أمرنا الله تعالي بالاستعاذة من الشيطان الرجيم قبل أن نبدأ القراءة في المصحف الشريف، وجاء هذا الأمر إقرارا من الله تعالي بعدم سيطرة الشيطان علي رغباتنا وعقلنا أثناء التلاوة، فنتدبر الآيات ونتفكر فيها بل ونحفظها أيضا. وقد صرح المولي في كتابه بقوله "فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ، إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ، إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ " ( النحل 89-100). وقال الامام الشعراوي – رحمه الله - : "الانسان اذا استعاذ بالله من الشيطان الرجيم فإنه يدخل في معية الله ...فالشيطان لم يدخل في معركة مع الله إنما دخل في معركة مع خلق الله .....فمن أراد أن يستفرد به الشيطان فلينعزل عن الله .....ومن أراد ألا يتمكن منه الشيطان فليديم صلته بمعية الله".
معناها: قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "اعلم أن لفظ" عاذ "وما تصرف منها يدل على التحرز والتحصن والنجاة, وحقيقة معناها: الهروب من شيء تخافه إلى من يعصمك منه , ولهذا يسمى المستعاذ به معاذا كما يسمى ملجأ ووزرا " بدائع الفوائد 2/426 والاستعاذة هي: الاستجارة أي أستجير بالله دون غيره من سائر خلقه من الشيطان أن يضرني في ديني أو يصدني عن حق يلزمني لربي. تفسير ابن كثير 1/16 وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: " ومعنى أستعيذ بالله: أمتنع به وأعتصم به وألجأ إليه" ا.ه إغاثة اللهفان 1/91 قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: " الاستعاذة لا تكون إلا بالله في مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم (أعوذ بوجهك) و (أعوذ بكلمات الله التامات) و (أعوذ برضاك من سخطك) ونحو ذلك وهذا أمر متقرر عند العلماء " ا.ه الفتاوى 35/273 حكمها: جاء فيها أنها مستحبة قبل قراءة القرآن، وقيل: واجبة؛ أخذًا بظاهر الأمر في الآية، والصحيح أنها مستحبة، وهو قول جمهور العلماء؛ قال الإمام الجصاص - رحمه الله -: "والاستعاذة ليست بفرض؛ لأنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يعلمها الأعرابي حين علمه الصلاة. وعلق الشيخ محمود بن أمين طنطاوي ولو كانت فرضًا لم يخله من تعليمها"، وقال الإمام ابن الجزري - رحمه الله -: وَاسْتُحِبَّ تَعَوُّذٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجِبْ.
ألفاظها: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)، أو (أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه)، أو (أعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم)، أو (أعوذ بالله من الشيطان)، وهناك ألفاظ أخرى، واللفظ الأول مقدم؛ لورود الآية بمقتضاه، وفيما سبق قال الإمام الشاطبي - رضي الله عنه -: إِذَا مَا أَرَدْتَ الدَّهْرَ تَقْرَأُ فَاسْتَعِذْ جِهَارًا مِنَ الشَّيْطَانِ بِاللَّهِ مُسْجَلاَ عَلَى مَا أَتَى فِي النَّحْلِ يُسْرًا وَإِنْ تَزِدْ لِرَبِّكَ تَنْزِيهًا فَلَسْتَ مُجَهَّلاَ وَقَدْ ذَكَرُوا لَفْظَ الرَّسُولِ فَلَمْ يَزِدْ وَلَوْ صَحَّ هَذَا النَّقْلُ لَمْ يَبْقَ مُجْمَلاَ
أوقات الإسرار وأوقات الجهر بالاستعاذة: يُسَرُّ بالاستعاذة عند القراءة سرًّا، وعند القراءة خاليًا، سواء أَقَرَأَ القارئ سرًّا أم جهرًا، وفي الصلاة سريةً كانت أم جهرية، وإن كان القارئ وسط قوم يتدارسون القرآن ولم يكن القارئُ المبتدئَ بالقراءة. ويستحب الجهر بالاستعاذة إذا كان القارئ يقرأ جهرًا، وكان هناك من يستمع إليه، وفي حالة التعليم والمدارسة عندما يكون القارئ المبتدئَ بالقراءة.
فوائدها: قال ابن كثير رحمه الله تعالى: " ومن لطائف الاستعاذة أنها طهارة للفم مما كان يتعاطاه من اللغو والرفث وتطييب له وتهيؤ لتلاوة كلام الله وهي استعانة بالله واعتراف له بالقدرة وللعبد بالضعف والعجز عن مقاومة هذا العدو المبين الباطني الذي لا يقدر على منعه ودفعه إلا الله الذي خلقه ولا يقبل مصانعة ولا يدارى بالإحسان بخلاف العدو من نوع الإنسان. وقال البجيرمي رحمه الله تعالى: " ومن لطائف الاستعاذة أن قوله: أعوذ باللَّه من الشيطان الرجيم إقرار من العبد بالعجز والضعف، واعتراف من العبد بقدرة الباري عز وجل وأنه الغني القادر على رفع جميع المضرات والآفات، واعتراف العبد أيضاً بأن الشيطان عدوّ مبين. ففي الاستعاذة التجاء إلى الله تعالى القادر على دفع وسوسة الشيطان الغويّ الفاجر وأنه لا يقدر على دفعه عن العبد إلا الله تعالى " ا.ه تحفة الحبيب 1/893 إعانة الطالبين 1/20 وقال ابن سعيد الغرناطي رحمه الله تعالى في التسهيل لعلوم التنزيل: " من استعاذ بالله صادقا أعاذه فعليك بالصدق ألا ترى امرأة عمران لما أعاذت مريم وذريتها عصمها الله ففي الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ما من مولود إلا نخسه الشيطان فيستهل صارخا إلا ابن مريم وأمه) " ا.ه والحديث رواه مسلم (2366) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .