إذا كانت ثورة يوليو1952 المجيدة قد أمدتنا بالطاقة النظيفة ببناء السد العالي الذي أنار لنا مدننا وقرانا بالكهرباء التي دفعتنا إلي عصر النور والمدنية بعد أن كانت تغط في ظلام دامس أقول إذا كان ذلك من نتائج ثورة يوليو, فإن ثورة 25 يناير المباركة قد أعادتنا إلي (عصر الجلة) بكسر الجيم وتشديد وفتح اللام, ففي زيارتي الأخيرة لقريتي بمحافظة الدقهلية شاهدت شيئا لم أره منذ فترة التهجير في الستينيات من القرن الماضي فقد وجدت أن أقراص الجلة قد انتشرت بأزقة وشوارع القرية وفوق بعض أسطحها, و(الجلة) عبارة عن روث البهائم من بقر وجاموس, وكانت تجمع وتعجن بأيدي بعض القرويات وتفرد علي هيئة أقراص دائرية توضع فوق أسطح المنازل لتجف, وكانت تستخدم كوقود في فترة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي بجميع القري بجانب حطب القطن وقش الأرز قبل ظهور مايسمي بالبوتاجاز, ويعرف هذا الوقود بالوقود الحيوي وهو يعطي كمية كبيرة من الطاقة, وقد كانت تصنع له مواقد خاصة تعرف ب(الكانون) الذي هو عبارة عن قالبين من الطوب يوضع فوقهما إناء الطهي وأسفله يوقد ذلك الوقود الحفري الجلي, وكنا نتناول ألذ وأشهي الأطعمة من تلك التي يتم طهيها فوق الكانون, وقد اختفي هذا الوقود والأفران البلدي والكانون بعد ظهور البوتاجاز وأفرانه الغازية وأصبح أهالينا في القري يستخدمونها في طهي الطعام وصنع الخبز وقاموا بحرق الحطب والقش بالحقول لعدم احتياجهم إليهما, وبالاستفسار عن سبب ظهور أقراص الجلة من جديد عرفت أن أزمة أنابيب البوتاجاز هي السبب, فبعد أن قفز سعر استبدال الأنبوبة إلي ما فوق ثلاثين جنيها, وأصبح من الصعب الحصول عليها اضطر أهل الريف إلي العودة إلي سابق عهدهم لاستخدام الجلة والحطب وقش الأرز, ونتمني أن يستمر استخدامهم قش الأرز (بالذات).. بعد أن أصبح إحراقه بالحقول مشكلة كبري تؤرق الكثيرين بعد ظهور ما يسمي بالسحابة السوداء الملوثة للبيئة, وصدق من قال (رب ضارة نافعة).. و(رب ثورة مؤخرة)! د. حسام الدين أحمد سلطان بورسعيد