قال الله تعالي: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا» (135) سورة النساء بارعٌ من كتب سيناريو الأحداث من يوم التنحي الموافق الجمعة 11/2/2011، وحتى حكم المحكمة الدستورية الخميس الموافق 14/6/2012.. فلا يقبل عقلي بأن الأمور قد تدافعت إلى تلك النهاية تلقائيا..!
بغض النظر عن اتفاقي أو اختلافي، فإن الموضوعية تقتضي مني شجاعة الاعتراف بأن ثمة سيناريو لا يوصف بأقل من العبقرية، قد استقطب بدهاء كبير كل الأفكار والأفراد والأحزاب والتيارات لتشارك فيه كتابة وإنتاجاً وتمثيلاً وإخراجاً، ليطل - من نوافذنا الإعلامية المتعددة والمتنوعة - مسلسل مبهر، سرق أبصار المشاهدين وألبابهم على مدار سنة وأربعة أشهر وثلاثة أيام، بداية من يوم التنحي وحتى يوم حل البرلمان.
ولأن السياسة لا تعترف بحسن النوايا، فلا يجوز لكائن من كان أن يدفع بسلامة النية ليُبرِّأ ساحته مما وقع وكان، بعد أن رأته الجماهير في ربوع مصر وهو يؤدي دوراً ما على مسرح الأحداث ليسهم بشكل أو بآخر في وضع ذاك المسلسل موضع المشاهدة، إذ ما كان بمقدور مؤسسة أو حزب أو كتلة أن تخرجه منفردة إلى السمع والبصر بهذه الحبكة وتلك الخلطة المتقنة، مع الجزم باختلاف الأنصبة وتباين النسب!.
يجب أن نُقر إقرار المنصف للحقيقة وحدها أن كثيرين من المحسوبين على الثورة بحثوا عن الأضواء والشهرة والمنصب في هذا السيناريو، أكثر مما بحثوا عن أعمدة رئيسة تتكئ عليها الثورة الوليدة لتحقق أهدافها المعلنة، ولي في هذا المقام عدة أسئلة على وقائع ثابتة لا ينكرها أحد:-
(1) من المسئول عن كتابة الإعلان الدستوري بمواده ونصوصه بما فيها المادة(28)، التي صوت عليها الشعب؟. (2) من المسئول عن حث الناس على التصويت بنعم على الإعلان الدستوري تذرعاً بالاستقرار الذي لم يتحقق في أي لحظة؟. (3) من المسئول عن تعديل بعض مواد قانون مجلس الشعب الذي أخلَّ بنسبة الثلث الخاصة بالمستقلين، رغم تعارض التعديل مع مبدأ دستوري لا يخفى على أحد، بما أدى إلى حل برلمان الثورة؟. (4) من الذي تخلى عن شرعية الميدان، وقال انتقلت الشرعية للبرلمان، فلما عاد لم يجد أحداً في انتظاره؟. (5) من المسئول عن تفتيت قوى الثورة إلى تلك الشظايا المتناثرة بعدم استيعاب شبابها ووضعهم في المشهد؟. (6) من المسئول عن تعطيل تشكيل اللجنة التأسيسية لكتابة الدستور وضياع كل هذا الوقت؟. (7) من المسئول عن تفتيت القوة التصويتية للثورة بين خمسة مرشحين في الجولة الاولى ؟. (8) من الذي تخلي عن الثورة في جولة الإعادة من مرشحي الرئاسة تحت مبررات واهية؟. الإجابة على تلك الأسئلة يعرفها كل مواطن في هذا البلد!!.
إنني ومن فوق هذا المنبر الذي لا يتوانى البتة عن إنصاف الحقيقة، أتوجه بجلِّ لومي إلى الإخوان المسلمين بصفتهم الفصيل الأكبر الذي راهن عليه الناس.. أقول، لقد أضعتم بأنانيتكم ورغبتكم في تصدر المشهد فرصاً تاريخية لن تتكرر في القريب أو في البعيد، ولابد لكم أن تقبلوا بهذا اللوم بعد أن أهملتم كثيراً من النصائح الغالية لكتاب ومفكرين ومثقفين، ذلك لو أردتم أن تصححوا المسار فيما تبقى من فرص وهي ضئيلة ومحدودة للغاية.
أيها الإخوان، أحملكم جزءاً كبيراً من الوضع الذي آلت إليه الثورة، بعد قرار المحكمة الدستورية بحل البرلمان وعدم دستورية قانون العزل، ولا يقبل عقلي أن يقول بعضكم، ما كان أمامنا إلا ذلك، أو أننا وقعنا في فخ تخطيط محكم، لأنكم بكوادركم وتنظيمكم ودرايتكم السياسية تستعصون على كل ذلك.. قولوا إنكم وائمتم، أو انحزتم، أو جاملتم، أو سكتم، أو تغاضيتم.. الخ، وكنتم تحسبون أن ذلك سيمرر عليكم الفترة الانتقالية وأنتم فائزون بنصيب الأسد، ولكن جاءت الريح بما لم تشتهي السفن.
وجب عليكم أيها الإخوان أن تخرجوا إلى الناس، اليوم قبل الغد، لتعتذروا إليهم بخطاب رسمي عما وقعتم فيه من أخطاء بأدائكم لهذا الدور الباهت المترنح الذي لم يقنع أحداً، وأظنكم تعلمون هذه الأخطاء جيداً.
الآن أبارك لمصر على رئيسها الجديد الذي جاء بإرادة شعبها، وأقول قد حان وقت الاصطفاف ونبذ الفرقة والخلاف خلف رئيس الدولة الدكتور محمد مرسي بلا عصبية ولا شرذمة.
بقيت كلمة إلى الإخوان.. أنتم مسئولون أمام الله وأمام الشعب مجدداً عن لملمة شتات الوطن، ووضعه تحت راية واحدة دون إقصاء ولا تمييز ولا إملاء، بخطاب يطمئن القلوب، ويريح النفوس، ويشحذ الهمم، ويوقد جذوة الأمل في غدٍ أفضل، فلا تهزموا ثقة الناس فيكم بكثرة الكلام وانعدام النتائج، واعلموا أنكم أمام شعب نفض غبار النوم من عينيه، وتراب السلبية عن كاهليه.. الشعب يريد أن يرى ليصدق!!.