو يجعل من الامتحان خطوة انتقالية، لا محطة نهائية تسقط عندها كافة المعلومات في هوة النسيان، لتبدأ الكرّة من جديد في عام دراسي جديد، وانتهى الأمر.
كما أن الامتحان بنظامه التقليدي الراهن، لا يمكن بأي حال أن يعبر عن أو يقيس قدرات الطالب ومعارفه بشكل صادق وعادل، لأن التقييم ينبني على مجرد معلومات مُفرغة داخل ورقة، ربما جاءت بطريق الحفظ، أو بطرق أخري تحايُلية، ومن ثم فجعل ذلك هو المقياس الوحيد للحكم على المستوى العلمي للطالب أمر فيه تجنٍ كبير على قطاع ليس بالهين من طلاب لا يتقنون التعامل مع ورقة الأسئلة والإجابة، تحت تأثير جو الامتحان، وضغط الوقت، وملاحظة لجنة الامتحان، وبالتالي فكثير منهم يتوترون فلا يجيدون وضع كل ما لديهم من معلومات داخل ورقة الإجابة، وبالتالي يهدرون درجات ما كان لها أن تُهدر لو راعى نظام الامتحان الجوانب النفسية والشخصية للممتحن.
إنّ عملية الامتحان يجب أن تكون شاملة ومستمرة وصادقة، وذلك لا يمكن تحقيقه في ظل ورقتي الأسئلة والإجابة، وعليه يمكن جمع سلبيات طريقة الامتحان الحالية في النقاط التالية:-
(1) محدودية دور المعلم في تقييم الطالب. (2) الاعتماد شبه الكلي على الطريقة التحريرية في الامتحانات. (3) عدم تنوع أساليب القياس والتقييم. (4) إتاحة فرص أوسع للغش الفردي والجماعي. (5) فتح الباب على أمام الدروس الخصوصية. (6) عدم قياس بعض الجوانب المهمة لدى الطالب مثل المهارات الخاصة والنمو المعرفي.
كما تجدر الإشارة إلى اقتراح أتقدم به من خلال هذا المقال وهو ضرورة إجراء قياس ما للجوانب التربوية لدى الطالب، فلا يمكن بأي حال أن تكتمل العملية التعليمية بإنتاج فرد صالح نافع إلا بتنمية الجوانب التربوية والأخلاقية، لأننا في الحقيقة لا نحتاج إلى عباقرة ولكننا في أمس الحاجة إلى بشر يحترمون الحياة بكل مفرداتها بشكل متحضر وعفيف وراق، ومن ثم فلابد من التأكد من اكتمال الجوانب التربوية لدى المُتعلمين لتكون التربية ركناً موازياً للتعليم على طول خط التعليم، ولا يكفي في هذا الإطار أن نضع مادة للأخلاق يحفظها الطالب ويؤدي فيها امتحاناً تحريراً ولا تضاف درجاتها إلى المجموع كالعادة، ولكن لابد من قياس أخلاقي وتربوي ونفسي للطالب طول العام وفي كل أحواله سواء في الطابور الصباحي، أو داخل الفصل، أو أثناء حصة التربية الرياضية، أو أثناء الفسحة، أو أثناء الرحلات، أو أثناء ممارسة الأنشطة المدرسية.. الخ، ولا يجتاز الطالب الامتحان النهائي للعام الدراسي إلا باجتيازه لهذه القياسات، مع ضرورة وضع ولي الأمر أمام الصورة الحقيقية لسلوكيات نجله في المدرسة بالتوقيع الدائم على تقارير التربية الاجتماعية والنفسية واستلام صور منها.