ليس عيباً أنْ نعود لدفاترنا القديمة لنقرأ من جديد صفحة «الوقود»، حيث كان القش والحطب غازنا، والكانون بوتاغازنا، بعد أن أضحت العودة إلى الوقود القديم أمراً حتمياً في ظل أزمة أنبوبة البوتاغاز المتكررة، والتي يبدو أنها ستكون دائمة..!!. زمان، كُنا نعيش في قُرانا الريفية الجميلة اكتفاءً ذاتياً من الوقود.. نجمع قش الأرز، وحطب القطن والذرة في بالات وحزم، ثم نرصها رصَّاً مُنتظماً على هيئة صفوف فوق أسطح منازلنا، أو على رؤوس حقولنا، ليكون ذلك هو وقودنا الذي نشعل به أفراننا ومواقدنا البسيطة التي صنعناها بأيدينا من الطين، وكنا والحمد لله راضين وقانعين وشاكرين.
إلا أن الحكومة أبتْ إلا أن تخرجنا من تخلف القش والحطب، إلى حضارة أسطوانة الغاز، بأن قالت وقولها مُطاع: القش والحطب مساكن جالبة للفئران المُخربة والثعابين السامة، وحَرقِه في الأفران البلدي مُلوث للبيئة ومُعكِّر لصفو النسيم العليل، ومَكمَن لاندلاع الحرائق الفتاكة، وعليه فلا قش ولا حطب ولا أفران طينية، وإليكم الحل السحري والبديل العصري: أسطوانة غاز، وفرن آلي!.
المُهم، تركنا ما تعودنا وما عشنا عليه سنين طويلة، ومشينا وراء الحكومة الميمونة، لثقتنا العمياء في بديلها المتحضر، حرقنا القش في الحقول بدلاً من حرقه في الفرن لأن الحكومة لم تكبسه ولم تشتريه كما قالت، فحدث التلوث في الحقول بدلاً من أن يحدث على أسطح المنازل أو في غرفة الفرن البلدي القديمة، فربما كان الدخان غير الدخان، ثم هدمنا المواقد والأفران.. ثم رحنا ننتظر أنبوبة البوتاجاز مع طرقات مفتاح البائعين الشجية على الأنبوبة السحرية!.
لم نكن ندرك - وقتها - من فرط فرحتنا أنه سيأتي يوم تكون فيه أنبوية البوتاغاز مصدراً لهمٍّ جديد يُضاف إلى قائمة همومنا الطويلة، حتى جاءت اللحظة التي بات العثور فيها على أنبوبة البوتاغاز بأي ثمن انجازاً كبيراً يتم تحت جنح الظلام وعن طريق واسطة، في ظل عجز حكومي عن حل الأزمة أو إيجاد تبرير لها يشفي الغليل.
أيتها الحكومة: لقد انتهى زمن الطابور الذي أراق كرامتنا أمام المنافذ، وانتقلنا إلى زمن التقاتل والتعارك على أنبوبة الغاز فسقط البعض جريحاً وسقط البعض قتيلاً .. فمن المسئول عن تلك المعارك وهؤلاء الضحايا وجلهم من الفقراء؟!
أيتها الحكومة: أنت من عودنا على الغاز، وأنت من رمانا للجشع والاحتكار، وأنت من حرمنا من أن ندير حياتنا بطريقتنا و فضلتِ أن نتعلق بثوبك كالأطفال.. الآن أجيبي على السؤال: «نروح فين يا حكومة؟!».