السيد/ رئيس الوزراء.. أعزَّك الله وشرح صدرك، وبعد.. أكتب هذه المقالة عقب انقطاع للكهرباء دام لست ساعات، رغم أنني أقطن قرية مصرية، أهلها بسطاء، وبالقطع فهم ليسوا من أرباب المُكيفات، ولا من أصحاب «الكازينوهات» الفارهة ولا الفنادق الفاخرة ولا خيام السهرات الرمضانية المُبهرة.. هؤلاء يخافون من استهلاك الكهرباء، لأنهم يخافون من فاتورة نهاية الشهر، لأنهم من أصحاب الدخول الضعيفة إلا قليلاً، أي أنهم يلتزمون بالترشيد رغماً عنهم، كما أنهم يلبسون الملابس القطنية.. ورغم ذلك يحاصرهم الظلام ويَسْلُقهم الحر.. فلماذا؟!.
كما أرفضُ سيدي أن تُهانَ وأنت من رموز مصر، أرفض أن يتم التعامل مع أبرز أزمة تواجه حكومتك بمثل هذا التسطيح الذي يَستخفُّ بعقولنا، ويمهد السبيل أمام قُطَّاع الكهرباء ليمارسوا جلد الناس في الصباح والمساء بسوط الظلام الحالك، استناداً إلى حجج قفزت - بلا مقدمات - إلى واقعنا الكهربائي المتردي!.
إنَّ الظلام الذي حلَّ على بيوتنا وشوارعنا لم نشهد له مثيلاً من عقود، بل لم تكن هنالك مقدمات له حتى وقت قريب.. فكيف يأتي بمثل هذا الكثافة بين عشية أو ضحاها؟ إلا إذا حوى الجراب أسباباً أخرى، غير التي أُعلنت على الرأي العام، والتي تُحمِّل المُستهلك دون سواه المسؤولية الكاملة عن الأزمة، في مشهد استدعى إلى عقولنا نفس الأسلوب القديم في مواجهة المشكلات، حيث يُبرأ أولو الأمر ومتخذو القرار، ويقع الجُرم على «الغلابة» من أبناء هذا الوطن ليكونوا ضحايا ومجرمين في ذات الوقت!.
إنَّ النصائح التي تُليتْ على مسامع الجماهير بتحري ارتداء الملابس القطنية وترشيد الاستهلاك ليست إلا هروب من المشكلة واعتراف ضمني بالفشل في حلها، بعد وعود وردية صدرت عن وزير الكهرباء الجديد بالتغلب عليها في غضون 48 ساعة، لنجد دائرة الظلام وحلقة الحر تتسع في بيوتنا عقب كل تصريح يصدر، الأمر الذي ربما دفع بكم هذه المرة إلى تغيير لغة التصريح لعلكم تحركون الرحمة في قلوب المتسببين فيمتنعوا عن اللعب في الكابلات والمحولات والمحطات!.
سيدي.. نقبل أن نعيش في الظلام، ولكن نرفض الضحك علينا، بتمرير التقصير أو العجز عن مواجهة الأزمة أو إخفاء الأسباب الحقيقية لحدوثها، فليس السامع أقل وطنية من المتحدث.. جربوا أن تشركونا في المسؤولية بعرض الحقائق بصدق وشفافية، وسوف نشعر بالصدق إذا جاء في بياناتكم.. لكن ليس من المقبول أن تتمخض الاجتماعات المتتالية عن تلكم الحلول التي لا تسمن ولا تغني من جوع!.
همسة: إن أزمة انقطاع الكهرباء هي السؤال الصعب الذي لو أجابت عنه الحكومة في الزمن المحدد ستحصل على الدرجة النهاية من الشعب، والعكس صحيح!.