هل تتذكرون يا سادة «الصفر» المونديالي «المزهزه»، الذي أخذته الرياضة المصرية - باقتدار - على صدر ملفها الذي قدمته للفيفا لتنظيم بطولة كاس العام لكرة القدم 2010، علماً بأن (43) مليون جنيه تم إنفاقها من خزينة الدولة على هذا الملف الميمون؟!.. أراكم الآن تتذكرون.. أجدني اليوم - وللأسف - أمام «صفر» أكثر بريقاً ولمعاناً، لأنه أكبر مساحة وأكثر تكلفة.. صفر ذُهِبَ بنا إليه بتؤدة وبخطوات مرسومة، بدأت من يوم «نعم»، وانتهت اليوم بعد حكم المحكمة القاضي بعدم دستورية بعض مواد قانون مجلس الشعب فيما يخص ثلث المقاعد الخاصة بالمستقلين، ومن ثم حل ثلث البرلمان الذي سيترتب حل البرلمان بالكامل، حسب ما صرح به نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا وتناقلته وسائل الإعلام.. و«كأنك يا أبو زيد ما غزيت ولا رحت ولا جيت»!
الصفر هذه المرَّة.. لا يتعلق برياضة، ولكن يتعلق بوطن، عاد - بفعل فاعل - إلى خط البداية بعد أن كانت آلية الانطلاق خاطئة، إذ لم يكن الجميع على خط واحد وقت بداية السباق البرلماني، أي أن المبدأ الدستوري الخاص بالمساواة وتكافؤ الفرص قد اختل حين وضعت الأحزاب متسابقيها في مضمار المستقلين المساوي لثلث مقاعد البرلمان.. إذن «نهد ونبدأ من الأول».. يعني نبدأ من المربع «صفر»!!.
بالقطع، لا يخفى على المشاهد العزيز أن قرار إعادة السباق جاء بعد عام ونصف من «العَدْوِ المُستمر» من قبل أحزاب وتيارات، استهلكت جل طاقتها لتحقيق مركز يقع تحت الشمس، فإذا بهم يعودون - رغماً عنهم - للبداية من جديد وهم منهكون بدنياً، ناهيك عن الإنهاك النفسي الرهيب الذي طالهم تحت وطأة الإحباط و خيبة الأمل، في الوقت الذي حافظت فيه قوي وتجمعات أخرى على طاقتها تحسباً لتلك اللحظة، بأن غابت عن المشهد قصداً أو خوفاً، أو اتخذت دور الراصد، أو انسلت منه في أوقات معينة لإحداث فراغ مقصود!.
لا تعليق على أحكام القضاء فهي محكومة بنصوص دستورية وقانونية وتصدر من دائرة منعزلة عن الأحداث الجارية، فللقضاء وأحكامه كامل الاحترام والتوقير، ولكن يقفز إلى المُخيلة سؤال مشروع (له مبررات مقبولة): هل هناك من خطط لهذا السيناريو «الصِّفرَاوي» المدهش، ليطيح بأرباب اللياقة السياسية «المُستنزفة» من مضمار السباق السياسي؟!.
أزعم أن طُعْمَاً قانونياً وسياسياً - ساهمت في تشكيله عدة قوى - قد وضع بمكر في طريق القوي الثورية ذات الطابع الإسلامي، وعلى رأسها الإخوان، فانساقت إليه مُفضلة تحقيق المكاسب عن التوقف وتأمل الموقف من كل جوانبه، مُتخيلة قدرتها على التخلص من ذاك الطعم في الوقت المناسب، ولكن مع العَدْو السريع المُستمر في مضمار مصنوع بدهاء سياسي شديد، خارت طاقة العدائيين وبانت لهم عيوب أمام الناس أثرت على مستوى قبولهم وشعبيتهم.. تقولون ما الطُّعْم؟، الطُّعم هو: «إيهام الغير بأنه قادر على كل شيء.. حتى يستنزف كل شيء»!.
تيار الإسلام السياسي حين قرر النزول بكامل طاقته إلى يمِّ السياسة العميق الهائج عقب الثورة، لم يكن يجهل كل فصول هذه اللعبة، ولكنه أخطأ في إدارة مفرداتها، فتحقق ما تمناه الطرف الآخر في معادلة النزال السياسي، فتلقفت وسائل الإعلام تلك العثرات وضختهما عبر حملة دعائية محبوكة، وبالفعل استطاعت شق شعبية التيار الإسلامي والحدِّ من قوة تأثيره في الشارع، وهي الورقة التي كان يراهن عليها للتخلص من كافة الضغوط في أوقات محددة.
بكلمات موجزة.. لا أبريء أحداً مما جرى ووقع، فالكل ساهم - وإن اختلفت النسب - في إخراج «السيناريو الصِّفرَاوي»على هذا النحو.. أي بالعودة مجدداً إلى نقطة الصفر، ولكنها عودة على قواعد وأسس جديدة للعبة السياسية، ولذلك أتوقع أن تتمخض الأيام القادمة عن قوتين كبيرتين.. الأولى: ستتخلق باتحاد الليبراليين واليساريين وغيرهم من دعاة الدولة المدنية في كتلة واحدة بزعامة الدكتور محمد البرادعي، الذي جاءت اللحظة المناسبة ليبزغ نجمه مجدداً على الساحة السياسية، والثانية: ستتكون من بقايا النظام السابق، بعدما أتيح لها وقت طويل ومريح لتلملم شتاتها المتناثر وقوتها المبعثرة لتخرج عما قريب في ثوب جديد وباسم جديد وبقوة جديدة.. لتجد الكتلة الإسلامية نفسها أمام منافسة شرسة من قوتين لا يُستهان بهما، وبذلك لن ينفرد التيار الإسلامي بالساحة السياسية، وهو هدف خططت له جهات عديدة منذ البداية، حتى لو تم إهدار ملايين الجنيهات في سبيل تحقيقه.. الأيام القادمة ستثبت صحة هذا التصور!!.
ويبقي السؤال.. هل تعرضت الثورة طوال الفترة الماضية لمؤامرة إجهاد وإرهاق، تمهيدًا لتصفيتها، أم لا؟!.. الإجابة القاطعة تحملها الأيام القادمة!.