منذ توقيعه ورقة التفاهم مع "حزب الله" في العام 2006، لا ينبري رئيس تكتّل "التغيير والإصلاح" النائب ميشال عون عن تقديم أوراق اعتماده إلى الحزب، عبر مهاجمة في مناسبة وبدون مناسبة الرموز السنيّة والسياسة "الحريرية"، بدءا من عهد الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي كان اغتياله السبب في عودته من إقامته "الباريسية"، ووصولا إلى عهد الرئيس سعد الحريري، ومرورا بعهد الرئيس فؤاد السنيورة، من دون أن يوفّر شتّى العبارات التخوينية، خدمة للمشروع الذي انضوى في لوائه، والذي وفق عضو كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمّد رعد، "كان الجنرال يدرك إلى أين يؤدي هذا المسار عندما وقّع معنا ورقة التفاهم". واليوم، يستكمل عون حربه التي لا تنم سوى عن حقد دفين تجاه الطائفة السنية التي تمثّل ركنّا بارزا وأساسيا في المعادلة الوطنية، عبر التحرّكات التي بدأها منذ أيام، عبر قطع طريق صربا أمام ثكنة الجيش اللبناني بالاتجاهين، ومن ثمّ استتبعها مساء أمس بتنظيم تظاهرة من المتحف باتجاه المحكمة العسكرية، دفاعا عن كرامة الجيش اللبناني، بعد إعادة اعتقال الضباط الثلاثة المتهمين بمقتل الشيخين أحمد عبد الواحد وحسين مرعب في الكويخات قبل حوالي الشهرين، والمطالبة بإعادة إطلاقهم وإلا اللجوء إلى التصعيد.
هذا التحرّك "العوني" المدعوم لوجستيا من قبل حليفه "حزب الله"، يطرح أكثر من علامة استفهام، خصوصا وأنّ هذه الغيرة المستجدّة للنائب عون على كرامة وهيبة الجيش اللبناني تأخذ أبعادا مذهبية غرائزية، علّ من خلالها يستطيع صاحب الكتاب البرتقالي استعادة بعضا من الشعبية التي خسرها من جرّاء تبعيّته العمياء ل"حزب الله" منذ توقيعه ورقة التفاهم، والتي ظهرت جليّا في انتخابات الكورة الفرعية التي بيّنت تقدّما واضحا ل"القوات اللبنانية" عند الناخبين الموارنة والأرثوذكس.
قوى الرابع عشر من آذار التي تنظر بعين الشبهة إلى التحرّك العوني، تسأل عبر "اللواء" أين كانت كل هذه الحميّة لدى العماد عون ونواب ووزراء تكتّل "التغيير والإصلاح" عندما أطلق حليفه "حزب الله" النيران على مروحيّة الجيش اللبناني في سجد وقتل بدم بارد النقيب الطيّار الشهيد سامر حنّا؟ ولماذا لم نر هذا التحرّك الشعبي بوجه الحزب الملحق به من أجل الدفاع عن كرامة الجيش اللبناني، لا بل على العكس سمعنا وقتها كلاما للعماد عون أقل ما يقال عنه أنه معيب، عندما سأل مباشرة بعد حادثة الاستشهاد: "ماذا كان يفعل النقيب سامر حنّا بطائرته في سجد"؟ أضف إلى ذلك أين كان العماد عون عندما هدد أمين عام "حزب الله" السيّد حسن نصرالله بالويل والثبور وعظائم الأمر إذا لم تتم معاقبة ضبّاط الجيش اللبناني الذين كانوا يدافعون عن أنفسهم خلال أحداث مار مخايل قبل خمسة أعوام.
وعلى العموم فإنّ الرابع عشر من آذار، لا تستغرب هذه المتاجرة من قبل عون بالجيش اللبناني، وتقول إنّ من ورّط الجيش اللبناني في حرب التحرير وفرّ من المعركة تاركا مئات الجنود تحت رحمة القصف المدفعي السوري العنيف على وزارة الدفاع، ومن تاجر بدماء الشهداء، ليس غريبا عليه أن يتاجر اليوم بالجيش اللبناني لغاية في نفسه ونفس حليفه، الذي يرفض أن يسلّم سلاحه إلى الجيش اللبناني ليكون قرار الحرب والسلم فقط بإمرة الدولة اللبنانية دون سواها.
الخطر بالنسبة للقوى الاستقلالية لا يكمن في التحرّك العوني المشبوه، بل إنّ الخطر في التحرّك الذي يقوم به "التيار الوطني الحر" تحت حجّة الدفاع عن الجيش اللبناني، يكمن في خلق حالة فرز جديدة داخل المجتمع اللبناني، ومحاولة الإيحاء بوجود انقسام بين اللبنانيين حول تأييدهم للجيش اللبناني، الأمر الذي من شأنه دق إسفين خطير في نعش الكيان اللبناني على اختلاف مشاربه ومذاهبه.
ولذلك وفق الرابع عشر من آذار فإنّ الاستمرار في هذا التحريض من قبل "التيار الوطني الحر" وحليفه "حزب الله" سيكون له تداعيات كارثية على المؤسسة العسكرية التي كانت ولا زالت وستبقى لجميع اللبنانيين، مبدية تخوّفها من وجود محاولات لجعل الجيش اللبناني جيشين، معتبرة أنّ دعم الجيش اللبناني لا يكون بإقفال الطرقات بل في جعله المسؤول الوحيد والأوحد عن حماية لبنان، وأن لا تكون هناك قوى شرعية مسلّحة غيره على كامل الأراضي اللبنانية.