في الوقت الذي زاد فيه ضغط زعماء المعارضة وأنصارهم بلبنان لدفع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الى تقديم استقالته بعد اغتيال اللواء وسام الحسن رئيس شعبة المعلومات في قوى الامن الداخلي ببيروت واتهام سوريا بالحادث وبالتالي تحميل ميقاتي مسئوليته كونه مقربا جدا من الرئيس السوري بشار الاسد وحزب الله المشارك في حكومته، جاء قرار ميقاتي بعد عشرة أيام على اغتيال الحسن بتراجعه عن فكرة الاستقالة وقوله أن "استقالة حكومته غير وارد على الاطلاق"، مبرر تراجعه "بكون الاستقالة يجب ان تكون مدخلا الى حل وليس الى أزمة". هذا القرار وان رفضته القوى السياسية المعارضة في لبنان إلا أنه يجنب البلاد السقوط في فراغ حكومي مادامت الظروف الداخلية غير مهيأة لتشكيل حكومة وحدة وطنية.
لبنان كان وما يزال اداة في يد القوى الاقليمية والدولية لتمرير سياساتها ومسرحا لتصفية حساباتها على ارضه. وحادث الاشرفية سواء كان عملية انتقامية او عملية ارهابية فهو يهدف بالأساس الى زعزعة استقرار لبنان واثارة الفتن الداخلية والطائفية.
واذا كانت الازمة السورية تنعكس بشكل او بأخر على الاوضاع الداخلية في لبنان وعلى استقراره لارتباط الاطراف اللبنانية بأطراف الازمة السورية، فالاعتداء ربما يكون فعلا رسالة تحذيرية من دمشق مفادها أن النظام السوري يستطيع في أي وقت إشعال لبنان إذا شعر أن الخناق قد ضاق عليه، في اشارة قوية الى أنه اذا سقط النظام السوري فسوف يسقط معه لبنان.
لكن نفس التفجير سوف يحفز الدول الغربية خاصة امريكا وتركيا وسوف تتخذه ذريعة لاتخاذ المزيد من الاجراءات والتدابير للتدخل في الازمة السورية وفرض ضغوطات على النظام السوري، وبسببه سوف تفرض القوى الغربية ايضا العديد من الضغوطات على الحكومة اللبنانية لتغيير موقفها واتخاذ اجراءات ضد الجارة سوريا.
اما داخليا، فإن الاغلبية السنية التي تشكل ما يعرف ب "تحالف 14 مارس" المؤيدة من دول الغرب ومن السعودية سوف تستغل الاحداث للإصرار على استقالة حكومة ميقاتي، وسوف تضغط اكثر على حزب الله المؤيد من سوريا وايران والشيعة، والمشغول حاليا بالأزمة السورية، في محاولة لإضعاف موقفه اكثر من خلال تحميله ايضا مسؤولية الحادث. فأي ضعف لحزب الله هو فرصة للقوى السنية لتغيير ميزان السلطة لصالحها.
الوضع في لبنان مثير للقلق ومفتوح على كل الاحتمالات، فبين تداعيات ازمة سوريا على استقراره الداخلي، وبين التوترات الطائفية الآيلة للاشتعال في اي لحظة يبقى امن البلد على المحك. اما عودة مسلسل التفجيرات والاغتيالات والدفع بتوتير العلاقات الداخلية بين مختلف الاطياف السياسية فسوف تستغله بكل تأكيد، ان لم يكن لها يد فيه، قوى عديدة اقليمية ودولية تعمل جاهدة على خلط الاوراق في المنطقة ومن مصلحتها تفجير الوضع في لبنان وافتعال اقتتال داخلي بين مختلف مكوناته السياسية.
فعلى اللبنانيين اليوم ضبط النفس وعدم الانسياق وراء المخططات الخارجية ووضع الخلافات جانبا والتفكير في استقرار البلد اولا، فالمرحلة عصيبة وخروج لبنان آمنا من الازمة هو الرهان الحقيقي.