يعقد اللقاء التشاوري الثالث لرؤساء برلمانات دول مجموعة العشرين، الذي تحتضنه الرياض، من أهم اللقاءات عالميًا في ظل اعتذار حضور أربعة رؤساء برلمانات ضمن مجموعة العشرين، وهي أميركا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا. الرياض: تتجه بوصلة صناع القرار السياسي والاقتصادي والمفكرين والنخب الثقافية والمهتمين بموضوع حوار الثقافات والأديان والحضارات صوب العاصمة السعودية الرياض، لمتابعة فعاليات اللقاء التشاوري الثالث لرؤساء برلمانات دول مجموعة العشرين، إذ يُعدّ هذا اللقاء، الذي تحتضنه الرياض، من أهم اللقاءات البرلمانية الدولية، بينما تعذر حضور أربعة رؤساء لبرلمانات ضمن مجموعة العشرين، وهي أميركا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا. عدد من المراقبين ألمح ل "إيلاف" إلى أن تعذر مشاركة بعض رؤساء تلك البرلمانات لا يشكل عائقاً أمام هذه القمّة، التي تعدّ على أنها تشاورية، كما إن ستعقد القمّة "بمن حضر"، كما تشارك فيها كبريات الدول اقتصادياً في العالم ورؤساء البرلمانات لدول العشرين،و تشكل الدول الأعضاء في مجموعة العشرين ثلثي سكان العالم وحوالى 80% من إجمالي التبادل التجاري العالمي، كما يعادل الناتج القومي الإجمالي للأعضاء مجتمعين قرابة 90% من إجمالي الناتج العالمي. يأتي ذلك إثر افتتاح رئيس مجلس الشورى السعودي الدكتور عبدالله بن محمد آل الشيخ لأعمال اللقاء التشاوري الثالث لرؤساء برلمانات الدول الأعضاء في مجموعة العشرين نيابة عن العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز، تحت شعار "نمو اقتصادي مستدام لعالم آمن"، بكلمة أكد فيها أن بلاده تعدّ من أوائل الدول التي أسهمت في تحقيق أهداف التنمية الألفية، معتبراً أن السعودية لن تدخّر جهداً للعمل مع المجتمع الدولي لاستقرار أسواق الطاقة، ودعم حوار المنتجين والمستهلكين، بما فيه استدامة النمو الاقتصادي العالمي، مشدداً على أن تعزيز التنوع الثقافي يوفر الأسباب المؤدية إلى تقوية وشائج التعاون الدولي، لافتاً في هذا الصدد إلى أن بلاده كانت سباقة في الدعوة إلى حوار الأديان، مطالباً ببلورة استراتيجية شاملة لتفعيل الحوار بين أتباع الاديان والثقافات. ورحّب آل الشيخ في كلمته بالمشاركين والحضور في الاجتماع التشاوري الثالث لرؤساء برلمانات الدول الأعضاء في مجموعة العشرين، معرباً عن سروره بافتتاح اللقاء نيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، وموجّهًا شكره للملك على رعايته هذا اللقاء، الذي يعدّ من أهم الملتقيات الدولية في الوقت الراهن. وقال: "يشهد العالم حالياً تطورات على مختلف الأصعدة، خاصة ما يتعلق منها بالأزمة المالية والاقتصادية، التي تجتاح بعض دول العالم، والتي تحتاج تضافر كل الجهود الدولية من أجل إيجاد الحلول الناجعة لها، والحدّ من آثارها السلبية المتعددة، التي من أهمها إنزلاق اقتصاديات بعض الدول نحو ركود اقتصادي ذي تأثيرات عالمية، مما يظهر مدى الحاجة إلى الحدّ من تلك التأثيرات السلبية، والتركيز على سبل حل معضلة الديون السيادية وتفاقمها، وتقلبات أسعار الصرف، ومعدلات البطالة المتزايدة، وستعمل المملكة، من خلال هذه المجموعة ومن خلال المؤسسات المالية والنقدية الدولية المعنية، على إيجاد أفضل الحلول لإعادة الانتعاش إلى الاقتصاد العالمي. وأضاف رئيس مجلس الشورى السعودي أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين البيئة والتنمية، وهو ما أدى إلى ظهور مفهوم التنمية المستدامة؛ فالتنمية المستدامة: هي عملية تطوير واستغلال الموارد، من دون المساس بمقدرات الأجيال المقبلة. الأمر الذي يستلزم الاهتمام بحماية البيئة، من أجل تحقيق التنمية المستدامة. ورأى أن الطاقة تلعب دوراً مهماً في بناء العلاقات المتبادلة بين الاقتصاديات العالمية؛ فالطاقة هي المحرك الأساس لأي نمو اقتصادي وتنمية مستدامة، مشدداً على أن من الأهمية في مكان تفعيل التعاون الدولي من أجل إيجاد أسواق للطاقة، تتمتع بالشفافية والاستقرار، وتخدم مصالح كل من المنتج والمستهلك، مع ضرورة دعم البحوث والاستثمارات، التي تهدف إلى تنويع مصادر الطاقة، وتقليل آثارها البيئية، مشيراً في هذا الصدد إلى أن بلاده لن تدخّر جهداً في هذا المجال للعمل مع المجتمع الدولي لاستقرار أسواق الطاقة، ودعم حوار المنتجين والمستهلكين، لما فيه استدامة النمو الاقتصادي العالمي. في هذا السياق قال: (أود التنويه بأن المملكة العربية السعودية تعدّ من أوائل الدول التي أسهمت في تحقيق أهداف التنمية الألفية، بسبب ما توليه من أهمية كبرى لقضايا التنمية المستدامة، وزيادة مخصصات الإنفاق العام على الخدمات التعليمية، والصحية، والاجتماعية، ونرى أن أهداف تحقيق التوازن الاقتصادي العالمي، وإرساء دعائم التنمية الاقتصادية الشاملة، وتحقيق النمو الاقتصادي المنشود لا يمكن بلوغها إلا بجهود جماعية متواصلة، وتعاون يستند إلى شعور بالمسؤولية المشتركة من خلال تطوير شراكة عالمية حقيقية من أجل التنمية). وحول حوار الثقافات، الذي يعدّ أحد موضوعات جلسات اللقاء، قال آل الشيخ: (إن تعزيز التنوع الثقافي يوفر الأسباب المؤدية إلى تقوية وشائج التعاون الدولي، ويمثل آلية مهمة للتواصل والتفاهم في ما بين الأمم والشعوب، وذلك من خلال الحوار بين أتباع الأديان، والتقارب بين الثقافات، الذي ينتهي إلى التآلف والتحالف بين الحضارات من أجل تخفيف التوتر والصراع في المجتمع الدولي، وبناء مستقبل آمن ومزدهر للإنسانية). ولفت إلى أن السعودية سباقة في الدعوة إلى الحوار بين الأديان والثقافات، حيث تجسد ذلك في المؤتمر، الذي دعا إليه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز للحوار بين أتباع الأديان والثقافات؛ الذي عقد في مدينة مدريد عام 2008م، ثم تلى ذلك لقاء في مقر الأممالمتحدة في نيويورك، حيث توّجت هذه الجهود بإنشاء مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات في فيينا. وتابع "إننا نرى اليوم أن فرصة المجتمع الدولي تبدو سانحة أكثر من أي وقت مضى؛ للعمل الجاد على دعم الحوار الحضاري بين الشعوب من خلال الجهد المشترك، واستغلال وسائل التقنية والاتصالات الحديثة والمتطورة لبلورة استراتيجية شاملة من أجل تفعيل الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وتكثيف اللقاءات والمؤتمرات والندوات التبادلية بين الدول، بهدف عرض المفاهيم والقيم المشتركة لهذا الحوار، لكي يكون أكثر فاعلية وتأثيراً. وفي كلمة الضيوف، التي ألقاها خيرات مامي رئيس مجلس الشيوخ لبرلمان جمهورية كازاخستان، أكد أن بلاده مناصرة وبقوة لمبادئ الأمن العالمي والتسامح والتنوع الثقافي والروحي، وأنها تبذل جهوداً لتعزيز الحوار بين الحضارات، ووسط أولويات السياسة الخارجية للبلد، يبرز دعم نشاط تحالف الحضارات والمبادرات النبيلة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، معلناً أن كازاخستان ستستضيف في نهاية مايو (أيار) المقبل المؤتمر الرابع الدوري المكرّس لموضوع السلام والوئام كخيار للبشرية، وسيناقش موضوعات عدة، أبرزها: دور الزعماء الدينيين في تحقيق التنمية المستدامة، والدين والتعددية الثقافية، والدين والمرأة: القيم الروحية والتحديات المعاصرة، الدين والشباب. ويتطلع المراقبون إلى أن تخرج مناقشات وتوصيات لقاء الرياض برؤى وأفكار وقرارات تعزز التعاون البرلماني في مواجهة التحديات الاقتصادية وغيرها مما تتطلب استجابة جماعية لدول مجموعة العشرين، وأن يكون اللقاء محطة مهمة من محطات تأسيس العمل البرلماني لدول المجموعة، وأن يفتح أفقاً جديداً في صياغة ومتابعة الأداء الحكومي لدول المجموعة، وتفعيل أداء الدبلوماسية البرلمانية والتي تواكب الجهود الحكومية وتعززها، من أجل تحقيق السلم والأمن الدوليين، ودفع عجلة التعاون الدولي. وكان مجلس الشورى السعودي قد سجل حضوراً لافتاً في اللقاءين التشاوريين السابقين لرؤساء برلمانات مجموعة العشرين، حيث ترجمت مشاركة المجلس في اجتماعي كندا عام 2010م، وسيول العاصمة الكورية عام 2011م، المكانة الاقتصادية المتميزة للسعودية، وما تمثله من ركيزة مهمة في حفظ الاستقرار الاقتصادي العالمي. كما كانت لوفد المجلس مساهمات متميزة في المحاور الرئيسة للقاءين، حيث طلب مجلس الشورى في اللقاء التشاوري الأول، الذي عقد في كندا 2010م، تشكيل فريق عمل، مكون من خمس دول، لدراسة الأفكار والمقترحات المقدمة من الدول المشاركة بهدف وضع برنامج موحد ومتفق عليه، ليكون ميثاق اجتماع برلمانات دول العشرين المنعقد في أوتاوا العاصمة الكندية، لتحقيق السلام والأمن الغذائي في العالم، كما دعا المجلس إلى أن يتحول اجتماع رؤساء برلمانات دول العشرين إلى اجتماعٍ دوريٍ يعقد كل سنة في إحدى دول الأعضاء، من أجل أن يستمر عطاء هذه الاجتماعات وتعمّ فائدتها على المستوى العالمي. وتوّجت مشاركة المجلس في الاجتماع الثاني في سيؤول 2011 م، بموافقة الدول الأعضاء على طلب مجلس الشورى استضافة الاجتماع التشاوري الثالث لرؤساء برلمانات مجموعة الدول العشرين في المملكة، وقد ترجمت الموافقة على استضافة الاجتماع في المملكة بالتقدير الكبير للدور الرائد للمملكة العربية السعودية تجاه تحقيق السلم والأمن العالمي وما تبذله من جهود للحيلولة دون دخول دول العالم في ظروف اقتصادية صعبة. طالب المشاركون في اللقاء التشاوري الثالث لرؤساء البرلمانات في دول مجموعة العشرين المنعقد في الرياض حاليًا بضرورة إرساء قواعد سليمة للحوار بين الشعوب والحضارات والثقافات المختلفة، مؤكدين على أهمية مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للحوار العالمي الذي عقد في مدريد 2008م. جاء ذلك خلال الجلستين الأولى والثانية من أعمال اللقاء، والتي تناولتا موضوع "الحوار العالمي للثقافات"، حيث رأس الجلسة الأولى معالي رئيس مجلس الشورى الشيخ الدكتور عبدالله بن محمد آل الشيخ، فيما رأس الجلسة الثانية معالي رئيس مجلس الشيوخ الكندي نويل كنسيلا. وخلال الجلسة الأولى، أكد معالي رئيس الجمعية الوطنية التركية السيد جميل ششك المتحدث الرئيس في الجلسة دعم تركيا كل سبل الحوار البناء وإرساء قواعده، بحيث يعمّ السلام والرخاء كل الشعوب، لافتاً إلى أن موقف بلاده في هذا الشأن يتفق كلياً مع موقف المملكة العربية السعودية، وينسجم مع مبادرة خادم الحرمين الشريفين. من جهته، شدد نائب رئيس مجلس الشيوخ الإيطالي السناتور فانينو كيتي المتحدث الثاني في الجلسة على أهمية مدّ جسور الحوار بين شعوب القارة الواحدة على اختلاف دياناتهم، مؤيداً ومشيداً في الوقت نفسه بمبادرة خادم الحرمين الشريفين في الحوار كأساس لتقارب الشعوب والثقافات المختلفة. في السياق عينه، أكد نائب رئيس مجلس الولايات الهندي السيد رحمان خان أن الرؤية الهندية لإقامة الحوار بين أتباع الأديان تتوافق كلياً مع الرؤى السعودية، خاصة وأن المملكة كانت سباقة في إرساء سبل الحوار بين الحضارات، وغيّرت مفاهيم كثيرة، مثل صراع الحضارات الذي حولته إلى حوار الحضارات والأديان، موضحاً أن جميع البرلمانيين مدعوون وبسرعة إلى التعبير عن رغبات شعوب الدول في إجراء حوار إيجابي، يفضي إلى سلام شامل وعادل، مضيفاً بأن لدى الهند وبرلمانها إيمانًا كاملاً بأهمية التواصل محلياً وعالمياً، باعتباره الوسيلة الوحيدة للتقارب بين الشعوب. وطالب عضو مجلس النواب لجمهورية أندونيسيا الدكتور محمد نور وحيد بضرورة تعميم مبادرة الملك عبدالله بن عبدالعزيز على المستوى الدولي، لافتاً إلى أن بلاده تؤمن بالحوار الإيجابي، مطالبًا كذلك البرلمانيين في أنحاء العالم كافة بأن يكونوا قدوة للشعوب في الإيمان بالحوار البناء. الجدير بالذكر أن من أبرز المحاور الرئيسة للاجتماع التشاوري.. الحوار بين أتباع الأديان والثقافات وأهمية مأسسة هذا الحوار في المجتمع الدولي، ونشر ثقافة الحوار واستخدامها وسيلة لتعزيز المحبة والإخاء بين الشعوب، وتقليل التوتر والصراع في المجتمع الدولي، وكما هو معلوم فإن العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز هو صاحب المبادرة في هذا الشأن. والمحور الثاني الطاقة لتنمية مستدامة، ويتركز على دور الطاقة في التنمية والنمو الاقتصادي العالميين، والتعاون الدولي لاستقرار وشفافية أسواق الطاقة، ودعم الأبحاث والاستثمارات لتنويع مصادر الطاقة والحدّ من آثارها البيئية، ومستقبل حركة التجارة والاستثمار الدولية في منتجات وقطاعات الطاقة، في حين سيكون المحور الثالث الأزمة المالية وآثارها على الاقتصاد العالمي، وسيتناول الديون السيادية وتحديات السياسة المالية، وتقلبات أسعار صرف العملات، ومستقبل النظام المالي العالمي وتحديات ارتفاع معدلات البطالة، وسياسات التنمية في الاقتصاديات الناشئة ودورها في تحفيز النمو العالمي.