وصف الدكتور مصطفى حجازي الحالة التي نعيشها في مصر بأنها لحظة ما قبل الدولة، فلسنا في لحظة دولة مستقلة بل نحن في مرحلة بناء الدولة، مؤكداً أن أولى خطوات النجاح في بنائها هو إدراكنا جيداً أين نقف. وأكد عبر كلمته في الملتقى لحركة إحياء التيار الرئيسي المصري التي استضافتها ساقية الصاوي أمس السبت أننا خلال الثلاثين عاماً الماضية تراجعنا إلى ما دون المجتمع، فأصبحنا مجرد جماعات بشرية غير قادرة على التعاون أو التحاور والتفاهم، وهي أمور مهمة في لحظات بناء المجتمع.
وتحدث حجازي كذلك عن صراع الماضي والمستقبل، قائلاً رغم أننا أعلنا سقوط الماضي في 11 فبراير 2011 إلا أنه لم يتحلل بأكمله، فلا نزال نحيا به ومعه، وسنكمل به لفترة قادمة، واصفاً ما يحدث الآن بأنه حرب استنزاف ليس بين قوى علمانية وأخرى إسلامية، أو بين تقدمية ورجعية بل بين ماض ومستقبل، لكل منهما عقليته . وتتجلى تلك العقلية في معركة الدستور، فالماضي يريد استنزاف المستقبل.
ويلفت حجازي إلى أن معركة الدستور ليست هي الوحيدة في الحرب القادمة بين الماضي والمستقبل، فالمعركة لن تنتهي برفض الشعب للدستور، بل المكسب الحقيقي أن يستطيع أصحاب الحق وهو الشعب كتابة دستوره، لأن من يكتب الدستور الآن ليسوا هم أصحاب الحق الأصيل لفعل ذلك، وهي لعنة ستظل تطارد كل جمعية تأسيسية لا تعتني بصوت الشعب.
تابع قائلاً: حرب الاستنزاف هذه الغرض منها "التركيع" وكسر الإرادة، لذلك فعلى القوى المدنية والنخبة الواعية ألا تستسلم إذا أرادت حقاً أن ينتصر المستقبل على الماضي.
ولفت المتحدث إلى أن أدوات الماضي للانتصار هي الخوف والفرقة حتى يحكم المستبد، وهدف هذا الماضي هو خلق قوى تلعن بعضها ويحارب كل منها الآخر، مثلما يحدث الان لنصبح في عصر اللادولة.
وحدد صاحب الكلمة عنصرين على القوى المدنية الفاعلة أن تتسلح بهما لجلب المستقبل والانتصار على الماضي هما، بناء الوعي لدى الجماهير، وتقديم بدائل لما يتم رفضه، فإذا تحدثنا معهم عن مواد معيبة بالدستور يجب شرح نواقصها لهم بدقة، والعنصر الثاني هو اقتراح بديل للمواد المعيبة، لافتاً إلى أن مخاطبة العواطف واستقطاب الجماهير لرفض الدستور دون الاستناد إلى أدلة منطقية سيكون رفضاً لا جذور له مثلما حدث في استفتاء 19 مارس 2011.
وأكد حجازي أن هذا الدستور مهما كانت درجة كماله فهو دستور مؤقت، لأن الدستور الذي يكتب في جو مغلف بالاحتقان والتناحر لا يمكن أن يكون وثيقة دائمة، بل هو وثيقة "إذعان"، يحكمه الضبابية وليس وثيقة "تعايش", لذلك فهو انعكاس للشقاق الذي يحدث الان في المجتمع، وبقدر غياب التراضي والتوافق عن المجتمع يكون الدستور.
عرضت الناشطة فاطمة عيد الحقوق السبعة التي يجب على المصريين معرفتها، وهي معرفة كل مادة في الدستور ومصدر اقتراحها "الشخص او الجهة التي اقترحتها، الحق الثاني هو إعلان التأسيسية عن خطة واضحة لكيفية توصيل المسودة لكل شارع وحي في كل محافظات مصر، إعلان التأسيسية عن نتائج التفاعل مع الشارع.
الحق الرابع يتلخص في تشكيل لجنة محايدة من خبراء وفقهاء القانون الدستوري لكي تعلن على الشعب مدى انضباط المحتوى والصياغة لكل مادة مع الأعراف الدستورية، أن يكون الأصل في التصويت على كل مادة على حده وليس على مجمل الدستور.
الحق السادس هو إن تعذر أن يكون التصويت على كل مواد الدستور كل على حده، فيكون التصويت على حده على المواد الاستثنائية كمواد بقاء الرئيس أو غيرها، وأخيراً الإعلان عن حيثيات اختيار أعضاء التأسيسية الحاليين من حيث الكفاءة أو التمثيل النوعي.
انتقادات لمسودة الدستور
انتقد دكتور مصطفى حجازي مسودة الدستور الصادرة في 22 أكتوبر الماضي، وتعرض لباب الدولة والمجتمع قائلاً أن المادة الثانية في الدستور بقيت كما هي وجاء نصها "الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع"، وهذا لتفادي الجدل حول هذه المادة، لكن الأخطر كما يقول حجازي هو وجود تفسير لهذه المادة في الدستور، وبالتحديد المادة رقم 219 والتي تنص على: "مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة في مذاهب أهل السنة والجماعة".
يواصل: هناك مواد يُدّعى تنقيتها من الألغام، لكن بقراءة مسودة الدستور كاملة يتبين أن الألغام وضعت في مكان آخر.
من المواد التي انتقدها المتحدث ووصفها بانها لغم، المادة رقم 11 في المسودة والتي تنص على: "تحمي الدولة الوحدة الثقافية والحضارية واللغوية للمجتمع المصري، وتعمل على تعريب التعليم والعلوم والمعارف"، يعلق حجازي قائلاً أن فكرة الترجمة ترتبط دائماً برؤية استراتيجية واضحة، حتى لا نفعل مثلما فعل القذافي بليبيا حيث عرّب الدولة باكملها، حتى جوازات السفر وكانت النتيجة أن الليبيين كانوا يمكثون ساعات طويلة في المطارات الدولية من اجل البحث عن مترجم لغة عربية لاستيفاء بيانات جواز السفر.
من جانبه أعطى فادي رمزي من مجموعة "مصري" للتنمية والتوعية بالحقوق والحريات مثالاً على التعليم قائلاً في البدء سألنا عينة كبيرة من المواطنين عمّا يريدونه من التعليم، وتلخصت إجاباتهم في وجود مدرس كفء، ومبان مدرسية متطورة وآمنة وصحية، عدد تلاميذ أقل في الفصول، مناهج متطورة، ارتباط التعليم بسوق العمل، مستوى تعليم موحد بدون تمييز بين الريف والمدينة، خطة ثابتة لا تتغير بتغيير الوزارات، الاستغناء تماماً عن الدروس الخصوصية. وأكد أن هذه المعاني لا تتضمنها المادة الدستورية المتعلقة بالتعليم .
وأضاف بأنه يجب النص على فترة تنفيذ مخططات جودة التعليم، ومستوى تعليم موحد لضمان عدم تمييز منطقة عن أخرى، رعاية المتفوقين يجب أن يكون التزام على الدولة بحيث تكفلهم وترعاهم بنص صريح.
وقارن المتحدث بين الدستور المصري ونظيره البرازيلي الذي أفرد للتعليم 10 مواد للتعليم، وليس مادة واحدة فقط كما في مسودة الدستور المصري.
من جانبه اعترض الناشط كريم سرحان على بعض مواد باب "السلطات العامة"، فرئيس الجمهورية بموجب المسودة هو الذي يعين رئيس الوزراء، لكن مجلس النواب يملك حق الاعتراض على التعيين، لكن المادة 145 كما يقول غرضها النهائي هو إذا مجلس النواب اعترض على رئيس الوزراء، يمكن لرئيس الجمهورية حل البرلمان دون استفتاء شعبي، ومن ثم الرئيس صاحب الكلمة النهائية، وهو أمر يشكك في سلطة مجلس النواب.
تعرض الناشط مصطفى حجازي إلى التعليق على الباب الرابع من المسودة المتعلق بالأجهزة الرقابية، وانتقد أن يعين رئيس الدولة رئيس الجهاز المركزي للحاسبات، الذي يغير كل أربع سنوات أيضاً ليصبح وجوده مرتبط برئيس الجمهورية، وهو امر يرسخ تبعيته للرئيس رغم أنه المفترض أن يراقبه.