كان هذا هو هو عنوان المقال التحليلي الذي كتبه فؤاد عجمي زميل معهد هارفرد ومؤلف كتاب "القصف السوري" والذي نشرته جريدة الواشنطن بوست في عددها الصادر يوم14 سبتمبر 2012 ، لتحلل ظاهرة الاشتعال السريع الذي يحدث في العالم العربي تجاه مواقف العالم الغربي الخاصة بحرية الثقافة والتعبير . والمقال يجسد ما أسماه الكاتب بالعنف المناهض للولايات المتحدة في الشرق الأوسط ، مؤكدا أن الحداثة على رأس أسباب هذه العلاقة المتوترة بين العالمين الإسلامي العربي والغربي . ويرى الكاتب أن هناك إحساسا دائما من جانب العرب المسلمين بالذل ، وهو ما يطغى على تعاملهم مع الغرب، ويستدعي سردا تاريخيا لتأكيد ذلك يمر فيه على قيام الحضارة الإسلامية ثم تراجعها واضطهادها لكل من لا يتوافق معها معتبرة أنه يهين الدين الإسلامي . يقول الكاتب : خرج المسلمون من شبه الجزيرة العربية في القرن السابع الميلادي حاملين رسالة نشر حضارة الإسلام الى المغرب وإندونيسيا ، واجتاحت حضارتهم الحضارة البيزنطية والفارسية ، وعبروا مضيق جبل طارق واصلين الى ليبيريا ، صانعين حضارة رائعة وقفت في وجه التعصب الديني في الدول الغربية . ومن النماذج على هذا النهوض الحضاري ما وصلت إليه الاندلس من تقدم فقد أصبحت مجمعا للفلاسفة والشعراء والأدباء لمناقشة كبرى القضايا التي مازالت تثير الاهتمام وتناقش حتى الآن . ويضيف الكاتب : كما كان النهوض الإسلامي سريعا ومذهلا ، كان سقوطه وتراجعه أيضا سريعا وهو ما ذكره المؤرخ العظيم " برنارد لويس " في تقريره عام 2002 بعنوان " ما هو الخطأ ؟ نعمة الله " . ويرصد المقال تمزق الخلافة الإسلامية الحاكمة في بغداد ، وما أحدثه الغزو المغولي في القرن الثالث عشر وهو ما كان لعنة حلت بحضارة العرب حتى جاء الحكم العثماني التركي في القرن السادس عشر لينقل المسلمين من صانعي للتاريخ ليصبحوا مفعولا بهم لا حول لهم ولا قوة يتحكم فيهم غيرهم ، بحسب الكاتب. ثم يؤكد الكاتب أن الغرب دخل العالم العربي بفضل تقدمه العسكري والإداري والفكري والثقافي ، وقد عمل الغربيون على تقليص القوة العسكرية العربية ، متدخلين في الشأن العربي من حيث تعديل ومعالجة الوضع الإجتماعي للمرأة وقضية الفصل بين العنصرين . ويرى الكاتب أن العرب اليوم يلحقون العيوب التي لحقت بمجتمعاتهم بالغرب ، رغم أنهم يعرفون جيدا أن شبابهم اليوم هش وقليل الفخر بثقافاتهم العربية ، بالإضافة إلى مشكلاتهم الإقتصادية والإجتماعية ووضع المرأة وضياع خصوصية لغتهم العربية بين العامة وفي وسائل الإعلام . والغريب أن الكاتب يتهم العرب برفض الحداثة تلك التي يقدمها كاتب مسلم هندي اسمه "سلمان رشدي " صاحب كتاب " آيات شيطانية "، بل وينتقد الكاتب اعتبار الكتاب إهانة للإسلام حيث تم حرق نسخ منه في بريطانيا وتبع ذلك احتجاجات عديدة في باكستان ، بلغت ذروتها في إيران ، أدت إلى صدور فتوى " أية الله روح الله الخميني " بهدر دم سلمان رشدي عام 1989 . وهو ما حدث مع كل من أساء للإسلام وللنبي محمد – صلى الله عليه وسلم – وهو ما ضاعف من دفاع الغرب عن حرية التعبير من تسييس الإسلام ومعاداة المثقفين ، بحسب الكاتب، وهو ما حدث مع المخرج الهولندي المغربي " ثيو فان جوخ " الذى تعرض للقتل بعد فيلمه القصير عن إساءة معاملة المرأة في الثقافة الإسلامية عام 2004 . وبعد فترة وجيزة جاء عناء الدانمارك عندما نشرت صحيفة ثقافية دانماركية رسوم للتنبيه على القيود المفروضة على حرية الثقافة في أوروبا ، وفق كاتب المقال ، الأمر الذي وجده نشطاء مسلمين إهانة لدينهم لتأتي بعد ذلك المقاطعات السياسية للدانمارك من خلال طرد سفارائهم كما حدث في سوريا ، بالإضافة الى المقاطعة الإقتصادية بغرض تهميش وفرض العزلة على الدانمارك عقابا لها على أهانتها لنبي المسلمين . وقد كانت العاصفة الأخيرة التي أحدثها عرض الفيلم المسيء الأسبوع الماضي على موقع اليوتيوب ما هو إلا قطعة من تاريخ طويل ، وخاصة بعد أن أعلن سام باسيل مخرج الفيلم أنه مشروع أمريكي إسرائيلي دعمه ماديا مائة من رجال الأعمال اليهود ، وجاء التصريح رغم صعوبة تعقب القائمين عليه حتى الآن . وقد أصبحت السفارات الأمريكية مغناطيسيا جاذبا بعد هذا التصريح للساخطين من المسلمين في العالم العربي ، كما أدى إلى سقوط أربعة دبلوماسيين في بنغازي بما في ذلك السفير كريستوفر ستيفنز وهي جريمة مع سبق الإصرار والترصد وليس لها صلة بالاحتجاجات الخاصة بالفيلم . ويضيف كاتب المقال : يعتقد الرئيس السابق جورج بوش أن اقتراب الولاياتالمتحدة من الديكتاتوريات العربية هو ما اكسبها العداء من العالم العربي ، وأن حملته العسكرية في العراق هي محاولة إصلاح العلاقات بين أمريكا والعالم الإسلامي وهو ما تم رفضه لأنه تدخلا لفرض أجندة حرية هي في الأساس غطاء لحرب من أجل الهيمنة . بينما يرى الكاتب أن نهج الرئيس باراك أوباما نهجا مختلفا في سياسته مع العالم العربي من خلال التوفيق بين الحكام وتقديم الوعود للناس العادية معتمدا على سيرته الذاتية التي قضاها في اندونيسيا وتعاطفه مع الشعوب الإسلامية ، فجاء الربيع العربي ليكشف عيوب نهجه ودفاعه عن النظام القديم في ظل محاولات الشباب العربي اسقاطه . ثم يختتم الكاتب بقوله : في النهاية مازالت الحرية الثقافية تكافح من اجل البقاء وعدم فرض النظام والتسييس الإسلامي قيودا عليها ، وهو الصراع الأشد قسوة والذي ستتجاوز مظاهره حرق السفارات والأعلام .