«القومي للمرأة»: السيدات يتصدرن المشهد الانتخابي في اليوم الأول لانتخابات مجلس النواب 2025    نماذج ملهمة.. قصص نجاح تثري فعاليات الدائرة المستديرة للمشروع الوطني للقراءة    سفير الصين: مبادرة الحزام والطريق تتوافق بشكل وثيق مع رؤية مصر 2030    نتنياهو: غزة ستكون منطقة منزوعة السلاح.. وستسمعون قريبًا عن دول تدخل دائرة السلام    خارجية روسيا تنتقد «بي بي سي» بعد استقالة مديرها العام: زورت الحقائق في أوكرانيا وسوريا    أخبار السعودية اليوم.. مشروع "مسام" ينزع أكثر من ألف لغم من الأراضي اليمنية خلال أسبوع    انطلاق الانتخابات البرلمانية العراقية غدًا (تفاصيل)    «هدف ملغي ل الفراعنة».. منتخب مصر يتأخر أمام إنجلترا في الشوط الأول    مليون و800 ألف جنيه دعم الشباب والرياضة لمراكز الشباب والأندية بدمياط    بيفض خناقة.. إصابة شخص بعيار نارى خلال مشاجرة بين طرفين بشبرا الخيمة    انتخابات مجلس النواب 2025| رئيس لجنة بالبدرشين يخرج لمسنة للإدلاء بصوتها| صور    بعد وفاته في المنيا.. دفن إسماعيل الليثي بجوار نجله ضاضا في القاهرة    مهرجان القاهرة يعلن القائمة النهائية لأفلام مسابقة أسبوع النقاد في دورته ال46    نقابة المهن الموسيقية تنعى إسماعيل الليثي    شقيق الفنان محمد صبحي: حالته الصحية مطمئنة ويغادر المستشفى غداً    فيلم عائشة لا تستطيع الطيران يمثل مصر في المسابقة الرسمية لمهرجان مراكش السينمائي    وكيل أمين الأمم المتحدة: افتتاح المتحف الكبير يعيد الحماس للتعرف على تاريخ مصر    5 أبراج لا تنسى الأذية أبدا.. «هل أنت منهم؟»    العمل تسلم 36 عقد توظيف للشباب في مجال الزراعة بالأردن    رابط وموعد التسجيل في مبادرة "شتاء رقمي" لطلاب المدارس    أول رد من الأهلي على واقعة زيزو ونائب رئيس الزمالك    مندوب فلسطين بالجامعة العربية: مؤتمر إعادة إعمار غزة فرصة لإعادة تأهيل البنية التحتية بالقطاع    كرة سلة - الكشف عن مواعيد قبل نهائي دوري المرتبط رجال    استبعاد مدافع آخر من منتخب السعودية    الآثار: المتحف الكبير يستقبل 19 ألف زائر يوميًا    انطلاق اختبارات مسابقة الأزهر الشريف لحفظ القرآن بكفر الشيخ    هيئة الدواء: التطعيمات تساهم في منع نحو 3 ملايين وفاة سنويًا    وزير الصحة: شراكة مصرية لاتفية لتطوير الرعاية الصحية وتبادل الخبرات في الأورام والرعاية الحرجة    «حارس النيل» ينطلق من القاهرة قريبا.. أول قطار سياحي فاخر يجوب معالم مصر    استعدادات التموين لشهر رمضان 2026 لضمان توافر السلع بأسعار مناسبة    إطلاق سراح ساركوزى رئيس فرنسا الأسبق ووضعه تحت الرقابة القضائية في قضية التمويل الليبي    تشييع جثماني شقيقين إثر حادث تصادم بالقناطر الخيرية    ما حكم المشاركة في الانتخابات؟.. أمين الفتوى يجيب    اشتريت سيارة ووجدت بها عيبا فهل يجوز بيعها دون أن أُبين؟.. الأزهر للفتوى يجيب    انتخابات مجلس النواب 2025.. إقبال كثيف من الناخبين على اللجان الانتخابية بأبو سمبل    الأربعاء.. فن الكاريكاتير وورشة حكى للأوبرا فى مركز محمود مختار بمناسبة اليوم العالمى للطفولة    تاجيل محاكمه 17 متهم باستهداف معسكر امن مرغم بالاسكندريه    البنك المركزي: ارتفاع المعدل السنوي للتضخم الأساسي إلى 12.1% بنهاية أكتوبر 2025    الاتحاد الأفريقي يدعو لتحرك دولي عاجل بشأن تدهور الوضع الأمني في مالي    بث فيديو الاحتفال بالعيد القومي وذكرى المعركة الجوية بالمنصورة في جميع مدارس الدقهلية    كشف هوية الصياد الغريق في حادث مركب بورسعيد    بعد 3 ساعات.. أهالي الشلاتين أمام اللجان للإدلاء بأصواتهم    المفتي: الشائعة زلزال يهز الثقة وواجبنا بناء وعي راسخ يحصن المجتمع من الاضطراب    بالصور| سيدات البحيرة تشارك في اليوم الأول من انتخابات مجلس النواب 2025    البنك المركزي المصري يطرح عطاء أذون خزانة بقيمة 1.5 مليار دولار    وزير الصحة يلتقي وزيرة الشؤون المدنية في البوسنة والهرسك    عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وينفذون جولات استفزازية    وزير النقل التركي: نعمل على استعادة وتشغيل خطوط النقل الرورو بين مصر وتركيا    ماذا يحتاج منتخب مصر للناشئين للتأهل إلى الدور القادم من كأس العالم    حالة الطقس اليوم الاثنين 10-11-2025 وتوقعات درجات الحرارة في القاهرة والمحافظات    تأجيل محاكمة «المتهمان» بقتل تاجر ذهب برشيد لجلسة 16 ديسمبر    الرعاية الصحية: لدينا فرصة للاستفادة من 11 مليون وافد في توسيع التأمين الطبي الخاص    وزارة الصحة: تدريبات لتعزيز خدمات برنامج الشباك الواحد لمرضى الإدمان والفيروسات    وزير الزراعة: بدء الموسم الشتوى وإجراءات مشددة لوصول الأسمدة لمستحقيها    جامعة قناة السويس تحصد 3 برونزيات في رفع الأثقال بمسابقة التضامن الإسلامي بالرياض    تنوع الإقبال بين لجان الهرم والعمرانية والطالبية.. والسيدات يتصدرن المشهد الانتخابي    د.حماد عبدالله يكتب: " الأصدقاء " نعمة الله !!    شيكابالا عن خسارة السوبر: مشكلة الزمالك ليست الفلوس فقط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ظهور القذافي في العراق
نشر في محيط يوم 27 - 08 - 2011

جوابا على سؤال يتداوله الجميع، في الفترة الاخيرة، عن مكان وجود معمر القذافي، اقول انه موجود في العديد من الدول العربية وعلى رأسها العراق. بل يبدو، نتيجة آلية التغيير، وكأنه قادر على تجديد نفسه للظهور بعد غياب بأزياء مختلفة بعد اختفائه في ليبيا أو رحيله منها او حتى قتله. وافضل نموذج لذلك هو العراق، مع التأكيد على اختلاف انتقاضة الشعبين التونسي والمصري. فالقذافي هو رمز للعديد من الحكام والملوك العرب. بعضهم رحل مهانا والبعض الآخر بانتظار الرحيل على الرغم من تكالبه، بكل الوسائل، على التمسك بالسلطة واضطهاد الشعب بعد ترويعه وتجهيله. انه النموذج المعاصر للحاكم، الأوحد، المستبد، المنتفخ بذاتيته الى حد التهديد بالانفجار على نفسه والآخرين، الدافع لفرط لا آدميته وتطرفه لافعال وصلت حد الاستقواء بالاجنبي وفتح الابواب امام تدخله. ألاستقواء الذي ستثبت الايام المقبلة، انه أساس لبناء ظاهرة يدعى 'الديمقراطية' وجوهره الاستغلال الاقتصادي وعنصرية 'المحرر'.
حين اقول ان القذافي موجود في العراق، اعني، اننا نعيش، منذ غزو البلد واحتلاله، عام 2003، وتعاقب حكوماته الاربع الفاسدة، سيرورة صناعة 'قذافيون' جدد، يزدادون انتفاخا وذاتية يوما بعد يوم وبنسبة طردية مع ازدياد القابهم ومناصبهم، وتمركز السلطة بين ايديهم بفضل الميليشيات، وحصولهم على حماية الغرب الذي يتغدى على النفط ليبقى قويا مهيمنا.
ولتقريب الصورة، من المفيد التذكير بان القذافي، بداية، كان 'ملازما في الجيش الليبي'، ثم ازدادت القابه مع ازدياد حصر السلطة بين يديه، والتخلص من رفاقه وتصفيق المحيطين به وصمت المثقفين ان لم يكن التهليل والتكبير ل 'انجازاته'، ليساهم الجميع، بدرجة او اخرى، وان يتحمل المثقف المسؤولية الأكبر في صناعة الطاغية / المعتوه. فصارت القابه: 'رئيس الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى، قائد الثورة الخضراء، وملك ملوك افريقيا' بالاضافة الى، كما ذكر في قمة الدوحة العربية 30 اذار/مارس 2009، واصفا نفسه: 'أنا قائد أممي وعميد الحكام العرب وملك ملوك أفريقيا وامام المسلمين'، وان دأب على القول، بأنه ليس رئيساً ولا ملكاً ولا سلطاناً ولا إمبراطوراً بل قائدا للثورة. وكان لأمريكا (وبريطانيا) التي طالما ادعى محاربتها، في خطاباته الرنانة،، دور كبير في ابقائه 'قائدا' وتغذية احساسه بالعظمة. فكان قادة امريكا وبريطانيا وفرنسا، في حقب مختلفة، يقفون، امام خيمته، بانتظار ان يصافحهم (كما فعل مع وزيرة الخارجية الامريكية السابقة كوندليسا رايس في عام 2008 حين لم يصافحها)، او ان يتفضل بمعانقتهم (قبل توقيع الصفقات المالية او توزيع الهبات المليونية على حساب الشعب الليبي)، كما فعل مع طوني بلير، رئيس الوزراء البريطاني السابق ومجرم الحرب الذي لم يجد غضاضة في قتل مليون عراقي لتحصل حكومته وامريكا على نفط العراق.
فمن هو الأقرب الى القذافي، في مواصفاته، من بين ساسة الاحتلال في العراق؟ من هو الذي تتوفر فيه تقلبات السلوك المتناقض (غير المفهوم الا بحضور مفسرين مختصين) وادعاء قيادة الامة ومقاومة المحتل ومناهضة السياسة الامريكية والقاء الخطب الرنانة؟
هل بالامكان ترشيح جلال الطالباني (رئيس الجمهورية ورئيس الحزب الوطني الكردستاني) أو مسعود البارزاني (رئيس اقليم كردستان ورئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني)؟ لا اعتقد ذلك، لانهما لا يدعيان مقاومة المحتل بل انهما لا يكفان عن مدح وشكر امريكا وكل دول الغرب على 'تحرير' العراق وتأسيس فيدرالية كردستان المحمية من قبل المحتل، وان كان سجلهما في قمع الحريات والتصاقهما بكرسي السلطة، الذي تجاوز العقود، والرغبة بالتوريث العائلي واستشراء الفساد بانواعه يؤهلهما الى حد ما.
قد يرشح البعض نوري المالكي الذي تمكن (او الاصح تم تمكينه) خلال فترة زمنية قياسية بالمقارنة مع المستبدين العتاة في المنطقة، ان يصبح 'رئيس الوزراء، قائد القوات المسلحة، وزير الداخلية، وزير الامن الوطني، قائد القوات الخاصة، الرجل القوي ورجل دولة القانون'. فهو الذي راهن عليه الاحتلال لتطبيق خطة الجنرال دافيد بترايوس في تقسيم بغداد الى مناطق عزل طائفي وقتل المواطنين بكل الطرق المتاحة وتحويل العديد من الوزارات الى معتقلات ومراكز تعذيب الا انه لا يدعي مقاومة الاحتلال، مما يجعل المرشح الأكثر كفاءة لظهور القذافي المنتظر، مرتديا العمامة بدلا من القبعة العسكرية المزركشة، هو مقتدى الصدر، خاصة في مجال الرطانة الخطابية غير المفهومة، المسترسلة وكأن المتحدث يبتغي التأكد من فهم الشعب 'الجاهل' لرسالته الألهية. فمقتدى الصدر، لمن لا يعرف، هو: 'سماحة السيد القائد مقتدى الصدر' (دام عزه) وسماحة حجة الإسلام والمسلمين السيد القائد المفدى مقتدى الصدر (أعزه الله)'. وهو قائد التيار الصدري ورئيس حركة 'الممهدون'، والداعي الى التظاهرات والاستعراضات العسكرية 'المليونية'، وهو خطيب ورادود حسيني يستهل خطبه أولا بالدعاء ثم بقصيدة ولطمية، كما فعل عند عودته الى النجف بعد غيبة، حين خاطب اتباعه، قائلا: 'اقرأ عليكم ايها الاحبة قصيدة مع لطمية فاعينوني رجاء'. والقصيدة التي قرأها كانت من نظمه هو (وكأن وجود الروائي صدام حسين لم يكفنا). وهو صاحب موقع الكتروني اسمه الصدر اون لاين (الموقع معروض للبيع منذ يوم 21 آب الحالي) مكتظ بالبيانات والاستفتاءات التي تتراوح ما بين صلاحية السمك المستورد من الصين للاكل وتحريمه 'كرة القدم والشطرنج والموسيقى والغناء الذي يؤسّس للفسق والفجور' الى اشادته بقيام احد المتظاهرين المصريين بإنزال العلم الإسرائيلي من فوق مبنى السفارة الإسرائيلية في القاهرة ورفع العلم المصري مؤكدا ' سماحته دعمه للشعب المصري بالمال والروح من أجل النصر التام، لافتا إلى استمرار مقاومة المحتل الأمريكي في العراق حتى إنزال آخر علم له'. ولم نسمع بعد رد فعل الشعب المصري على دعم 'سماحته' لهم بالمال والروح، الا اننا، كعراقيين، نعرف تماما ما يعنيه هذا الدعم داخل العراق. فالتيار الصدري، بقيادة مقتدى، عضو اساسي في حكومة الاحتلال وهو الذي ساعد على تشكيلها، وهو الواقف ضد التظاهرات والاعتصامات الجماهيرية الا اذا كانت بناء على دعوة منه وتحت قيادته وسيطرة ميليشيا المهدي، التابعة له، المسؤولة عن قتل وتهجير الآلاف من المواطنين. وهو الذي قايض سلاح المقاومة بصفقة مالية ضخمة مع المحتل الامريكي ليعلن عن تفرغه للدراسة في قم بايران، بعد ان تذكر فجأة نصيحة والده له بان يواصل الدراسة، حسب تصريح له. وهو الذي ما ان يغضب من اتباعه حتى يغلق مكاتبهم، كما فعل اخيرا مع مكاتب 'الممهدون' في الرصافة ببغداد، وما ان يعلنوا التوبة حتى يغفر لهم ويعيدهم الى مواقعهم 'في احضان ابونا الصدر'، كما فعل مع الرادود احمد الساعدي، بشرط اثبات توبته بافعاله وقصائده. واذا ما نظرنا الى اعلانه قتال قوات الاحتلال، فان جعجعته اللفظية ومواقفه وحزبه، المتلونة صارت، في الواقع، مصدر قوة للمحتل ومبررا لبقائه اكثر منها خطرا حقيقيا يهدده. ففي تموز/ يوليو من العام الحالي طالب 'زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر، انصاره بتوقيع وثيقة تعهد تقضي بان تكون مقاومة الاحتلال عسكريا من قبل الجهات المختصة فقط'. ولم يخبرنا من هي الجهات المختصة! وكان الصدر قد جمد عمل ميليشيا المهدي عام 2008 ورفع عنه التجميد في نيسان/ابريل من العام الحالي مهددا بمقاتلة قوات الاحتلال اذا لم تنسحب ليعود ويقرر تجميده حتى لو لم تنسحب القوات الامريكية من البلاد كما هو مقرر في نهاية العام الحالي، وذلك بسبب 'ازدياد المفاسد بين صفوفه'. وآخر ما اتحفنا به السيد القائد (أعزه الله) قوله في بيان للهيئة السياسية لمكتب الشهيد الصدر: 'رأيت صورا تجمع السفير العراقي في السويد مع احد قادة الجيش الأمريكي المحتل وعليه وجب ان يطرد فورا من منصبه ويعتبر عميلا يجب مقاطعته فورا... على الهيئة السياسية لمكتب الشهيد الصدر تنفيذ ذلك بالتنسيق مع الإخوة في البرلمان في مدة اقصاها 48 ساعة'. واذا ما علمنا ان 'الأخوة في البرلمان' وبضمنهم اتباعه الصدريون، يجلسون ويأكلون ويشربون وينامون في المنطقة الخضراء بحماية أمريكية، وانهم يعملون بأمرة مستشارين امريكيين وان القوات الامريكية تدخل مبنى البرلمان بزيها العسكري وب'اجندة عسكرية' حسب تصريح نائب رئيس البرلمان في 15 حزيران، وان القوات الأمريكية الخاصة تعتقل من تشاء وتقتل من تشاء بحجة محاربة الارهاب وهي تتمتع ب'العصمة' من القانون، وان القواعد العسكرية تنتشر في العراق كالبثور في وجه مراهق، اذا ما استرجعنا هذه الحقائق كلها وهي تشكل نسبة ضئيلة من جرائم وانتهاكات الاحتلال للمواطنين وسيادة البلد، لوجدنا ان الصمت، خاصة من قبل المثقفين، على افعال وتصريحات واستفتاءات، كهذه، مهما كانت الأعذار، انما يساهم في تكريس الاستنساخ للنموذج القذافي المعاود للظهور مهما قامت الانتفاضات.

* كاتبة من العراق
جريدة القدس العربي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.