رغم الهدف السامي الذي يسعى إليه مركز الملك عبدالله العالمي للحوار بين الأديان والثقافات وهو نشر قيم التسامح والمحبة والأمن والسلام والتعايش ، إلا انه أثير الكثير من الجدل لكونه مدعوما وممولا بشكل كلي من المملكة العربية السعودية. فمن بلاد الحرمين الشريفين بزغت مبادرة خادم الحرمين الملك عبدالله بن عبدالعزيز للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، ودوت أصداؤها في أرجاء العالم، فوجدت في مدريد الدعم والتأييد، وتوجت بنيويورك الجهود بمباركة الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وفي العاصمة النمساوية فيينا أرست دعائمها بإنشاء مقر لمركز الملك عبدالله العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، لنشر القيم الإنسانية وتعزيز التسامح والسعي إلى تحقيق الأمن والسلام والاستقرار لشعوب العالم.
افتتاح ضخم
ودخلت اتفاقية تأسيس مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات حيز التنفيذ في أكتوبر 2012، وبعد عشرة أيام من ذلك تم عقد الاجتماع الأول لمجلس الأطراف من الدول الثلاث المؤسسة للمركز، وتمت الموافقة على تعيين الأمين العام ونائب الأمين العام، وانتخاب أعضاء مجلس الإدارة للمركز، واعتماد الفاتيكان عضوا مراقبا في المركز.
ووسط أجواء احتفالية ضخمة، وحضور إعلامي كثيف شهد قصر الهوفبورغ الإمبراطوري بالعاصمة النمساوية فيينا مساء أمس الاثنين، حفل الافتتاح الرسمي وتدشين العمل بالمركز ، الذي يعتبر مبادرة انطلقت من مكةالمكرمة قدمها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود في عام 2005.
وتقدم المحتفين الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي وبان كي مون أمين عام الأممالمتحدة وخوزي أمانيول مارفي وزير الخارجية الإسباني وميخائيل اشبندلنقر وزير الخارجية النمساوي والكاردينال جين لويس تاوران رئيس قسم حوار الأديان بالفاتيكان وعبد الله التركي رئيس رابطة العالم الإسلامي والرابي بينشاز غولدشميدت رئيس المؤتمر الأوروبي لرجال الدين اليهود، وكمال الدين إحسان أوغلو أمين عام منظمة التعاون الإسلامي بالإضافة لأكثر من 800 ضيف مثلوا الأديان والمذاهب الدينية كافة، ممثلين لقطاعات مختلفة ومنظمات تعمل في مجال تعزيز الحوار سواء دبلوماسيا أو اقتصاديا أو قانونيا أو ثقافيا مما انعكس في أريحية عكسها هندام الحضور وحتى نوعية طعام العشاء وخياراته ما بين حلال ونباتي ويهودي، في كلمات تتالت أشاد المتحدثون الرئيسيون بالدور المتوقع من المركز بوصفه جسرا لتعميق الحوار بين الديانات والثقافات، راجين أن تسوده روح فيينا التوافقية.
حيادية فيينا
ولم يأت اختيار العاصمة النمساوية موقعا للحدث الضخم، من فراغ أو من قبيل الصدفة - كما أكد الحضور - وإنما لما عرف عنها من حيادية إيجابية تدعم التنوع الثقافي والفكري والديني، مما يجعل فيينا نقطة مناسبة تلتقي عندها مختلف الديانات والتوجهات الفكرية والمذهبية، مشيرين إلى أن المركز يمثل نقطة تحول مستقبلية ومبادرة مهمة وفعلية لانطلاقة عالمية نحو تجسير وتعزيز التفاهم لبناء مستقبل يقوم على التعددية وحقوق الإنسان وسيادة القانون.
وأكدوا دعم بلادهم ومنظماتهم كافة لفكرة تكوين المركز بوصفه حلقة وصل تعزز التفاهم والتعاون واحترام التعددية الدينية والثقافية، تأكيدا لفكرة الملك عبد الله أن يعمل المركز من أجل مكافحة النزاع والصراع وزرع الإيمان في وجه الإلحاد والسلام في مواجهة الحروب، والأخوة في مواجهة العنصرية.
وفي كلمة مسجلة رحب الرئيس النمساوي هاينز فيشر بالحضور، مستدلا بما وصفه بالأحداث الأخيرة التي تعكس خطورة عدم الالتزام بالحوار، مناديا بأهمية حوار يساعد على بناء مستقبل يقوم على التعددية والتفاهم رغم الاختلاف، مضيفا أن فكرة المركز وتحقيق أهدافه سوف تمثل نقلة حقيقية لمواجهة التحديات الحالية.
حلول جذرية
ووصف الرئيس النمساوي مبادرة الملك عبدالله بن عبدالعزيز للحوار بين أتباع الأديان والثقافات ب"المهمة" للتعاطي مع الأحداث الحالية الراهنة، وقال "مثل هذا المركز يمكن أن يصبح مكانا لمندوبي الديانات والثقافات لتبادل الآراء والثقافات والحوار البناء".
وشدد على أن ما هو مطلوب الآن بعد تدشين المركز "تغير أساسي وجذري" ينقل الجميع إلى تفاهم وإيجاد حلول جذرية للمشاكل"، مشيرا إلى أن المركز سيوفر فرصة للاعتراف بالتعددية كقيمة مضافة للمجتمعات".
أما الملك الإسباني خوان كارلوس، فرأى أن مركز الملك عبدالله للحوار بين أتباع الأديان فرصة لتوفير الازدهار للمجتمعات. معربا عن استعداد بلاده لدعم هذا المركز لما لها من تاريخ عريق في حوار الأديان حيث قدمت مساهمة لهذه المبادرة التي تمت تحت مظلة الأممالمتحدة، مقدما شكره لخادم الحرمين الشريفين على هذه الرؤية.
جهد دولي
إلى ذلك أشار الأمير سعود الفيصل إلى أن المركز يعتبر ثمرة لجهد دولي طويل ومتصل بدأ بمكة ومنها إلى مدريد ثم نيويورك وجنيف وأخيرا فيينا، حيث يعني تدشينه انتهاء مرحلة التنظير والإعداد لتبدأ مرحلة التنفيذ وتحقيق الأهداف وتشجيع الحوار الإنساني الهادف عبر حوار يتناول القضايا التي تشغل المجتمعات الإنسانية التي كثيرا ما تسببت في حروب ونزاعات وجرائم مما أدى لتطرف وإرهاب بأوجه مختلفة.
ولم يغفل الأمير السعودي لفت الانتباه لضعف دور الأسرة وضعف الواعز الديني، مما أدى لانحسار وتدهور الأخلاق وانتشار الظلم والجرائم والآفات الاجتماعية والأزمات الصحية والبيئية على نحو غير مسبوق، مثمنا ضرورة ألا يقتصر دور المركز على إنهاء النزاعات، بل يشمل الالتزام بالمبادئ والقيم الأخلاقية.
وأوضح أن المبادرة للحوار ترتكز على مبادئ روحية مضيفا، أنها - ومن حسن الطالع - وجدت صدى عالميا مما وضعها في صدارة الأولويات العالمية، مما يجعل المركز منتدى عالميا يشارك فيه ممثلون لجميع الديانات والمذاهب مما يفسح المجال كذلك لحوار مع منظمات الحوار الأخرى، مما من شأنه أن يعزز التسامح والتفاهم واحترام الآخر، ومما يمنع الإساءة للرموز الدينية والعبث بدور العبادة ومؤسساتها، متمنيا أن يساعد المركز الشعوب على تأمين مستقبلها في ظل شعور عميق ينتابها حاليا بالتشاؤم وعدم الأمان. مختتما كلمته بالتأكيد على أن الجميع يتطلعون لأن يصبح المركز منظومة إنسانية تحمي الموروثات والقيم والمصالح المشتركة لمواجهة فيض عارم من مشكلات متراكمة وأوضاع صعبة.
الفاتيكان "مراقب"
وكان الفاتيكان قد أعلن انضمامه بصفة "مراقب مؤسس" ل"مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز للحوار بين أتباع الأديان والثقافات"، الذي يدشَّن الاثنين المقبل في فيينا.
وقال فريدريكو لومباردي المتحدث باسم الفاتيكان في بيان :"إن المركز الجديد لا يعتبر مؤسسة خاصة للسعودية، لكنه منظمة مستقلة تعترف بها الأممالمتحدة، أسستها ثلاث دول، تعتنق اثنتان منها الدين المسيحي، وهي السعودية والنمسا وإسبانيا".
وأضاف أن هذه "مناسبة مهمة لأن نقدم في هيئة ثقافية دولية رفيعة المستوى وجهة نظر الكنيسة حول الحوار والأخلاق والدين والعلاقات الاجتماعية والعدالة والسلام".
كما أكد الناطق باسم الفاتيكان أن افتتاح المركز في فيينا يعتبر جسر تواصل لتثبيت مفهوم الحوار السلمي، وتذكر في حواره مع صحيفة "عكاظ" اللقاء التاريخي الذي تم بين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وبابا الفاتيكان في روما، ، وعبر عن امتنان الفاتيكان بجعله عضوا مراقبا في مجلس إدارة المركز العالمي.
وحول رؤية الفاتيكان لافتتاح مركز الملك عبدالله العالمي لحوار أتباع الأديان والثقافات، قال :"بدون شك، الحدث يشكل أهمية كبيرة، ومبادرة الملك عبدالله بن عبدالعزيز أعطت الفرصة لافتتاح هذا الصرح العالمي الذي ينادي بالحوار السلمي والتفاهم بين أتباع الأديان المختلفة والجاليات المتعددة، في وقت يشهد فيه العالم صراعات ومشاكل في أنحاء عديدة من المعمورة".
الترويج للوهابية
وفي الوقت الذي لاقى فيه المركز ترحيب كبير جدل حول دور السعودية، فما زالت خطوة خلق "مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز للحوار بين الأديان" تثير الجدل لكونه مدعوما وممولا بشكل كلي من السعودية، إذ يتخوف معارضو المركز الذي سيتخذ وضع منظمة دولية، من أن تستخدمه الرياض للترويج للفكر الوهابي المتشدد في تطبيق الشريعة الإسلامية والمتبع في السعودية، رغم أن وزارة الخارجية النمساوية أكدت أن "أحد الأسباب الرئيسية التي حملت على اعتباره منظمة دولية هو "أننا في إمكاننا استبعاد سيطرة بلد عضو في المركز أو مجموعة دينية عليه".
كما قام المركز بحملة إعلامية قوية لإقناع المراقبين بحياده، نظرا لأن تمويل السعودية له ما زال يطرح تساؤلات. فقد قال بيتر تسوربريغن السفير البابوي في فيينا :"إن السعودية ليست بالتأكيد بلدا نموذجيا على صعيد حقوق الانسان والحرية الدينية".
واضاف "سنراقب عن كثب ما إذا كان المركز سيتصرف فعلا بحرية". واعرب الاسقف ايمانويل دو فرانس مندوب الكنيسة الارثوذكسية في لجنة المركز عن تحفظه للاسباب نفسها. وقال ان السنوات الثلاث المقبلة "ستكون فترة اختبار".
ويضم مجلس إدارة المركز ثلاثة مسيحيين وثلاثة مسلمين بالإضافة إلى يهودي وهندوسي و بوذي، وترعى المشروع بالإضافة إلى السعودية النمسا واسبانيا.
وحددت استراتيجية المركز وأهدافه البرامج التي تسهم في تفعليها وطرق قياس نجاحها، والجمهور المستهدف بها أو المشارك فيها، وطرق قياس تلك الاستراتيجيات بعد تنفيذها وتقويم نجاحها، وتكون مدة تنفيذ الاستراتيجية ثلاث سنوات تبدأ من تاريخ تطبيقها، وبعد مضي المدة المقررة تخضع للمراجعة والتقويم للاستمرار فيها، أو إضافة ما يستجد من موضوعات ومقترحات ظهرت أثناء التطبيق؛ بغية تطويرها والتأكد من خدمتها للأهداف التي تأسس المركز لتحقيقها.
سنة إلهية
يأتي ذلك في الوقت الذي أكد مختصون أن مركز الملك عبدالله يسعى لتحقيق الأمن والاستقرار، قائلين بأن حرص الملك عبدالله على إنشاء المركز دلالة اهتمامه بالقضايا الإنسانية. ولفتوا إلى أن الحوار سنة إلهية ووسيلة للدعوة، خصوصا وأن المركز يتيح للفئات المختلفة تقديم ما لديها من رؤى.
وأشاروا إلى تعزيز المركز لمبدأ الحوار بين أتباع الأديان وتعزيز القواسم المشتركة، كما يوحد المواقف بين مختلف الشعوب، مضيفين: "هو تطبيق عملي لمبادئ الإسلام الداعية إلى الوسطية والتعايش السلمي".
وأكد الأمين العام المساعد لرابطة العالم الإسلامي الدكتور عادل الشدي أن خادم الحرمين يسعى لتحقيق الأمن والاستقرار عبر هذا المركز، مبينا أن رعايته لموضوع الحوار بين الأديان يعكس اهتمامه بالقضايا الإنسانية، لافتا إلى أن المركز يصب في خدمة الإسلام، خصوصا وأن الأمتين العربية والإسلامية تواجه عددا من التحديات. ونوه بأن الدعوة إلى الحوار يستحق التقدير ويقرب وجهات النظر ويحقق التعايش بين البشر.
وأشار إلى أن الحوار سنة إلهية ووسيلة للدعوة إلى الله، قائلا: :"رسولنا عليه السلام رسخ لدينا مشاعر الحاجة إلى الآخرين، كما عمق قيم الشورى والحوار"، مضيفا: "إرساء قواعد الحوار البناء يعني المقدرة على التعامل الناجح مع الاختلاف والوصول إلى أفضل الحلول". مواد متعلقة: 1. القرضاوي يمتنع عن حضور مؤتمر حوار الأديان لمشاركة اليهود 2. المؤتمر الثامن لحوار الأديان يبدء فعالياته بالدوحة 3. مؤتمر بحضور قادة العالم لتشجيع حوار الأديان والثقافات