لم تكن ظاهرة السلفيين في تونس وليدة الثورة بل كانت موجودة في تونس قبل قرابة عقد من الزمن، وغالباً ما شكّلت عبئاً أمنياً على السلطات والقوى الأمنية التي كانت تسخّر جزءاً كبيراً من إمكاناتها للتصدي للتيار السلفي والإسلامي وبعض مظاهر التديّن. وأدت سياسة الحصار الأمني والإيقاف والتعذيب التي انتهجها النظام السابق ضد الإسلاميين إلى ظهور قوي للتيار السلفي وبخاصة الشق الجهادي منه بعد الثورة. وانتفع قرابة أربعة آلاف عنصر سلفي بالعفو العام الذي تم إقراره إثر هروب الرئيس السابق زين العابدين بن علي.
ويمكن القول أن الظاهرة السلفية في تونس تؤثر فيها عوامل خارجية أيضاً، مثل العلاقة مع الجيران وارتباط السلفيين التونسيين بجماعات سلفية في ليبيا والجزائر.
أول ظهور
وظهر السلفيون بقوة للمرة الأولى في إحدى ضواحي العاصمة بعد شهرين من الثورة، في مؤتمر تم الإعلان فيه عن تأسيس "ملتقى أنصار الشريعة" الذي يوصف بأنه النسخة التونسية لتيار "السلفية الجهادية".
وشارك في الملتقى نحو خمسة آلاف عنصر من التيار السلفي والجهادي منهم من كان معتقلاً في السجن ومنهم من عاد من المنفى ومنهم أيضاً من كان من الأعضاء الناشطين في خلايا قريبة من فكر تنظيم "القاعدة" في أوروبا، كما كان من بينهم من شارك سابقاً في معارك ضد القوات الأميركية في جبال تورا بورا بأفغانستان على غرار سيف الله بن حسين المكنى ب "أبي عياض" والذي يعتبر القائد الأول للجهاديين في تونس.
غلق المطاعم
وظهر السلفيون بقوة في المشهد بعد الثورة وقاموا باستخدام القوة ضد الأشياء التي لا يريدونها في المجتمع التونسي ، فعلى سبيل المثال أجبر الآلاف من أنصار الجماعات السلفية الجهادية في تونس تجار مدينة صفاقس على غلق المطاعم السياحية، بعد أن احتشدوا وسط المدينة قادمين من مختلف أنحاء البلاد.
وشهدت مدينة صفاقس التي تعد ثاني المدن التونسية، من حيث عدد السكان ليلة السبت إلى الأحد، تجمعا لحوالي 3 آلاف عنصر ينتمون للجماعات السلفية الجهادية، توافدوا من مختلف المحافظات. وقاد المظاهرة جمعية “أنصار الشريعة” السلفية التي يتزعمها سيف الله بن حسين الملقب ب”أبي عياض” والذي يوصف بأنه رجل القاعدة في تونس.
واحتشد السلفيون في ساحة الشهداء وسط المدينة، رافعين الرايات السوداء وهتفوا بشعارات تطالب بغلق المطاعم السياحية كون أنها تبيع الخمر. وقال شهود عيان إن مدينة صفاقس خيّمت عليها أجواء من التوتر والتشنج، مما دفع قوات الأمن إلى الإستنفار وتطويق الحشود السلفية في إجراء وقائي لمنعهم من مهاجمة محلات التجار. وأضاف الشهود أن جميع المطاعم السياحية أغلقت أبوابها أمام الزبائن بطلب من قوات الأمن تحسبا لأي هجوم يشنه السلفيون عليها. وهذه أول مرة تضطر فيها مدينة تونسية لغلق مطاعمها السياحية بالكامل تحت ضغط سطوة الجماعات السلفية التي تنامى عنفوانها منذ ثورة 14 جانفي / يناير 2010 التي أطاحت بنظام الرئيس بن علي.
تصرفات فردية
وشكّلت تلك الأحداث، وما تلاها من مواجهات بين السلفية وقوات الأمن بمناطق مختلفة من البلاد، علامة فارقة في تأثير أي أحداث مماثلة على صورة تونس، وعلى السياحة التي تمثّل الدعامة الأبرز للإقتصاد في تونس، خاصة في ظلّ تنامي معدّلات البطالة والغليان الاجتماعي وارتفاع الأسعار.
وذكر سمير ديلو الناطق باسم الحكومة في وقت سابق "أن الحكومة سوف تتعامل مع تلك التجاوزات ليس فقط من خلال استخدام القانون، ولكن أيضاً من خلال الحوار وأن العمليات التي يقوم بها السلفيون تصرفات "فردية" ولا تصدر عن أي حزب أو تنظيم.
وأضاف ديلو إن الحكومة ستصدر قرارات من شأنها حل مشكلة السلفيين التي برزت حديثا في تونس.
اعلان الحرب
ودعا إمام سلفي تونسي في مداخلة على قناة تلفزيونية إلى محاربة حزب النهضة الإسلامي الحاكم في تونس معتبرا أن قادتها "اتخذوا من أمريكا ربا". ورد وزير الداخلية علي العريض بأن مثل هذه الدعوات مسئولة عن إراقة الدماء في البلاد.
وقال نصر الدين العلوي في مداخلة هاتفية على قناة التونسية في اتصال "سأعلن الحرب على هؤلاء الناس لان وزير الداخلية وقادة النهضة اتخذوا امريكا ربا والها - الامريكيون هم من يضع القوانين والدستور الجديد".
ودعا الشباب التونسي الى ان يعدوا اكفانهم لمحاربة النهضة وقال ان هذا الحزب وغيره من الاحزاب يريدون ان تجري الانتخابات على "جثث وانقاض التيار السلفي".
تمديد "الطوارئ"
ونتيجة لحالة التوتر الشديد التي تعيشها تونس بعد اشتباكات بين عناصر من الأمن ومجموعات سلفية قامت بمهاجمة مقار أمنية ، قام الرئيس التونسي المؤقت المنصف المرزوقي، بتمديد حالة الطوارئ في البلاد لثلاثة أشهر إضافية، وذلك بعد اقتراح من القيادات العسكرية والأمنية، وأشار بيان لرئاسة الجمهورية التونسية أن المرزوقي مدد حالة الطوارئ اعتبارا من الأول من نوفمبر/تشرين الثاني، بعد التشاور مع رئيس الحكومة المؤقتة ورئيس المجلس الوطني التأسيسي.
وكانت قد جرت اشتباكات بين باعة خمور وسلفيين يحاولون القيام بدور شرطة موازية في حادث يزيد من التوتر في تونس مهد الربيع العربي.
وبات الصراع حول مكانة الدين في المجتمع والسياسة من الموضوعات المثيرة للانقسام بعد الثورة في تونس التي كان يُنظر اليها لعقود على انها أكثر البلدان العربية علمانية.
وقال مسئولو أمن إن سلفيين هاجموا محلات صغيرة لبيع الخمور في منطقة دوار هيشر الفقيرة في ضواحي العاصمة تونس.
كما هاجم سلفيون في سبتمبر الماضي فندقا في مدينة سيدي بوزيد وهشموا الاثاث احتجاجا على تقديمه للخمور.
وعقب وصول حركة النهضة للسلطة قالت انها لن تمنع الخمور ولن تفرض الحجاب لكنها تواجه ضغوطا كبيرة من المتشددين الذين يطالبون باقامة دولة اسلامية والعلمانيين الذين يطالبون بالتصدي الحازم لاعتداءات السلفيين على الحرية الفردية.
وتكررت الصدامات مع التيار السلفي عدة مرات خلال الأشهر الماضية، وبلغت ذروتها مع مهاجمة السفارة الأمريكية في تونس على خلفية فيلم اعتبر "مسيئاً للإسلام" وقد أصدرت محكمة تونسية قبل أيام حكماً بالسجن لمدة عام على القيادي السلفي "أبو أيوب" لاتهامه بالتحريض على الهجوم.
غير منظمين
ومن غير الممكن تحديد العدد الدقيق للسلفيين في تونس ذلك أنهم ليسوا منظمين في حزب أو تنظيم واضح. فالسلفيون يقولون إنهم يعدّون خمسين ألف عنصر، بينما تصر السلطات على أن عددهم الإجمالي لا يتجاوز عشرة آلاف من السلفيين الجهاديين. ورغم أن السلفيين يُعتبرون قلّة مقارنة بعدد سكان تونس، إلا أنهم يحتشدون بأعداد كبيرة في تظاهراتهم العامة وملتقياتهم، إضافة إلى أنهم يسيطرون على أربعمائة مسجد، وفق إحصاءات رسمية نشرتها وزارة الشؤون الدينية.
ويتفرّق السلفيون في تونس على شرائح عمرية واجتماعية مختلفة، بحسب دراسات مختصة. إذ يمثّل الشباب ما بين 19 و30 سنة حوالى ثمانين في المئة، في حين يشكّل الطلبة والتلاميذ نسبة 35 في المئة والعمال نسبة 36 في المئة والتجار بنسبة 15 في المئة من النسبة الإجمالية لعموم التيار السلفي.