اقام المجلس الاعلي للثقافة ندوة بعنوان " سرديات محمد جبريل" , عُقد خلالها جلسة نقدية لبعض سرديات الروائي محمد جبريل ومنها نجم وحيد في الافق, زهرة الصباح , رجال الظل وعداد الاموات . قدم الدكتور شريف الجيار استاذ النقد بكلية الآدب ورقة نقدية عن رواية "نجم وحيد في الافق", اشار فيها الي ان الرواية اكدت علي ازمة الانسان مع الزمن ومع الوجود من البداية حتي المنتهي . يري الجيار انه من الصفحات الاولي يؤكد السارد علي ان المشكلة في الحكاية ليست مشكلة شخص بعينه بل هي مشكلة الانسان بوجه عام , التي جعلته في الرواية يغوض في رحلة وجودية مغلفة بالصوفية وهو في ذلك يسير علي خطي نجيب محفوظ . ويري ان بنية النص جاءت بشكل دائري حيث بدأ النص "بالصخرة" الموجودة في البحر والتي كانت ترمز الي الفردوس ثم بعد ذلك الرحلة التي اختارها الانسان لتنتهي به الي الموت ومن ثم النهاية الي الفردوس . ويقول الجيار ان نص الرواية جاء محملا بالرموز الشفافة ,حيث البحر الذي يرمز الي التطهر من الآثام , والشيخ نجاتي "احدي شخصيات الرواية " رمز الصوفية. ويضيف الجيار ان جبريل تأثر بالبيئة الاسلامية ففي الرواية نجد الشيخ نجاتي يقول للشخصية المحورية في القصة والتي بدأت رحلتها الي الفردوس " انت لا ترحل الي دنيا تصيبها او امرأة تنكحها , رحيلك للبحث عن اجابات لاسئلتك" . كما يقول الجيار ان سرديات جبريل لا يهيمن عليها سارد واحد بل تتميز بمبدأ التعدد الحواري في النص , حيث يخرج من بعد الشخصية المحورية للرواية والذي يعتبر راويها الاول صوت جديد ليروي وهو "الريس عبد الحافظ" الذي يضيف طابع الاسطورة للقصة بحكاياته عن جنيات البحر. ونجد لدي جبريل مبالغة في تكوين الشخصيات كما اشار الجيار في ورقته حيث تخرج لنا الرواية بشخصية "الشيخ الولي" الذي له سلطة وسطوة علي الجميع وله افعاله الاسطورية. يقول الجيار ان جبريل في سرديات يعتبر من القلائل الذين نظروا للاسكندرية نظرة فلسفية وليس علي انها مجرد مكان , حيث بحرها والغوص فيه للتطهر من الذنوب , وشخصية " الكابتن" السكندرية التي تحمل حكمة البحر التي تتضح من بعض كلماته مثل " في هذه الحياة الكل يأكل الكل " , " الصيد حرفة الفقراء وغواية الاثريا" . وفي وصف الاماكن يستخدم جبريل تقنية عدسة السينما التي تشعر القارئ كأنه يعيش الاحداث ويتواجد في الاماكن حيث الدقة في الوصف . وفي النهاية يشير الجيار الي تشابه بين سردية جبريل وبين رسالة الغفران لابي العلاء المعري من حيث تشبيه الجنه والنار حيث يقول في نهاية الرواية " لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر علي بال بشر ". زهرة الصباح قال الدكتور محمد المهدي عن تلك القصص أنها تستقي فكرتها من واقع "الف ليلة وليلة " ولكن ليالي جبريل تختلف عن الليالي التقليدية في الادب التي تتميز بالثبات والاستقرار والتغيير فيها يعتبر عرض ,بينما زهرة الصباح فككت هذه البنية لحكاية شهرزاد وشهريار فلم الظلم أمر طارئ علي شهريار بل جعله جبريل عادة السلاطين والملوك ومن بينهم شهريار حيث تقول رقية زوجة شهريار في الرواية " اشك ان الملك كان عادلا " ويقول المهدي ان ليالي محمد جبريل لا تأتي متوالية كألف ليلة وليلة بل تتابع بعد ترتيب فنجد زهرة الصباح تأتي بالليلة الثانية التي تستعد فيها " زهرة الصباح" بطلة الرواية لان تكون زوجة الملك شهريار بعد شهرزاد . ويشير المهدي في نقده الي ان الحكاية في زهرة الصباح لم تكن مرتبطة بقصر شهريار كما هو الحال في الف ليلة وليلة بل ترتبط اكثر بالقاهرة بساحاتها واسواقها وشوارعها وما يدور بها من احداث . يري المهدي ان زهرة الصباح استحدثت شخصيات مثل "زهرة الصباح " التي تحمل الرواية اسمها , ووالدها " عبد النبي المدبولي" كاتم الاسرار في قصر شهريار.
كما يربط جبريل احداث رواية بالاحداث الواقعية في مصر حيث ظلم الحاكم شهريار الذي يسكن قلعة الجبل والذي يشيع في عصره حكايات الظاهر بيبرس علي عكس ما جاء بألف ليلة وليلة حيث ان شهريار لم يكن حاكما علي القاهرة بل علي ملك لساسان في الهند .
رجال الظل
قدم الدكتور حسين حمودة بعض الاوراق النقدية عن هذه السردية والتي يري ان هذه الرواية تقدم ما يشبه الامثولة المتجددة دائما حيث رغم قدمها هي لازلت تناسب الوضع الذي نعيشه.
يضفي عنوان الرواية نوع من الاضاءة الشبحية الخفيفة , ونجد الشخصية المحورية "الريس عبد الحفيظ" يتخلي عن موقعه في الاضواء ليبقي بعيدا في الظل , ولكن هناك معني مواز اخر "لرجال الظل " ويقصد به السلطة الخفية التي تعيش في الظل وتتحكم في الاحداث فيما يشبه تحريط العرائس المربوطة بخيوط.
وكذلك شخصية "فضل" في الرواية يري حمودة انها تتشابه مع بطل رواية السمان والخريف لنجيب محفوظ حيث علي عكس ماهو تقليدي تبدأ الحكاية وتجد الشخصية نفسها في تغيير لا تعرف كيف حدث , اي ان التغير وليس الثبات هو البداية حيث يأتي "فضل" من عالمه الاصلي "باريس" الي الامارة الغير مسماه ويصبح بلا تاريخ وهوية ويشغر كانه في سجن ولكن هذه التغيير ظاهريا حيث لازال فضل يحمل بداخله سمات عالمه القديم . ويري حمودة ان الرواية تسمح لنا بتأمل تبادل حقائق الواقع الاصلي والواقع الحالي للشخصية المحورية .
ويربط حمودة الواقع الحالي للمجتمع العربي وخصوصا في مرحلة "الربيع العربي" بواقع الرواية حيث الانتقال من واقع يسيطر عليه القبلية وسيطرة الشيوخ الي الثورة علي هذا الواقع .